أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 37 - صـ 199

جلسة 30 من يناير سنة 1986

برياسة السيد المستشار: حسن جمعة نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: أحمد أبو زيد نائب رئيس المحكمة ومصطفى طاهر وحسن عميره ومحمد زايد.

(41)
الطعن رقم 5514 لسنة 55 القضائية

(1) إثبات "بوجه عام" "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص صورة الواقعة".
كفاية أن يكون استخلاص صورة الواقعة التي ترتسم في وجدان المحكمة بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية. متى كان سائغاً. ورود ذكره على ألسنة الشهود غير لازم.
(2) إثبات "شهود" "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
ورود أقوال الشاهد على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها بجميع تفاصيلها على وجه دقيق. غير لازم. حد ذلك؟
(3) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". ضرب. "أفضى إلى الموت".
مثال لتسبيب سائغ يبرأ في الحكم من قالة التناقض.
(4) إثبات "بوجه عام" "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
- صحة الأخذ بأقوال الشاهد. ولو تأخر في الإبلاغ. متى كانت المحكمة على بينة من ذلك.
- تقدير الدليل. موضوعي.
(5) إثبات "شهود". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
- عدم التزام المحكمة أن تورد في حكمها من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها.
(6) إثبات "بوجه عام". صلح. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
التفات الحكم عن الصلح الذي تم بين ورثة المجني عليها والطاعن. لا يعيبه. علة ذلك؟
(7) إثبات "شهود" محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
عدم التزام المحكمة بسرد روايات الشاهد المتعددة. حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه.
(8) إثبات "شهود" محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
إحالة الحكم في بيان شهادة الشهود إلى أقوال شاهد آخر. لا يعيبه. متى كانت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه منها.
(9) إثبات "شهود" "خبرة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد عليها على استقلال. مثال لانتفاء دعوى التناقض بين الدليلين القولي والفني.
(10) إثبات "بوجه عام" حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب" ضرب "أفضى إلى الموت".
عدم التزام المحكمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها.
(11) إثبات "بوجه عام". استدلالات.
عدم توقيع الشاهد على محضر جمع الاستدلالات لا يهدر قيمته كعنصر من عناصر الإثبات. أساس ذلك؟
(12) ضرب "أفضى إلى الموت". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إثارة عجز المجني عليها عن الكلام عقب إصابتها لأول مرة أمام النقض غير جائزة.
(13) أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". دفاع شرعي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي" دفوع "الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي".
الدفاع الشرعي. من الدفوع الموضوعية. إثارته لأول مرة أمام النقض. شرطه؟
1 - لا يلزم لاستخلاص صورة الواقعة التي ترتسم في وجدان المحكمة أن يكون هذا الاستخلاص قد ورد ذكره على ألسنة بعض الشهود، وإنما يكفي أن يكون مستنبطاً بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية، ما دام ذلك سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق.
2 - من المقرر أنه لا يشترط في شهادة الشاهد أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن تكون من شأنها أن تؤدي إلى تلك الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدر الذي رواه مع عناصر الإثبات الأخرى.
3 - لما كان الحكم قد اطمأن من أقوال الشهود أن المتهم - الطاعن - اعتدى على المجني عليها بالعصا التي كان يحملها وأن أحداً أخر غير الطاعن لم يشترك في ضرب المجني عليها على بطنها وأن موضوع الإصابة سواء أكان على البطن كما جاء في تقرير الصفة التشريحية أو الجنب منها كما قررت الشاهدات لا يمنع من الأخذ بسائر ما جاء في هذه الأقوال التي اتحدت روايتهن فيها ذلك أن البطن أو الجنب منطقة واحدة في الجسم خصوصاً مع ما هو ملحوظ من أن جسم الإنسان متحرك ولا يتخذ وضعاً ثابتاً وقت الاعتداء ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون سليماً من التناقض في تصوير الواقعة الذي يدعيه الطاعن.
4 - لما كان تأخر الشاهدات في الإدلاء بشهادتهن لا يمنع المحكمة من الأخذ بأقوالهن ما دامت قد أفصحت عن اطمئنانها إليها، وأنها كانت على بينة بالظروف التي أحاطت بها. ذلك أن تقدير قوة الدليل من سلطة محكمة الموضوع وكل جدل يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً لتعقله بالموضوع لا بالقانون.
5 - من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بأن تورد في حكمها من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها وفي عدم تعرضها لأقوال بعض من سئلوا في التحقيقات ما يفيد إطراحها لها اطمئناناً منها لأدلة الثبوت التي بينها الحكم.
6 - لا يعيب الحكم التفاته عن الصلح الذي تم بين ورثة المجني عليها وبين المتهم في معرض نفي التهمة عنه وهو ما يدخل في تكوين معتقدها في الدعوى ولا تلتزم في حالة عدم أخذها به أن تورد سبباً لذلك إذ الأخذ بأدلة الثبوت التي ساقها الحكم يؤدي دلالة إلى إطراح هذا الصلح.
7 - أن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت منها به حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه وأن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد اطمأنت إليها.
8 - لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد أخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه منها.
9 - لما كان الحكم المطعون فيه لم يعول على ما أثبته التقرير الطبي الابتدائي بل اعتمد أساساً على ما تضمنه تقرير الصفة التشريحية ومن ثم فإن الاستناد إلى التقرير الطبي الابتدائي في دعوى التناقض بين الدليلين القولي والفني يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان الحكم قد حصل أقوال شاهدات الإثبات في أن الطاعن ضرب المجني عليها بعصا على الجنب من بطنها ونقل عن تقرير الصفة التشريحية أن وفاة المجني عليها إصابية رضيه أياً كان نوعها وهي جائزة الحدوث من مثل الضرب بعصا على البطن - وهو ما لم ينازع فيه الطاعن - فإن ما أورده الحكم من الدليل القولي لا يتناقض مع ما نقله من الدليل الفني بل يتطابق معه، مما تنتفي معه دعوى قيام التناقض بين الأدلة التي أخذ بها الحكم إذ أنه ليس بلازم أن يورد الحكم ما أثاره الدفاع عن الطاعن عن وجود تناقض بين الدليلين القولي والفني ما دام ما أورده في مدوناته يتضمن الرد على ذلك الدفاع إذ أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد عليها على استقلال طالما أن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
10 - إن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها.
11 - لما كان الغرض من محضر جمع الاستدلالات هو أن يثبت فيه مأمور الضبط القضائي ما يساعد على كشف الحقيقة وتلزم للتحقيق والدعوى وكان يترتب على ذلك أن عدم توقيع الشاهد على هذا المحضر ليس من شأنه إهدار قيمته كله كعنصر من عناصر الإثبات وإنما يخضع كل ما يعتريه من نقص أو عيب لتقدير محكمة الموضوع وإذ كان قانون الإجراءات الجنائية قد أوجب في المادة 24 منه أن تكون المحاضر التي يحررها رجال الضبط القضائي مشتملة على توقيع الشهود والخبراء الذين سمعوا غير أنه لم يرتب البطلان على إغفال ذلك.
12 - لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن لم يشر إلى أن المجني عليها لم تكن في استطاعتها الكلام بعد إصابتها فلا يقبل منه أن يثير هذا الدفاع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة النقض.
13 - الأصل في الدفاع الشرعي أنه من الدفوع الموضوعية التي يجب التمسك بها لدى محكمة الموضوع ولا يجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض إلا إذا كانت الوقائع الثابتة بالحكم دالة بذاتها على تحقق حالة الدفاع الشرعي كما عرفه القانون أو ترشح لقيامها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه ضرب....... عمداً بعصا على بطنها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتلاً ولكن الضرب أفضى إلى موتها. وأحالته إلى محكمة جنايات الجيزة لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة سنتين.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد شابه التناقض والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ذلك أن الحكم صور الواقعة أخذاً بما جاء بالتقرير الطبي الشرعي أن الطاعن اعتدى على المجني عليها على بطنها وهي صورة تخالف ما قررته كل من الشاهدتين الأولى والثانية التي استند إليهما في الإدانة من أن الاعتداء كان على جنبها، كما أنه من بين ما عول عليه أقوال الشاهدات الثلاث رغم تراخيهن في الإدلاء بها قرابة الستة أشهر، ولم يعرض لأقوال من سئلوا في التحقيقات بعد الحادث ومنهم ابن المجني عليها والتي نفوا فيها معرفتهم لمحدث الإصابة، والتفت عن دلالة محضر الصلح المقدم في الدعوى، فضلاً عن أن الحكم لم يورد أقوال الشاهدة الثانية اكتفاء بالإحالة إلى أقوال الشاهدة الأولى مع أنها اختلفت معها في إحدى رواياتها في شأن كيفية وقوع الاعتداء على المجني عليها، كذلك فإن الحكم لم يعن برفع التعارض بين الدليل الفني والقولي إذ أثبت التقرير الطبي الابتدائي خلو البطن أو الجنب من الإصابات، كما أن تقرير الصفة التشريحية أثبت أن البطن خالية من الانسكابات وقد تمسك المدافع عنه بذلك إلا أن الحكم أطرح دفاعه إيراداً ورداً، كذلك أغفل في مدوناته بيان ما ورد بتقرير الصفة التشريحية عن حالة الطحال المتضخمة وقد تمسك دفاع الطاعن باحتمال إصابة المجني عليها من الطوب الذي كان يلقى في المشاجرة أو سقوطها أثناء عدوها خشية الاعتداء عليها إلا أنه التفت عن الرد على ذلك، كذلك فإن الحكم رد رداً غير سائغ على ما أثاره الطاعن من عدم الاعتداد بأقوال المجني عليها لعدم توقيعها على المحضر وأنها لم تكن في حالة تسمح باستجوابها أو انتقالها لمقر الشرطة، وأخيراً فإن الحكم أغفل بيان البادئ بالعدوان وإصابات الطاعن التي وجدت به فقد كان لزاماً عليه أن يعرض لقيام حالة الدفاع الشرعي. كل ذلك بما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دين الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومن تقرير الصفة التشريحية وهي أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، لما كان ذلك وكان لا يلزم لاستخلاص صورة الواقعة التي ترتسم في وجدان المحكمة أن يكون هذا الاستخلاص قد ورد ذكره على ألسنة بعض الشهود، وإنما يكفي أن يكون مستنبطاً بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية، ما دام ذلك سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق، كما أنه من المقرر أنه لا يشترط في شهادة الشاهد أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن تكون من شأنها أن تؤدي إلى تلك الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدر الذي رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها، وكان الحكم قد اطمأن من أقوال الشهود أن المتهم - الطاعن - اعتدى على المجني عليها بالعصا التي كان يحملها وأن أحداً أخر غير الطاعن لم يشترك في ضرب المجني عليها على بطنها وأن موضع الإصابة سواء أكان على البطن كما جاء في تقرير الصفة التشريحية أو الجنب منها كما قررت الشاهدات لا يمنع من الأخذ بسائر ما جاء في هذه الأقوال التي اتحدت روايتهن فيها ذلك أن البطن أو الجنب منطقة واحدة في الجسم خصوصاً مع ما هو ملحوظ من أن جسم الإنسان متحرك ولا يتخذ وضعاً ثابتاً وقت الاعتداء ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون سليماً من التناقض في تصوير الواقعة الذي يدعيه الطاعن. لما كان ذلك، وكان تأخر الشاهدات في الإدلاء بشهادتهن لا يمنع المحكمة من الأخذ بأقوالهن ما دامت قد أفصحت عن اطمئنانها إليها، وأنها كانت على بينة بالظروف التي أحاطت بها. ذلك أن تقدير قوة الدليل من سلطة محكمة الموضوع وكل جدل يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً لتعقله بالموضوع لا بالقانون. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بأن تورد في حكمها من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها وفي عدم تعرضها لأقوال بعض من سئلوا في التحقيقات ما يفيد إطراحها لها اطمئناناً منها لأدلة الثبوت التي بينها الحكم، لما كان ذلك، وكان لا يعيب الحكم التفاته عن الصلح الذي تم بين ورثة المجني عليها وبين المتهم في معرض نفي التهمة عنه وهو ما يدخل في تكوين معتقدها في الدعوى ولا تلتزم في حالة عدم أخذها به أن تورد سبباً لذلك إذ الأخذ بأدلة الثبوت التي ساقها الحكم يؤدي دلالة إلى إطراح هذا الصلح. لما كان ذلك، وكانت المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه وأن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد اطمأنت إليها، وكان لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد أخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه منها. لما كان ذلك، وكان الطاعن لا يجادل في أن أقوال الشاهدة الثانية في إحدى رواياتها قد اتفقت مع أقوال الشاهدة الأولى التي أحال إليها فإن نعيه في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه لم يعول على ما أثبته التقرير الطبي الابتدائي بل اعتمد أساساً على ما تضمنه تقرير الصفة التشريحية ومن ثم فإن الاستناد إلى التقرير الطبي الابتدائي في دعوى التناقض بين الدليلين القولي والفني يكون على غير أساس، لما كان ذلك، وكان الحكم قد حصل أقوال شاهدات الإثبات في أن الطاعن ضرب المجني عليها بعصا على الجنب من بطنها ونقل عن تقرير الصفة التشريحية أن وفاة المجني عليها إصابية رضيه أياً كان نوعها وهي جائزة الحدوث من مثل الضرب بعصا على البطن - وهو ما لم ينازع فيه الطاعن - فإن ما أورده الحكم من الدليل القولي لا يتناقض مع ما نقله من الدليل الفني بل يتطابق معه، مما تنتفي معه دعوى قيام التناقض بين الأدلة التي أخذ بها الحكم إذ أنه ليس بلازم أن يورد الحكم ما أثاره الدفاع عن الطاعن عن وجود تناقض بين الدليلين القولي والفني ما دام ما أورده في مدوناته يتضمن الرد على ذلك الدفاع إذ أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد عليها على استقلال طالما أن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم. لما كان ذلك، وكانت المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها فإنه لا محل لما ينعاه الطاعن من إغفال الحكم إيراد حالة الطحال المتضخمة وأن ما رتبه على ذلك من احتمال إصابة المجني عليها من الطوب الذي كان يلقى في المشاجرة أو من جراء سقوطها على الأرض والتفات الحكم عن الرد على هذا الدفاع إذ أن ذلك مردود بأن هذا الدفاع يتعلق بموضوع الدعوى ومن ثم فهو لا يستوجب رداً صريحاً من المحكمة اكتفاء بقضائها بالإدانة للأسباب السائغة التي استندت إليها. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن بعدم الاعتداد بأقوال المجني عليها لعدم توقيعها على محضر جمع الاستدلالات بالبصمة أو التوقيع ولأن حالتها لم تكن تسمح باستجوابها أو بانتقالها لمقر الشرطة ورد عليه بقوله "أن النقيب.... لم يقرر بأنه استجوب المجني عليها بل أثبت وشهد بالتحقيقات أنه سألها شفاهة عن محدث إصابتها بعد أن حلفها اليمين لسوء حالتها كما قطع بأن اتصل بالواقعة عندما حضرت المجني عليها مع أهليتها إلى النقطة مما يكون معه دفاع المتهم لا يسانده الواقع ويتعين الالتفات عنه". لما كان ذلك وكان الغرض من محضر جمع الاستدلالات هو أن يثبت فيه مأمور الضبط القضائي ما يساعد على كشف الحقيقة وتلزم للتحقيق والدعوى وكان يترتب على ذلك أن عدم توقيع الشاهد على هذا المحضر ليس من شأنه إهدار قيمته كله كعنصر من عناصر الإثبات وإنما يخضع كل ما يعتريه من نقض أو عيب لتقدير محكمة الموضوع، وإذ كان قانون الإجراءات الجنائية قد أوجب في المادة 24 منه أن تكون المحاضر التي يحررها رجال الضبط القضائي مشتملة على توقيع الشهود والخبراء الذين سمعوا غير أنه لم يرتب البطلان على إغفال ذلك، ولما كانت المحكمة قد صدقت شهادة الشاهد فيما أثبته في شأن أقوال المجني عليها عن محدث إصابتها ولا تكون المحكمة قد أخطأت في القانون بل أن ذلك يدخل في حدود سلطتها التقديرية ويضحى ما يثيره الطاعن في هذا الوجه لا يكون له أساس هذا فضلاً عن أن البين من محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن لم يشر إلى أن المجني عليها لم تكن في استطاعتها الكلام بعد إصابتها فلا يقبل منه أن يثير هذا الدفاع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة النقض لما كان ذلك وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم من عدم تعرضه لقيام حالة الدفاع الشرعي مردود بأن الأصل في الدفاع الشرعي أنه من الدفوع الموضوعية التي يجب التمسك بها لدى محكمة الموضوع ولا يجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض إلا إذا كانت الوقائع الثابتة بالحكم دالة بذاتها على تحقق حالة الدفاع الشرعي كما عرفه القانون أو ترشح لقيامها. ولما كانت واقعة الدعوى كما أثبتها الحكم المطعون فيه لا تتوافر فيها تلك الحالة ولا ترشح لقيامها وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يتمسك بقيام حالة الدفاع الشرعي فإنه لا يقبل منه إثارة هذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.