أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 2 - صـ 1031

(159)
جلسة 14 من يونيه سنة 1951
القضية رقم 145 سنة 19 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد حلمي باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات أصحاب العزة: عبد الحميد وشاحي بك وسليمان ثابت بك ومحمد نجيب أحمد بك ومصطفى فاضل بك المستشارين.
1 - وضع يد. دعوى بطلب منع تعرض في مطل. حكم برفضها. إقامته على أن ترك المطل كان من قبيل التسامح من جانب البائع للمدعى عليه إذ لم يكن فيه أي اعتداء على ملكه. في هذا وحده ما يكفي لحمل الحكم لأنه بذلك يكون قد نفى نية التملك عن وضع يد المدعي. استطراده بعد ذلك إلى القول بأن التسامح لا ينشئ حقاً ولا يكتسب صفة الارتفاق. تزيد لا يضره. النعي عليه الخطأ في تطبيق القانون استناداً إلى أنه إذ تصدى للبحث في التسامح على النحو المشار إليه يكون قد خلط بين دعوى الملكية ودعوى وضع اليد. غير منتج. (المادة 103 من قانون المرافعات القديم).
2 - نقض الأحكام الصادرة قبل تاريخ العمل بقانون المرافعات الجديد من المحاكم الابتدائية بهيئة استئنافية في استئناف الأحكام الصادرة من المحاكم الجزئية في دعاوى وضع اليد. الطعن فيها بطريق النقض وفقاً للمادة 10 من قانون إنشاء محكمة النقض. غير جائز إلا لمخالفة القانون أو لخطأ في تطبيقه أو تأويله. صدور الحكم المطعون فيه قبل تاريخ العمل بقانون المرافعات الجديد. الطعن فيه بطريق النقض استناد إلى أنه أخل بحق الطاعن في الدفاع إذ أغفل الرد على طلبه انتقال المحكمة للمعاينة أو أنه خالف مؤدى الحكم التمهيدي السابق صدوره من نفس المحكمة بإحالة الدعوى على التحقيق. لا يقبل.
(المادة 10 من قانون إنشاء محكمة النقض).
3 - نقض. التمسك بالمادة 11 من قانون إنشاء محكمة النقض. غير جائز متى كان الحكم السابق صدوره في نفس الدعوى هو حكم تمهيدي لم يفصل فصلاً قاطعاً في أي وجه من أوجه النزاع فيها. (المادة 11 من قانون إنشاء محكمة النقض).
1 - متى كان الواقع في الدعوى هو أن مورث الطاعنة أقام منزلاً به مطلات تطل على قطعة أرض فضاء مملوكة لآخر أقام عليها "جراجاً" مصنوعاً من الخشب والصاج ثم باعها أخيراً إلى المطعون عليه الذي أقام حائطاً لسد هذه المطلات فأقامت عليه الطاعنة دعوى تطلب منع تعرضه، وكان الحكم المطعون فيه وهو بسبيل تحقيق توافر شرائط وضع اليد قد استخلص من الأدلة التي ساقها أن ترك مطلات منزل الطاعنة على العقار المبيع للمطعون عليه كان من قبيل التسامح من جانب البائع لهذا الأخير إذ لم يكن فيه أي اعتداء على ملكه وبذلك نفى نية التملك عن وضع يد الطاعنة وهو ركن أساسي من أركان دعوى منع التعرض فإن في هذا وحده ما يكفي لإقامة الحكم برفض دعوى منع التعرض أما ما استطرد إليه بعد ذلك على القول بأن التسامح لا ينشئ حقاً ولا يكتسب صفة الارتفاق فهو تزيد لا يضره، ومن ثم فإن النعي عليه الخطأ في تطبيق القانون استناداً إلى أنه إذ تصدى للبحث في التسامح على النحو المشار إليه يكون قد خلط بين دعوى الملكية ودعوى وضع اليد. هذا النعي يكون غير منتج.
2 - المادة 10 من قانون إنشاء محكمة النقض لا تجيز الطعن في الأحكام الصادرة من المحاكم الابتدائية بهيئة استئنافية في استئناف الأحكام الصادرة من المحاكم الجزئية في دعاوى وضع اليد إلا لمخالفة القانون أو لخطأ في تطبيقه أو تأويله، وإذن فمتى كان الحكم المطعون فيه قد صدر قبل تاريخ العمل بقانون المرافعات الجديد فإن المادة سالفة الذكر هي التي تسري عليه ومن ثم لا يقبل الطعن فيه استناداً إلى أنه أخل بحق الطاعنة في الدفاع إذ لم يرد على طلبها انتقال المحكمة للمعاينة وأنه خالف مؤدى الحكم التمهيدي السابق صدوره من نفس المحكمة بإحالة الدعوى على التحقيق.
3 - متى كان الحكم السابق صدوره في نفس الدعوى هو حكم تمهيدي لم يفصل فصلاً قاطعاً في أي وجه من أوجه النزاع فيها فإنه لا يجوز التمسك في هذه الحالة بنص المادة 11 من قانون إنشاء محكمة النقض.


الوقائع

في يوم 20 من أغسطس سنة 1949 طعن بطريق النقض في حكم محكمة مصر الابتدائية منعقدة بهيئة استئنافية الصادر في 4 من مايو سنة 1949 في القضية المدنية رقم 1478 سنة 1947 س مصر وذلك بتقرير طلبت فيه الطاعنة الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والقضاء في موضوع الدعوى بإلغاء الحكم الصادر من المحكمة الجزئية في 13 من مايو سنة 1947 في القضية المدنية رقم 2966 سنة 1946 الوايلي والحكم للطاعنة بطلباتها الواردة في صحيفة دعواها أمام المحكمة الجزئية أو إحالة القضية على محكمة مصر الابتدائية للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليه بالمصروفات عن جميع درجات التقاضي ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 24 من أغسطس سنة 1949 أعلن المطعون عليه بتقرير الطعن. وفي 7 من سبتمبر سنة 1949 أودعت الطاعنة أصل ورقة إعلان المطعون عليه بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداتها. ولم يقدم المطعون عليه دفاعاً. وفي 28 من فبراير سنة 1951 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعنة بالمصروفات ومصادرة الكفالة. وفي 31 من مايو سنة 1951 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة... إلخ.


المحكمة

... حيث إن الطاعنة بصفتها أقامت الدعوى أمام محكمة الوايلي على المطعون عليه مدعية بأن مورثها أقام المنزل المبين المعالم بعريضتها منذ خمس وعشرين سنة تقريباً وهو من طابقين وبه شبابيك تطل من الناحية الشرقية على قطعة أرض فضاء كانت تملكها شركة الحدائق التي أقامت عليها "جراجاً" ثم باعتها أخيراً إلى المطعون عليه الذي شرع في إقامة حائط لسد هذه الشبابيك وتعرض لها في حق المطل الذي اكتسبته بمضي المدة مما اضطرها إلى رفع دعوى مستعجلة طلبت فيها وقف أعمال البناء وقد صدر الحكم لمصلحتها ولكن المطعون عليه كان قد أسرع وأتم بناء الحائط وسد النوافذ سالفة الذكر فرفعت هذه الدعوى طالبة الحكم بإلزام المطعون عليه أن يدفع إليها تعويضاً قدره خمسون جنيهاً ومنع تعرضه لها في حق المطل وإزالة الحائط الملاصق لمنزلها من الجهة الشرقية. فحكمت محكمة أول درجة برفض الدعوى تأسيساً على أن حق ارتفاع المطل إنما يعطي لمالكه الحق في أن يطل من مسافة أقل من متر من ملك جاره وذلك في حدود هذه المسافة لا أن يمتد حقه داخل أرض جاره لمسافة أخرى ومن ثم فقيام الجار بالبناء مما يخوله له حق الملكية ولو أغلق مطلات اكتسبت بمضي المدة. فاستأنفت الطاعنة وقد أصدرت محكمة ثاني درجة حكماً تمهيدياً جاء به "ومن حيث إن فيصل النزاع في هذه القضية هو معرفة ما إذا كان صحيحاً ما تقوله المستأنفة - الطاعنة - من أن طوال مدة فتح المطلات وهي عشرون سنة لم تكن الأرض التي يملكها المستأنف عليه بطريق الشراء من شركة الحدائق أرضاً فضاء كما يزعم بل كانت الشركة قد أقامت عليها جراجاً يشغلها كلها وإذاً فقد فتحت المطلات عليها باعتبار أنها أرض مبنية لا أرض فضاء وحكمت بإحالة الدعوى على التحقيق لإثبات ونفي هذه الواقعة، وبعد سماع شهود الطرفين قضت في 4 من مايو سنة 1949 بتأييد الحكم المستأنف.
ومن حيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب تنعى الطاعنة بأولها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ذلك أنها أقامت دعواها على اعتبار أنها دعوى منع تعرض المطعون عليه لها في حق الارتفاق إلا أن الحكم فصل فيها على اعتبار أنها دعوى ملكية، ولما كانت الفوارق عديدة بين الدعويين فيكون من حق الطاعنة طلب نقض الحكم لتقريره عدم ملكية الطاعنة لحق الارتفاع في دعوى منع التعرض إذ يكفي في دعوى منع التعرض قيام حالة وضع يد أن يكون وضع اليد ثابتاً أما البحث في التسامح وجوداً وعدماً فلا يكون إلا عند البحث في ملكية الحق لدى قاضي الموضوع المختص لا في دعوى من دعاوى وضع اليد التي هي من اختصاص القاضي الجزئي وكل ما يهم فيها إثبات وضع اليد حتى برفع خصمه دعوى بانتفاء ملكية حق الارتفاق الموضوع اليد عليه ولذا يكون الحكم قد أخطأ في تطبيق القانون بالخلط بين دعوى الملكية ودعوى وضع اليد.
ومن حيث إنه جاء بالحكم "... وتبين من شهادة شهود الطرفين أنه - أي الجراج - كان مصنوعاً من الخشب والصاج فليس إذاً في مجرد وجود المطلات على هذه الصورة أي اعتداء على مالك الجراج لعدم شعوره بأي اعتداء على ملكه أو انتقاص من حقوقه ومتى تقرر ذلك يكون سكوت شركة الحدائق من قبيل التسامح الذي لا ينشئ حقاً ولا يكتسب صفة الارتفاق مهما طالت المدة...".
ومن حيث إنه يبين من هذا الذي أورده الحكم أنه وهو بسبيل تحقيق توافر شرائط وضع اليد استخلص من الأدلة التي ساقها أن ترك مطلات منزل الطاعنة على العقار المبيع من شركة الحدائق للمطعون عليه كان من قبيل التسامح من جانب الشركة إذ لم يكن فيه أي اعتداء على ملكها وبذلك نفى نية التملك عن وضع يد الطاعنة وهي ركن أساسي من أركان دعوى منع التعرض وهذا وحده كاف لإقامة الحكم برفض دعوى منع التعرض أما ما استطرد إليه بعد ذلك من القول بأن هذا التسامح لا ينشئ حقاً ولا يكتسب صفة الارتفاق فتزيد لا يضير الحكم ولا تأثير له في دعوى الملكية ومن ثم يتعين رفض هذا السبب.
ومن حيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثاني على الحكم الإخلال بحقها في الدفاع إذ أغفل الرد على ما طلبته من انتقال المحكمة لمعاينة النافذتين محل النزاع للتحقق من وجود حق ارتفاق على العقار المجاور. وتنعى بالسبب الثالث على الحكم مخالفته للحكم التمهيدي السابق صدوره من نفس المحكمة بإحالة الدعوى على التحقيق لمعرفة ما إذا كان صحيحاً ما تقوله الطاعنة من أنه طوال مدة فتح المطلات لم تكن الأرض التي يملكها المطعون عليه من شركة الحدائق أرضاً فضاء كما تزعم بل كانت الشركة أقامت عليها جراجاً يشغلها كلها وبذلك تكون المحكمة قد قضت ضمناً بأن وضع اليد على حق الارتفاق يصبح مكتسباً للطاعنة لو كانت صادقة في قولها بأن المطلين فتحا على جراج ولكن الحكم المطعون فيه قد جاء على نقيض هذا القضاء الضمني الوارد في الحكم التمهيدي وما كان يجوز العدول عنه.
ومن حيث إن النعي في كل من هذين السببين غير مقبول وفقاً للمادة 10 من قانون إنشاء محكمة النقض إذ هي لا تجيز الطعن في الأحكام الصادرة من المحاكم الابتدائية بهيئة استئنافية في استئناف الأحكام الصادرة من المحاكم الجزئية في دعاوى وضع اليد إلا لمخالفة القانون أو لخطأ في تطبيقه أو في تأويله وهذه المادة هي التي تسري على الطعن الحالي لصدور الحكم المطعون فيه قبل تاريخ العمل بقانون المرافعات الجديد، أما إذا كانت الطاعنة تقصد بالسبب الثالث أن الحكم المطعون فيه جاء مخالفاً لحكم نهائي سبق صدوره في نفس الدعوى فهذا النعي مردود بأن الحكم السابق المشار إليه هو حكم تمهيدي لم يفصل فصلاً قاطعاً في أي وجه من أوجه النزاع في الدعوى ومن ثم لا يجوز التمسك في هذه الحالة بنص المادة 11 من المرسوم بقانون بإنشاء محكمة النقض.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.