مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1955 إلى آخر يناير سنة 1956) - صـ 64

جلسة 5 من نوفمبر سنة 1955

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وبحضور السادة بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وحسن جلال وعلي إبراهيم بغدادي المستشارين.

(8)
القضية رقم 20 لسنة 2 القضائية

( أ ) قرار إداري - الحكم بإلغائه أو وقف تنفيذه - رقابة القضاء الإداري له في الحالتين رقابة قانونية - تجد حدها الطبعي عند استظهار مشروعية أو عدم مشروعية القرار طبقاً للقانون - سلطة المحكمة الإدارية العليا في ذلك.
(ب) محكمة إدارية عليا - الطعن أمامها - المقابلة بينه وبين الطعن بالنقض - عدم التطابق التام بين النظامين - مرد ذلك.
(ج) قرار إداري - الحكم الصادر بوقف تنفيذه - جواز الطعن فيه استقلالاً أمام المحكمة الإدارية العليا - أساس ذلك.
(د) وقف التنفيذ - ركناه - الاستعجال وجدية الطاعن - كلاهما من الحدود القانونية التي تحد سلطة محكمة القضاء الإداري وتخضع لرقابة المحكمة الإدارية العليا.
(هـ) مرافق عامة - نزع الملكية للمنفعة العامة - طلب وقف تنفيذ القرار - ثبوت استيلاء الإدارة على الأرض المنزوع ملكيتها، وشروعها فعلاً في إقامة مبان عليها قبل الفصل في الدعوى - صيرورة طلب وقف التنفيذ غير ذي موضوع، ولو قدم قبل الاستيلاء والشروع في البناء - تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة - تحول المصلحة الفردية إلى تعويض إن كان له محل.
1 - إن رقابة القضاء الإداري للقرارات الإدارية، سواء في مجال وقف تنفيذها أو في مجال إلغائها، هي رقابة قانونية تسلطها في الحالتين على هذه القرارات؛ لتتعرف مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها للقانون نصاً وروحاً، فينبغي ألا تلغى قراراً إدارياً إلا إذا شابه عيب من هذا القبيل، وألا تقف قراراً إلا إذا كان، على حسب الظاهر من الأوراق، يتسم بمثل هذا العيب، وقامت إلى جانب ذلك حالة الاستعجال؛ بأن كان يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها. فالرقابة في الحالين تجد حدها الطبعي عند استظهار مشروعية أو عدم مشروعية القرار، طبقاً للقانون، والفارق بينهما منحصر في أثر الحكم، هذا يقف تنفيذ القرار مؤقتاً لحين الفصل في طلب الإلغاء، وذاك يعدمه إذا قضى بإلغائه، فليس لمحكمة القضاء الإداري، في صدد طلب وقف تنفيذ القرار الإداري، رقابة تختلف في حدودها عن تلك الرقابة القانونية، تقصر عنها سلطة المحكمة الإدارية العليا، بل النشاطان متماثلان في الطبيعة وإن اختلفا في المرتبة؛ إذ مردهما في النهاية إلى مبدأ المشروعية، تلك تسلطه على القرارات الإدارية، سواء في مجال وقف تنفيذها أو إلغائها، وهذه تسلطه عليها في الحالين ثم على الأحكام.
2 - لا وجه لافتراض قيام التطابق التام بين نظام الطعن بطريق النقض المدني ونظام الطعن الإداري، فقد يتفقان في ناحية وقد يختلفان في ناحية أخرى، أو قد تكون لكل من النظامين قواعده الخاصة في شأن ما مما يمتنع معه إجراء القياس لوجود الفارق، إما من النص أو من اختلاف طبيعة الطعنين اختلافاً مرده أساساً إلى اختلاف نشاط محكمة الموضوع عن نشاط محكمة النقض في مجالات فهم "الموضوع" أو تقدير إعمال "الرخص" المتروك ذلك كله لتقدير محكمة الموضوع بسلطة قطعية لا تعقب عليها محكمة النقض، أو إلى التباين بين طبيعة الروابط التي تنشأ فيما بين الإدارة والأفراد في مجالات القانون العام، وتلك التي تنشأ فيما بين الأفراد في مجالات القانون الخاص.
3 - إن الحكم بوقف تنفيذ القرار الإداري، وإن كان حكماً "مؤقتاً" بمعنى أنه لا يقيد المحكمة عند نظر أصل طلب الإلغاء، إلا أنه حكم قطعي، وله مقومات الأحكام وخصائصها، ويجوز قوة الشيء المحكوم فيه في الخصوص الذي صدر فيه، طالما لم تتغير الظروف. وبهذه المثابة يجوز الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا استقلالاً، شأنه في ذلك شأن أي حكم انتهائي. والقول بلزوم انتظار الحكم في دعوى الإلغاء، هو لزوم بما لا يلزم، فضلاً عما ينطوي عليه من مجافاة لطبائع الأشياء، في أمر المفروض فيه أنه مستعجل بطبيعته تتعرض فيه مصالح ذوي الشأن للخطر، ويخشى عليه من فوات الوقت.
4 - إن سلطة وقف التنفيذ مشتقة من سلطة الإلغاء وفرع منها، مردهما إلى الرقابة القانونية التي يسلطها القضاء الإداري على القرار، على أساس وزن القرار بميزان القانون وزناً مناطه مبدأ المشروعية وعدمها، فوجب على القضاء الإداري ألا يقف قراراً إدارياً إلا على ركنين: الأول: قيام الاستعجال؛ أي أن يترتب على تنفيذه نتائج يتعذر تداركها. والثاني: يتصل بمبدأ المشروعية؛ أي أن يكون ادعاء الطالب في هذا الشأن قائماً، بحسب الظاهر، على أسباب جدية. وكلا الركنين من الحدود القانونية، التي تحد سلطة محكمة القضاء الإداري، وتخضع لرقابة المحكمة الإدارية العليا.
5 - إذا كان الثابت أن المدعي قد طلب وقف تنفيذ القرار الصادر بنزع ملكية أرض مملوكة له لإقامة مستشفى عليها، وأثناء نظر الدعوى استبان للمحكمة أن الاستيلاء على الأرض قد تم بمعرفة الإدارة، وشرع فعلاً في إقامة المستشفى عليها، فإن طلب وقف التنفيذ يصبح غير ذي موضوع، بل إن تنفيذ الحكم بوقف تنفيذ القرار، إذا كان مقصوداً به إعادة يد المطعون عليه على الأرض، دون أن يؤخذ في الاعتبار ما تم من أعمال في سبيل إقامة المستشفى، مما غير الأرض، من أرض فضاء إلى أرض شيد عليها جزء من مبنى هذه المستشفى، إن تنفيذ الحكم على هذا النحو، هو الذي يترتب عليه نتائج خطيرة أقلها تعطيل مشروع ذي نفع عام، ولا يغير من ذلك، الادعاء بأن الأرض كانت عند تقديم طلب وقف التنفيذ خالية؛ لأنه مهما يكن من أمر في قيمة هذا الادعاء، عند نظر أصل الموضوع، فإن المصلحة العامة والمصلحة الفردية لا تتوازيان في مجال الروابط القانونية التي تنشأ بين الإدارة والأفراد، بل يجب أن تعلو المصلحة العامة في مثل هذا الأمر الذي يتعلق أساساً بتسيير مرفق عام، وإنما تتحول المصلحة الفردية إلى تعويض، إن كان لذلك أساس من القانون.


إجراءات الطعن

أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في 26 من أكتوبر سنة 1955 عريضة طعن أمام هذه المحكمة في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) بجلسة 4 من أكتوبر سنة 1955 في الطلب المقدم في الدعوى رقم 3642 لسنة 9 القضائية بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه الصادر من وزير الصحة "باعتبار مشروع مستشفى الأمراض الصدرية بجرجا بناحية جرجا بمركز ومديرية جرجا من المنافع العامة، وبالاستيلاء على الأرض اللازمة لذلك والصادر بتاريخ 5 من مارس سنة 1955، والمنشور بالوقائع المصرية بالعدد 28 في 7 من إبريل سنة 1955". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين، للأسباب التي استند إليها، الحكم: "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء أصلياً بعدم قبول طلب وقف التنفيذ واحتياطياً برفضه". ونظراً للاستعجال عين لنظر هذا الطعن جلسة يوم 31 من أكتوبر سنة 1955، وأعلن طرفا المنازعة في 30 منه، وفيها سمعت الإيضاحات على النحو المبين بالمحضر. ودفع المطعون عليه بعدم جواز الطعن وفي موضوعه برفضه، وأرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم مع الترخيص للمطعون عليه في تقديم مذكرة بدفاعه خلال يومين فقدمها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع إيضاحات ذوي الشأن وبعد المداولة.
( أ ) عن الدفع بعدم جواز الطعن:
من حيث إن هذا الدفع يقوم على سببين، أولهما: أن المادة 18 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بتنظيم مجلس الدولة نصت على أنه: "لا يترتب على رفع الطلب إلى المحكمة وقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه، على أنه يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذه مؤقتاً إذا طلب ذلك في صحيفة الدعوى ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها...". وما دام القانون ترك لمحكمة القضاء الإداري الخيار، وأطلق لها في تقدير مقومات هذا الخيار، فإن المحكمة العليا لا تملك التعقيب على محكمة القضاء الإداري فيما ترك لها القانون الترخص في تقديره. وثانيهما: أن نص المادة 15 من قانون مجلس الدولة إذ نصت على أنه: "ولا يترتب على الطعن وقف تنفيذ الحكم إلا إذا أمرت المحكمة بذلك"، فلا بد من وجود حكم صادر في الموضوع أي في دعوى الإلغاء، وهو لما يصدر.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالسبب الأول فإن رقابة القضاء الإداري للقرارات الإدارية، سواء في مجال وقف تنفيذها أو في مجال إلغائها هي رقابة قانونية، تسلطها في الحالين على هذه القرارات؛ لتتعرف مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون نصاً وروحاً. فينبغي ألا تلغى قراراً إدارياً إلا إذا شابه عيب من هذا القبيل، وألا تقف قراراً، إلا إذا كان، على حسب الظاهر من الأوراق، يتسم بمثل هذا العيب، وقامت إلى جانب ذلك حالة الاستعجال؛ بأن كان يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها. فالرقابة في الحالين تجد حدها الطبعي عند استظهار مشروعية أو عدم مشروعية القرار، طبقاً للقانون، والفارق بينهما منحصر في أثر الحكم، هذا يقف تنفيذ القرار مؤقتاً لحين الفصل في طلب الإلغاء، وذاك يعدمه إذا قضى بإلغائه. فليس لمحكمة القضاء الإداري، في صدد طلب وقف تنفيذ القرار الإداري، رقابة تختلف في حدودها عن تلك الرقابة القانونية، تقصر عنها سلطة المحكمة الإدارية العليا، بل النشاطان متماثلان في الطبيعة، وإن اختلفا في المرتبة؛ إذ مردهما في النهاية إلى مبدأ المشروعية، تلك تسلطه على القرارات الإدارية، سواء في مجال وقف تنفيذها أو إلغائها، وهذه تسلطه عليها في الحالين ثم على الأحكام.
ومن حيث إنه لا وجه لافتراض قيام التطابق التام بين نظام الطعن بطريق النقض المدني ونظام الطعن الإداري، فقد يتفقان في ناحية، وقد يختلفان في ناحية أخرى؛ إذ قد يكون لكل من النظامين قواعده الخاصة في شأن ما مما يمتنع معه إجراء القياس لوجود الفارق، إما من النص أو من اختلاف طبيعة الطعنين اختلافاً مرده أساساً إلى اختلاف نشاط محكمة الموضوع عن نشاط محكمة النقض في مجالات فهم "الموضوع" أو تقدير إعمال "الرخص"، المتروك ذلك كله لتقدير محكمة الموضوع بسلطة قطعية لا تعقب عليها محكمة النقض، أو إلى التباين بين طبيعة الروابط التي تنشأ بين الإدارة والأفراد في مجالات القانون العام، وتلك التي تنشأ فيما بين الأفراد في مجالات القانون الخاص. هذا وحكم محكمة النقض الصادر في 16 من مايو سنة 1935، الذي يستدل به المطعون عليه في معرض اتحاد وجه القياس، يؤكد الفارق في هذا القياس، ذلك أنه إذا كان كما تقول تلك المحكمة "إن الاستدلال على التاجر بدفاتره ليس حقاً مقرراً لخصم التاجر واجباً على المحكمة إنالته إياه متى طلبه، بل إن الشأن فيه - بحسب نص المادة 17 من القانون التجاري - أمر جوازي للمحكمة إن شاءت أجابته إليه وإن شاءت أطرحته، وكل أمر يجعل القانون فيه للقاضي خيار الأخذ والترك فلا حرج عليه إن مال لجانب دون الآخر من جانبي الخيار. ولا يمكن الادعاء عليه بمخالفة القانون"، فإنه ظاهر أن المقام مقام تقدير محكمة "الموضوع" للأخذ أو عدم الأخذ بدليل لفهم "الواقع"، ولم يكن واجباً عليها قانوناً تمكين خصم التاجر من إنالته، بينما وجه القياس مختلف بالنسبة إلى محكمة القضاء الإداري سواء أكان المطروح عليها طلب إلغاء قرار إداري أو وقف تنفيذه؛ إذ واجب عليها ألا تلغي القرار أو تقف تنفيذه إلا إذا كان مخالفاً للقانون، فهي ملزمة في الحالين ألا تتعدى حدود الرقابة القانونية حسبما سلف إيضاحه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالسبب الثاني، فإن الاستدلال بتلك الفقرة من المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955، هو استدلال في غير موضعه، ذلك أنه إذا كانت تنص على أنه ".... ولا يترتب على الطعن وقف تنفيذ الحكم إلا إذا أمرت المحكمة بذلك..."، فإنها تفترض، كمجال لإعمالها، أن يكون ثمة طعن أمام المحكمة الإدارية العليا منصباً على إلغاء حكم، وطلب فرعي بوقف تنفيذ هذا الحكم مؤقتاً إلى أن يفصل في موضوع الطعن، ولكن الطعن في خصوصية النزاع منصب على إلغاء حكم قضى بوقف تنفيذ قرار إداري، مقصوراً الطعن على ذلك، ومثل هذا الطعن جائز استقلالاً عن الطعن في حكم الإلغاء ذاته؛ ذلك أن الحكم بوقف تنفيذ القرار الإداري، وإن كان حكماً "مؤقتاً"، بمعنى أنه لا يقيد المحكمة عند نظر أصل طلب الإلغاء، إلا أنه حكم قطعي، وله مقومات الأحكام وخصائصها، ويحوز قوة الشيء المحكوم فيه في الخصوص الذي صدر فيه، طالما لم تتغير الظروف. وبهذه المثابة يجوز الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا استقلالاً شأنه في ذلك شأن أي حكم انتهائي. والقول بلزوم انتظار الحكم في دعوى الإلغاء هو لزوم بما لا يلزم، فضلاً عما ينطوي عليه من مجافاة لطبائع الأشياء، في أمر المفروض فيه أنه مستعجل بطبيعته، تتعرض فيه مصالح ذوي الشأن للخطر، ويخشى عليه من فوات الوقت.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
(ب) عن موضوع الطعن:
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على "أن الثابت من الأوراق أن المدعي اعترض على القرار الصادر في 5 من مارس سنة 1955، لما يترتب عليه من أضرار بالغة بملكه، فضلاً عن تعارضه مع المصلحة العامة التي اقتضت تقسيم أرضه لتكون امتداداً لمدينة جرجا يتحقق به تجميلها وتنسيقها، وأنه أرشد عن موقع لإقامة المستشفى عاينته لجنة رأت صلاحيته لإقامة المستشفى، وأن المدعي تبرع بمبلغ 7500 ج بموجب شيك على بنك باركليز"، وخلصت المحكمة من ذلك إلى أن "طعن المدعي على القرار الصادر بنزع ملكيته من الفدانين وكسور لإقامة المستشفى عليها، قائم على أسباب جدية تبرر إجابته إلى طلب وقف تنفيذه لما يترتب على التنفيذ من نتائج قد يتعذر تداركها مستقبلاً".
ومن حيث إن للقرار الإداري قوته الملزمة للأفراد، وللإدارة تنفيذه بالطريق المباشر في حدود القوانين واللوائح، وما كان في الأصل يجوز للقضاء الحكم بإلغاء القرار أو وقف تنفيذه، إلى أن أنشئ مجلس الدولة، فاستحدث قانون إنشائه نظام إلغاء القرار الإداري ونظام وقف تنفيذه مؤقتاً لحين الفصل في الإلغاء. والواقع أن سلطة الوقف مشتقة من سلطة الإلغاء وفرع منها، مردهما، حسبما سلف بيانه، إلى الرقابة القانونية التي يسلطها القضاء الإداري على القرار، على أساس وزن القرار بميزان القانون وزناً مناطه مبدأ المشروعية وعدمها، فوجب على القضاء الإداري ألا يقف قراراً إدارياً إلا على ركنين: الأول: قيام الاستعجال؛ أي أن يترتب على تنفيذه نتائج يتعذر تداركها.
والثاني: يتصل بمبدأ المشروعية؛ أي أن يكون ادعاء الطالب في هذا الشأن قائماً، بحسب الظاهر، على أسباب جدية. وكلا الركنين من الحدود القانونية، التي تحد سلطة محكمة القضاء الإداري وتخضع لرقابة المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالركن الأول، فإنه يبين من الأوراق أنه قبل إصدار الحكم المطعون فيه كان الاستيلاء على الأرض، تنفيذاً للقرار المطعون فيه، قد تم، وشرع فعلاً في إقامة المستشفى عليها، فأصبح وقف تنفيذ القرار، والحالة هذه، غير ذي موضوع. بل إن تنفيذ الحكم بوقف تنفيذ القرار، إذا كان مقصوداً به إعادة يد المطعون عليه على الأرض، دون أن يؤخذ في الاعتبار ما تم من أعمال في سبيل إقامة المستشفى، مما غير الأرض، من أرض فضاء إلى أرض شيد عليها جزء من مبنى هذه المستشفى - إن تنفيذ الحكم على هذا النحو، هو الذي يترتب عليه نتائج خطيرة، أقلها تعطيل مشروع ذي نفع عام. ولا يغير من ذلك، الادعاء بأن الأرض كانت عند تقديم طلب وقف التنفيذ خالية؛ لأنه مهما يكن من أمر في قيمة هذا الادعاء عند نظر أصل الموضوع، فإن المصلحة العامة والمصلحة الفردية لا تتوازيان في مجال الروابط القانونية التي تنشأ بين الإدارة والأفراد، بل يجب أن تعلو المصلحة العامة في مثل هذا الأمر الذي يتعلق أساساً بتسيير مرفق عام، وإنما تتحول المصلحة الفردية إلى تعويض، إن كان لذلك أساس من القانون.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالركن الثاني، فإن أي المكانين أصلح لإقامة المستشفى عليه - هل هو الأرض التي صدر القرار باعتبارها من المنافع العامة وبالاستيلاء عليها، أم الأرض التي عرضها المدعي كبديل لها مع المبلغ الذي أظهر استعداده لدفعه - هو من الملاءمات المتروكة لتقدير الإدارة بما لا معقب عليها في هذا الشأن، ما دام خلا من إساءة استعمال السلطة. ولا حجة فيما استند إليه الحكم المطعون فيه من أن لجنة رأت صلاحيته لإقامة المستشفى؛ ذلك لأن رأي هذه اللجنة، بحكم وضعها في التدرج الإداري، ليس قطعياً وليس نهائياً، بل المرجع في ذلك إلى الوزير، وقد رفض عرض المطعون عليه، ولم يقم أدنى دليل على أنه أساء استعمال السلطة، بل على العكس من ذلك تغيا وجه المصلحة العامة من عدم تعطيل هذا المشروع ذي النفع العام، بعد اقتناعه من عدم وجود مزايا تبعث على قبول عرض المطعون عليه بدلاً من الأرض التي صدر قراره باعتبارها من المنفعة العامة كمكان يصلح لإقامة المستشفى عليه، وقد تأكد ذلك من تقارير لجان أخرى أثبتت أفضلية هذه الأرض.
ومن حيث إنه يبين من كل ما تقدم أن الحكم المطعون فيه قد وقع مخالفاً للقانون فيتعين إلغاؤه فيما قضى به من وقف تنفيذ القرار مثار المنازعة، وهذا كله مع عدم المساس بدعوى الإلغاء.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض طلب وقف التنفيذ، وألزمت الطالب بمصروفات هذا الطلب.