أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 38 - صـ 487

جلسة 29 من مارس سنة 1987

برياسة السيد المستشار/ محمد المرسي فتح الله نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ سعيد أحمد صقر نائب رئيس المحكمة، محمد لطفي السيد، أحمد زكي غرابه وطه الشريف.

(106)
الطعن رقم 1236 لسنة 51 القضائية

(1) دعوى "نظر الدعوى". حكم.
وجوب صدور الحكم من نفس الهيئة التي سمعت المرافعة وشاركت في المداولة. شرط لصحته. تحققه بحضور القضاة جلسة المرافعة الأخيرة. م 167 مرافعات.
(2 - 6) قضاة "مخاصمة القضاة". دعوى "دعوى المخاصمة". حكم.
(2) دعوى المخاصمة. أساسها القانوني المسئولية الشخصية للقاضي أو عضو النيابة فيما يتعلق بأعمال وظيفتهما. مؤدى ذلك. عدم جواز مساءلة النائب العام عن أعمال لم تصدر منه شخصياً. أساسه. تبعية أعضاء النيابة العامة له تبعية وظيفية لا تدخل في نطاق التبعية التضمينية التي يسأل فيها المتبوع عن أعمال تابعة.
(3) عدم لزوم حضور العضو المخاصم بنفسه أمام الهيئة التي تنظر دعوى المخاصمة. م 496 مرافعات.
(4) الأصل عدم خضوع القاضي في نطاق عمله للمساءلة القانونية. الاستثناء. وروده على سبيل الحصر. م 494 مرافعات. مناطه.
(5) أسباب المخاصمة. الغش والتدليس والخطأ المهني الجسيم. ماهيته كل منها. تقدير جسامة الخطأ واستظهار قصد الانحراف. من مسائل الواقع. خضوعه لتقدير محكمة الموضوع طالما كان سائغاً.
(6) دعوى المخاصمة. الفصل في مرحلة تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وقبولها. نطاقه. ما ورد بتقرير المخاصمة وما يقدمه القاضي أو عضو النيابة من مستندات والأوراق المودعة ملف الدعوى الموضوعية. عدم جواز تقديم مستندات أخرى من المخاصم.
(7) دعوى "الدفاع في الدعوى".
حق الدفاع والمرافعة الشفوية. مكفول لأطراف النزاع في الدعوى. حق الملكية في تنظيمه رغم النص على إجراءها في أول جلسة. م 97 مرافعات.
(8) محكمة الموضوع. مسئولية. تعويض.
استخلاص وقوع الفعل يكون للخطأ الموجب للمسئولية. خضوعه لتقدير محكمة الموضوع ما دام كان سائغاً.
1 - مفاد نص المادة 167 من قانون المرافعات أن الشارع لم يستلزم - لصحة الأحكام - أن يكون القضاة الذين سمعوا المرافعة وحجزوا الدعوى للحكم قد سبق لهم نظرها في جلسة سابقة، إذ يتحقق بحضور القضاة جلسة المرافعة الأخيرة مقصود الشارع بسماع المرافعة، يستوي في ذلك أن يكون الخصوم قد أبدوا دفاعاً فيها أو سكتوا عن ذلك أو أحالوا إلى دفاع سابق.
2 - دعوى المخاصمة تستند في أساسها القانوني إلى المسئولية الشخصية للقاضي أو عضو النيابة فيما يتعلق بأعمال وظيفتهما ومؤدى ذلك ولازمه أنه لا يجوز مساءلة النائب العام عن أعمال لم تصدر منه شخصياً ذلك أنه ولئن كان النائب العام هو الجهة الرئيسية للنيابة العامة إلا أن تبعية أعضاء النيابة لا تعدو أن تكون تبعية وظيفية ولا تدخل في نطاق التبعية التضمينية التي يسأل فيها المتبوع عن أعمال تابعه إذ لا تقوم هذه التبعية إلا في جانب الدولة التي يمثلها وزير العدل باعتباره الرئيس الإداري المسئول عن أعمال الوزارة وعن إدارته.
3 - الشارع إذ نص في المادة 496 من قانون المرافعات على أن "تحكم المحكمة في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها وذلك بعد سماع الطالب أو وكيله والقاضي أو عضو النيابة المخاصم حسب الأحوال" لم يستلزم أن يحضر العضو المخاصم بنفسه أمام الهيئة التي تنظر دعوى المخاصمة وإنما رد الأمر إلى القواعد العامة التي تجيز للمدعى عليه أن يحضر هو بنفسه أو وكيل عنه أو يودع مذكرة بدفاعه ورتب على هذا الإجراء الأخير ما رتبه على الحضور من أثر إذ جعل الخصومة حضورية في حقه.
4 - الأصل في التشريع أن القاضي غير خاضع في نطاق عمله للمساءلة القانونية والاستثناء أن الشارع جوزها وحصرها في نطاق ضيق محكم بالنص على أسبابها في المادة 494 من قانون المرافعات وقد وازن المشرع بهذا التشريع بين حق القاضي في توفير الضمانات له فلا يتحسب في قضائه إلا وجه الحق ولا يهتز وجدانه من مظنة النيل منه أو يستنفد الجهد في الرد على من ظن الجور به وآثر الكيد له وبين حق المتقاضي في الاطمئنان بأن قاضيه مقيد بالعدل في حكمه فإن جنح عنه لم تغلق الأبواب في وجهه - فله أن ينزله منزلة الخصومة يدين فيها قضاءه ويبطل أثره، وهذا كله يجد حده الطبيعي في أن القضاء ولاية وتقدير وأمانة تقرير وأن مجرد الخلاف أو الخطأ لا يسقط بها منطق العدل وإنما يسقطه الجور والانحراف في القصد.
5 - عد الشارع من أسباب المخاصمة الغش والتدليس والخطأ المهني الجسيم والمقصود بالغش والتدليس هو انحراف القاضي في عمله عما يقتضيه واجب القانون قاصداً هذا الانحراف إيثاراً لأحد الخصوم أو نكاية في آخر أو تحقيقاً لمصلحة خاصة للقاضي، والخطأ المهني الجسيم وهو وقوع القاضي في خطأ فاضح أو إهمال مفرط، ما كان له أن يتردى فيهما لو اهتم بواجبات وظيفته ولو بقدر يسير بحيث لا يفرق هذا الخطأ في جسامته عن الغش سوى كونه أوتى بحسن نية ويستوي في ذلك أن يتعلق الخطأ بالمبادئ القانونية، أو الوقائع المادية، ومن المقرر أن تقدير جسامة الخطأ واستظهار قصد الانحراف من مسائل الواقع التي تستقل بتقديرها محكمة الموضوع بغير معقب على حكمها طالما كان بيانها في ذلك سائغاً.
6 - على المحكمة أن تبحث في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى لتقضي بقبولها أو عدم قبولها وهو أمر لا يتأتى إلا باستعراض أدلة المخاصمة لتبين مدى ارتباطها بأسبابها، والفصل في هذه المرحلة من مراحل الدعوى يكون على أساس ما يرد بتقرير المخاصمة والأوراق المودعة معه وما يقدمه القاضي أو عضو النيابة من مستندات وما يحويه ملف الدعوى الموضوعية من أوراق دون أن يكون للمخاصم بأن يبدي أسباباً جديدة أو أن يقدم أوراقاً أو مستندات غير التي أودعها مع التقرير.
7 - لئن كان حق الدفاع - بما في ذلك من المرافعة الشفوية - أمر كفله القانون لأطراف النزاع في الدعوى إلا أن ذلك لا يحول بين المحكمة وبين تنظيم هذا الحق على وجه يصونه ولا يكلف المحكمة من أمرها رهقاً وحسبها في ذلك أن تفسح للخصوم المدى المعقول لتمكينهم من الدفاع دون غلو أو إسراف في التأجيل أو تكرار الاستماع إليهم أو خروج عن موضوع الدعوى ومقتضيات الدفاع فيها، وقد نصت المادة 97 من قانون المرافعات على أن تجرى المرافعة في أول جلسة.
8 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن استخلاص وقوع الفعل المكون للخطأ الموجب للمسئولية هو مما يدخل في تقدير محكمة الموضوع ما دام كان هذا الاستخلاص سائغاً ومستمداً من عناصر تؤدي إليه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام دعوى المخاصمة رقم 307 سنة 36 ق استئناف الإسكندرية على المطعون ضدهما، وقال بياناً لها أنه سبق أن قام الدعوى رقم 3531/ 1975 مدني كلي الإسكندرية على ممثل الجمعية التعاونية لضباط الجيش وآخرين بسبب اعتداء الأول على أرضه وركن فيها إلى تحقيقات الشكويين رقمي 35، 132 سنة 1975 إداري العامرية، كما أقام الدعوى رقم 2752 لسنة 1976 مدني كلي الإسكندرية بطلب استرداد حيازة مساحة من أرضه اغتصبتها المدعى عليها فيها والتي لم تختصم في الطعن وإذ دفعتها المذكورة بشهادة إدارية تنازلت عنها عندما تأهب للطعن عليها بالتزوير إلا أنه تمسك بالتحفظ عليها وأبلغ المطعون ضده الأول بشأنها، إلا أن الشكوى حفظت إدارياً وأنه نظراً لما شاب عمل النيابة العامة من تصرفات، وما لحق بعمل المطعون ضده الثاني من عيوب أثناء نظره للدعوى الموضوعية - على النحو الذي فصله بتقرير المخاصمة فإنه يتوفر في حقهما حالتا الغش والخطأ المهني الجسيم، ومن ثم فقد أقام الدعوى. وفي 7/ 3/ 1981 حكمت المحكمة استئناف الإسكندرية بعدم جواز المخاصمة وبتغريم الطاعن مائتي جنيه وإلزامه، بأن يدفع للمطعون ضده الثاني مبلغ خمسمائة جنيه، طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن بني على اثني عشرة سبباً، ينعى الطاعن بالسبب الثاني منها على الحكم المطعون فيه البطلان وفي بيان ذلك يقول إن السيد المستشار عضو اليسار في الهيئة التي نظرت دعوى المخاصمة قد انضم إليها لأول مرة بجلسة 7/ 1/ 1981 وهي آخر جلسة نظرت فيها الدعاوى ولم يكن قد سمع المرافعة من قبل فلم تتهيأ له فرصة الإحاطة بموضوع الدعوى، وإذ اشترك في إصدار الحكم فإنه يكون باطلاً.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن الشارع في نص المادة 167 من قانون المرافعات لم يستلزم - لصحة الأحكام - أن يكون القضاة الذين سمعوا المرافعة وحجزوا الدعوى للحكم قد سبق لهم نظرها في جلسات سابقة إذ يتحقق بحضور القضاة جلسة المرافعة الأخيرة مقصود الشارع بسماع المرافعة، يستوي في ذلك أن يكون الخصوم قد أبدوا دفاعاً فيها أو سكتوا عن ذلك أو أحالوا إلى دفاع سابق، لما كان ذلك وكان السيد عضو اليسار قد حضر بجلسة 7/ 1/ 1981 وهي جلسة المرافعة التي حجزت فيها الدعوى للحكم، وكانت الهيئة التي حضرت هذه الجلسة هي التي اشتركت في المداولة فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه بالبطلان يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب السادس على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول - إنه اختصم المطعون ضده الأول - النائب العام - بصفته - باعتباره المسئول عن الدعوى الجنائية يباشرها بنفسه أو بأحد أعضاء النيابة العامة التابعين له، إلا أن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى عدم قبول دعوى المخاصمة ضده على سند من أقوال بأنها دعوى شخصية لا يسأل فيها النائب العام عن أخطاء تابعيه ورفض أن يأخذ بطلب الطاعن - في مذكرة دفاعه باختصام النائب العام بشخصه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن دعوى المخاصمة تستند في أساسها القانوني إلى المسئولية الشخصية للقاضي أو عضو النيابة فيما يتعلق بأعمال وظيفتهما ومؤدى ذلك ولازمه أنه لا يجوز مساءلة النائب العام عن أعمال لم تصدر منه شخصياً، ذلك أنه ولئن كان النائب العام هو الجهة الرئيسية للنيابة العامة، إلا أن تبعية أعضاء النيابة له لا تعدو أن تكون تبعية وظيفية ولا تدخل في نطاق التبعية التضمينية التي يسأل فيها المتبوع عن أعمال تابعه، إذ لا تقوم هذه التبعية إلا في جانب الدولة يمثلها وزير العدل باعتباره الرئيس الإداري المسئول عن أعمال الوزارة وعن إدارتها، لما كان ذلك وكانت صفات المخاصمين تتحدد بتقرير المخاصمة - دون غيره - وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى عدم قبول دعوى مخاصمة المطعون ضده الأول بصفته لعدم مسئوليته عن عمل عضو النيابة الذي عاب الطاعن عليه تصرفه والتزم في ذلك بالصفة التي أوردها الطاعن في تقرير المخاصمة فإن النعي عليه بمخالفة القانون يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه البطلان وفي بيانه يقول أنه إزاء تخلف المطعون ضدهما عن المثول بشخصيهما أمام هيئة المخاصمة، فقد دفع ببطلان الإجراءات، إلا أن الحكم المطعون فيه رفض الدفع وهو ما يعيبه بالبطلان.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أن الشارع إذ نص في المادة 496 من قانون المرافعات على أن "تحكم المحكمة في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها وذلك بعد سماع الطالب أو وكيله والقاضي أو عضو النيابة المخاصم حسب الأحوال..." لم يستلزم أن يحضر العضو المخاصم بنفسه أمام الهيئة التي تنظر دعوى المخاصمة، وإنما رد الأمر إلى القواعد العامة، التي تجيز للمدعى عليه أن يحضر هو بنفسه أو بوكيل عنه أو يودع مذكرة بدفاعه ورتب على هذا الإجراء الأخير ما رتبه على الحضور من أثر إذ جعل الخصومة حضورية في حقه، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أخذ بهذا النظر فإن النعي عليه ببطلان الإجراءات يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون بالأسباب من السابع إلى الأخير مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي بيان ذلك يقول، أنه أورد في تقرير المخاصمة أسباباً يتوفر بها الغش والخطأ الجسيم في جانب المطعون ضدهما إلا أن المحكمة أغفلت التحدث عما شاب عمل النيابة من أخطاء جوهرية - حين التحقيق - بما يخالف القانون واقتصر الحكم المطعون فيه على التحدث عن السلطة التقديرية للنيابة العامة في تناولها لإجراءات التحقيق، وأنه بالنسبة للمطعون ضده الثاني فإن الحكم المطعون فيه تردى فيما تردت فيه الأحكام الصادرة في الموضوع من خطأ جسيم في تحصيل فهم الواقع وعدم إثبات دلالة المستندات المقدمة في الدعوى وما تضمنته من بيانات - رغم أن مضمون المستندات التي قدمها تؤيد حقه في الدعوى الموضوعية رقم 3531/ 1975 وتدعم حيازته المادية في الدعوى رقم 2752 لسنة 1976 وبدلاً من أن ينتهي الحكم المطعون فيه إلى قبول دعوى المخاصم لتوفر حالتي الغش والخطأ الجسيم ذهب إلى مظاهرة أعمال النيابة العامة وتأييده للأحكام التي أصدرها المطعون ضده الثاني والموافقة على رفضه تسليم الشهادة المدعى بتزويرها إلى النيابة العامة، بل ونعى على الطاعن عدم إيراده - بتقرير المخاصمة - للأسئلة التي رفضت النيابة توجيهها، وإذ كانت أسباب المخاصمة تتوافر بها حالتا الغش والخطأ الجسيم في حق المطعون ضدهما وكان الحكم المطعون فيه قد أخذ بغير هذا النظر يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
وحيث إن النعي بكافة أسبابه غير سديد ذلك أن الأصل في التشريع أن القاضي غير خاضع في نطاق عمله للمساءلة القانونية والاستثناء أن الشارع جوزها وحصرها في نطاق ضيق محكم بالنص على أسبابها في المادة 494 من قانون المرافعات، وقد وازن المشرع بهذا التشريع بين حق القاضي في توفير الضمانات له فلا يتحسب في قضائه إلا وجه الحق ولا يهتز وجدانه من مظنة النيل منه أو يستنفد الجهد في الرد على من ظن الجور به وآثر الكيد له، وبين حق المتقاضي في الاطمئنان بأن قاضيه مقيد بالعدل في حكمه فإن جنح عنه لم تغلق الأبواب في وجهه - فله أن ينزله منزلة الخصومة يدين بها قضاءه ويبطل أثره، وهذا كله يجد حده الطبيعي في أن القضاء ولاية تقدير وأمانة تقرير وأن مجرد الخلاف أو الخطأ لا يسقط بهما منطق العدل وإنما يسقطه الجور والانحراف في القصد لما كان ذلك وكان الشارع قد عد من أسباب المخاصمة الغش والتدليس والخطأ المهني الجسيم وكان المقصود بالغش والتدليس هو انحراف القاضي في عمله عما يقتضيه واجب القانون قاصداً هذا الانحراف، إيثاراً لأحد الخصوم أو نكاية في آخر أو تحقيقاً لمصلحة خاصة للقاضي، والخطأ المهني الجسيم هو وقوع القاضي في خطأ فاضح أو إهمال مفرط، ما كان له أن يتردى فيهما لو اهتم بواجبات وظيفته ولو بقدر يسير بحيث لا يفرق هذا الخطأ في جسامته عن الغش سوى كونه أوتي بحسن نية، يستوي في ذلك أن يتعلق الخطأ بالمبادئ القانونية أو بالوقائع المادية وكان المقرر أن تقدير جسامة الخطأ أو استظهار قصد الانحراف هما من مسائل الواقع التي تستقل بتقديرها محكمة الموضوع بغير معقب على حكمها طالما كان بيانها في ذلك سائغاً ولازم ذلك أن تبحث المحكمة في مدى تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى لتقضي بقبولها أو عدم قبولها وهو أمر لا يتأتى إلا باستعراض أدلة المخاصمة لتتبين مدى ارتباطها بأسبابها، وكان الفصل في هذه المرحلة من مرحل الدعوى يكون على أساس ما يرد بتقرير المخاصمة والأوراق المودعة معه وما يقدمه القاضي أو عضو النيابة من مستندات وما يحويه ملف الدعوى الموضوعية من أوراق دون أن يكون للمخاصم أن يبدي أسباباً جديدة أو أن يقدم أوراقاً أو مستندات غير التي أودعها مع التقرير، لما كان ذلك وكانت محكمة الموضوع قد استعرضت في قضائها أوجه المخاصمة وأدلتها وانتهت سائغاً وفي حدود سلطتها التقديرية إلى أن أوجه المخاصمة غير مجدية ولا تنهض دليلاً على توافر إحدى حالات المخاصمة، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من مخالفة القانون لا يكون على أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسببين الأول والثالث البطلان، وفي بيان ذلك يقول إن المحكمة التي نظرت دعوى المخاصمة لم تسمح له بالمرافعة في الجلسة الأخيرة لنظرها ولو أنها فعلت لاستبان لها أن البلاغ الذي وجهه للنائب العام شخصياً ورد بالشكوى رقم 2854/ 1981 إداري المنشية متضمناً تفاصيل الخطوات التي شابت عمل النيابة العامة، فضلاً عن أن المحكمة رفضت طلب الطاعن إثبات الرد على واقعة وجهها إليه المطعون ضده الثاني ورفضت مراجعة مستندين هامين في الدعوى الموضوعية رقم 2752 سنة 1976 وهو ما يعيب الحكم بالبطلان.
وحيث إن النعي بسببيه مردود ذلك أنه ولئن كان حق الدفاع - بما في ذلك المرافعة الشفوية - أمر كفله القانون لأطراف النزاع في الدعوى إلا أن ذلك لا يحول بين المحكمة وبين تنظيم هذا الحق على وجه يصونه ولا يكلف المحكمة من أمرها رهقاً، وحسبها في ذلك أن تفسح للخصوم المدى المعقول لتمكينهم من الدفاع دون غلو أو إسراف في التأجيل أو تكرار الاستماع إليهم أو خروج عن موضوع الدعوى ومقتضيات الدفاع فيها، لما كان ذلك وكان الشارع قد نص في المادة 97 من قانون المرافعات على أن تجرى المرافعة في أول جلسة وكانت محكمة الموضوع قد أفسحت للطاعن منذ فجر الخصومة المدى المعقول لتمكينه من إبداء دفاعه حتى انتهاء أجل المرافعة، وذلك على النحو الوارد بمحاضر الجلسات وكان لا إلزام على محكمة الموضوع بإيراد نصوص المستندات المقدمة من الخصوم أو تفصيل بياناتها بمدونات حكمها فإن النعي على الحكم لذلك بالبطلان على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الخامس على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول أن المطعون ضده الثاني قد بنى طلب التعويض على أن ضرراً أدبياً لحق به يتمثل فيما وجهه إليه الطاعن بتقرير المخاصمة من عبارات جارحة ووقائع تجافي الحقيقة في حين أن ما ورد بالتقرير لا يعد سباً أو قذفاً أو تشهيراً بالمطعون ضده الثاني وإذ أجابه الحكم المطعون فيه إلى طلبه فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن استخلاص وقوع الفعل المكون للخطأ الموجب للمسئولية هو مما يدخل في تقدير محكمة الموضوع ما دام كان هذا الاستخلاص سائغاً ومستمداً من عناصر تؤدى إليه وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بالتعويض على ما استخلصه من تقرير المخاصمة من أن الطاعن قد أخطأ بتوجيه اتهام باطل إلى المطعون ضده الثاني صيغ في ألفاظ وعبارات جارحة مما يخدش الكرامة وإن ذلك قد أصابه بأضرار أدبية، وكان هذا الذي استخلصه سائغاً ومستمداً من أوراق الدعوى فإن النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.