أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 44 - صـ 5

جلسة 13 من إبريل سنة 1997

برئاسة السيد المستشار/ أحمد مدحت المراغي رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عوض محمد إبراهيم جادو ونجاح سليمان نصار ومحمد نبيل رياض ومحمد حسين لبيب ومحمد أحمد حسن وناجى إسحق نقديموس ومحمد يحيى رشدان ود/ عادل قورة ومقبل شاكر محمد كامل شاكر نواب رئيس المحكمة وعاصم عبد الجبار.

(هيئة عامة)
الطعن رقم 11838 لسنة 60 قضائية

(1) إيجار أماكن. مقدم إيجار. محكمة دستورية. حكم "حجيته". قانون "بطلانه".
الحجية المطلقة للأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا قبل الكافة والملزمة لجميع سلطات الدولة. مقصورة على تلك الصادرة بعدم دستورية النص التشريعي أو بدستوريته. أساس ذلك؟
الأصل في النصوص التشريعية. هو حملها على قرينة الدستورية. إبطالها لا يكون إلا بقضاء من المحكمة الدستورية العليا. مؤدى ذلك؟
(2) محكمة دستورية. قانون "تفسيره". محكمة النقض "سلطتها".
اختصاص المحكمة الدستورية العليا بتفسير النصوص التشريعية. لا يصادر حق جهات القضاء الأخرى في تفسير تلك النصوص وتطبيقها على الواقعة المعروضة. ما دام لم يصدر تفسير ملزم من السلطة التشريعية أو من المحكمة الدستورية طبقاً للأوضاع المقررة في قانونها.
التفسيرات والتقريرات القانونية التي ترد في مدونات حكم المحكمة الدستورية العليا. لا تقيد محكمة النقض أو غيرها من أعمال اختصاصها في تفسير هذه النصوص. ما دام لم ينته الحكم إلى دستورية أو عدم دستورية النصوص المطعون عليها.
محكمة النقض. لا تعلوها محكمة. ولا تخضع أحكامها لرقابة جهة ما وظيفتها: توحيد تفسير القوانين وسلامة تطبيقها واستقرار المبادئ القانونية.
(3) قانون "قانون أصلح" "تطبيقه" "سريانه من حيث الزمان".
قاعدة شرعية الجريمة والعقاب. مقتضاها؟.
أعمال الأثر الرجعي للقانون الأصلح للمتهم. رهن بأن يكون القانون الجديد قد ألغى القانون السابق صراحة أو ضمناً.
(4) قانون "إلغاؤه".
إلغاء النص التشريعي. غير جائز. إلا بتشريع لاحق له. أعلى منه. أو مساو له. حالات إلغاء النص التشريعي؟.
(5) إيجار أماكن. مقدم إيجار. قانون "تفسيره" "تطبيقه".
الأماكن الخالية وقت نفاذ القانون 4 لسنة 1996 أو التي تخلو بعد نفاذه. خضوعها لأحكام القانون المدني. أساس ومؤدى ذلك؟.
الجرائم التي وقعت في ظل العمل بأحكام القانونين 49 لسنة 1977، 136 لسنة 1981. استمرار خضوعها لأحكامها رغم صدور القانون 4 لسنة 1996. علة ذلك؟.
(6) إيجار أماكن. مقدم إيجار. حكم "بيانات حكم الإدانة" "تسبيبه. تسبيب معيب". نقضه أسباب الطعن. ما يقبل منها".
وجوب إيراد الأدلة التي يستند إليها الحكم وبيان مؤداها.
تعويل الحكم في القضاء بالإدانة على عقد الإيجار الصادر من الطاعن للمجني عليه. دون بيان مضمونه. قصور.
1 - إن الحجية المطلقة قبل الكافة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية والتي تلتزم بها جميع سلطات الدولة هي - فحسب - للأحكام التي انتهت إلى عدم دستورية النص التشريعي المطعون فيه أو إلى دستوريته ورفض الدعوى على هذا الأساس، ذلك أن علة عينية الدعوى الدستورية، والحجية المطلقة للحكم الصادر في موضوعها، والتزام الجميع به، لا تتحقق إلا في هذا النطاق باعتبار أن قوامه مقابلة النصوص التشريعية المدعي مخالفتها للدستور بالقيود التي فرضها لضمان النزول إليها، والكشف عن مدى دستورية النصوص التشريعية، سواء بتقرير سلامتها من جميع العيوب الشكلية والموضوعية الدستورية فلا يكون لأحد من بعد أن يدعي خلاف ما قررته، أو ببطلانها فلا يجوز من بعد تطبيقها. وإذ اقتصر حكم المحكمة الدستورية في الطعن رقم 48 لسنة 17 قضائية "دستورية" المشار إليه على القضاء بعدم قبول الدعوى، دون أن يفصل في موضوعها بدستورية أو بعدم دستورية المادتين 26 و77 من القانون رقم 49 لسنة 1977 والمادتين 6 و23 من القانون رقم 136 لسنة 1981، وكان الأصل في النصوص التشريعية هو حملها على قرينة الدستورية، فإبطالها لا يكون إلا بقضاء من المحكمة الدستورية العليا إذا ما قام الدليل لديها، ولازم ذلك أن النصوص التشريعية التي لا تبطلها المحكمة الدستورية العليا لا يجوز بحال وقف سريانها.
2 - إن اختصاص المحكمة الدستورية العليا بتفسير النصوص التشريعية - وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لقانونها وجرى عليه قضاؤها - لا يصادر حق جهات القضاء الأخرى في تفسير القوانين وإنزال تفسيرها على الواقعة المعروضة عليها ما دام لم يصدر بشأن النص المطروح أمامها تفسير ملزم من السلطة التشريعية أو من المحكمة الدستورية صدر طبقاً للأوضاع المقررة في قانونها بشأن طلبات التفسير. ولا يغير من ذلك أن تكون - التفسيرات والتقريرات القانونية قد وردت في مدونات حكم المحكمة الدستورية العليا ما دام أن الحكم لم ينته إلى دستورية أو عدم دستورية النصوص المطعون عليها. ومن ثم لا يقيد هذه المحكمة أو غيرها ما ورد في مدونات حكم المحكمة الدستورية المشار إليه من تقريرات قانونية بشأن تفسير الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات وانطباقها على الأفعال المؤثمة بمقتضى نصوص القانونين رقمي 49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981، ويكون الاختصاص للهيئة العامة للمواد الجنائية بمحكمة النقض في تفسير هذه النصوص وتطبيقها على الوجه الصحيح، وذلك بعد أن أحالت إليها إحدى دوائر المحكمة الطعن الماثل - طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 4 من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية رقم 46 لسنة 1972 - كي تؤدي محكمة النقض بهذا وظيفتها في توحيد تفسير القوانين وسلامة تطبيقها، واستقرار المبادئ القانونية بما يكفل تقارباً في الحلول القضائية التي تخلص إليها محاكم الموضوع، ويحقق اجتماعها على قواعد واحدة. وتلك هي وظيفة المحكمة التي اقتضت ألا توجد في الدولة إلا محكمة نقض واحدة، على قمة النظام القضائي، فلا تعلوها محكمة، ولا تخضع أحكامها لرقابة جهة ما.
3 - لما كان مقتضى قاعدة شرعية الجريمة والعقاب أن القانون الجنائي يحكم ما يقع في ظله من جرائم ما لم يصدر تشريع لاحق أصلح للمتهم، وكان مناط أعمال الأثر الرجعى للقانون الجنائي - بحسبانه أصلح للمتهم - أن يكون القانون الجديد قد ألغى القانون السابق صراحة أو ضمناً، باعتبار أن هذه القاعدة تتصل بفض التنازع بين القوانين من حيث الزمان، فلا مجال لإعمالها إلا إذا ألغى تشريعاً آخر.
4 - من المقرر أنه لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق له أعلى منه أو مساو له في مدارج التشريع ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع.
5 - لما كان نص المادة الأولى من القانون رقم 4 لسنة 1996، المشار إليه، على أن "لا تسري أحكام القانونين رقمي 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر و136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر والقوانين الخاصة بإيجار الأماكن الصادرة قبلها على الأماكن التي لم يسبق تأجيرها ولا على الأماكن التي انتهت عقود إيجارها قبل العمل بهذا القانون أو تنتهي بعده لأي سبب من الأسباب دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها طبقاً للقانون" ونص المادة الثانية منه على أن "تطبق أحكام القانون المدني في شأن تأجير الأماكن المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا القانون خالية أو مفروشة أو في شأن استغلالها أو التصرف فيها" تدلان - في صريح لفظهما وواضح دلالتهما - على أن المشرع حدد نطاق تطبيق القانون رقم 4 لسنة 1996، وقصر استبعاد سريان القانونين رقمي 49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981 على الأماكن التي لم يسبق تأجيرها والأماكن التي انتهت عقود إيجارها قبل العمل بهذا القانون أو تنتهي بعده، بما مفاده أنه استثنى الأماكن الخالية من المستأجر وقت نفاذه أو التي تخلو بعد نفاذه من تطبيق أحكام قانوني إيجار الأماكن المشار إليهما وأخضع العلاقات الإيجارية الجديدة وعقود الاستغلال التي تتم بشأنها بعد نفاذه لأحكام القانون المدني، ولازم ذلك أن أحكام القانونين رقمي 49 لسنة 1977، 136 لسنة 1981 تظل سارية بجميع نصوصها، المدنية والجنائية، على العلاقات الإيجارية القائمة والتي أبرمت في ظل هذين القانونين قبل العمل بأحكام القانون رقم 4 لسنة 1996، ومن بينها النصوص التي أثمت تقاضي مقدم إيجار يزيد عن المقرر قانوناً، ذلك أن القانون الأخير، إذ يؤكد استمرار سريان أحكام القانونين المذكورين على تلك العلاقات الإيجارية، لم يتضمن نصاً بإلغاء أي من نصوص التجريم فيهما أو يعدل في أحكامها. ولا يقدح في ذلك ما نصت عليه المادة الثالثة من القانون رقم 4 لسنة 1996 بإلغاء كل نص من أي قانون آخر يتعارض مع أحكامه إذ أن أحكامه لا تنطبق إلا على عقود إيجار الأماكن الخالية أو التي تخلو بعد نفاذه، وهى التي أخضعها دون غيرها لأحكام القانون المدني وحده، فألغى تطبيق أي قانون آخر في شأنها، ومن ثم فإن الجرائم التي وقعت طبقاً لنصوص القانونين رقمي 49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981 تظل قائمة، خاضعة لأحكامهما، حتى بعد صدور القانون رقم 4 لسنة 1996 والعمل بأحكامه، ولا يمتد إليها أحكام هذا القانون بأثر رجعى لتخلف مناط أعمال هذا الأثر على ما سلف بيانه.
6 - من المقرر أنه يجب إيراد الأدلة التي تستند إليها المحكمة، وبيان مؤداها في الحكم بياناً كافياً، فلا تكفي مجرد الإشارة إليها بل ينبغي سرد مضمون الدليل وذكر مؤداه بطريقة وافية يبين منها مدى تأييده للواقعة كما اقتنعت بها المحكمة ومبلغ اتساقه مع باقي الأدلة. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد عول - ضمن ما عول عليه - في إدانة الطاعن على عقد الإيجار الصادر منه للمجني عليه دون أن يبين مضمونه وما به من بيانات والتزامات، فإن استناد الحكم إلى العقد على هذا النحو لا يكفى في بيان أسباب الحكم الصادر بالعقوبة لخلوه مما يكشف عن وجه استشهاد المحكمة بهذا الدليل الذي استنبطت منه معتقدها في الدعوى، مما يصم الحكم المطعون فيه بالقصور.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه تقاضى من المستأجر المبلغ المبين بالمحضر خارج نطاق عقد الإيجار كمقدم إيجار. وطلبت عقابه بالمادتين 26، 77 من القانون رقم 49 لسنة 1977 المعدل بالمادة 23 من القانون رقم 136 لسنة 1981 والمادة 336 من قانون العقوبات. ومحكمة أمن الدولة الجزئية بالجيزة قضت حضورياً عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهم مما نسب إليه. استأنفت النيابة العامة ومحكمة الجيزة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع بإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وتغريم المتهم 9360 جنيهاً وأداء مثله لصندوق الإسكان بمحافظة الجيزة وألزمته برد مبلغ 4680 جنيهاً للمجني عليه.
فطعن الأستاذ/.... المحامى نيابة عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.
وبجلستي.....، ..... نظرت المحكمة الطعن (منعقدة في هيئة غرفة المشورة) وقررت التأجيل لجلسة...... وفيها أحالته للهيئة العامة للمواد الجنائية للفصل فيه.


الهيئة

من حيث إنه يبين من الأوراق أن الحكم المطعون فيه قضى بمعاقبة الطاعن بغرامة قدرها 9360 جنيهاً وأداء مثلها لصندوق الإسكان بمحافظة الجيزة وإلزامه برد مبلغ 4680 جنيهاً للمجني عليه، وذلك عن جريمة تقاضي مقدم إيجار يزيد عن المقرر قانوناً. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض. وإذ رأت الدائرة الجنائية التي نظرت الطعن العدول عن المبدأ القانوني الذي قررته أحكام سابقة وهو اعتبار القانون رقم 4 لسنة 1996 بشأن سريان أحكام القانون المدني على الأماكن التي لم يسبق تأجيرها والأماكن التي انتهت أو تنتهي عقود إيجارها دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها أصلح للمتهم بارتكاب جريمة تقاضي مقدم إيجار يزيد عن المقرر قانوناً المنصوص عليها في المادتين 26 و77 من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر والمادة 6 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
ومن حيث إن مبنى الأحكام السابقة المراد العدول عن المبدأ القانوني الذي قررته هو أن القانون رقم 4 لسنة 1996 المشار إليه إذ أخرج عقود تأجير الأماكن واستغلالها والتصرف فيها من نطاق تطبيق أحكام قوانين إيجار الأماكن المشار إليها، وأخضعها لأحكام القانون المدني يكون قد أسقط صفة التجريم عن الأفعال التي جرمتها قوانين الإيجار السالف ذكرها - ومنها الجريمة محل الطعن - وأن القول بغير ذلك يؤدي إلى تعطيل تطبيق نص الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات الخاصة بتطبيق القانون الأصلح للمتهم، وتأباه مقتضيات العدالة إذ يظل مداناً من ارتكب الفعل في حين أن من يرتكبه في ظل القانون رقم 4 لسنة 1996 يكون بمنأى عن العقاب.
ومن حيث إنه بتاريخ 22 من فبراير سنة 1997 صدر حكم المحكمة الدستورية العليا في الطعن رقم 48 لسنة 17 قضائية "دستورية" بعدم قبول الدعوى، المقامة للحكم بعدم دستورية المادتين 26 و77 من القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه والمادتين 6 و23 من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، تأسيساً على انتفاء المصلحة في الدعوى، لما كان ذلك، وكانت الحجية المطلقة قبل الكافة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية والتي تلتزم بها جميع سلطات الدولة هي - فحسب - للأحكام التي انتهت إلى عدم دستورية النص التشريعي المطعون فيه أو إلى دستوريته ورفض الدعوى على هذا الأساس، ذلك أن علة عينية الدعوى الدستورية، والحجية المطلقة للحكم الصادر في موضوعها، والتزام الجميع به، لا تتحقق إلا في هذا النطاق باعتبار أن قوامه مقابلة النصوص التشريعية المدعي مخالفتها للدستور بالقيود التي فرضها لضمان النزول إليها، والكشف عن مدى دستورية النصوص التشريعية، سواء بتقرير سلامتها من جميع العيوب الشكلية والموضوعية الدستورية فلا يكون لأحد من بعد أن يدعي خلاف ما قررته، أو ببطلانها فلا يجوز من بعد تطبيقها، وإذ اقتصر حكم المحكمة الدستورية في الطعن رقم 48 لسنة 17 قضائية "دستورية" المشار إليه على القضاء بعدم قبول الدعوى، دون أن يفصل في موضوعها بدستورية أو بعدم دستورية المادتين 26 و77 من القانون رقم 49 لسنة 1977 والمادتين 6 و23 من القانون رقم 136 لسنة 1981، وكان الأصل في النصوص التشريعية هو حملها على قرينة الدستورية، فإبطالها لا يكون إلا بقضاء من المحكمة الدستورية العليا إذا ما قام الدليل لديها، ولازم ذلك أن النصوص التشريعية التي لا تبطلها المحكمة الدستورية العليا لا يجوز بحال وقف سريانها. لما كان ذلك، وكان اختصاص المحكمة الدستورية العليا بتفسير النصوص التشريعية - وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لقانونها وجرى عليه قضاؤها - لا يصادر حق جهات القضاء الأخرى في تفسير القوانين وإنزال تفسيرها على الواقعة المعروضة عليها ما دام لم يصدر بشأن النص المطروح أمامها تفسير ملزم من السلطة التشريعية أو من المحكمة الدستورية صدر طبقاً للأوضاع المقررة في قانونها بشأن طلبات التفسير. ولا يغير من ذلك أن تكون - التفسيرات والتقريرات القانونية قد وردت في مدونات حكم المحكمة الدستورية العليا ما دام أن الحكم لم ينته إلى دستورية أو عدم دستورية النصوص المطعون عليها. ومن ثم لا يقيد هذه المحكمة أو غيرها ما ورد في مدونات حكم المحكمة الدستورية المشار إليه من تقريرات قانونية بشأن تفسير الفقرة الثانية من الخامسة من قانون العقوبات وانطباقها على الأفعال المؤثمة بمقتضى نصوص القانونين رقمي 49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981، ويكون الاختصاص للهيئة العامة للمواد الجنائية بمحكمة النقض في تفسير هذه النصوص وتطبيقها على الوجه الصحيح، وذلك بعد أن أحالت إليها إحدى دوائر المحكمة الطعن الماثل - طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 4 من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية رقم 46 لسنة 1972 - كي تؤدي محكمة النقض بهذا وظيفتها في توحيد تفسير القوانين وسلامة تطبيقها، واستقرار المبادئ القانونية بما يكفل تقارباً في الحلول القضائية التي تخلص إليها محاكم الموضوع، ويحقق اجتماعها على قواعد واحدة. وتلك هي وظيفة المحكمة التي اقتضت ألا توجد في الدولة إلا محكمة نقض واحدة، على قمة النظام القضائي، فلا تعلوها محكمة، ولا تخضع أحكامها لرقابة جهة ما.
ومن حيث إنه لما كان مقتضى قاعدة شرعية الجريمة والعقاب أن القانون الجنائي يحكم ما يقع في ظلة من جرائم ما لم يصدر تشريع لاحق أصلح للمتهم، وكان مناط إعمال الأثر الرجعي للقانون الجنائي - بحسبانه أصلح للمتهم - أن يكون القانون الجديد قد ألغى القانون السابق صراحة أو ضمناً، باعتبار أن هذه القاعدة تتصل بفض التنازع بين القوانين من حيث الزمان، فلا مجال لإعمالها إلا إذا ألغى تشريع تشريعاً آخر. وكان من المقرر أنه لا يجوز إلغاء نصوص تشريعي إلا بتشريع لاحق له أعلى منه أو مساو له في مدارج التشريع ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع، وكان نص المادة الأولى من القانون رقم 4 لسنة 1996، المشار إليه، على أنه "لا تسري أحكام القانونين رقمي 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر و136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر والقوانين الخاصة بإيجار الأماكن الصادرة قبلها على الأماكن التي لم يسبق تأجيرها ولا على الأماكن التي انتهت عقود إيجارها قبل العمل بهذا القانون أو تنتهي بعده لأي سبب من الأسباب دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها طبقاً للقانون" ونص المادة الثانية منه على أن "تطبق أحكام القانون المدني في شأن تأجير الأماكن المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا القانون خالية أو مفروشة أو في شأن استغلالها أو التصرف فيها" تدلان - في صريح لفظهما وواضح دلالتهما - على أن المشرع حدد نطاق تطبيق القانون رقم 4 لسنة 1996، وقصر استبعاد سريان القانونين رقمي 49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981 على الأماكن التي لم يسبق تأجيرها والأماكن التي انتهت عقود إيجارها قبل العمل بهذا القانون أو تنتهي بعده، بما مفاده أنه استثنى الأماكن الخالية من المستأجر وقت نفاذه أو التي تخلو بعد نفاذه من تطبيق أحكام قانوني إيجار الأماكن المشار إليهما وأخضع العلاقات الإيجارية الجديدة وعقود الاستغلال التي تتم بشأنها بعد نفاذه لأحكام القانون المدني، ولازم ذلك أن أحكام القانونين رقمي 49 لسنة 1977، 136 لسنة 1981 تظل سارية بجميع نصوصها، المدنية والجنائية، على العلاقات الإيجارية القائمة والتي أبرمت في ظل هذين القانونين قبل العمل بأحكام القانون رقم 4 لسنة 1996، ومن بينها النصوص التي أثمت تقاضي مقدم إيجار يزيد عن المقرر قانوناً، ذلك أن القانون الأخير، إذ يؤكد استمرار سريان أحكام القانونين المذكورين على تلك العلاقات الإيجارية، لم يتضمن نصاً بإلغاء أي من نصوص التجريم فيهما أو يعدل في أحكامها. ولا يقدح في ذلك ما نصت عليه المادة الثالثة من القانون رقم 4 لسنة 1996 بإلغاء كل نص من أي قانون آخر يتعارض مع أحكامه إذ أن أحكامه لا تنطبق إلا على عقود إيجار الأماكن الخالية أو التي تخلو بعد نفاذه، وهى التي أخضعها دون غيرها لأحكام القانون المدني وحده، فألغى تطبيق أي قانون آخر في شأنها، ومن ثم فإن الجرائم التي وقعت طبقاً لنصوص القانونين رقمي 49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981 تظل قائمة، خاضعة لأحكامها، حتى بعد صدور القانون رقم 4 لسنة 1996 والعمل بأحكامه، ولا يمتد إليها أحكام هذا القانون بأثر رجعي لتخلف مناط إعمال هذا الأثر على ما سلف بيانه. لما كان ذلك، وإزاء صراحة نص القانون رقم 4 لسنة 1996 في وجوب سريان أحكام قانوني إيجار الأماكن رقمي 49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981 على العلاقات الإيجارية السابقة على نفاذه، فإن سائر الاعتبارات الأخرى، وإن صلحت كي يستهدى بها المشرع عند النظر في ملاءمة إلغاء بعض نصوص التجريم في القانونين المشار إليهما، إلا أنها لا تصلح سنداً لتأويل النصوص مع صراحتها.
ومن حيث إنه لما تقدم، فإن الهيئة العامة تنتهي بالأغلبية المنصوص عليها في المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية إلى العدول عن الأحكام التي صدرت على خلاف النظر المتقدم.
ومن حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.
ومن حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة تقاضي مقدم إيجار يزيد عن المقرر قانوناً قد شابه قصور في التسبيب ذلك أنه لم يورد مضمون الأدلة التي استند إليها في إدانته مما يعيبه ويستوجب نقضه.
ومن حيث إنه من المقرر أنه يجب إيراد الأدلة التي تستند إليها المحكمة، وبيان مؤداها في الحكم بياناً كافياً، فلا تكفى مجرد الإشارة إليها بل ينبغي سرد مضمون الدليل وذكر مؤداه بطريقة وافية يبين منها مدى تأييده للواقعة كما اقتنعت بها المحكمة ومبلغ اتساقه مع باقي الأدلة. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد عول - ضمن ما عول عليه - في إدانة الطاعن على عقد الإيجار الصادر منه للمجني عليه دون أن يبين مضمونه وما به من بيانات والتزامات، فإن استناد الحكم إلى العقد على هذا النحو لا يكفي في بيان أسباب الحكم الصادر بالعقوبة لخلوه مما يكشف عن وجه استشهاد المحكمة بهذا الدليل الذي استنبطت منه معتقدها في الدعوى، مما يصم الحكم المطعون فيه بالقصور. لما كان ما تقدم، فإن يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإعادة بغير حاجة إلى بحث أوجه الطعن الأخرى.