مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1955 إلى آخر يناير سنة 1956) - صـ 9

جلسة 5 من نوفمبر سنة 1955

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وبحضور السادة بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وحسن جلال وعلي إبراهيم بغدادي المستشارين.

(2)
القضية رقم 16 لسنة 1 القضائية [(1)]

( أ ) موظف - علاقته بالحكومة علاقة تنظيمية - خضوع نظامه القانوني للتعديل وفق مقتضيات المصلحة العامة - سريان التنظيم الجديد عليه بأثر حال من تاريخ العمل به - عدم سريانه بأثر رجعي يمس المراكز القانونية الذاتية إلا بنص خاص في قانون وليس في أداة أدنى - تضمن التنظيم الجديد لمزايا ترتب أعباء مالية على الخزانة - عدم سريانه على الماضي إلا إذا تبين قصده في ذلك بوضوح - عند الشك يكون التفسير لصالح الخزانة - أساس ذلك.
(ب) كادر العمال - قرار مجلس الوزراء في 10 من سبتمبر سنة 1950 بمعالجة الشذوذ الناتج عن تطبيق قرارين سابقين عليه - تضمنه مزايا مالية بالنسبة لفئات من السائقين والوقادين - تمتعهم بهذه المزايا من تاريخ صدوره بغير أثر رجعي - أساس ذلك.
1 - إن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح، فمركز الموظف من هذه الناحية هو مركز قانوني عام يجوز تغييره في أي وقت. وليس له أن يحتج بأن له حقاً مكتسباً في أن يعامل بمقتضى النظام القديم الذي عين في ظل أحكامه، ومرد ذلك إلى أن الموظفين هم عمال المرافق العامة، وبهذه المثابة يجب أن يخضع نظامهم القانوني والتغيير وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة. ويتفرع عن ذلك أن التنظيم الجديد يسري على الموظف بأثر حال من تاريخ العمل به ولكنه لا يسري بأثر رجعي بما من شأنه إهدار المراكز القانونية الذاتية التي تكون قد تحققت لصالح الموظف نتيجة لتطبيق التنظيم القديم، قانوناً كان أو لائحة على حالته، إلا بنص خاص في قانون وليس في أداة أدنى منه كلائحة. وإذا تضمن التنظيم الجديد، قانوناً كان أو لائحة، مزايا جديدة للوظيفة ترتب أعباء مالية على الخزانة العامة، فالأصل ألا يسري التنظيم الجديد في هذا الخصوص إلا من تاريخ العمل به، إلا إذا كان واضحاً منه أنه قصد أن يكون نفاذه من تاريخ سابق، هذا وعند الغموض أو الشك يجب أن يكون التفسير لصالح الخزانة، إعمالاً لمبدأ ترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة في الروابط القانونية التي تنشأ بين الإدارة والأفراد في مجالات القانون العام.
2 - يبين من الاطلاع على قرار مجلس الوزراء الصادر في 23 من نوفمبر سنة 1944 أن السواقين والوقادين بالسكك الحديدية لم يدرجوا في ضمن طائفة عمال اليومية إلى أن صدر قرارا مجلس الوزراء في 28 من نوفمبر سنة 1948 و13 من فبراير سنة 1949 بمعاملتهم بمقتضى أحكام كادر العمال على أساس وضعهم في الدرجة (240 م - 400 م) بشروط معينة على أن تدفع لهم الفروق من أول ديسمبر سنة 1948، ونص في قرار 13 من فبراير سنة 1949 على أنه لا يفيد من هذه التسوية سوى الموجودين في الدرجتين الثامنة والسابعة فقط. ثم صدر قرار مجلس الوزراء في 10 من سبتمبر سنة 1950 فوسع من دائرة المعاملين بكادر العمال من السائقين وأدخل في تلك الدائرة سائقي الدرجة السادسة كما عدل من أحكام قراري مجلس الوزراء الصادرين في 28 من نوفمبر سنة 1948 و13 من فبراير سنة 1949 لإزالة الشذوذ الذي كشف تطبيق هذين القرارين عن وجوده، وهو زيادة أجر الوقاد أو السائق الحديث في الخدمة عن أجر زميله الأقدم منه. ولما كان قرار مجلس الوزراء الصادر في 10 من سبتمبر سنة 1950 قد استحدث تعديلاً في النظام القانوني لأمثال المدعي من الوقادين متضمناً مزايا لهم ترتب أعباء مالية على الخزانة العامة، فلا يسري هذا التنظيم الجديد إلا من تاريخ العمل به، دون إسناده إلى تاريخ سابق ودفع فروق عن الماضي، ما دام ذلك ليس واضحاً من نصوصه، بل إن ظروف الحال وملابساته لدى إصداره تدل على العكس إذا روعي أن تقدير مصلحة السكك الحديدية للتكاليف المالية للتسوية لا تجاوز مبلغ 300 ج شهرياً يخصم على البند الذي يخصم عليه بأجور خدم القاطرات، وهذا المبلغ لا يتسع لدفع فروق عن الماضي. ومهما يكن من أمر، فإنه لو صح أن ثمة غموضاً في القرار لوجب تفسيره لصالح الخزانة العامة.


إجراءات الطعن

في 13 من يونيه سنة 1955 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "هيئة ثالثة" بجلسة 14 من إبريل سنة 1955 في الدعوى رقم 5477 لسنة 8 القضائية، المرفوعة من وزارة المواصلات ضد السيد/ السيد أحمد الحلوى عبد الرحيم، القاضي: "بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه وباستحقاق المطعون ضده تسوية حالته بالتطبيق لأحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 10 من سبتمبر سنة 1950 وصرف الفروق اعتباراً من أول ديسمبر سنة 1948 وألزمت الحكومة بالمصروفات المناسبة" وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن "الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء قرار اللجنة القضائية واستحقاق المطعون ضده تسوية حالته بالتطبيق لأحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 10 من سبتمبر سنة 1950 وصرف الفروق اعتباراً من أول ديسمبر سنة 1948، وإلزام الحكومة بالمصروفات والقضاء بإلغاء قرار اللجنة القضائية ورفض طلبات المتظلم وإلزامه بالمصروفات". وأعلن السيد/ السيد أحمد الحلوى عبد الرحيم بالطعن في 19 من يونيه سنة 1955، وأعلن السيد وزير المواصلات في 16 من يونيه سنة 1955، ثم عين لنظر الطعن جلسة 15 من أكتوبر سنة 1955 وفيها سمعت إيضاحات الطرفين على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وأرجئ إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يستفاد من أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليه تقدم إلى اللجنة القضائية لوزارة المواصلات بالتظلم رقم 1354 لسنة 2 القضائية أبان فيه أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 10 من سبتمبر سنة 1950 بتسوية الشذوذ الناتج من تطبيق كادر العمال على خدمة القاطرات طبق في حقه تطبيقاً خاطئاً إذ لم يصرف له الفرق عن الماضي من تاريخ ترقيته وقادا في أول مايو سنة 1946 حتى تاريخ صدور قرار مجلس الوزراء في 10 من سبتمبر سنة 1955 وطلب الحكم باستحقاقه هذه الفروق إعمالاً لقرار مجلس الوزراء سالف الذكر. وفي 28 من ديسمبر سنة 1953 أصدرت اللجنة القضائية الخاصة بالنظر في منازعات موظفي وزارة المواصلات قراراً "بتسوية حالة المتظلم وفقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 10 من سبتمبر سنة 1950 من تاريخ ترقيته إلى وقاد وما يترتب على ذلك من آثار". وأسست اللجنة قرارها على أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 10 من سبتمبر سنة 1955 نص على ما يأتي: "تسوية الشذوذ الناتج من تطبيق قراري مجلس الوزراء الصادرين في 28 من نوفمبر سنة 1948 و13 من فبراير سنة 1949 (تحسين حالة سائقي ووقادي الوابورات) مما ينتج عنه ارتفاع ماهية الوقاد أو السائق الجديد في الخدمة إلى مستوى أعلى من زميله الأقدم منه ورفع الإجحاف الذي وقع على السائقين الشاغلين للدرجة السادسة بسبب عدم تطبيق كادر العمال عليهم وذلك بتطبيق هذا الكادر عليهم أسوة بسائقي الدرجتين السابعة والثامنة". وانتهت اللجنة إلى أنه لا يمكن أن يفهم من كلمة "تسوية الشذوذ" إلا أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 10 من سبتمبر سنة 1950 يرفع هذا الشذوذ من يوم وقوعه، أي من تاريخ ترقية المتظلم إلى وقاد.
وبعريضة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 17 من مارس سنة 1954 طعنت وزارة المواصلات في قرار اللجنة القضائية طالبة إلغاءه وإلزام المطعون عليه بالمصروفات والأتعاب، وبنت طعنها على أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 10 من سبتمبر سنة 1950 طبق في حق من يشملهم هذا القرار ودفع لهم الفرق من 10 من سبتمبر سنة 1950 تاريخ صدور هذا القرار؛ لأنه لم ينص فيه على تاريخ الانتفاع المادي، فلا يجوز، والحالة هذه، دفع الفرق من تاريخ ترقية المطعون عليه إلى وقاد في أول مايو سنة 1946. ودفع المطعون عليه بأن السائقين والوقادين إنما يستمدون حقهم في المعاملة بقواعد كادر العمال من قراري مجلس الوزراء الصادرين في 23 من نوفمبر سنة 1944 و28 من ديسمبر سنة 1944 بشأن أحكام كادر العمال وليس من قرارات مجلس الوزراء الصادرة في 28 من نوفمبر سنة 1948 و13 من فبراير سنة 1949 و10 من سبتمبر سنة 1950؛ ذلك أن القرارات الأخيرة كاشفة عن حق مقرر لهم بكادر العمال، كما أن حالة الشذوذ التي نتجت من حرمان فريق من الوقادين والسائقين لم تكن مقصورة على تدرجهم بل هي شاملة لعدم دفع الفروق، وأضاف إلى ذلك أنه لم يرد بقرار مجلس الوزراء الصادر في 10 من سبتمبر سنة 1950 أي نص مانع للدفع من أول مايو سنة 1945، وقد استقرت أحكام محكمة القضاء الإداري على أن قرارات مجلس الوزراء التي تصدر بتصرفات داخلة في اختصاص السلطة التنفيذية تكون صحيحة ونافذة حتى لو جاوز مجلس الوزراء اعتماد المال المقرر.
وقد قضت محكمة القضاء الإداري بحكمها الصادر في 14 من إبريل سنة 1955 "بإلغاء قرار اللجنة القضائية وباستحقاق المطعون ضده تسوية حالته بالتطبيق لأحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 10 من سبتمبر سنة 1950 وصرف الفروق اعتباراً من أول ديسمبر سنة 1948 وبإلزام الحكومة بالمصروفات المناسبة". وأسست قضاءها على أن المساواة بين وقادي الدرجة السادسة وبين زملائهم في الدرجتين السابعة والثامنة عند تطبيق كادر العمال عليهم وتسوية الشذوذ الناتج من تطبيق قراري مجلس الوزراء الصادرين في 28 من نوفمبر سنة 1948 و13 من فبراير سنة 1949 مما نتج عنه زيادة ماهية الوقاد أو السائق الجديد في الخدمة عن ماهية زميله الأقدم منه. كل هذا لا يتحقق إلا بدفع الفروق من أول ديسمبر سنة 1948.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن قرارات مجلس الوزراء الصادرة في 28 من نوفمبر سنة 1948 و13 من فبراير سنة 1949 و10 من سبتمبر سنة 1950 لم تكن كاشفة عن حق مقرر بكادر العمال، وإنما جاءت منشئة لحق مستحدث، ولم ينص القرار الأخير على أداء فروق من تاريخ معين في الماضي، أما عبارة "إزالة الشذوذ" الواردة في القرار المذكور فكانت منصبة على الشذوذ الناتج من زيادة ماهية الوقاد أو السائق الجديد في الخدمة عن زميله الأقدم منه ولم يشر القرار إلى شذوذ الفروق المالية عن الماضي، فيكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على قرار مجلس الوزراء الصادر في 23 من نوفمبر سنة 1944 أن السواقين والوقادين بالسكك الحديدية لم يدرجوا في ضمن طائفة عمال اليومية إلى أن صدر قرارا مجلس الوزراء في 28 من نوفمبر سنة 1948 و13 من فبراير سنة 1949 بمعاملتهم بمقتضى أحكام كادر العمال على أساس وضعهم في الدرجة (240 م - 400 م) بشروط معينة على أن تدفع لهم الفروق من أول ديسمبر سنة 1948، ونص في قرار 13 من فبراير سنة 1949 على أنه لا يفيد من هذه التسوية سوى الموجودين في الدرجتين الثامنة والسابعة فقط، ثم صدر قرار مجلس الوزراء في 10 من سبتمبر سنة 1950 فوسع في دائرة المعاملين بكادر العمال من السائقين وأدخل في تلك الدائرة سائقي الدرجة السادسة كما عدل من أحكام قراري مجلس الوزراء الصادرين في 28 من نوفمبر سنة 1948 و13 من فبراير سنة 1949 لإزالة الشذوذ الذي كشف تطبيق هذين القرارين عن وجوده، وهو زيادة أجر الوقاد أو السائق الحديث في الخدمة عن أجر زميله الأقدم منه.
ومن حيث إن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح، فمركز الموظف من هذه الناحية هو مركز قانوني عام يجوز تغييره في أي وقت، وليس له أن يحتج بأن له حقاً مكتسباً في أن يعامل بمقتضى النظام القديم الذي عين في ظل أحكامه. ومرد ذلك إلى أن الموظفين هم عمال المرافق العامة وبهذه المثابة يجب أن يخضع نظامهم القانوني للتعديل والتغيير وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة. ويتفرع عن ذلك أن التنظيم الجديد يسري على الموظف بأثر حال من تاريخ العمل به ولكنه لا يسري بأثر رجعي بما من شأنه إهدار المراكز القانونية الذاتية التي تكون قد تحققت لصالح الموظف نتيجة لتطبيق التنظيم القديم، قانوناً كان أو لائحة، على حالته، إلا بنص خاص في قانون وليس في أداة أدنى منه كلائحة. وإذا تضمن التنظيم الجديد، قانوناً كان أو لائحة، مزايا جديدة للوظيفة ترتب أعباء مالية على الخزانة العامة، فالأصل ألا يسري التنظيم الجديد في هذا الخصوص إلا من تاريخ العمل به، إلا إذا كان واضحاً منه أنه قصد أن يكون نفاذه من تاريخ سابق. هذا وعند الغموض أو الشك يجب أن يكون التفسير لصالح الخزانة، إعمالاً لمبدأ ترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة في الروابط القانونية التي تنشأ بين الإدارة والأفراد في مجالات القانون العام.
ومن حيث إن قرار مجلس الوزراء الصادر في 10 من سبتمبر سنة 1950 قد استحدث تعديلاً في النظام القانوني لأمثال المدعي من الوقادين، متضمناً مزايا لهم ترتب أعباء مالية على الخزانة العامة. فعلى مقتضى ما تقدم، لا يسري هذا التنظيم الجديد إلا من تاريخ العمل به، دون إسناده إلى تاريخ سابق ودفع فروق عن الماضي، ما دام ذلك ليس واضحاً من نصوصه، بل إن ظروف الحال وملابساته لدى إصداره تدل على العكس؛ إذا روعي أن تقدير مصلحة السكك الحديدية للتكاليف المالية للتسوية لا تجاوز 300 ج شهرياً، يخصم على البند الذي يخصم عليه بأجور خدم القاطرات، وهذا المبلغ لا يتسع لدفع فروق عن الماضي. ومهما يكن من أمر، فإنه لو صح أن ثمة غموضاً في القرار لوجب تفسيره لصالح الخزانة العامة كما سلف إيضاحه.
ومن حيث إنه يبين من كل ما تقدم أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بدفع فروق عن الماضي، أي اعتباراً من أول ديسمبر سنة 1948 يكون قد أخطأ في تطبيق القانون متعيناً إلغاؤه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض طلبات المتظلم (السيد/ السيد أحمد الحلوى عبد الرحيم) وبإلزامه بالمصروفات.


[(1)] بهذا المعنى الأحكام الصادرة بجلسة 12 من نوفمبر 1955 بالطعون أرقام 15، 17، 18 لسنة 1 القضائية.