أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 37 - صـ 329

جلسة 3 من مارس سنة 1986

برياسة السيد المستشار: محمد حلمي راغب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: مسعد الساعي وأحمد سعفان والصاوي يوسف وعادل عبد الحميد.

(68)
الطعن رقم 2346 لسنة 55 القضائية

(1) مجلس القضاء الأعلى "اختصاصاته". قضاة. نيابة عامة. دعوى جنائية "قيود تحريكها".
رفع الدعوى الجنائية على القاضي في جناية أو جنحة. غير جائز إلا بإذن من مجلس القضاء الأعلى. أساس ذلك؟
لمجلس القضاء الأعلى أن يشكل من بين أعضائه لجنة أو أكثر وأن يفوضها في بعض اختصاصاته عدا ما يتعلق بالتعيين أو الترقية أو النقل. المادة 77 مكرراً 4 من القانون 46 لسنة 1972.
القرارات التي يصدرها مجلس القضاء الأعلى أو اللجنة التي يفوضها في بعض اختصاصاته. غير نهائية. أساس ذلك؟
(2) دعوى جنائية "تحريكها". محكمة الموضوع "اتصالها بالدعوى" "نظرها الدعوى والحكم فيها".
اتصال المحكمة بالدعوى الجنائية المرفوعة ممن لا يملك. معدوم. مؤدى ذلك؟
(3) قانون "تفسيره" "تطبيقه". مجلس القضاء الأعلى "اختصاصاته". تفويض. قضاة. نيابة عامة. دعوى جنائية "قيود تحريكها". بطلان.
صياغة النص في عبارات واضحة جلية. اعتبارها تعبيراً صادقاً عن إرادة المشرع. عدم جواز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل.
نص المادة 77 مكرراً 4 من قانون السلطة القضائية. مفاده. أن المشرع لم يجز لمجلس القضاء الأعلى التفويض في اختصاصاته المتعلقة بالتعيين أو الترقية أو النقل وأجاز له التفويض في بعض اختصاصاته الأخرى.
صدور الإذن برفع الدعوى الجنائية من لجنة لم تفوض في إصداره تفويضاً سليماً. يبطله.
(4) نقض "ما لا يجوز الطعن فيه من الأحكام".
القضاء الغير منه للخصومة في الدعوى. عدم جواز الطعن فيه بطريق النقض.
مثال.
(5) جريمة "أركانها". عقوبة "توقعيها". فاعل أصلي. اشتراك. قضاة. نيابة عامة. حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "حالات الطعن. الخطأ في القانون".
معاقبة الشريك بالعقوبة المقررة للجريمة. واجب. ولو امتنع ذلك على الفاعل لسبب من أسباب الإباحة أو لعدم وجود القصد الجنائي أو لأحوال خاصة به.
صفة القاضي أو عضو النيابة ليست من الأحوال التي تمنع من معاقبة الفاعل لكن تحول دون رفع الدعوى عليه إلا بعد إذن إقامة الدعوى الجنائية على الشريك - غير ممتنعة.
القضاء بعدم قبول الدعوى الجنائية بالنسبة لمن لا يشترط الحصول على إذن مجلس القضاء الأعلى لتحريك الدعوى الجنائية ضده. خطأ في القانون.
1 - لما كان قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1972 والمعدل بالقانون رقم 35 لسنة 1984 قد نص في المادة 96 منه على أنه لا يجوز رفع الدعوى الجنائية على القاضي في جناية أو جنحة إلا بإذن من مجلس القضاء الأعلى ثم عطف تلك الحماية على أعضاء النيابة العامة في المادة 130 منه، كما نص في المادة 27 مكرراً (4) من ذات القانون على أنه: "يضع المجلس لائحة بالقواعد التي يسير عليها في مباشرة اختصاصاته ويجوز للمجلس أن يشكل من بين أعضائه لجنة أو أكثر وأن يفوضها في بعض اختصاصاته عدا ما يتعلق منها بالتعيين أو الترقية أو النقل" كما يبين من الأوراق أن مجلس القضاء الأعلى قد أصدر بجلسته المنعقدة بتاريخ الخامس من إبريل سنة 1984 قراراً جرى نصه كالآتي: "وقد قرر المجلس الموافقة على تشكيل لجنة من السيد رئيس المجلس ورئيس محكمة استئناف القاهرة والنائب العام فوضها بالفصل في المسائل التي من اختصاص المجلس فيما عدا ما يتعلق منها بالتعيين أو الترقية أو النقل". وقد صدر الإذن برفع الدعوى الجنائية على المطعون ضده الأول من تلك اللجنة بناء على التفويض سالف الذكر. لما كان ذلك، وكانت نصوص قانون السلطة القضائية قد خلت من النص على نهائية القرارات الصادرة من مجلس القضاء الأعلى أو اللجنة التي يفوضها في بعض اختصاصاته في هذا الشأن ولو أراد المشرع ذلك لما أعوزه النص عليه صراحة على غرار ما نص عليه في المادة 81 من قانون السلطة القضائية والتي نصت على أن يكون قرار مجلس القضاء الأعلى في شأن تقدير الكفاية أو التظلم منها نهائياً، ومن ثم فلا تثريب على محكمة الموضوع التي تنظر الدعوى إن هي قضت ببطلان ذلك الإذن لعدم صدوره من الجهة المختصة بإصداره.
2 - من المقرر أن الدعوى الجنائية إذا كانت قد أقيمت على المتهم ممن لا يملك رفعها قانوناً فإن اتصال المحكمة في هذه الحالة بالدعوى يكون معدوماً قانوناً ولا يحق لها أن تتعرض لموضوعها فإن هي فعلت فإن حكمها وما بني عليه من إجراءات معدوم الأثر، ولا يحول دون ذلك صدور هذا الإذن من جهة قضائية إذ أن هذا الإذن مهما كانت طبيعته القانونية يعتبر إجراء جنائياً بالنظر إلى أثره اللازم في تحريك الدعوى الجنائية ومن ثم فهو يخضع لرقابة القضاء.
3 - لما كانت القاعدة العامة أنه متى كانت عبارة القانون واضحة لا لبس فيها فإنه يجب أن تعتبر تعبيراً صادقاً عن إرادة الشارع ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير والتأويل أياً كان الباعث على ذلك، ولما كان مفاد نص المادة 77 مكرراً (4) من قانون السلطة القضائية آنف البيان أن المشرع قد استبعد اختصاصات مجلس القضاء الأعلى المتعلقة بالتعيين أو الترقية أو النقل من جواز التفويض فيها، أما فيما يتعلق بباقي اختصاصات المجلس فقد أجاز له المشرع أن يفوض في بعضها لجنة أو أكثر يشكلها من بين أعضائه، ولو أراد المشرع أن يكون التفويض شاملاً لباقي تلك الاختصاصات لنص على جواز أن يكون التفويض في اختصاصات المجلس عدا ما يتعلق منها بالتعيين أو الترقية أو النقل وليس في بعضها، لما كان ذلك، وكان الإذن برفع الدعوى الجنائية على المطعون ضده الأول صدر من لجنة لم تفوض في إصداره تفويضاً سليماً طبقاً للقانون فإنه يكون باطلاً.
4 - لما كان الطعن بطريق النقض لا ينفتح بابه إلا بعد أن يكون قد صدر في موضوع الدعوى حكم منه للخصومة، وكان الحكم المطعون فيه بالنسبة للمطعون ضده الأول لا يعد منهياً للخصومة وإذا اتصلت المحكمة بعد ذلك بالدعوى اتصالاً صحيحاً فلها أن تفصل فيها وتكون إجراءات المحاكمة مبتدأه فإن الطعن بالنقض فيه في هذا الخصوص لا يكون جائزاً ومن ثم فإنه يتعين الحكم بعدم جواز الطعن بالنسبة للمطعون ضده الأول.
5 - لما كان نص المادة 42 من قانون العقوبات قد جرى على أنه: "إذا كان فاعل الجريمة غير معاقب لسبب من أسباب الإباحة أو لعدم وجود القصد الجنائي أو لأحوال أخرى خاصة به وجب مع ذلك معاقبة الشريك بالعقوبة المنصوص عليها قانوناً" وكان من الأحوال الخاصة ما لا يمنع من معاقبة الفاعل ولكنه يحول دون رفع الدعوى عليه إلا بعد إذن كصفة القاضي أو عضو النيابة وهذه الأحوال شخصية بحتة يستفيد منها الفاعل ولكنها لا تمنع من إقامة الدعوى الجنائية على الشريك - وذلك ما عدا جريمة الزنا لاعتبارات تتعلق بالحكمة التي دعت إلى تقييد حرية النيابة في رفع الدعوى عنها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بعدم قبول الدعوى الجنائية بالنسبة للمطعون ضدهما الثاني والثالث اللذين لا تتوافر لهما الصفة التي توافرت للمطعون ضده الأول واستلزمت صدور إذن من مجلس القضاء الأعلى لإمكان رفع الدعوى الجنائية عليه فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ويكون الحكم المطعون فيه بالنسبة لهما منه للخصومة على خلاف ظاهره.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهم بأنهم: أولاً: المتهم الأول: عرض مبلغ 1800 جنيهاً على موظف عام هو الرائد شرطة..... بإدارة جوازات ميناء القاهرة الجوي - على سبيل الرشوة - للإخلال بواجبات وظيفته بأن يغض الطرف عن التغيير الحاصل في اسم كل من المتهمين الثاني والثالث في تذكرتي مرورهما وعند عدم حصولهما على ختم بيانات الوصول ومدة الإقامة الممنوحة لهما على هاتين التذكرتين من مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية وذلك لتسهيل مغادرتهما أراضي البلاد من مطار القاهرة رغم كونهما مدرجين على قوائم الممنوعين من السفر لاتهامهما في الجناية رقم 905 لسنة 1981 إحراز مخدرات بدائرة قسم شرطة الدرب الأحمر ولكن الموظف المذكور لم يقبل الرشوة منه على النحو المبين بالتحقيقات. ثانياً: المتهمان الثاني والثالث: - 1 - اشتركا مع المتهم الأول بطريقي الاتفاق والمساعدة في ارتكاب الجناية سالفة الذكر بأن اتفقا معه على ارتكابها وأمداه بالمال والبيانات الخاصة بهما وموعد سفرهما لموطنهما وتوجها في صحبته إلى المطار في الموعد المتفق عليه مع الضابط سالف الذكر فتظاهر الأخير لدى تقديمهما إليه أوراق سفرهما بحضور المتهم الأول بتسهيل الإجراءات وتمكنا بذلك من الصعود إلى الطائرة ومكثا فيها حتى تم ضبطهما قبل إقلاعها عقب ضبط المتهم الأول متلبساً بالجرم فوقعت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة. 2 - تسمى كل منهما في تذكرة المرور الصادرة من القنصلية السعودية بالقاهرة باسم غير اسمه الحقيقي بأن اتخذا لجدهما اسم..... بدلاً من اسمه الحقيقي...... وأمرت بإحالتهم إلى محكمة أمن الدولة العليا لمحاكمتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمرها.
ومحكمة أمن الدولة العليا قضت حضورياً عملاً بالمادة 96 من قانون السلطة القضائية بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير اتخاذ الإجراءات القانونية.
فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

من حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير اتخاذ الإجراءات القانونية قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وشابه فساد في الاستدلال وانطوى على قصور في التسبيب، ذلك أن القرارات الصادرة من مجلس القضاء الأعلى نهائية ولا يجوز الطعن عليها بأي طريق من طرق الطعن، كما أن الحكم بقضائه ببطلان القرار الصادر من مجلس القضاء الأعلى بتفويض اللجنة الثلاثية في بعض اختصاصاته يكون قد فصل في مسألة تخرج عن اختصاصه لتجاوزه نطاق الخصومة الجنائية والمسائل التي يتوقف عليها الفصل في الدعوى، فضلاً عن أن هذا التفويض يعتبر وارداً على بعض اختصاصات المجلس طالما بقى من اختصاصاته التي لم يفوض فيها اللجنة اختصاصه بالتعيين والترقية والنقل دون أن يعتبر تفويضاً شاملاً في كل اختصاصاته. هذا إلى أن المطعون ضدهما الثاني والثالث شريكين للمطعون ضده الأول في الجريمة المسندة إليه ومن ثم فإنهما لا يستفيدان من القيد الوارد على حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية بالنسبة له إلا أن الحكم رغم ذلك - وبغير سند من القانون قضى بعدم قبول الدعوى بالنسبة لهما أيضاً للارتباط كل ذلك مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الدعوى الجنائية رفعت على المطعون ضدهم بوصف أن الأول - وهو مساعد للنيابة العامة - عرض رشوة على موظف عام للإخلال بواجبات وظيفته وأن الثاني والثالث اشتركا مع الأول بطريق الاتفاق والمساعدة في ارتكاب الجناية سالفة الذكر وتسمى كل منهما في تذكرة مرور باسم غير اسمه الحقيقي، وقضت محكمة أمن الدولة العليا حضورياً بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير اتخاذ الإجراءات القانونية. وأقامت قضاءها بالنسبة للمطعون ضده الأول على أن اللجنة التي أذنت برفع الدعوى الجنائية عليه فوضها مجلس القضاء الأعلى في كل اختصاصاته عدا التعيين والترقية والنقل وهي أمور حظر المشرع التفويض فيها وبذلك يكون هذا التفويض قد صدر على خلاف القانون ويكون الإذن برفع الدعوى الجنائية قد صدر مخالفاً للإجراءات القانونية وبالتالي لم تتصل المحكمة بالدعوى اتصالاً سليماً. لما كان ذلك، وكان قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1972 والمعدل بالقانون رقم 35 لسنة 1984 قد نص في المادة 96 منه على أنه لا يجوز رفع الدعوى الجنائية على القاضي في جناية أو جنحة إلا بإذن من مجلس القضاء الأعلى ثم عطف تلك الحماية على أعضاء النيابة العامة في المادة 130 منه، كما نص في المادة 27 مكرراً (4) من ذات القانون على أنه: "يضع المجلس لائحة بالقواعد التي يسير عليها في مباشرة اختصاصاته ويجوز للمجلس أن يشكل من بين أعضائه لجنة أو أكثر وأن يفوضها في بعض اختصاصاته عدا ما يتعلق منها بالتعيين أو الترقية أو النقل" كما يبين من الأوراق أن مجلس القضاء الأعلى قد أصدر بجلسته المنعقدة بتاريخ الخامس من إبريل سنة 1984 قراراً جرى نصه كالآتي: "وقد قرر المجلس الموافقة على تشكيل لجنة من السيد رئيس المجلس ورئيس محكمة استئناف القاهرة والنائب العام فوضها بالفصل في المسائل التي من اختصاص المجلس فيما عدا ما يتعلق منها بالتعيين أو الترقية أو النقل". وقد صدر الإذن برفع الدعوى الجنائية على المطعون ضده الأول من تلك اللجنة بناء على التفويض سالف الذكر. لما كان ذلك، وكانت نصوص قانون السلطة القضائية قد خلت من النص على نهائية القرارات الصادرة من مجلس القضاء الأعلى أو اللجنة التي يفوضها في بعض اختصاصاته في هذا الشأن ولو أراد المشرع ذلك لما أعوزه النص عليه صراحة على غرار ما نص عليه في المادة 81 من قانون السلطة القضائية والتي نصت على أن يكون قرار مجلس القضاء الأعلى في شأن تقدير الكفاية أو التظلم منه نهائياً، ومن ثم فلا تثريب على محكمة الموضوع التي تنظر الدعوى إن هي قضت ببطلان ذلك الإذن لعدم صدوره من الجهة المختصة بإصداره ذلك أنه من المقرر أن الدعوى الجنائية إذا كانت قد أقيمت على المتهم ممن لا يملك رفعها قانوناً فإن اتصال المحكمة في هذه الحالة بالدعوى يكون معدوماً قانوناً ولا يحق لها أن تتعرض لموضوعها فإن هي فعلت فإن حكمها وما بني عليه من إجراءات معدوم الأثر، ولا يحول دون ذلك صدور هذا الإذن من جهة قضائية إذ أن هذا الإذن مهما كانت طبيعته القانونية يعتبر إجراءاً جنائياً بالنظر إلى أثره اللازم في تحريك الدعوى الجنائية ومن ثم فهو يخضع لرقابة القضاء. لما كان ذلك، وكانت القاعدة العامة أنه متى كانت عبارة القانون واضحة لا لبس فيها فإنه يجب أن تعتبر تعبيراً صادقاً عن إرادة الشارع ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير والتأويل أياً كان الباعث على ذلك، ولما كان مفاد نص المادة 77 مكرراً
(4) من قانون السلطة القضائية آنف البيان أن المشرع قد استبعد اختصاصات مجلس القضاء الأعلى المتعلقة بالتعيين أو الترقية أو النقل من جواز التفويض فيها، أما فيما يتعلق بباقي اختصاصات المجلس فقد أجاز له المشرع أن يفوض في بعضها لجنة أو أكثر يشكلها من بين أعضائه، ولو أراد المشرع أن يكون التفويض شاملاً لباقي تلك الاختصاصات لنص على جواز أن يكون التفويض في اختصاصات المجلس عدا ما يتعلق منها بالتعيين أو الترقية أو النقل وليس في بعضها. لما كان ذلك، وكان الإذن برفع الدعوى الجنائية على المطعون ضده الأول قد صدر من لجنة لم تفوض في إصداره تفويضاً سليماً طبقاً للقانون فإنه يكون باطلاً، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ولا يعيبه بعد ذلك ما أورده من أن التفويض كان شاملاً لاختصاصات المجلس لأن ذلك لم يكن له أثر في النتيجة التي خلص إليها لما كان ذلك، وكان الطعن بطريق النقض لا ينفتح بابه إلا بعد أن يكون قد صدر في موضوع الدعوى حكم منه للخصومة، وكان الحكم المطعون فيه بالنسبة للمطعون ضده الأول لا يعد منهياً للخصومة وإذا اتصلت المحكمة بعد ذلك بالدعوى اتصالاً صحيحاً فلها أن تفصل فيها وتكون إجراءات المحاكمة مبتدأه فإن الطعن بالنقض فيه في هذا الخصوص لا يكون جائزاً ومن ثم فإنه يتعين الحكم بعدم جواز الطعن بالنسبة للمطعون ضده الأول.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بعدم قبول الدعوى بالنسبة للمطعون ضدهما الثاني والثالث على قوله: "وبما أنه بالنسبة للمتهمين الثاني والثالث ولما كان ما نسب إليهما يرتبط بما نسب للمتهم الأول - المطعون ضده الأول - لذلك يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى برمتها". لما كان ذلك، وكان نص المادة 42 من قانون العقوبات قد جرى على أنه: "إذا كان فاعل الجريمة غير معاقب لسبب من أسباب الإباحة أو لعدم وجود القصد الجنائي أو لأحوال أخرى خاصة به وجب مع ذلك معاقبة الشريك بالعقوبة المنصوص عليها قانوناً" وكان من الأحوال الخاصة ما لا يمنع من معاقبة الفاعل ولكنه يحول دون رفع الدعوى عليه إلا بعد إذن كصفة القاضي أو عضو النيابة وهذه الأحوال شخصية بحتة يستفيد منها الفاعل ولكنها لا تمنع من إقامة الدعوى الجنائية على الشريك - وذلك ما عدا جريمة الزنا لاعتبارات تتعلق بالحكمة التي دعت إلى تقييد حرية النيابة في رفع الدعوى عنها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بعدم قبول الدعوى الجنائية بالنسبة للمطعون ضدهما الثاني والثالث اللذين لا تتوافر لهما الصفة التي توافرت للمطعون ضده الأول واستلزمت صدور إذن من مجلس القضاء الأعلى لإمكان رفع الدعوى الجنائية عليه فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ويكون الحكم المطعون فيه بالنسبة لهما منه للخصومة على خلاف ظاهره ويكون الطعن فيه جائزاً فضلاً عن استيفائه الشكل المقرر في القانون. لما كان ما تقدم، وكانت المحكمة قد أخطأت في قضائها بعدم قبول الدعوى بالنسبة للمطعون ضدهما الثاني والثالث وقد حجبها هذا الخطأ عن نظر الموضوع فإنه يتعين الحكم بقبول الطعن بالنسبة لهما شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والإحالة.