أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 38 - صـ 464

جلسة 26 من مارس سنة 1987

برياسة السيد المستشار/ محمد محمود راسم نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد رأفت خفاجي نائب رئيس المحكمة، الحسيني الكناني، محمد عبد البر حسين سالم ومحمد محمد طيطة.

(103)
الطعن رقم 348 سنة 50 القضائية

(1) إعلان "بطلان الإعلان". بطلان "بطلان الإجراءات". تجزئة.
البطلان المترتب على عدم مراعاة إجراءات الإعلان. نسبي غير متعلق بالنظام العام. لا يملك التمسك به إلا من شرع لمصلحته ولو كان الموضوع غير قابل للتجزئة. إفادة من صح إعلانه بهذا البطلان. شرطه. أن يتمسك به من تعيب إعلانه وتقضي به المحكمة.
(2) دعوى "سقوط الخصومة". تجزئة.
سقوط الخصومة لمضي أكثر من سنة على آخر إجراء صحيح. م 134 مرافعات. اتصاله بمصلحة الخصم. جواز التنازل عنه صراحة أو ضمناً. تمسك صاحب المصلحة بالسقوط. أثره. سقوطها بالنسبة لباقي الخصوم في حالة عدم التجزئة.
(3) نقض "ما لا يصلح سبباً للطعن".
إقامة الحكم المطعون فيه قضاءه على أسباب مستقلة دون إحالة إلى أسباب الحكم الابتدائي. النعي الموجه إلى هذا الحكم. غير مقبول.
(4، 5) إيجار "إيجار الأماكن" "بيع الجدك".
(4) بيع المتجر أو المصنع. إجازته استثناء من الأصل المقرر بحظر التنازل عن الإيجار. شرطه. توافر الصفة التجارية للنشاط الذي يزاوله البائع وقت البيع. المحل المستغل في نشاط حرفي. لا يعد متجراً. علة ذلك.
(5) تحديد عناصر المتجر من ثابت ومنقول ومقومات مادية ومعنوية. عن سلطة قاضي الموضوع متى كان استخلاصه سائغاً.
(6، 7) إيجار "إيجار الأماكن" "التأجير المفروش" "الامتداد القانوني".
(6) مستأجر المكان المفروش. حقه في الامتداد القانوني لعقد الإيجار. مناطه. الإقامة بقصد السكن. م 46 ق 49 سنة 1977.
(7) الأمر العسكري رقم 4 سنة 1976 بإجازة استئجار السكن المفروش خالياً متى توافرت شروطه. اعتباره غير واجب التطبيق لعدم وضعه موضع التنفيذ حتى إلغائه بالقانون رقم 49 لسنة 1977.
1 - البطلان الناشئ عن عدم مراعاة إجراءات الإعلان بما في ذلك إجرائه في غير موطن المعلن إليه هو بطلان نسبي غير متعلق بالنظام العام، فلا يملك التمسك به إلا من شرع ذلك البطلان لمصلحته وليس لغيره ممن صح إعلانهم أن يتمسك بالبطلان الذي لا شأن له به، فلا يقبل منه تقديم الدليل على قيامه، ولا يغير من ذلك أن يكون الموضوع غير قابل للتجزئة، ذلك أنه في حالة عدم التجزئة فإن إفادة من صح إعلانهم من البطلان الحاصل في إعلان غيرهم من الخصوم لا يكون إلا بعد أن يثبت هذا البطلان بالطريق الذي يتطلبه القانون، فيتمسك به صاحب الشأن فيه وتحكم به المحكمة وعندئذ يستتبع الحكم بالبطلان بالنسبة لمن لم يصح إعلانه، بطلانه أيضاً بالنسبة لباقي الخصوم.
2 - النص في المادة 134 من قانون المرافعات على أنه "لكل ذي مصلحة من الخصوم في حالة عدم السير في الدعوى بفعل المدعي أو امتناعه أن يطلب الحكم بسقوط الخصومة متى انقضت سنة من آخر إجراء صحيح من إجراءات التقاضي" يدل على أن المقصود بصاحب المصلحة في هذا النص هو من لم يتم إعلانه بتعجيل الدعوى في الميعاد فله وحده حق التمسك بسقوط الخصومة، ونظراً لعدم تعلقه بالنظام العام فإن لصاحب المصلحة فيه أن يتنازل عنه صراحة أو ضمناً، أما الخصم الذي تم إعلانه صحيحاً بالتعجيل في ميعاد السنة فلا يملك التمسك بسقوط الخصومة لعدم إعلان غيره بهذا التعجيل في الميعاد أو بطلان إعلانه به حتى ولو كان الموضوع غير قابل للتجزئة، إلا أنه إذا تمسك صاحب المصلحة بهذا الدفع، وثبت للمحكمة صحته، فإن سقوط الخصومة بالنسبة له يستتبع - في حالة عدم التجزئة - سقوطه أيضاً بالنسبة لباقي الخصوم.
3 - متى كان الحكم المطعون فيه قد قضى بتأييد الحكم الابتدائي بناء على أسباب خاصة دون أن يحيل عليه في أسبابه، فإن النعي الموجه إلى هذا الحكم يكون غير مقبول، لما كان ذلك، وكان النعي الموجه من الطاعن منصرفاً إلى أسباب الحكم الابتدائي التي لا تصادف محل من قضاء الحكم المطعون فيه الذي أقام قضاءه على أسباب مستقلة دون إحالة إلى الحكم الابتدائي، فإن النعي - أياً كان وجه الرأي فيه يكون غير مقبول.
4 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 594 من القانون المدني، إنما هو استثناء لا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه ذلك أن الأصل المقرر هو التزام المستأجر باحترام الحظر من التنازل عن الإيجار وأن الدفع على تقريره هو حرص المشرع على إستيقاء الرواج التجاري، متمثلاً في عدم توقف الاستثمار الصناعي أو التجاري في حالة اضطرار صاحبه للتوقف عنه، فأباح المشرع للمستأجر التجاوز في الشرط المانع والتنازل عن الإيجار للغير متى كانت العين المؤجرة عقاراً أنشأ فيه المستأجر محلاً تجارياً سواء كان متجراً أو مصنعاً بشرط أن تثبت الصفة التجارية للنشاط الذي كان يزاوله المتنازل وقت لإتمام بيع المتجر أو المصنع، ومؤدى ذلك أنه إذا كان المحل مستغلاً في نشاطه قوامه الاعتماد وبصفة رئيسية على استغلال المواهب الشخصية والخبرات العملية والمهارات الفنية لصاحبه، ودون أن يستخدم آلات أو عمالاً ولا يضارب على عمل هؤلاء العمال أو إنتاج تلك الآلات، فإنه لا يعتبر متجراً، إذ تقوم صلته لعملائه في هذه الحالة على ثقتهم الشخصية وخبرته بخلاف المحل التجاري الذي يتردد عليه العملاء لثقتهم فيه كمنشأة لها مقوماتها الخاصة مستقلة عن شخص مالكها، كما يشترط أن يكون الشراء بقصد ممارسة ذات النشاط الذي كان يزاوله بائع المتجر.
5 - تحديد عناصر المتجر من ثابتة ومنقول ومقومات مادية ومعنوية هو من سلطة قاضي الموضوع متى كان استخلاصه في ذلك سائغاً.
6 - النص في المادة 46 من القانون 49 سنة 1977 في شأن تأجير الأماكن يدل على أن مناط تطبيقه هو أن تكون العين قد أجرت بغرض السكن إلى المستفيد من حكمه، وهو ما كان يقضي به أيضاً الأمر العسكري رقم 4 سنة 1976 في شأن تأجير الأماكن المفروشة الذي خول للمستأجر المصري الذي يسكن في عين مفروشة يستأجرها من مالكها لمدة خمس سنوات متصلة سابقة على تاريخ العمل بهذا الأمر أن يستأجرها خالية بالأجرة القانونية.
7 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأمر العسكري رقم 4 سنة 1976 قد أضحى غير نافذ بصدور الأمر العسكري رقم 5 سنة 1977 ولا يرتب أي حق لمستأجري الأماكن المفروشة إلى أن تم إلغاء كل من الأمرين المذكورين بنص صريح في القانون رقم 49 سنة 1977. لما كان ذلك وكان الطاعن لا يدعي أنه استأجر العين مفروشة من مالكها أو من المستأجر الأصلي بغرض السكنى - بل قام دفاعه أمام محكمة الموضوع على أنه استأجرها من المستأجر الأصلي لاستعمالها كمكتب لممارسة مهنة المحاماة وهو ما ردده في صحيفة الطعن، ومن ثم فإنه لا يحق له الاستفادة من حكم النص المشار إليه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن شركة مصر للتأمين - المطعون ضدها الأولى - أقامت الدعوى رقم 2566 سنة 1970 مدني كلي إسكندرية على الطاعن ومورث المطعون ضده الثاني والثالثة.... بطلب الحكم بفسخ عقد الإيجار المؤرخ 11/ 2/ 1957 وإخلاء العين المبينة بالصحيفة وتسليمها لها خالية وقالت بياناً لدعواها إن المورث المذكور استأجر الشقة محل النزاع بموجب العقد المؤرخ 11/ 2/ 1957 من إدارة تصفية الأموال المصادرة، وبعد حوالة العقد إلى شركة الجمهورية للتأمين أدمجت في الشركة المدعية، وإذ قام المستأجر الأصلي بتأجير حجرة من الباطن إلى الطاعن بغير إذن منها فقد أقامت الدعوى. وبتاريخ 13/ 11/ 1971 حكمت المحكمة بانقطاع سير الخصومة لوفاة المستأجر الأصلي، ثم عجلتها المطعون ضدها الأول قبل الطاعن والمطعون ضدهما الثاني والثالثة. وبتاريخ 3/ 11/ 1971 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت الشركة المطعون ضدها الأولى واقعة التأجير من الباطن بغير إذن كتابي صريح منها. وبعد سماع شهود الطرفين، حكمت بتاريخ 22/ 3/ 1975 بفسخ عقد الإيجار وبإخلاء الطاعن والمطعون ضدهما الثاني والثالثة من العين محل النزاع. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 297 لسنة 31 ق إسكندرية، كما أقام المطعون ضدهما الثاني والثالثة استئنافاً فرعياً عن هذا الحكم. وبتاريخ 16/ 12/ 1979 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن بالوجه الأول من السبب الأول منها بطلان الحكم المطعون فيه، وفي بيان ذلك يقول إن تعجيل الدعوى أمام محكمة أول درجة قبل الورثة جاء باطلاً إذ لم يصح إعلانهم بصحيفة التعجيل في موطنهم، هذا إلى أنها أعلنت بعد مضي سنة من تاريخ الانقطاع، مما يترتب عليه سقوط الخصومة وهو ما دفع به وكيل الورثة أمام محكمة أول درجة، وأمام محكمة الاستئناف، وإذ أيد الحكم المطعون فيه قضاء الحكم الابتدائي برفض هذين الدفعين فإنه يكون قد خالف القانون.
وحيث إن هذا النعي في شقه الأول غير مقبول، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن البطلان الناشئ عن عدم مراعاة إجراءات الإعلان بما في ذلك إجرائه في غير موطن المعلن إليه هو بطلان نسبي غير متعلق بالنظام العام، فلا يملك التمسك به إلا من شرع ذلك البطلان لمصلحته وليس لغيره ممن صح إعلانهم أن يتمسك بالبطلان الذي لا شأن له به، فلا يقبل منه تقديم الدليل على قيامه، ولا يغير من ذلك أن يكون الموضوع غير قابل للتجزئة، وذلك أنه في حالة عدم التجزئة فإن إفادة من صح إعلانهم من البطلان الحاصل في إعلان غيرهم من الخصوم لا يكون إلا بعد أن يثبت هذا البطلان بالطريق الذي يتطلبه القانون، فيتمسك به صاحب الشأن فيه وتحكم به المحكمة وعندئذ يستتبع الحكم البطلان بالنسبة لمن لم يصح إعلانه، بطلانه أيضاً بالنسبة لباقي الخصوم، لما كان ذلك فإنه لا يقبل من الطاعن التمسك ببطلان إعلان التعجيل إلى غيره من ورثة المستأجر (......) ولا يغير من ذلك أن النزاع المطروح غير قابل للتجزئة، أو أن الورثة سبق لهم التمسك أمام محكمة الموضوع بهذا البطلان إذ هو لا ينتج أثره في حق الطاعن طالما أن المحكمة قد قضت برفض الدفع بالبطلان المدعي به. وهو ما ليس محل طعن من الورثة في الطعن الماثل مما لا يقبل معه من الطاعن إثبات الجدل بشأنه أمام هذه المحكمة. والنعي في شقه الثاني مردود أيضاً بأن النص في المادة 134 من قانون المرافعات على أنه "لكل ذي مصلحة من الخصوم في حالة عدم السير في الدعوى بفعل المدعي أو امتناعه أن يطلب الحكم بسقوط الخصومة متى انقضت سنة من آخر إجراء صحيح من إجراءات التقاضي" يدل على أن المقصود بصاحب المصلحة في هذا النص هو من لم يتم إعلانه بتعجيل الدعوى في الميعاد فله وحده حق التمسك بسقوط الخصومة، ونظراً لعدم تعلقه بالنظام العام فإن لصاحب المصلحة فيه أن يتنازل عنه صراحة أو ضمناً، أما الخصم الذي تم إعلانه صحيحاً بالتعجيل في ميعاد السنة فلا يملك التمسك بسقوط الخصومة لعدم إعلان غيره بهذا التعجيل في الميعاد أو بطلان إعلانه به حتى ولو كان الموضوع غير قابل للتجزئة إلا أنه إذا تمسك صاحب المصلحة بهذا الدفع، وثبت للمحكمة صحته، فإن سقوط الخصومة بالنسبة له يستتبع في حالة عدم التجزئة - سقوطه أيضاً بالنسبة لباقي الخصوم، لما كان ذلك، فإنه لا يجوز للطاعن التمسك بسقوط الخصومة لعدم تعجيل الدعوى في الميعاد قبل ورثة المستأجر الأصلي ولئن كان الورثة المذكورون قد تمسكوا بسقوط الخصومة أمام محكمة الموضوع - في نزاع غير قابل للتجزئة - إلا أنه طالما أن المحكمة قد رفضت هذا الدفع، فليس لغيرهم العودة إلى إثارة هذا الدفاع ومن ثم فإن النعي يكون في جملته غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثالث من السبب الأول ببطلان الحكم المطعون فيه الذي أيد حكم محكمة أول درجة واستند لأسبابه رغم خلوه من بيان المحكمة التي أصدرته، ومادة النزاع التي فصل فيها وهي من البيانات التي يترتب على إغفالها بطلان الحكم.
وحيث إن هذا النعي غير منتج، وذلك أن الحكم المطعون فيه وقد حصل في موضوع النزاع بأسباب مستقلة لم يحل فيها إلى ما جاء بالحكم الابتدائي من أسباب فإن النعي عليه بالبطلان لإغفاله بيان اسم المحكمة ونوع المادة التي فصل فيها - أياً كان وجه الرأي فيه - يكون غير منتج إذ ليس من شأنه أن يحقق سوى مصلحة نظرية صرف لا يعتد بها.
وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن بالوجه الأول من السبب الثاني من أسباب الطعن أن محكمة أول درجة أخطأت في تطبيق القانون إذ ثبت بما قدمه من مستندات أنه كان يشارك المستأجر الأصلي منذ بدء العلاقة الإيجارية، ورغم أن المحكمة أحالت الدعوى إلى التحقيق، إلا أنها لم تأخذ بما شهد به الشهود أمامها، مما يعيب حكمها بالتناقض أيضاً.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، وذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه متى كان الحكم المطعون فيه قد قضى بتأييد الحكم الابتدائي بناء على أسباب خاصة دون أن يحيل عليه في أسبابه، فإن النعي الموجه إلى هذا الحكم يكون غير مقبول، لما كان ذلك وكان النعي الموجه من الطاعن منصرفاً إلى أسباب الحكم الابتدائي التي لا تصادف محل من قضاء الحكم المطعون فيه الذي أقام قضاءه على أسباب مستقلة دون إحالة إلى الحكم الابتدائي، فإن النعي - أياً كان وجه الرأي فيه - يكون غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثاني - من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي ذلك يقول إنه اشترى العين محل النزاع من المستأجر الأصلي بالجدك بالعقد المؤرخ 10/ 9/ 1971 إلا أن الحكم المطعون فيه نفى توافر شروط هذا البيع استناداً إلى أن العين ليست متجراً أو مصنعاً، في حين أن المحل التجاري بمعناه الواسع يشمل كل مكان يباشر فيه المستأجر حرفة أو مهنة تدر عليه ربحاً إذا كان هذا المكان الذي تزاول فيه هذا العمل من شأنه أن يجعل له ميزه خاصة من حيث استغلاله لمكتب محام، كما أنه لا يشترط في بيع الجدك أن يزاول المشتري نفس النشاط الذي كان يزاوله البائع في العين، وإذ أطرح الحكم المطعون فيه ذلك العقد بغير سند من الواقع أو القانون، فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 594 من القانون المدني من أنه "إذ كان الأمر خاصاً بإيجار عقار أنشئ به مصنع أو متجر واقتضت الضرورة أن يبيع المستأجر هذا المصنع أو المتجر جاز للمحكمة بالرغم من وجود الشرط المانع أن تقضي بإبقاء الإيجار". إنما هو استثناء لا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه ذلك أن الأصل المقرر هو التزام المستأجر باحترام الحظر من التنازل عن الإيجار وأن الدافع على تقريره هو حرص المشرع على استبقاء الرواج التجاري، متمثلاً في عدم توقف الاستثمار الصناعي أو التجاري في حالة اضطرار صاحبه للتوقف عنه، فأباح المشرع للمستأجر التجاوز في الشرط المانع والتنازل عن الإيجار للغير متى كانت العين المؤجرة عقاراً أنشأ فيه المستأجر محلاً تجارياً سواء كان متجراً أو مصنعاً بشرط أن تثبت الضفة التجارية للنشاط الذي كان يزاوله المتنازل وقت إتمام بيع المتجر أو المصنع، ومؤدى ذلك أنه إذا كان المحل مستغلاً في نشاط قوامه الاعتماد. وبصفة رئيسية على استغلال المواهب الشخصية والخبرات العملية والمهارات الفنية لصاحبه، ودون أن يستخدم آلات أو عمالاً ولا يضارب على عمل هؤلاء العمال أو إنتاج تلك الآلات، فإنه لا يعتبر متجراً، وإذ تقوم صلته بعملائه في هذه الحالة على ثقتهم الشخصية في خبرته بخلاف المحل التجاري الذي يتردد عليه العملاء لثقتهم فيه كمنشأة لها مقوماتها الخاصة مستقلة عن شخص مالكها، كما يشترط أن يكون الشراء بقصد ممارسة ذات النشاط الذي كان يزاوله بائع المتجر، ومن المقرر أيضاً أن تحديد عناصر المتجر من ثابتة ومنقول ومقومات مادية ومعنوية هو من سلطة قاضي الموضوع متى كان استخلاصه في ذلك سائغاً لما كان ذلك الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه في هذا الخصوص على ما أورده من أنه "لا صحة لما دفع به المستأنف (الطاعن) أخيراً من أنه اشترى عين النزاع بالجدك بموجب عقد التنازل المؤرخ 10/ 9/ 1971 إذ أن هذه العين ليست متجراً أو مصنعاً ولا ينطق بشأنها حكم المادة 594 من القانون المدني على أن العقد المذكور لا يقيد بيع المكتب التجاري الخاص بالمستأجر الأصلي بكافة عناصره المعنوية والمادية إلى المستأنف الذي يمتهن مهنة المحاماة، وإنما انصب ذلك العقد على تقدير تنازل المستأجر الأصلي عن عقد الإيجار للمستأنف، فضلاً في تقدير شراء المستأنف للأثاث المملوك لذلك المستأجر، فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ويكون قد خلص سائغاً مما له أصل ثابت بالأوراق، وبما يكفي لحمل قضائه إلى انتفاء بيع العين المؤجرة بالجدك إلى الطاعن - من ثم فإن النعي لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً فيما لمحكمة الموضوع سلطة فهمه وتحصيل دليله، مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثالث من السبب الثاني وبالسبب الثالث من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك تقول أنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأحقيته في الاستفادة من أحكام المادة 46/ 2 من القانون 49 لسنة 1977 والمادة الثالثة من الأمر العسكري رقم 4 لسنة 1976 ويحق له البقاء في العين محل النزاع إذ أنه يستأجر مكتبه مفروشاً من المستأجر الأصلي بمقتضى عقد الإيجار المؤرخ 1/ 12/ 1957 منذ أكثر من عشرين عاماً إلا أن الحكم لم يعرض لهذا الدفاع، وأطرح هذا العقد رغم أن أحداً من الخصوم لم يطعن عليه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن النص في المادة 46 من القانون 49 لسنة 1977 في شأن تأجير الأماكن على أنه "يحق للمستأجر الذي يسكن في عين استأجرها مفروشة من مالكها لمدة خمس سنوات متصلة سابقة على تاريخ العمل بهذا القانون البقاء في العين.... فإذا كانت العين قد أجرت مفروشة من مستأجرها الأصلي فإنه يشترط لاستفادة المستأجر من الباطن من حكم الفقرة السابقة أن يكون قد أمضى في العين مدة عشر سنوات متصلة سابقة على تاريخ العمل بهذا القانون" يدل على أن مناط تطبيقه حكم هذا النص أن تكون العين قد أجرت بغرض السكن إلى المستفيد من حكمه، وهو ما يقضي به أيضاً الأمر العسكري رقم 4 لسنة 1976 في شأن تأجير الأماكن المفروشة الذي خول للمستأجر المصري الذي يسكن في عين مفروشة يستأجرها من مالكها لمدة خمس سنوات متصلة سابقة على تاريخ العمل بهذا الأمر أن يستأجرها خالية بالأجرة القانونية، ومن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأمر العسكري المذكور قد أضحى غير نافذ بصدور الأمر العسكري رقم 5 لسنة 1977 ولا يرتب أي حق لمستأجري الأماكن المفروشة، إلى أن تم إلغاء كل من الأمرين المذكورين بنص صريح في القانون رقم 49 لسنة 1977. لما كان ذلك وكان الطاعن لا يدعي إنه استأجر العين مفروشة من مالكها أو من المستأجر الأصلي بغرض السكنى - بل أقام دفاعه أمام محكمة الموضوع على أنه استأجرها من المستأجر الأصلي لاستعمالها كمكتب لممارسة مهنة المحاماة وهو ما ردده في صحيفة الطعن. ومن ثم فإنه لا يحق له الاستفادة من حكم النص المشار إليه، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى في أسبابه إلى إطراح أحكام الأمر العسكري رقم 4 لسنة 1976 والمادة 46 من القانون 49 لسنة 1977 لانتفاء شروط أعمالها فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيقه القانون، كما لا يعيب الحكم مجرد القصور في الرد على دفاع قانوني للخصم إذ بحسب المحكمة أن يكون حكمها صحيح النتيجة قانوناً، ولمحكمة النقض أن تستكمل أسبابه القانونية، ومن ثم فإن النعي عليه بالقصور في هذا الخصوص يكون على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.