أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 37 - صـ 283

جلسة 16 من فبراير سنة 1986

برياسة السيد المستشار: جمال الدين منصور نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: صلاح خاطر ومحمد عباس مهران ومسعود السعداوي وطلعت الاكيابى.

(59)
الطعن رقم 6533 لسنة 55 القضائية

(1) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". دفوع. مواد مخدرة. إثبzات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
الدفع التي تلتزم المحكمة بتحقيقه أو الرد عليه. ماهيته؟
الدفاع الذي لا ينصرف إلا لمجرد التشكيك في الدليل. موضوعي. استفادة الرد عليه من الحكم بالإدانة.
مثال.
(2) نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها. غير جائز.
(3) نقض "أثر الطعن". محكمة الإعادة "نظرها الدعوى والحكم فيها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
نقض الحكم يعيد الدعوى إلى محكمة الإعادة بحالتها قبل صدور الحكم المنقوض لتفصل فيها من جديد. مخالفتها حكم الإعادة. لا يصلح بذاته وجهاً للطعن على قضائها. ما لم يكن موضوع المخالفة موجباً لذلك.
(4) إجراءات "إجراءات التحقيق". مأمورو الضبط القضائي. نيابة عامة. حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
النص في المادة 200 إجراءات على جواز تكليف عضو النيابة العامة لأي من مأموري الضبط القضائي ببعض الأعمال التي من خصائصه. عام. سريانه على كافة إجراءات التحقيق. عدم تطلب القانون شكلاً معيناً للأمر الصادر به أو تعيين اسم المأمور المكلف بتنفيذه. الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام محكمة النقض.
مثال.
(5) مواد مخدرة. جريمة "أركانها". قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقصي العلم بأسباب الجوهر المخدر. موضوعي. ما دام سائغاً.
مثال لتسبيب سائغ لتوافر العلم بكنة المادة المخدرة.
1 - لما كان من المقرر أن الدفع الذي تلتزم المحكمة بتحقيقه والرد عليه هو الذي يبدى صراحة أمامها دون غيره من القول المرسل الذي لم يقصد به سوى مجرد التشكيك في مدى ما اطمأنت إليه من أدلة الثبوت وكان البين من مطالعة محضر جلسة 27/ 1/ 1985 أن من بين ما أبداه الدفاع عن الطاعن أن هناك اختلافاً في عدد الشجيرات المرسلة إلى التحليل دون أن يبين مقداره ومراده منه أو يطلب اتخاذ إجراء معين في هذا الخصوص، فإن مما أثاره الدفاع لا ينصرف إلا لمجرد التشكيك في الدليل المستمد من تقرير التحليل توصلاً إلى عدم تعويل المحكمة عليه مما يعتبر من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تلتزم المحكمة بالرد عليها إذ الرد يستفاد من الحكم بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أخذت بها.
2 - ليس للطاعن أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي حاجة إلى إجرائه.
3 - لما كان نقض الحكم يعيد الدعوى أمام محكمة الإحالة بحالتها الأولى قبل صدور الحكم المنقوض. ولا يقيدها بشيء، فإنه على فرض مخالفة محكمة الموضوع لقضاء محكمة النقض فإن ذلك لا يصلح وجهاً للطعن إلا إذا كان محل المخالفة المدعاة يصلح في ذاته لأن يكون وجهاً للطعن على الحكم الجديد، وإذ كان حكم النقض السابق صدوره في الدعوى قد أقام قضاءه على قصور الحكم في التسبيب وفساده في الاستدلال لتسانده على الخلاف الظاهري بين عدد النباتات المضبوطة والتي تم فحصها في قضائه بالبراءة دون أن تجرى المحكمة تحقيقاً في شأنه تستجلى به حقيقة الأمر قبل أن تنتهي إلى القول بالشك في الدليل المستمد من إجراءات الضبط والتحرير وكان الحكم المطعون فيه بريئاً من هذا العيب فإن منعى الطاعن في هذا الوجه يكون غير مقبول.
4 - لما كان نص المادة 200 من قانون الإجراءات الجنائية يجيز لكل من أعضاء النيابة العامة في مرحلة إجراء التحقيق بنفسه أن يكلف أي مأمور من مأموري الضبط القضائي ببعض الأعمال التي من خصائصه وهو نص عام مطلق يسري على كافة إجراءات التحقيق وليس في القانون ما يخصصه أو يقيده، ولم يشترط القانون شكلاً معيناً أو عبارات خاصة للأمر الصادر من النيابة العامة بتكليف أي من مأموري الضبط القضائي بأي من إجراءات التحقيق كما أنه لا يلزم أن يعين في الأمر اسم مأمور الضبط القضائي الذي يقوم بتنفيذ الإجراء وكل ما يشترطه القانون أن يكون من أصدر الأمر مختصاً بإصداره وأن يكون المندوب للتنفيذ من مأموري القضائي المختصين، وكان البين من مطالعة المفردات المضمومة أن عضو النيابة العامة بعد أن أجرى معاينة نباتات القنب الهندي والخشخاش المضبوطة في الأرض المنزرعة بها في حضور المتهم كلف مرافقيه من رجال الشرطة باقتلاع تلك النباتات وإرسالها إليه، ثم قام بتحريزها بحضور المتهم ومحاميه ودون منازعة من أيهما في شأن ما إذا كانت هذه النباتات هي التي تمت معاينة النيابة لها من عدمه فإن صدور الأمر من عضو النيابة العامة لمرافقيه من رجال الشرطة باقتلاع النباتات وإرسالها إليه يكون صادراً ممن يملكه سواء كان القائم بتنفيذه الضابط المنتدب لإجراء التفتيش في الأصل أو قام به غيره من مأموري الضبط القضائي ما دام أن الأمر الصادر لم يعين مأموراً بعينه ولم ينازع الطاعن في أن من قام به من غير مأموري الضبط القضائي المختصين، ومن ثم يكون الحكم إذ أطرح الدفع المبدى من الطاعن في هذا الخصوص أصاب صحيح القانون وانحسر عنه قالة مخالفة الثابت في الأوراق، وينحل تشكيك الطاعن - في أن النباتات التي قدمتها الشرطة لعضو النيابة المحقق هي تلك التي عاينها من قبل - إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل المستمد من عملية الضبط التي اطمأنت إليها محكمة الموضوع فلا يجوز مجادلتها أو مصادرتها في عقيدتها في تقدير الدليل وهو من اطلاقاتها.
5 - إن نقص العلم بحقيقة الجوهر المخدر هو من شئون محكمة الموضوع وحسبها في ذلك أن تورد من الوقائع والظروف مما يكفي في الدلالة على توافره بما لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه زرع نباتات ممنوعة زراعتها هي "خشخاش وحشيش" وكان ذلك بقصد الاتجار وأحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، ومحكمة جنايات أسوان قضت حضورياً ببراءة المتهم مما أسند إليه ومصادرة نباتات المخدر المضبوطة.
فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض وقيد طعنها برقم 871 لسنة 53 ق، ومحكمة النقض قضت بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات أسوان لتحكم فيها من جديد هيئة أخرى. ومحكمة جنايات أسوان قضت حضورياً عملاً بالمواد 28، 34/ 2، 42/ 1 من القانون 182 لسنة 1960 بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات وتغريمه ثلاثة آلاف جنيه ومصادرة النباتات المخدرة المضبوطة.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض...... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطاعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة زراعة نباتات الحشيش والخشخاش المخدرة بقصد الاتجار شابه القصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق والفساد في الاستدلال، ذلك أنه لم يعرض للخلاف القائم في عدد الشجيرات المضبوطة المرسلة للتحليل عن تلك التي تم فحصها بما يضفيه من شك في نسبتها إلى الطاعن، ولم تجر محكمة الإعادة تحقيقاً بشأنه تستجلى به حقيقة الأمر مخالفة بذلك قضاء محكمة النقض الذي أحال إليها الدعوى للفصل فيها مجدداً، وأطرحت دفاع الطاعن بشأن بطلان إجراء اقتلاع الشجيرات الذي قام به رجال الشرطة في غيبة عضو النيابة المحقق، وأنها ليست بذاتها تلك التي تمت معاينة النيابة لها، وردت عليه بأن من قام بذلك الإجراء هو الضابط المنتدب لتنفيذ إذن النيابة بالضبط والتفتيش مع أن هذا الضابط لم يكن مرافقاً لعضو النيابة حال إجرائه المعاينة، هذا إلى أن الحكم ساق للتدليل على علم الطاعن بحقيقة الشجيرات المضبوطة ما لا يكفي لتوافر هذا العلم في حقه، ورد على دفاعه في هذا الخصوص بما لا يصلح رداً كل ذلك يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال معاون مباحث مديرية أمن أسوان ورئيس قسم مكافحة المخدرات بها ووكيل تفتيش زراعة ادفو ومما ثبت من المعاينة التي أجرتها النيابة العامة وتقرير المجموعة النباتية بمركز البحوث الزراعية بالقاهرة. وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الدفع الذي تلتزم المحكمة بتحقيقه والرد عليه هو الذي يبدى صراحة أمامها دون غيره من القول المرسل الذي لم يقصد به سوى مجرد التشكيك في مدى ما اطمأنت إليه من أدلة الثبوت وكان البين من مطالعة محضر جلسة 27/ 1/ 1985 أن من بين ما أبداه الدفاع عن الطاعن أن هناك اختلافاً في عدد الشجيرات المرسلة إلى التحليل دون أن يبين مقداره ومراده منه أو يطلب اتخاذ إجراء معين في هذا الخصوص، فإن مما أثاره الدفاع لا ينصرف إلا لمجرد التشكيك في الدليل المستمد من تقرير التحليل توصلاً إلى عدم تعويل المحكمة عليه مما يعتبر من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تلتزم المحكمة بالرد عليها إذ الرد يستفاد من الحكم بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أخذت بها، وليس للطاعن من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء التحقيق لم يطلب منها ولم تر هي حاجة إلى إجرائه. لما كان ذلك، وكان نقض الحكم يعيد الدعوى أمام محكمة الإحالة بحالتها الأولى قبل صدور الحكم المنقوض. ولا يقيدها بشيء، فإنه على فرض مخالفة محكمة الموضوع لقضاء محكمة النقض فإن ذلك لا يصلح وجهاً للطعن إلا إذا كان محل المخالفة المدعاة يصلح في ذاته لأن يكون وجهاً للطعن على الحكم الجديد، وإذ كان حكم النقض السابق صدوره في الدعوى قد أقام قضاءه على قصور الحكم المنقوض في التسبيب وفساده في الاستدلال لتسانده على الخلاف الظاهري بين عدد النباتات المضبوطة والتي تم فحصها في قضائه بالبراءة دون أن تجرى المحكمة تحقيقاً في شأنه تستجلى به حقيقة الأمر قبل أن تنتهي إلى القول بالشك في الدليل المستمد من إجراءات الضبط والتحريز وكان الحكم المطعون فيه بريئاً من هذا العيب فإن منعى الطاعن في هذا الوجه يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكان نص المادة 200 من قانون الإجراءات الجنائية يجيز لكل من أعضاء النيابة العامة في حالة مرحلة إجراء التحقيق بنفسه أن يكلف أي مأمور من مأموري الضبط القضائي بأي من إجراءات التحقيق وليس في القانون ما يخصصه أو يقيده ولم يشترط القانون شكلاً معيناً أو عبارات خاصة للأمر الصادر من النيابة العامة بتكليف أي من مأموري الضبط القضائي بأي من إجراءات التحقيق كما أنه لا يلزم أن يعين في الأمر اسم مأمور الضبط القضائي الذي يقوم بتنفيذ الإجراء وكل ما يشترطه القانون أن يكون من أصدر الأمر مختصاً بإصداره وأن يكون المندوب للتنفيذ من مأموري الضبط القضائي المختصين، وكان البين من مطالعة المفردات المضمومة أن عضو النيابة العامة بعد أن أجرى معاينة نباتات القنب الهندي والخشخاش المضبوطة في الأرض المنزرعة بها في حضور المتهم كلف مرافقيه من رجال الشرطة باقتلاع تلك النباتات وإرسالها إليه، ثم قام بتحريزها بحضور المتهم ومحاميه ودون منازعة من أيهما في شأن ما إذا كانت هذه النباتات هي التي تمت معاينة النيابة لها من عدمه، فإن صدور الأمر من عضو النيابة العامة لمرافقيه من رجال الشرطة باقتلاع النباتات وإرسالها إليه يكون صادراً ممن يملكه سواء كان القائم بتنفيذه الضابط المنتدب لإجراء التفتيش في الأصل أو قام به غيره من مأموري الضبط القضائي ما دام أن الأمر الصادر لم يعين مأموراً بعينه ولم ينازع الطاعن في أن من قام به من غير مأموري الضبط القضائي المختصين، ومن ثم يكون الحكم إذ أطرح الدفع المبدى من الطاعن في هذا الخصوص أصاب صحيح القانون وانحسر عنه قالة مخالفة الثابت في الأوراق، وينحل تشكيك الطاعن - في أن النباتات التي قدمتها الشرطة لعضو النيابة المحقق هي تلك التي عاينها من قبل - إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل المستمد من عملية الضبط التي اطمأنت إليها محكمة الموضوع فلا يجوز مجادلتها أو مصادرتها في عقيدتها في تقدير الدليل وهو من اطلاقاتها. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم أنه عرض لدفاع الطاعن عن عدم علمه بحقيقة النباتات المضبوطة ورد عليه في قوله "ولا تعتد المحكمة بما أبداه المتهم من دفاع إذ الثابت من إقراره أنه هو الذي قام بزراعة الأرض التي عثر بها على نبات الخشخاش والحشيش ولا ينال من ذلك قوله أنه رأى ذلك النبات نامياً في الأرض دون أن يعرف كنهه إذ الثابت من المعاينة التي أجرتها النيابة العامة أن شتلات الخشخاش والقنب التي عثر عليها كبيرة وقد وجدت منزرعة في قطعتين تبلغ مساحتهما ثمانية قراريط فضلاً عن أن المتهم يمتهن حرفة الفلاحة ولا ريب يعرف كنه هذه النباتات وإلا قام باقتلاعها على نحو ما اعتاد عليه الفلاحون حفاظاً على خصوبة الأرض وضماناً لسلامة زراعتهم" وكان تقصي العلم بحقيقة الجوهر المخدر هو من شئون محكمة الموضوع وحسبها في ذلك أن تورد من الوقائع والظروف مما يكفي في الدلالة على توافره بما لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي، وإذ كانت المحكمة قد استظهرت من ظروف الدعوى وملابساتها - على النحو المتقدم بيانه - علم الطاعن بحقيقة النباتات المنزرعة بأرضه وردت - في الوقت ذاته - على دفاعه في هذا الخصوص رداً سائغاً في العقل والمنطق يتحقق به توافر ذلك العلم في حقه - توافراً فعلياً - فإنه لا يجوز مصادرتها في عقيدتها ولا المجادلة في تقديرها أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون قادراً على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.