أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 37 - صـ 290

جلسة 17 من فبراير سنة 1986

برياسة السيد المستشار: حسن عمار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد الصوفي ومسعد الساعي وأحمد سعفان وعادل عبد الحميد.

(60)
الطعن رقم 5944 لسنة 55 القضائية

(1) إثبات "خبرة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بإجابة طلب ندب خبير في الدعوى. متى رأت في الأدلة المقدمة في الدعوى ما يكفي للفصل فيها.
مثال لتسبيب سائغ في رفض طلب عرض شاهد على الطبيب الشرعي.
(2) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
محكمة الموضوع. سلطتها في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى. هي الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيها بنفسها ما دامت المسألة المطروحة ليست من المسائل الفنية البحت.
(3) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بالتحدث إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها. لها أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية. ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة.
(4) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إجراءات "إجراءات المحاكمة". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". إثبات "معاينة".
حق المحكمة في الإعراض عن طلب الدفاع. إذا كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى. بشرط بيان العلة.
طلب المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة. دفاع. موضوعي. عدم التزام المحكمة بإجابته.
(5) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة.
(6) محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص صورة الدعوى". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
استخلاص صورة الدعوى. موضوعي.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل غير جائز أمام النقض.
(7) قتل عمد. جريمة "أركانها". قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
قصد القتل أمر خفي. استخلاص توافره. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ على إثبات توافر نية القتل.
(8) حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
- الخطأ في الإسناد. متى لا يعيب الحكم؟
- تحديد وقت وقوع الحادث. لا أثر له على ثبوت الواقعة. حد ذلك؟
(9) دعوى جنائية "تحريكها" "سقوط حق المدعي في اختيار الطريق الجنائي". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
حق المدعي بالحقوق المدنية في اختيار الطريق الجنائي. لا يسقط إلا إذا كانت دعواه المدنية متحدة مع تلك التي يريد إثارتها أمام المحكمة الجنائية.
الدفاع القانوني ظاهر البطلان. عدم التزام المحكمة بالرد عليه.
الدفع بسقوط حق المدعي بالحقوق المدنية في اختيار الطريق الجنائي غير متعلق بالنظام العام. سقوطه بعدم إبدائه قبل الخوض في الموضوع.
مثال.
1 - إن المحكمة لا تلتزم بإجابة طلب ندب خبير إذا هي رأت من الأدلة المقدمة في الدعوى ما يكفي للفصل فيها دون حاجة إلى ندبه.
2 - الأصل أن محكمة الموضوع لها كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث، وهي الخبير الأعلى في كل ما تستطيع هي أن تفصل فيه بنفسها ما دامت المسألة المطروحة ليست من المسائل الفنية البحت التي لا تستطيع المحكمة بنفسها أن تشق طريقها لإبداء الرأي فيها.
3 - لما كان من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا أن عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها، وكان من المقرر - أيضاً - أن الأدلة في المواد الجنائية اقناعية وللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى فحسب المحكمة ما أوردته من اطمئنانها إلى قدرة الشاهد الأول على رؤية الحادث استناداً إلى ما سلف، فإنه لا يعيب الحكم عدم رده على المستندات التي قدمها الطاعنان في هذا الخصوص، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بقالة الإخلال بحق الدفاع أو القصور في التسبيب يكون غير سديد.
4 - لما كان من المقرر أنه ولئن كان القانون قد أوجب على محكمة الموضوع سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه إلا أنه متى كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى فلها أن تعرض عن ذلك مع بيان العلة، وإذ كان ما أورده الحكم فيما تقدم - كافياً وسائغاً ويستقيم به إطراح طلب إجراء المعاينة دون أن يوصم الحكم المطعون فيه بالقصور أو بالإخلال بحق الدفاع، فضلاً عن أن هذا الوجه من الدفاع لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى استحالة حصول الواقعة كما رواها شهود الإثبات، بل الهدف منه إثارة الشبهة في الأدلة التي اطمأنت إليها المحكمة، ويعتبر من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تلزم المحكمة بإجابته ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن يكون في غير محله.
5 - لما كان من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم، فإن النعي على الحكم بالالتفات عما أثاره الطاعن الأول من عدم وجود أثر لدماء بنصل السكين المضبوطة يكون غير مقبول.
6 - لما كان لمحكمة الموضوع أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي حول تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومصادرتها في عقيدتها مما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض.
7 - لما كان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وإذا ما كان الحكم قد دلل على قيام هذه النية تدليلاً سائغاً واضحاً في إثبات توافرها لدى الطاعنين، فإن ما يثيره في هذا الصدد يكون غير سديد ولا محل له.
8 - لما كان الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة، وأن تحديد وقت وقوع الحادث لا تأثير له على ثبوت الواقعة ما دامت المحكمة قد اطمأنت بالأدلة التي ساقتها إلى أن شهود الإثبات قد رأوا الطاعنين وتحققوا منهما وهما يرتكبان الحادث، ومن ثم فإن النعي على الحكم بدعوى الخطأ في الإسناد في شأن تحصيله لأقوال مأمور شرطة الجيزة ونائبه بالجلسة بالنسبة لساعة وقوع الحادث لا يكن مقبولاً.
9 - لما كان الثابت من محضر جلسة المحاكمة المؤرخ... أن المدافع عن الطاعنين قد قرر أن الطاعنين لم يرد اسميهما في مشارطة التحكيم الذي تم بين أسرتيهما وأسرة المجني عليهما بما مفاده اختلاف تلك المشارطة عن الدعوى المدنية الحالية من حيث الخصوم، وكان الأصل أن حق المدعي بالحقوق المدنية في اختيار الطريق الجنائي. لا يسقط إلا إذا كانت دعواه المدنية متحدة مع تلك التي يريد إثارتها أمام المحكمة الجنائية، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الخصوص يكون دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان ولا على المحكمة إن هي التفتت عنه ولم ترد عليه، هذا إلى أن الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعنين قد ترافع في موضوع الدعوى قبل إشارته إلى مشارطة التحكيم، ومن ثم فإن هذا الدفع يكون قد سقط، لما هو مقرر من أن الدفع بسقوط حق المدعي بالحقوق المدنية في اختيار الطريق الجنائي ليس من النظام العام لتعلقه بالدعوى المدنية التي تحمي صوالح خاصة فهو يسقط بعدم إبدائه قبل الخوض في موضوع الدعوى.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما (الأول) قتل.... عمداً مع سبق الإصرار بأن بيت النية على قتله وأعد لذلك عدته (السكين) وما إن ظفر به حتى انهال عليه ضرباً بالسكين على رأسه قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. (الثاني) قتل.... عمداً مع سبق الإصرار بأن بيت النية على قتله وأعد لذلك عدته (سلاحاً نارياً) وما إن أبصره حتى أطلق عليه عياراً قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته، وأمرت بإحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمرها، وادعى... مدنياً قبل المتهم الأول بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت، ومحكمة جنايات الجيزة قضت حضورياً عملاً بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 309 إجراءات جنائية بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة خمسة عشر عاماً. والمتهم الثاني بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وإحالة الدعوى المدنية بحالتها إلى المحكمة المدنية المختصة. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض وقيد بمحكمة النقض برقم 6399 لسنة 53 وقضت فيه بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات الجيزة لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. ومحكمة جنايات الجيزة - بهيئة أخرى - قضت عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 30 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة مدة عشر سنوات ومصادرة الآلة الحادة والسلاح المضبوطين وبإلزام المتهم الأول بأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغ واحد وخمسين جنيهاً تعويضاً مؤقتاً وبإلزام المتهم الثاني بأن يؤدي للمدعي بالحق المدني الثاني مبلغ واحد وخمسين جنيه تعويضاً مؤقتاً.
فطعن كل من المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان كل منهما بجريمة القتل العمد قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وانطوى على إخلال بحق الدفاع وأخطأ في الإسناد وفي تطبيق القانون، ذلك بأن المدافع عن الطاعنين تمسك بعدم إمكان رؤية الشاهد الأول للحادث لضعف بصره وفقاً للثابت بالمستندات الرسمية التي قدمها كما تمسك بتناقض أقواله والشاهد الثاني مع ما ثبت من معاينة النيابة لمكان الحادث من عدم وجود آثار لدماء به مما يقطع بكذب أقوالهما، وطلب إحالة الشاهد الأول للطبيب الشرعي لتحديد مدى إمكان رؤيته للحادث ومعاينة مكان الحادث لبيان ما إذا كانت تربته تسمح ببقاء الدماء بها لحين إجراء النيابة لمعاينتها من عدمه إلا أن الحكم أطرح هذين الطلبين ورد عليهما بما لا يصلح رداً وأغفل الرد على مستنداتهما المؤيدة لدفاعهما في هذا الخصوص كما أغفل الرد على دفاع الطاعن الأول من أن السكين المضبوطة وجدت خالية من آثار الدماء، ورد على دفاعه بقيام تناقض بين الدليلين القولي والفني بما لا يصلح رداً، ولم يدلل تدليلاً سائغاً على توافر نية القتل لدى الطاعنين، وأطرح دفاع الطاعن الثاني بعدم تواجده بمكان الحادث بما لا يسانده من أقوال مأمور مركز شرطة الجيزة ونائبه الثابتة بمحضر جلسة المحاكمة، هذا إلى أن الطاعنين دفعا بأن دعوى المطالبة بالتعويض منظورة أمام المحاكم المدنية، كما أشار المدعون بالحقوق المدنية إلى أن تحكيماً تم بين طرفي النزاع بما يحول دون اختصاص القضاء بنظر دعوى المطالبة بالتعويض ويسقط حق المدعين بالحقوق المدنية في الادعاء المباشر أمام المحاكم الجنائية إلا أن الحكم لم يلتفت إلى هذا الدفاع ولم يرد عليه، وكل ذلك يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد التي دان كل من الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها مستمد من أقوال شهود الإثبات وتقرير الصفة التشريحية الخاص بكل من المجني عليهما ومن فحص الطبنجة والآلة الحادة المضبوطة. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لطلب الطاعنين عرض شاهد الإثبات الأول على الطبيب الشرعي لبيان قوة إبصاره وأطرحه في قوله وحيث إنه عن طلب عرض شاهد الإثبات الأول على الطبيب الشرعي لبيان قوة إبصاره وطلب.... فإنه لما كان من المقرر قضاء أن للمحكمة كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث وهي الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها أو بالاستعانة بخبير يخضع رأيه لتقديرها وأن المحكمة غير ملزمة بإجابة طلب العرض على الطبيب الشرعي ما دامت قد رأت عدم جدوى ذلك الإجراء إزاء وضوح الواقعة موضوع طلب الخبرة والذي استظهرته من التحقيقات والأوراق، وكانت المحكمة قد وثقت واطمأنت إلى رواية الشاهد الأول وإلى قدرته على رؤية الأحداث والأشخاص حسب ظروف الدعوى وملابساتها وبالقدر الذي شهد به خاصة بعد أن أجرت المحكمة بجلسة 7/ 1/ 1985 تجربة لبيان مدى إمكان رؤيته من بعد مناسب واطمأنت إلى ذلك بما يضحى معه طلب الدفاع بهذا ولا مبرر له" وإذ كان هذا الذي أورده الحكم كافياً ويسوغ به رفض طلب الطاعنين عرض الشاهد الأول على الطبيب الشرعي لبيان قوة إبصاره، لما هو مقرر من أن المحكمة لا تلتزم بإجابته طلب ندب خبير إذا هي رأت من الأدلة المقدمة في الدعوى ما يكفي للفصل فيها دون حاجة إلى ندبه، هذا فضلاً عن أن الأصل أن محكمة الموضوع لها كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث، وهي الخبير الأعلى في كل ما تستطيع هي أن تفصل فيه بنفسها ما دامت المسألة المطروحة ليست من المسائل الفنية البحت التي لا تستطيع المحكمة بنفسها أن تشق طريقها لإبداء الرأي فيها، وإذ كان ما استخلصته المحكمة من قدرة الشاهد الأول على رؤية الحادث بعد التجربة التي أجرتها بنفسها بالجلسة لا يحتاج إلى خبرة في تقديره. لما كان ذلك وكان من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا أن عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها، وكان من المقرر - أيضاً - أن الأدلة في المواد الجنائية اقناعية وللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى، فحسب المحكمة ما أوردته من اطمئنانها إلى قدرة الشاهد الأول على رؤية الحادث استناداً إلى ما سلف، فإنه لا يعيب الحكم عدم رده على المستندات التي قدمها الطاعنان في هذا الخصوص، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بقالة الإخلال بحق الدفاع أو القصور في التسبيب يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لطلب إجراء معاينة لمكان الحادث لبيان نوع تربته وأطرحه في قوله: "كما ترى المحكمة انتفاء المبرر أيضاً لطلب إجراء المعاينة بعد أن أطمأنت إلى حدوث الواقعة على نحو ما استخلصته بشأنها اطمئناناً منها لأدلة الثبوت في الدعوى" لما كان ذلك وكان من المقرر أنه ولئن كان القانون قد أوجب على محكمة الموضوع سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه إلا أنه متى كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى فلها أن تعرض عن ذلك مع بيان العلة، وإذ كان ما أورده الحكم فيما تقدم - كافياً وسائغاً ويستقيم به إطراح طلب إجراء المعاينة دون أن يوصم الحكم المطعون فيه بالقصور أو بالإخلال بحق الدفاع، فضلاً عن أن هذا الوجه من الدفاع لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى استحالة حصول الواقعة كما رواها شهود الإثبات، بل الهدف منه إثارة الشبهة في الأدلة التي اطمأنت إليها المحكمة، ويعتبر من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تلتزم المحكمة بإجابته ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن يكون في غير محله. لما كان ذلك وكان من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم، فإن النعي على الحكم بالالتفات عما أثاره الطاعن الأول من عدم وجود أثر لدماء بنصل السكين المضبوطة يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لما دفع به الطاعن الأول من قيام التعارض بين الدليلين القولي والفني وأطرحه في قوله: "وحيث إنه عن القول بوجود تناقض بين أقوال شهود الإثبات والدليل الفني المتمثل في تقرير الصفة التشريحية الخاصة بالمجني عليه.... فإنه لما كان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وكان جماع أقوال شهود الإثبات أنهم عقب رؤية المتهم الأول - الطاعن الأول - يضرب المجني عليه.... على رأسه فيطرحه أرضاً ورؤية المتهم الثاني - الطاعن الثاني - يطلق عياراً صوب المجني عليه.... ورؤيتهم لوالد المتهم الثاني يطلق النار بقصد الإرهاب هرعوا إلى داخل مسكنهم ولم يبارحوه إلا بعد الاطمئنان إلى وقف إطلاق النار وكان تقرير الصفة التشريحية الخاص بـ.... المجني عليه الأول - قد أورى إلى وجود جرحين بيسار فروة الرأس نفذا من قبوة الجمجمة وأحدثا كسرين نافذين على التفصيل الوارد به وأدت إلى وفاة المجني عليه بالإضافة إلى وجود جروح بالساعد الأيسر والحاجب الأيسر والكوع الأيمن، ومن ثم فإن ما أورده التقرير يكون متسقاً ومتوائماً مع جماع أقوال الشهود لاحتمال حدوث الإصابات الأخرى التي أوردها التقرير من المتهم عقب انصراف الشهود من مسرح الحادث إلى داخل مسكنهم". لما كان ذلك وكان مفاد ما أورده الحكم فيما تقدم أن المحكمة قد تفطنت إلى ما أثاره الدفاع في هذا الشأن ومحصته بعد أن استعرضت أقوال الشهود وما جاء في تقرير الصفة التشريحية فلم تر بين هذين الدليلين القولي والفني تناقضاً ما، فإن ما ينعاه الطاعن الأول على الحكم بقالة تعويله على دليلين متعارضين يكون على غير أساس طالما أن ما استند إليه في هذا الخصوص يتفق مع العقل وسائغ في المنطق، ولم تكن المحكمة ملزمة بأن تعتمد فيه على الأدلة المباشرة وحدها، لما هو مقرر ما أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي حول تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومصادرتها في عقيدتها مما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك وكان الحكم قد استدل على توافر نية القتل في حق الطاعنين في قوله: "وحيث إنه عن القصد الجنائي في جريمة القتل العمد فإنه يتميز عن القصد العام في سائر جرائم التعدي على النفس بعنصر خاص هو قصد القتل أي أن يقصد الجاني من ارتكاب الفعل إزهاق روح المجني عليه، وهو ثابت ومتوافر في حق المتهم الأول - الطاعن الأول - وذلك من استعماله آلة حادة قاتلة بطبيعتها (سكين) واعتدائه بها على رأس المجني عليه بقوة وقد بلغت شدة الطعن حداً نفذ معه من قبوة الجمجمة وأحدث كسرين نافذين من الصفيحتين الخارجية والداخلية للقبوة وتمتد إلى الجدارية اليسرى والصدفية اليسرى ويسار العظم الجبهي مما أودى بحياة المجني عليه الأول الأمر الذي يدل على ثبوت نية إزهاق الروح - كما أن قصد القتل ثابت ومتوفر في حق المتهم الثاني - الطاعن الثاني أيضاً وذلك من استعماله سلاح ناري - طبنجة - قاتل بطبيعته وتوجيهه لذلك السلاح صوب رأس المجني عليه وإصابته في رأسه إصابة شديدة أدت إلى كسور بالجمجمة وتهتك بالمخ ونزيف بالتجويف الدماغي مما أودى بحياة المجني عليه، الأمر الذي يدل على ثبوت نية إزهاق الروح. لما كان ذلك وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وإذا ما كان الحكم قد دلل على قيام هذه النية تدليلاً سائغاً واضحاً في إثبات توافرها لدى الطاعنين، فإن ما يثيره في هذا الصدد يكون غير سديد ولا محل له. لما كان ذلك وكان الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة، وأن تحديد وقت وقوع الحادث لا تأثير له على ثبوت الواقعة ما دامت المحكمة قد اطمأنت بالأدلة التي ساقتها إلى أن شهود الإثبات قد رأوا الطاعنين وتحققوا منهما وهما يرتكبان الحادث، ومن ثم فإن النعي على الحكم بدعوى الخطأ في الإسناد في شأن تحصيله لأقوال مأمور مركز شرطة الجيزة ونائبه بالجلسة بالنسبة لساعة وقوع الحادث لا يكن مقبولاً. لما كان ذلك وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة المؤرخ.... أن المدافع عن الطاعنين قد قرر أن الطاعنين لم يرد اسميهما في مشارطة التحكيم الذي تم بين أسرتيهما وأسرة المجني عليهما بما مفاده اختلاف تلك المشارطة عن الدعوى المدنية الحالية من حيث الخصوم، وكان الأصل أن حق المدعي بالحقوق المدنية في اختيار الطريق الجنائي. لا يسقط إلا إذا كانت دعواه المدنية متحدة مع تلك التي يريد إثارتها أمام المحكمة الجنائية، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الخصوص يكون دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان ولا على المحكمة إن هي التفتت عنه ولم ترد عليه، هذا إلى أن الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعنين قد ترافع في موضوع الدعوى قبل إشارته إلى مشارطة التحكيم، ومن ثم فإن هذا الدفع يكون قد سقط، لما هو مقرر من أن الدفع بسقوط حق المدعي بالحقوق المدنية في اختيار الطريق الجنائي ليس من النظام العام لتعلقه بالدعوى المدنية التي تحمى صوالح خاصة فهو يسقط بعدم إبدائه قبل الخوض في موضوع الدعوى. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً، مع إلزام كل من الطاعنين بالمصاريف المدنية.