أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 37 - صـ 120

جلسة 22 من يناير سنة 1986

برياسة السيد المستشار: إبراهيم حسين رضوان نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين محمد ممدوح سالم ومحمد رفيق البسطويسي نائبي رئيس المحكمة ومحمود بهي الدين عبد الله وسري صيام.

(26)
الطعن رقم 4015 لسنة 55 القضائية

(1) إثبات "بوجه عام" "خبرة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير آراء الخبراء. موضوعي.
إثارة عدم دعوة الخبير للمتهم لأول مرة أمام النقض. غير جائزة. علة ذلك؟
سريان المادة 146 من قانون الإثبات في المواد الجنائية. أساس ذلك؟
(2) إحالة. بطلان. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
قرار الاتهام. إجراء سابق على المحاكمة. الطعن ببطلانه لأول مرة أمام النقض. غير مقبول.
(3) إثبات "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". اختلاس أموال أميرية.
عدم التزام محكمة الموضوع بإعادة المأمورية للخبير. ما دامت الواقعة قد وضحت لديها. ولم تر هي من جانبها حاجة لذلك.
(4) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير الدليل. موكول لمحكمة الموضوع.
الجدل الموضوعي. غير جائز أمام النقض.
(5) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
عدم التزام محكمة الموضوع بالإشارة إلى أقوال شهود النفي. قضاؤها بالإدانة لأدلة الثبوت مفاده إطراحها لها.
(6) إثبات "أوراق رسمية". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة.
1 - لما كان الأصل أن تقدير أراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن واعتراضات، مرجعه إلى محكمة الموضوع، التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير، شأنها في ذلك شأن سائر الأدلة، لتعلق الأمر بسلطتها في تقدير الدليل وأنها لا تلتزم بالرد على الطعون الموجهة إلى تلك التقارير، ما دامت قد أخذت بما جاء بها، لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد في تلك المطاعن ما يستحق التفاتها إليها، هذا فضلاً عن أن الثابت من محضر جلسة المحاكمة أنه لا الطاعن ولا المدافع عنه، قد أثار أيهما شيئاً عن عدم دعوة الخبير له لحضوره عند مباشرة المأمورية، ومن ثم لا يحل له من بعد أن يثير شيئاً عن ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض، إذ هو لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة، مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم، بل وفوق ما تقدم فإن البين من محاضر أعمال الخبير التي تضمنتها المفردات المضمومة أن الخبير أخطر الطاعن بكتاب مسجل للحضور في الميعاد المحدد لمباشرة المأمورية، طبقاً لما توجبه المادة 146 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية الصادر به القانون رقم 25 لسنة 1968، الواجبة الأعمال في المواد الجنائية لعدم وجود نص في قانون الإجراءات الجنائية ينظم هذه المسألة، ولأنها تضع قاعدة عامة لا يتنافر تطبيقها وطبيعة القواعد الإجرائية الجنائية، إلا أن الطاعن لم يحضر.
2 - لما كان الثابت من مطالعة محضر جلسة المحاكمة كذلك، أن أياً من الطاعن أو المدافع لم يثر شيئاً بشأن بطلان قرار الاتهام وكان هذا القرار إجراء سابقاً على المحاكمة، فإنه لا يقبل من الطاعن إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض، لما كان ذلك فإن منعى الطاعن في هذا يكون غير سديد.
3 - لما كان قضاء هذه المحكمة قد جرى، على أن محكمة الموضوع لا تلتزم بإعادة المأمورية للخبير، ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة لاتخاذ هذا الإجراء، كالحال في الدعوى المطروحة - فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير صائب.
4 - لما كان تقدير الدليل موكولاً إلى محكمة الموضوع، ومتى اقتنعت به واطمأنت إليه، فلا معقب عليها في ذلك، وكانت الأدلة التي ساقها الحكم المطعون فيه، من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها من ثبوت مقارفة الطاعن للجرائم المسندة إليه، فإن ما يثيره الطاعن، في هذا الصدد يتمخض جدلاً موضوعياً في وقائع الدعوى وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع، ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
5 - لا تثريب على محكمة الموضوع إن هي أعرضت عن أقوال شهود النفي ما دامت لا تثق بما شهدوا به، وهي غير ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم، ما دامت لم تستند إليها، ولأن في قضائها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها، دلالة على أنها لم تطمئن إلى أقوال الشهود فأطرحتها.
6 - لمحكمة الموضوع أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية، ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من سائر الأدلة القائمة في الدعوى، التي تكفي لحمل قضائها - كالحال في الدعوى الماثلة - ومن ثم فلا على المحكمة إن هي أعرضت، عن اعتماد الجهاز المركزي للمحاسبات للمستندات المسند إلى الطاعن تزويرها - بفرض حصول هذا الاعتماد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أولاً: بصفته موظفاً عمومياً ومن الأمناء على الودائع "أمين عهدة بالشركة المصرية لـ......" اختلس المبالغ المبينة بالتحقيقات والبالغ قيمتها 2652.893 مليمجـ (ألفين وستمائة واثنين وخمسين جنيهاً وثمانمائة وثلاثة وتسعين مليماً) والمملوكة للشركة سالفة الذكر والمسلمة إليه بسبب وظيفته. ثانياً: بصفته سالفة الذكر ارتكب أثناء وظيفته تزويراً في محررات رسمية هي قسائم سداد الرسوم القضائية المبينة بالتحقيقات بأن محا أرقام المبالغ الأصلية المثبتة بتلك القسائم وأثبت بدلاً منها أرقاماً مزورة تزيد عن المبالغ الأصلية. ثالثاً: استعمل الأوراق المزورة سالفة الذكر مع علمه بتزويرها بأن قدمها إلى الإدارة المالية بالشركة لتسوية العهدة المسلمة إليه، وأحالته إلى محكمة أمن الدولة العليا لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام. ومحكمة جنايات أمن الدولة العليا بالقاهرة قضت حضورياً عملاً بالمواد 111/ 6، 112/ 1 - 2 و118 و119 المعدلة بالقانونين رقمي 120 لسنة 1962 و632 لسنة 1975 و211 و214 من قانون العقوبات مع تطبيق المادتين 3 و17 من القانون ذاته بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريمه مبلغ 2652.893 مليمجـ (ألفان وستمائة واثنين وخمسين جنيهاً وثمانمائة وثلاثة وتسعين مليماً) وبإلزامه برد مبلغ 2652.893 مليم جنيه (ألفان وستمائة واثنين وخمسين جنيهاً وثمانمائة وثلاثة وتسعين مليماً) وبعزله من وظيفته.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه، إذ أنه دانه بجرائم اختلاس أموال أميرية وتزوير محررات رسمية واستعمالها مع العلم بتزويرها، قد شابه الخطأ في الإسناد والإخلال بحق الدفاع والبطلان والقصور في التسبيب، ذلك بأن المدافع عنه طلب إعادة المأمورية للخبير لأن أعماله شابها البطلان لعدم دعوة الطاعن للحضور عند مباشرتها، ولأن التقرير لم ينته إلى نتائج محددة لتعذر فحص العديد من الإيصالات التي تضمنتها عهدة الطاعن وعدم معرفة قيمة هذه العهدة، وخلا تقرير الاتهام من تحديدها، ورغم كل ذلك خلص الحكم إلى الأخذ بتقرير الخبير، وأشار الحكم على غير سند من التقرير ذاك، إلى أن الخبير استنزل المبالغ التي تعذر بحث صحتها، مع أن الخبير لم يذكر أنه خصمها من المبالغ المسلمة إليه كعهدة، كما طلب إعادة المأمورية إلى الخبير لتحقيق عناصر دفاعه واعتراضاته التي تعذر بحثها لعدم حضور أحد عن الشركة المجني عليها، ولعدم حضوره جلسات الخبير، بيد أن الحكم أعرض عن دفاعه هذا رغم جوهريته، هذا إلى أن الطاعن قرر أن الأوراق خرجت من حوزته دون أن تكون يد العبث قد امتدت إليها، بدلالة شهادة كل من..... و..... و..... خاصة أن الجهاز المركزي للمحاسبات اعتمد المستندات تلك عند مراجعتها، وقد رد الحكم على ذلك بما لا يصلح رداً، كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه، بين وقائع الدعوى بما تتوافر به جميع العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها - لما كان ذلك، وكان الأصل أن تقدير أراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن واعتراضات، مرجعه إلى محكمة الموضوع، التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير، شأنها في ذلك شأن سائر الأدلة، لتعلق الأمر بسلطتها في تقدير الدليل وأنها لا تلتزم بالرد على الطعون الموجهة إلى تلك التقارير، ما دامت قد أخذت بما جاء بها، لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد في تلك المطاعن ما يستحق التفاتها إليها، هذا فضلاً عن أن الثابت من محضر جلسة المحاكمة أنه لا الطاعن ولا المدافع عنه، قد أثار أيهما شيئاً عن عدم دعوة الخبير له لحضوره عند مباشرة المأمورية، ومن ثم لا يحل له من بعد أن يثير شيئاً عن ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض، إذ هو لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة، مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم، بل وفوق ما تقدم فإن البين من محاضر أعمال الخبير التي تضمنتها المفردات المضمومة أن الخبير أخطر الطاعن بكتاب مسجل للحضور في الميعاد المحدد لمباشرة المأمورية، طبقاً لما توجبه المادة 146 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية الصادر به القانون رقم 25 لسنة 1968 الواجبة الإعمال في المواد الجنائية، لعدم وجود نص في قانون الإجراءات الجنائية ينظم هذه المسألة، ولأنها تضع قاعدة عامة لا يتنافر تطبيقها وطبيعة القواعد الإجرائية الجنائية، إلا أن الطاعن لم يحضر، وكان الثابت من مطالعة محضر جلسة المحاكمة كذلك، أن أياً من الطاعن أو المدافع لم يثر شيئاً بشأن بطلان قرار الاتهام، وكان هذا القرار إجراء سابقاً على المحاكمة، فإنه لا يقبل من الطاعن إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض، لما كان ذلك فإن منعى الطاعن في هذا يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى، على أن محكمة الموضوع لا تلتزم بإعادة المأمورية للخبير، ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة لاتخاذ هذا الإجراء - كالحال في الدعوى المطروحة - فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير صائب. لما كان ذلك، وكان البين من تقرير الخبير المقدم في الدعوى، أنه استبعد المبالغ التي تعذر عليه الاطلاع على الأصول المؤيدة لصرفها، من قيمة المبالغ التي خلص إلى أن الطاعن اختلسها، وبما يفيد استنزال قيمتها من العهدة المسلمة إليه، فإن النعي على الحكم بالخطأ في الإسناد ومخالفته الثابت بالأوراق، على السياق الذي نحاه في وجه طعنه، يكون بعيداً عن الصواب، لما كان ذلك، وكان تقدير الدليل موكولاً إلى محكمة الموضوع، ومتى اقتنعت به واطمأنت إليه، فلا معقب عليها في ذلك، وكانت الأدلة التي ساقها الحكم المطعون فيه، من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها من ثبوت مقارفة الطاعن للجرائم المسندة إليه، فإن ما يثيره الطاعن، في هذا الصدد يتمخض جدلاً موضوعياً في وقائع الدعوى وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع، ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، هذا فضلاً عن أنه لا تثريب على محكمة الموضوع إن هي أعرضت عن أقوال شهود النفي ما دامت لا تثق بما شهدوا به، وهي غير ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم، ما دامت لم تستند إليها، ولأن في قضائها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها، دلالة على أنها لم تطمئن إلى أقوال الشهود فأطرحتها كما أن لها أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية، ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من سائر الأدلة القائمة في الدعوى، التي تكفي لحمل قضائها - كالحال في الدعوى الماثلة - ومن ثم فلا على المحكمة إن هي أعرضت، عن اعتماد الجهاز المركزي للمحاسبات للمستندات المسند إلى الطاعن تزويرها - بفرض حصول هذا الاعتماد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.