مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1955 إلى آخر يناير سنة 1956) - صـ 33

جلسة 5 من نوفمبر سنة 1955

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وبحضور السادة بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وحسن جلال وعلي إبراهيم بغدادي المستشارين.

(6)
القضية رقم 158 لسنة 1 القضائية

( أ ) استقالة - القرار الصادر بقبولها - ركن السبب فيه هو الطلب المقدم بها - وجوب قيام الطلب مستوفياً شرائط صحته إلى وقت صدور القرار.
(ب) استقالة - وجوب استنادها إلى إرادة خالية من عيوب الرضاء - الإكراه المفسد للرضاء - اشتماله على عنصرين: موضوعي ونفساني.
(ج) إكراه - أثره في صحة القرار الإداري - خضوعه لرقابة المحكمة العليا في تعقيبها على الحكم المطعون فيه.
1 - إن طلب الاستقالة هو ركن السبب في القرار الإداري الصادر بقبولها؛ فيلزم لصحة هذا القرار أن يكون الطلب قائماً لحين صدور القرار، مستوفياً شروط صحته شكلاً وموضوعاً.
2 - إن طلب الاستقالة باعتباره مظهراً من مظاهر إرادة الموظف في اعتزال الخدمة يجب أن يصدر برضاء صحيح، فيفسده ما يفسد الرضا من عيوب، ومنها الإكراه إن توافرت عناصره، بأن يقدم الموظف الطلب تحت سلطان رهبة بعثتها الإدارة في نفسه دون حق، وكانت قائمة على أساس؛ بأن كانت ظروف الحال تصور له أن خطراً جسيماً محدقاً يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال. ويراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامته.
فالإكراه يشتمل على عنصرين: عنصر موضوعي هو الوسائل التي تولد الإيعاد بخطر جسيم محدق بالنفس أو المال، وعنصر نفساني هو الرهبة التي تبعثها تلك الوسائل في النفس فتحمل الموظف على تقديم الاستقالة.
3 - إن الإكراه باعتباره مؤثراً في صحة القرار الإداري يخضع لتقدير المحاكم الإدارية في حدود رقابتها لمشروعية القرارات الإدارية، كما يخضع لرقابة المحكمة العليا في تعقيبها على أحكام تلك المحاكم.


إجراءات الطعن

في 11 من أغسطس سنة 1955 بناء على طلب السيد وزير الأشغال بمذكرته المقدمة في 28 من يوليه سنة 1955 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة خامسة) بجلسة 12 من يونيه سنة 1955 في الدعوى رقم 4537 لسنة 8 القضائية المرفوعة من السيد: إبراهيم سامي محمد مصطفى عزام ضد وزارة الأشغال العمومية القاضي "بإلغاء القرار الصادر من السيد: وزير الأشغال في 29 من ديسمبر سنة 1953 والقرار الصادر من السيد: مدير عام مصلحة المساحة في التاريخ سالف الذكر بتوقيع جزاء بخصم خمسة عشر يوماً من مرتب المدعي وإلغاء القرار الصادر من السيد: وزير الأشغال في 4 من يناير سنة 1954 بإحالة المدعي إلى المعاش بناء على طلبه مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ ألف قرش مقابل أتعاب المحاماة" وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء قرار السيد وزير الأشغال الصادر في 4 من يناير سنة 1954 بإحالة المدعي إلى المعاش بناء على طلبه، والقضاء برفض هذا الشطر من طلبات المدعي وبإلزامه بالمصروفات المناسبة". وقد أعلن السيد إبراهيم سامي محمد مصطفى عزام بالطعن في 24 من أغسطس سنة 1955، كما أعلن به السيد وزير الأشغال في 22 منه فأودع الأول في 24 من سبتمبر سنة 1955 مذكرة برده، ثم أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في 28 منه تقريراً، يطلب فيه الأمر بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه لحين الفصل في موضوع الطعن، أعلن للسيد وزير الأشغال في 4 من أكتوبر سنة 1955 وللسيد إبراهيم سامي محمد مصطفى عزام في 8 منه، ثم عين لنظر الطعن وطلب وقف التنفيذ جلسة 15 من أكتوبر سنة 1955، وفيها سمعت إيضاحات الطرفين على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وفيها أمرت المحكمة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه لحين الفصل في الطعن الذي أرجئ إصدار الحكم فيه إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة الإدارية حسبما يستفاد من أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 4537 لسنة 8 القضائية بعريضة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 25 من فبراير سنة 1954 طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من وزير الأشغال في ديسمبر سنة 1953 الذي أعلن به في 30 منه بمجازاته بخصم خمسة عشر يوماً من مرتبه، وإلغاء القرار الصادر منه في 4 من يناير سنة 1954 بإحالة المدعي إلى المعاش بناء على طلبه من أول فبراير سنة 1954، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وبإلزام الحكومة بالمصروفات وبمقابل أتعاب المحاماة، ناعياً على القرارين المذكورين مخالفتهما للقانون بدعوى أن القرار الأول صدر ممن لا يملكه؛ إذ كان يجب أن يصدر من المدير العام لمصلحة المساحة لا من وزير الأشغال، وأن يسبقه سماع أقواله وتحقيق دفاعه، أن يقوم على سبب صحيح لذنب اقترفه، بينما هو لم يتركب إثماً، وبدعوى أن القرار الثاني قام على طلب استقالة كان مكرهاً على تقديمه؛ فيكون قد انبنى على سبب فاسد لفساد الرضا فيه، بمقولة إنه أكره على ذلك بعد أن تلقى كتابين متتاليين، أولهما في 30 من ديسمبر سنة 1953 بتوقيع الجزاء عليه مقروناً بعبارات جارحة تخدش شرفه، وثانيهما في 31 منه برفض طلب إحالته إلى المعاش على أساس معاملته بأحكام قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 من نوفمبر سنة 1953 و9 من ديسمبر سنة 1953 بإضافة سنتين إلى مدة خدمته المسحوبة في المعاش وصرف الفروق إليه، وأنه إذ أراد اعتزال الخدمة فعليه أن يقدم طلباً بذلك غير مشروط، فقدمه مكرهاً في 4 من يناير سنة 1954 دفاعاً عن شرفه فقبله الوزير في اليوم ذاته. ودفعت الحكومة الدعوى فيما يتعلق بقرار الجزاء بأنه صدر ممن يملكه وهو المدير العام للمصلحة في 29 من ديسمبر سنة 1953، بعد أخذ أقوال من لهم صلة بالمخالفة محل المؤاخذة وسماع أقوال المدعي التي لم يطلب فيها تحقيق دفاع معين، وما تبين بعد ذلك لمصدر الجزاء من أن المدعي اقترف المخالفة التي كانت سبباً في إصداره. وفيما يتعلق بقرار قبول استقالته غير المشروطة، بأنه لم يشبها إكراه يفسد رضاءه في تقديمها ذلك أن رغبته في اعتزال الخدمة كانت قد بدت في طلب قدمه في 12 من ديسمبر سنة 1953 بإحالته إلى المعاش مع ضم سنتين إلى مدة خدمته المحسوبة في المعاش وصرف الفروق انتفاعاً بقراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 من نوفمبر سنة 1953، 9 من ديسمبر سنة 1953 وكان إظهار رغبته هذه قبل أخذ أقواله في موضوع المخالفة في المذكرة التي حررها في 16 من ديسمبر سنة 1953. فلما اطلع الوزير على أوراق هذا الموضوع الذي انتهى بالجزاء الصادر من المدير العام لمصلحة المساحة في 29 منه رفض في 30 منه قبول الاستقالة المقدمة انتفاعاً بقراري مجلس الوزراء المشار إليهما نظراً لما اقترفه، وأبان أن عليه، إذا أراد اعتزال الخدمة، أن يقدم بذلك طلباً غير مشروط، وأبلغ إليه ذلك في 31 منه. وبعد أن تدبر موقفه قدم في 3 من يناير سنة 1954 طلباً بمنحه الإجازة القانونية يحال بعدها إلى المعاش. فصدر قرار الوزير في 4 منه بالموافقة على ذلك، فليس ثمة إكراه شاب رضاه. وخلصت الحكومة من ذلك إلى أن القرارين صدرا مطابقين للقانون. وقد قضت محكمة القضاء الإداري بحكمها الصادر في 12 من يونيه سنة 1955 بإلغاء القرار الأول استناداً إلى عيب شكلي شاب الإجراءات بدعوى أن تحقيقاً بالمعنى الذي يتطلبه حكم المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 لم يجر مع المدعي؛ إذ لم يواجه بالمخالفة المنسوبة إليه في محضر رسمي تسمع فيه أقواله وأقوال الشهود في مواجهته، ويمكن فيه من مناقشتهم وإبداء دفاعه بحرية تامة. أما الاقتصار على أخذ أقواله في مذكرة دون مواجهته بما هو منسوب إليه ودليله وتمكينه من الرد على ذلك فلا يرقى إلى مرتبة التحقيق الذي تتوفر له فيه وسائل الدفاع عن نفسه، كما قضت بإلغاء القرار الثاني نظراً إلى ما ارتأته من أن رضاءه في طلبه غير المشروط بالاستقالة كان مشوباً بعيب الإكراه، فيكون قرار قبولها قد قام على أساس فاسد ووقع باطلاً تبعاً لذلك. وقد اقتصر طعن رئيس هيئة المفوضين على هذا الشق من الحكم.
ومن حيث إن الطعن يقوم على وجهين: "الأول" أن الإكراه المفسد لرضاء الموظف بالاستقالة يجب أن يكون قائماً على رهبة حقيقية يستشعرها على أساس جدي بسبب موقف جائز اتخذته الإدارة حياله لا سبيل له إلى دفعه إلا بترك الخدمة، وذلك بمراعاة جنس من وقع عليه الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية ومركزه ودرجته وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه، وأن العناصر المكونة للإكراه لا تتحقق لمجرد إبلاغه قراراً بخصم خمسة عشر يوماً من مرتبه لمخالفة نسبت إليه ولو صيغ وصفها في عبارات يراها جارحة، وإبلاغه قراراً بعدم الموافقة على طلبه إحالته إلى المعاش انتفاعاً بأحكام قراري مجلس الوزراء المتقدم ذكرهما، إذ في مقدوره أن يسلك الطريق القانوني بالتظلم الإداري، فإن لم يجد فأمامه الطريق القضائي، فيكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون. و"الثاني" أن هذا الحكم قصر في أسبابه عن تبيان توافر جميع العناصر المكونة للإكراه، فلم يستظهر على الأقل عنصراً أساسياً كان ينبغي استظهاره هو ما إذا كان المدعي في حالة لا سبيل معها إلى دفع ما اعتقد أنه موقف جائر حياله إلا باعتزال الخدمة، وهذا القصور في التسبيب يعيب الحكم ويبطله.
ومن حيث إن المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة تقضي بأن للموظف أن يستقيل من الوظيفة، وتكون الاستقالة مكتوبة وخالية من أي قيد أو شرط، ولا تنتهي خدمة الموظف إلا بالقرار الصادر بقبول استقالته. ومفاد ذلك أن طلب الاستقالة هو ركن السبب في القرار الإداري الصادر بقبولها، فيلزم لصحة هذا القرار أن يكون الطلب قائماً لحين صدور القرار، مستوفياً شروط صحته شكلاً وموضوعاً.
ومن حيث إن طلب الاستقالة باعتباره مظهراً من مظاهر إرادة الموظف في اعتزال الخدمة يجب أن يصدر برضاء صحيح، فيفسده ما يفسد الرضا من عيوب، ومنها الإكراه إن توافرت عناصره، بأن يقدم الموظف الطلب تحت سلطان رهبة بعثتها الإدارة في نفسه دون حق، وكانت قائمة على أساس؛ بأن كانت ظروف الحال تصور له أن خطراً جسيماً محدقاً يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال. ويراعي في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامته. فالإكراه يشتمل على عنصرين: عنصر موضوعي هو الوسائل التي تولد الإيعاد بخطر جسيم محدق بالنفس أو المال، وعنصر نفساني هو الرهبة التي تبعثها تلك الوسائل في النفس فتحمل الموظف على تقديم الاستقالة.
ومن حيث إن الإكراه باعتباره مؤثراً في صحة القرار الإداري يخضع لتقدير المحاكم الإدارية في حدود رقابتها لمشروعية القرارات الإدارية، كما يخضع لرقابة المحكمة العليا في تعقيبها على أحكام تلك المحاكم.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه فيما انتهى إليه من قيام الإكراه المفسد لرضاء المدعي عند تقديم استقالته على أنه: "لم يتقدم بطلب الإحالة إلى المعاش بدون قيد أو شرط إلا بعد اطلاعه على كتاب السيد وزير الأشغال المؤرخ في 30 من ديسمبر سنة 1953 والسابق الإشارة إليه. وتود المحكمة أن تسجل في هذا المقام أن الكتاب المذكور، ولو أنه خاص بتوقيع عقوبة، إلا أنه اشتمل على عبارات ما كان يجوز أن ترد فيه، إذ من شأن هذه العبارات أن تمس شرف المدعي واعتباره، لا سيما متى كانت هذه العبارات قد وردت في صورة الأوصاف لا في صورة الوقائع. وفضلاً عن ذلك فقد كان القرار بتوقيع الجزاء على المدعي في غنى عن هذه العبارات الجارحة، لأن مثل هذه العبارات لا تعتبر قانوناً جزءاً من الجزاء. فإذا ما تقدم المدعي بطلب قبول استقالته عقب اطلاعه على الكتاب المذكور فلا يمكن القول بأن هذا الطلب قد صدر عن إرادة صحيحة مطمئنة، وإنما يكون ذلك الطلب بمثابة دفاع منه عن شرفه...". وعلى ما قالته في موضع آخر من أنه: "عقب إخطاره بهذا الكتاب أخطر في اليوم التالي - 31 من ديسمبر سنة 1953 - بكتاب آخر صادر من السكرتير العام لوزارة الأشغال للمدير العام لمصلحة المساحة مفاده أن تعليمات السيد الوزير تقضي، فيما يتعلق بالطلب المقدم بتاريخ 12 من ديسمبر سنة 1953 للإحالة إلى المعاش ومعاملته بأحكام قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 من نوفمبر و9 من ديسمبر سنة 1953، بأن عليه إذا ما أراد اعتزال الخدمة أن يقدم طلباً بذلك غير مشروط. تقدم المدعي عقب ذلك بتاريخ 3 من يناير سنة 1954 بطلب آخر يطلب فيه الموافقة على إحالته إلى المعاش طبقاً لقرار مجلس الوزراء الخاص بضم سنتين إلى مدة خدمته ومنحه الفرق بين الماهية والمعاش خلالهما. ولما تأشر على طلبه هذا بالحفظ بادر فوراً وفي نفس اليوم بتقديم طلب آخر بمنحه الإجازة القانونية مع الموافقة على طلب إحالته إلى المعاش بعد انتهاء إجازة المعاش القانونية مباشرة. وصدر في اليوم ذاته القرار الوزاري رقم 605/ 53 بإحالته إلى المعاش اعتباراً من أول فبراير سنة 1954 بناء على طلبه".
ومن حيث إنه لا مجازاة المطعون عليه بخصم خمسة عشر يوماً من مرتبه ولا إبلاغه هذا الجزاء بالكتاب المقول بأنه جارح في عبارته خادش لشرفه، ولا إبلاغه رفض معاملته بقراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 من نوفمبر و9 من ديسمبر سنة 1953 - إن ذلك كله لا يرقى إلى مرتبة التهديد والإيعاد بخطر محدق وشيك الوقوع في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال، ومن الجسامة بحيث يبعث بدون حق فيمن هو في مثل حالة المدعي وسنه ومركزه رهبة تضغط على إرادته فتفسدها، بحيث تجعله مسلوب الحرية لا اختيار له فيما أراد. إذ فضلاً عن أنها كلها إجراءات تملك الإدارة قانوناً اتخاذها، وفي مقدور المطعون عليه في الوقت ذاته أن يسلك الطريق القانوني لإبطالها إن كان له في ذلك وجه، فإنها لا تهدد بأي خطر وشيك الوقوع بالجسامة المشار إليها. وما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من وجود هذا الخطر في العبارات التي أبلغ بها قرار الجزاء بدعوى أنها خادشة للشرف "ولأنه لو كان قد قبل صاغراً البقاء في الخدمة بعد أن وصمته الحكومة في خطاب 30 من ديسمبر سنة 1953 بأنه فقد مقومات الخلق القويم، لاستحق احتقار زملائه ومرءوسيه" - إن ما ذهب إليه الحكم غير مقنع؛ لأن مثل هذا الخطر، لو صح، يكون قد وقع فعلاً قبل تقديم الاستقالة ويكون الدافع إلى تقديمها، والحالة هذه، الاحتجاج على ما وقع، لا الخوف من مكروه محدق يوشك أن يقع. على أن وصف هذه العبارات بالخطر الذي يصوره الحكم ينطوي على مسخ لمدلولها بما لا تحتمله، وتهويل لأثرها بما لا تطيقه، فهي لا تعدو أن تكون وصفاً من الوزير لسلوك المدعي في تأدية عمل من أعمال وظيفته، رأى الوزير أنه كان سلوكاً معيباً؛ إذ أهدر شخصيته فاستخذى أمام رئيسه، وسايره في هواه لصالح أحد الأفراد على حساب المصلحة العامة، بينما كانت له من ذلك مندوحة لو أصر على رأيه الأول، واستمسك باتباع التعليمات في هذا الشأن. وليس من شك في أنه لو صح ذلك لكان "فقداناً لمقومات الخلق القويم الذي يجب أن يتحلى به من يشغل الوظائف الرئيسية في الدولة ذات الصلة الوثيقة بالناس" والمقصود بمقومات الخلق هنا خلق الموظف وسلوكه الوظيفي. ومن حق الرئيس الإداري أن يصف المخالفة الإدارية بوصفها الذي ينطبق على تكييفها. ومهما يكن من أمر، فإن أثر مثل هذه العبارات مهما ضاقت به نفس المدعي لا يمكن أن يرتفع إلى مرتبة الخطر الذي يضغط على إرادته فيفسدها عند الاستقالة، خصوصاً وكان قد مضى بين إبلاغه هذه العبارات في 30 من ديسمبر سنة 1953 وتقديمه الاستقالة في 3 من يناير سنة 1954 وقت كاف لتدبر موقفه.
ومن حيث إنه يبين من كل ما تقدم أن الحكم المطعون فيه، فضلاً عن قصوره في بيان العناصر المكونة للإكراه، قد أخطأ في تطبيق القانون إذ اعتبر المطعون عليه مكرهاً في تقديم الاستقالة، وإذ رتب على ذلك قضاءه بإلغاء القرار الصادر بقبولها؛ فيكون الطعن المقدم فيه، والحالة هذه، على أساس سليم من القانون.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء قرار السيد/ وزير الأشغال العمومية الصادر في 4 من يناير سنة 1954 بقبول استقالة المدعي وبإحالته إلى المعاش بناء على ذلك، وبرفض هذا الشطر من طلبات المدعي، وبإلزامه بالمصروفات المناسبة.