أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 37 - صـ 304

جلسة 20 من فبراير سنة 1986

برياسة السيد المستشار: حسن جمعة نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: أحمد أبو زيد نائب رئيس المحكمة ومصطفى طاهر وصلاح البرجي وحسن عشيش.

(62)
الطعن رقم 5590 لسنة 55 القضائية

مسئولية جنائية. إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير حالة المتهم العقلية". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". أسباب الإباحة وموانع العقاب "موانع العقاب".
تقدير حالة المتهم العقلية. موضوعي. على المحكمة حتى يكون قضاؤها سليماً أن تعين خبيراً للبت في هذه الحالة وجوداً وعدماً وأن تورد أسباباً سائغة لقضائها برفض طلب فحص حالة المتهم العقلية وإلا كان حكمها معيباً.
مثال لتسبيب غير سائغ.
لما كان تقدير حالة المتهم العقلية وإن كان في الأصل من المسائل الموضوعية التي تختص محكمة الموضوع بالفصل فيها، إلا أنه يتعين عليها ليكون قضاؤها سليماً أن تعين خبيراً للبت في هذه الحالة وجوداً وعدماً لما يترتب عليها من قيام أو امتناع عقاب المتهم، فإن لم تفعل كان عليها أن تورد في القليل أسباباً سائغة تبنى عليها قضاءها برفض هذا الطلب وذلك إذا ما رأت من ظروف الحال ووقائع الدعوى وحالة المتهم أن قواه العقلية سليمة، ولما كان ما تساند إليه الحكم في تبرير عدم إجابة الدفاع إلى طلبه فحص حالة الطاعن العقلية لا يسوغ ما انتهى إليه في هذا الشأن، ذلك بأن أقوال شهود الإثبات واعتراف الطاعن وموقفه أثناء المحاكمة كل ذلك لا يدل بذاته - في خصوص الدعوى المطروحة - على أن الطاعن كان سليم العقل وقت ارتكابه الجريمة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه (أولاً): قتل.... مع سبق الإصرار بأن بيت النية وعقد العزم على قتله وأعد لذلك سكين (ساطور) وتوجه إليه في مقر عمله وما أن ظفر به حتى انهال على رأسه ضرباً بتلك الأداة قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. (ثانياً): أحرز بغير ترخيص سكيناً (ساطور) وذلك بدون مسوغ من الضرورة الشخصية أو الحرفية. وأحالته إلى محكمة جنايات... لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 32/ 2، 230، 231 من قانون العقوبات والمادتين 1/ 1، 25/ 1 مكرراً من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل والبند رقم 11 من الجدول رقم واحد الملحق مع إعمال المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة عما أسند إليه والمصادرة فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار قد انطوى على إخلال بحق الدفاع وشابه فساد في الاستدلال، ذلك بأن المحكمة لم تستجب إلى ما طلبه الدفاع عنه من عرضه على مستشفى الأمراض النفسية والعصبية لفحص قواه العقلية وبيان مدى مسئوليته عن الجريمة المسندة إليه، وردت على هذا الطلب بما لا يسوغ إطراحه، مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه حصل واقعة الدعوى وأورد مؤدى أقوال الشهود واعتراف الطاعن في التحقيقات بما يخلص في أن الطاعن الذي ساءت علاقته بالشركة التي يعمل بها لرفضها أن تتحمل نفقات علاجه بما أدى إلى تقديمه استقالته وقبولها وقد نقم على المجني عليه - وهو سائق زميل له في العمل - لكونه الذي نصحه بتقديم استقالته فبيت النية على قتله وأعد لهذا الغرض "ساطور" حمله في صباح يوم الحادث وتوجه إلى مكتب الشركة وإذ شاهد المجني عليه انهال عليه ضرباً حتى أجهز عليه وراح يمسح صدره بدمه ويردد على مسامع بقية العاملين أنه أخذ بثأره منه إلى أن تم القبض عليه وبعد أن أورد الحكم أن الطاعن رفض أثناء المحاكمة الإدلاء بالبيانات المتعلقة باسمه وسنه واقتصر على قوله "معرفش" عند مواجهته بالتهمة المسندة إليه، عرض لما طلبه المدافع عنه من إحالته إلى مستشفى الأمراض النفسية والعصبية لفحصه وتحديد مسئوليته عن الجريمة وإلى الشهادة الطبية التي قدمها تعزيزاً لهذا الطلب والمنسوب صدورها إلى الدكتور.... أخصائي الأمراض العصبية والنفسية ورد على ذلك بقوله "ومن حيث إن البين من وقائع الدعوى على النحو الذي سلف بيانه سواء في استخلاص الواقعة أو في أقوال شهود الإثبات أو في أقوال المتهم بتحقيقات النيابة أو بما أبداه من موقف بجلسة المحاكمة أنه أي المتهم لم يكن فاقد الشعور أو الاختيار في ارتكابه للتهمة المنسوبة إليه وكذلك فإن الأوراق قد خلت من ثمة ما يساند الادعاء بأن المتهم كان فاقداً للشعور أو الاختيار إما لجنون أو عاهة في العقل أو لغيبوبته ناشئة عن عقاقير مخدرة أياً كان نوعها أخذها قهراً عنه أو على غير علم منه بها وأن التذكرة الطبية المنسوبة إلى طبيب الأمراض النفسية والعصبية ففضلاً عن أن مظهرها على ما سلف بيانه لا يوحي بصدورها ممن نسبت إليه إذ حررت بالقلم الكوبيا ولم تحمل توقيعاً للطبيب المنسوبة إليه كما أن الأوراق قد خلت مما يساند ويعضد إسناد هذه الورقة إلى من نسبت إليه أو أنه كان يتردد على أخصائيين للأمراض النفسية والعصبية خاصة وقد ثبت من أقوال الشاهد الرابع الذي لم تدحض شهادته ما قدم الحاضر مع المتهم من مستندات أن المتهم كان يطلب علاجه من إحساس بالألم في أحد ضلوع صدره. كل ذلك من شأنه أن يصبح طلب الدفاع الأصيل بأنه يقوم على غير سند من الجد أو القانون ما دام أن المتهم حتى إصدار هذا الحكم يتوافر له الشعور والاختيار متعيناً لذلك رفض طلب عرض المتهم على مستشفى الأمراض النفسية والعصبية وإطراحه". لما كان ذلك، وكان تقدير حالة المتهم العقلية وإن كان في الأصل من المسائل الموضوعية التي تختص محكمة الموضوع بالفصل فيها، إلا أنه يتعين عليها ليكون قضاؤها سليماً أن تعين خبيراً للبت في هذه الحالة وجوداً وعدماً لما يترتب عليها من قيام أو امتناع عقاب المتهم، فإن لم تفعل كان عليها أن تورد في القليل أسباباً سائغة تبنى عليها قضاءها برفض هذا الطلب وذلك إذا ما رأت من ظروف الحال ووقائع الدعوى وحالة المتهم أن قواه العقلية سليمة، ولما كان ما تساند إليه الحكم في تبرير عدم إجابة الدفاع إلى طلبه فحص حالة الطاعن العقلية لا يسوغ ما انتهى إليه في هذا الشأن، ذلك بأن أقوال شهود الإثبات واعتراف الطاعن وموقفه أثناء المحاكمة كل ذلك لا يدل بذاته - في خصوص الدعوى المطروحة - على أن الطاعن كان سليم العقل وقت ارتكابه الجريمة. كما أن قول الحكم بأن الشهادة الطبية المقدمة من الطاعن غير موقعة من الطبيب المعزو إليه لا يسوغ وحده استبعادها إذ كان يتعين على المحكمة متى ساورها الشك في صحة نسبتها إلى ذلك الطبيب أن تستوثق منه عن ذلك، هذا إلى إغفال الحكم بيان فحوى هذه الشهادة، أما القول بأن الطاعن كان يعالج أثناء عمله بالشركة من آلام في صدره فلا يلزم عنه أنه كان خالياً من أية علة أخرى بعقله. لما كان ما تقدم، وكان دفاع الطاعن في الخصوص السالف يعد جوهرياً لأنه ينبني عليه - إذا صح - امتناع عقابه عن الفعل المسند إليه ارتكابه، فإنه يتعين على المحكمة حتى يكون حكمها قائماً على أساس سليم أن تحقق ذلك الدفاع عن طريق المختص فنياً للبت في حالة الطاعن العقلية في وقت وقوع الفعل أو ترد عليه بما ينفيه بأسباب سائغة، أما وهي لم تفعل اكتفاء بما قالته في هذا الشأن، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يستوجب نقضه والإحالة.