مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1955 إلى آخر يناير سنة 1956) - صـ 72

جلسة 12 من نوفمبر سنة 1955

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وحسن جلال وعلي إبراهيم بغدادي المستشارين.

(9)
القضية رقم 6 لسنة 1 القضائية

موظف - علاقته بالحكومة علاقة تنظيمية - خضوع نظامه القانوني للتعديل وفق مقتضيات المصلحة العامة - سريان التنظيم الجديد عليه بأثر حال من تاريخ العمل به - عدم سريانه بأثر رجعي يمس المراكز القانونية الذاتية إلا بنص خاص في قانون وليس في أداة أدنى - تضمن التنظيم الجديد لمزايا ترتب أعباء مالية على الخزانة العامة - عدم سريانه على الماضي - إلا إذا تبين قصده من ذلك بوضوح - عند الشك يكون التفسير لصالح الخزانة - أساس ذلك - مثال بالنسبة لقرار مجلس الوزراء الصادر في 21/ 10/ 1953.
إن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح. فمركز الموظف من هذه الناحية هو مركز قانوني عام يجوز تغييره في أي وقت، وليس له أن يحتج بأن له حقاً مكتسباً في أن يعامل بمقتضى النظام القديم الذي عين في ظله. ومرد ذلك إلى أن الموظفين هم عمال المرافق العامة، وبهذه المثابة يجب أن يخضع نظامهم القانوني للتعديل والتغيير وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة. ويتفرع عن ذلك أن النظام الجديد يسري على الموظف بأثر حال مباشر من تاريخ العمل به، ولكنه لا يسري بأثر رجعي بما من شأنه إهدار المراكز القانونية الذاتية التي تكون قد تحققت لصالح الموظف في ظل النظام القديم، قانوناً كان أو لائحة، إلا بنص خاص في قانون، وليس في أداة أدنى منه كلائحة. وإذا تضمن النظام الجديد، قانوناً كان أو لائحة، مزايا جديدة للوظيفة ترتب أعباء مالية على الخزانة، فالأصل ألا يسري النظام الجديد، في هذا الخصوص، إلا من تاريخ العمل به، إلا إذا كان واضحاً منه أنه قصد أن يكون نفاذه من تاريخ سابق. هذا وعند الغموض أو الشك يجب أن يكون التفسير لصالح الخزانة إعمالاً لمبدأ ترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة في الروابط التي تقوم بين الحكومة والأفراد في مجالات القانون العام.
وما دام قرار مجلس الوزراء الصادر في 21 من أكتوبر سنة 1953 قد استحدث بالنسبة إلى العمال الذين كانوا قد بلغوا درجة صانع غير دقيق عند تنفيذ قرار 12 من أغسطس سنة 1951 وما كانوا يفيدون من مزاياه، قد استحدث لهم مركزاً قانونياً جديداً يرتب أعباء مالية على الخزانة العامة، وجاء ذلك القرار خلواً من أي نص يدل بوضوح على أنه قصد إلى أن تكون إفادتهم منه من تاريخ سابق في الماضي، فإنهم، والحالة هذه، لا يفيدون من هذا التنظيم الجديد إلا من التاريخ المعين لنفاذه. وعلى مقتضى ذلك، يكون الحكم المطعون فيه، إذ قضى للمطعون عليه بفروق عن المدة من 14 من أكتوبر سنة 1951 لغاية 20 من أكتوبر سنة 1953، قد خالف القانون، ومن ثم يتعين إلغاؤه والحكم برفض الدعوى.


إجراءات الطعن

في 9 من يونيه سنة 1955 أودع رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة الإدارية العليا طعناً في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات المالية والتجارة والزراعة والتموين بجلستها المنعقدة في 10 من إبريل سنة 1955 في القضية رقم 509 لسنة 2 ق المرفوعة من أنور أحمد فؤاد ضد وزارة الزراعة. ويقضي هذا الحكم بأحقية المدعي في صرف الفروق الناتجة عن تطبيق قرار مجلس الوزراء الصادر في 21 من أكتوبر سنة 1953 بإعادة تسوية حالته وفقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 12 من أغسطس سنة 1951 اعتباراً من 14 من فبراير سنة 1951 إلى 20 من أكتوبر سنة 1953. وطلب رئيس هيئة مفوضي الدولة قبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض طلب المتظلم وإلزامه بالمصروفات.
وقد أعلن الطعن إلى المتظلم في 13 من يونيه سنة 1955 وإلى وزارة الزراعة في 14 منه، وعينت لنظر الدعوى جلسة 22 من أكتوبر سنة 1955 وفيها سمعت إيضاحات الطرفين على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجئ إصدار الحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة حسبما يستفاد من أوراق الطعن تتحصل في أن أنور أحمد فؤاد رفع القضية رقم 209 لسنة 5 ق إلى المحكمة الإدارية لوزارات المالية والتجارة والزراعة والتموين بصحيفة مؤرخة أول فبراير سنة 1954 طالباً الحكم بصرف الفروق التي يستحقها تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 21 من أكتوبر سنة 1953 من تاريخ تعيينه. وقال بياناً لدعواه إنه عين مساعد صانع بمصلحة البساتين في 5 من إبريل سنة 1939. ولما صدر قرار مجلس الوزراء في 21 من أكتوبر سنة 1953 بتسوية حالة مساعدي الصناع زيد أجره على أساس منحه 300 مليم بعد انقضاء خمس سنوات على تعيينه. ولكن الوزارة عند صرف أجره الذي يستحقه طبقاً لهذا القرار لم تؤد إليه فروق هذا الأجر إلا من تاريخ القرار فقط في حين أنه يستحقها منذ تعيينه. وقد دفعت وزارة الزراعة الدعوى قائلة إن المدعي عين في 5 من إبريل سنة 1939 مساعد صانع في الفئة 150 - 240 مليماً، وفي 2 من يونيه سنة 1947 رقي إلى درجة صانع غير دقيق في الفئة من 200 - 360 مليماً، ومنح علاوة الترقية، وفي 27 من مايو سنة 1952 وضع في درجة صانع دقيق في الفئة من 300 - 500 مليم وهي إحدى الدرجات التي خلت إثر تنفيذ قرار مجلس الوزراء الصادر في 12 من أغسطس سنة 1951 بتعديل النسب المئوية لعدد العمال في كل درجة من درجات الكادر، وذلك دون منحه علاوة ترقية لسبق منحه إياها عند ترقيته إلى درجة صانع غير دقيق. وإثر صدور قرار مجلس الوزراء في 21 من أكتوبر سنة 1953 سويت حالته وفقاً لأحكامه، وذلك بإقرار وضعه في درجة صانع دقيق التي سبق نقله إليها ومنحه أجراً مقداره 300 مليم على أن يتدرج هذا الأجر في الزيادة بالعلاوات المقررة لدرجته سالفة الذكر. وصرفت إليه الفروق التي ترتبت على هذه التسوية ابتداء من 21 من أكتوبر سنة 1953 تاريخ صدور قرار مجلس الوزراء المشار إليه - وذلك طبقاً لما أشار به ديوان الموظفين - وانتهت إلى طلب رفض الدعوى.
وفي 10 من إبريل سنة 1955 قضت المحكمة بأحقية المدعي في صرف الفروق الناتجة عن تطبيق قرار مجلس الوزراء الصادر في 21 من أكتوبر سنة 1953 بإعادة تسوية حالته وفقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 12 من أغسطس سنة 1951 اعتباراً من 14 من فبراير سنة 1951 إلى 20 من أكتوبر سنة 1953، بانية قضاءها على أن الغاية التي يهدف إليها قرار مجلس الوزراء الصادر في 21 من أكتوبر سنة 1953 إنما هي إعادة التسوية لتصحيح الأوضاع على أساس إقامة المساواة بين طائفة المدعي ومن هم أحدث منه. فإذا جعل تنفيذه وصرف الفروق من تاريخ صدوره فقط أصبح قاصراً عن تحقيق ما استهدفه من إعادة التسوية، وإقرار المساواة بين طائفة المدعي وزملائهم الأحدث منهم عهداً بالخدمة لا يحمل في طياته معنى الرجعية التي يحظرها القانون. أما تحديد تاريخ 14 من فبراير سنة 1951 لصرف الفروق ابتداء منه فقد استندت فيه المحكمة إلى كتاب وزارة المالية الدوري رقم ف 234 - 9/ 53 الصادر في 9 من أغسطس سنة 1952 بالموافقة على صرف الفروق المستحقة للصبية والشراقات ومساعدي الصناع ابتداء من 14 من فبراير سنة 1951. وقد طعن رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم للأسباب المبينة بصحيفة الطعن.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 12 من أغسطس سنة 1951 بتعديل قواعد كادر العمال الخاصة بالصبية والشراقات ومساعدي الصناع لم يكن يسري على المدعي وأمثاله ممن رقوا قبل صدوره من درجة مساعد صانع إلى درجة صانع غير دقيق، فلم يفيدوا من مزاياه كما أفاد منها مساعدو الصناع وهم أحدث منهم عهداً بالخدمة، وتحقيقاً للمساواة بين الطائفتين استصدرت وزارة الزراعة من مجلس الوزراء قرار 21 من أكتوبر سنة 1953، وهو يقضي بتسوية حالة المدعي وأمثاله طبقاً لأحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 12 من أغسطس سنة 1951، ثم نقلهم بعد انقضاء خمس سنوات عليهم في درجة مساعد صانع إلى درجة صانع دقيق، ومنحهم أجراً مقداره 300 مليم ابتداء من هذا التاريخ. ولما كان ذلك القرار "أي قرار 21 من أكتوبر سنة 1953" قد استحدث للمدعي وزملائه حقاً في التسوية على النحو السابق، كما أنه لم ينص على صرف فروق عن الماضي، فإنهم لا يستحقون هذه الفروق. ويكون الحكم المطعون عليه إذ قضى بصرفها عن الماضي على خلاف أحكام القرار قد أخطأ في تأويل القانون.
ومن حيث إن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح. فمركز الموظف من هذه الناحية هو مركز قانوني عام يجوز تغييره في أي وقت، وليس له أن يحتج بأن له حقاً مكتسباً في أن يعامل بمقتضى النظام القديم الذي عين في ظله. ومرد ذلك إلى أن الموظفين هم عمال المرافق العامة، وبهذه المثابة يجب أن يخضع نظامهم القانوني للتعديل والتغيير وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة. ويتفرع من ذلك أن النظام الجديد يسري على الموظف بأثر حال مباشر من تاريخ العمل به، ولكنه لا يسري بأثر رجعي بما من شأنه إهدار المراكز القانونية الذاتية التي تكون قد تحققت لصالح الموظف في ظل النظام القديم، قانوناً كان أو لائحة، إلا بنص خاص في قانون، وليس في أداة أدنى منه كلائحة. وإذا تضمن النظام الجديد، قانوناً كان أو لائحة، مزايا جديدة للوظيفة ترتب أعباء مالية على الخزانة، فالأصل ألا يسري النظام الجديد، في هذا الخصوص، إلا من تاريخ العمل به، إلا إذا كان واضحاً منه أنه قصد أن يكون نفاذه من تاريخ سابق. هذا وعند الغموض أو الشك يجب أن يكون التفسير لصالح الخزانة إعمالاً لمبدأ ترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة في الروابط التي تقوم بين الحكومة والأفراد في مجالات القانون العام.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على قراري مجلس الوزراء الصادرين في 12 من أغسطس سنة 1951 و21 من أكتوبر سنة 1953 أن أولهما صدر لعلاج ما أسفر عنه تطبيق كادر العمال من شذوذ في معاملة مساعدي الصناع بالقياس إلى طائفة التلاميذ "الشراقات" وهم أدنى منهم درجة؛ إذ رفع أجر التلميذ في بداية السنة الخامسة إلى 250 مليماً في حين أن أجر مساعد الصانع لم يبلغ في هذا التاريخ إلا 170 مليماً فقط، مما حمل وزارة المالية على رفع الأمر إلى مجلس الوزراء طالبة رفع درجة مساعد الصانع من الدرجة "150 - 240 م" إلى الدرجة "150 - 300 م"، فيتعين ابتداء بأجر مقداره 150 م يزاد إلى 200 م بعد سنتين، وإلى 250 م بعد سنتين أخريين، ثم يمنح بعد ذلك علاوة بواقع 20 م كل سنتين حتى يبلغ الأجر نهاية ربط درجته، وتستمر معاملته بالنسبة إلى الترقية بالقاعدة المعمول بها، وهي جواز ترقيته بعد خمس سنوات على الأقل. وقد وافق مجلس الوزراء على ذلك في 12 من أغسطس سنة 1951. ورأت اللجنة المالية في 12 من يونيه سنة 1952 أن يكون صرف الفروق المترتبة على تنفيذ هذا القرار ابتداء من 14 من فبراير سنة 1952. أما قرار 21 من أكتوبر سنة 1953 فقد صدر بناء على طلب وزارة الزراعة؛ لما أسفر تطبيق القرار السابق على عمالها عن شذوذ آخر في معاملة طائفة من العمال من درجة صانع غير دقيق "ومنهم المطعون عليه" بالقياس إلى مساعدي الصناع الذين يقلون عنهم درجة - ذلك أن هذا القرار لم يتناول سوى طائفة مساعدي الصناع الذين كانوا يشغلون هذه الدرجة عند تنفيذه فأفادوا من مزاياه، بينما حرم منها من كان قد رقي إلى درجة صانع غير دقيق قبل تنفيذه. فترتب على ذلك زيادة أجور مساعدي الصناع على أجور زملائهم هؤلاء رغم سبقهم في دخول الخدمة، مما حمل وزارة الزراعة على رفع الأمر إلى مجلس الوزراء طالبة إعادة تسوية حالات هؤلاء العمال على أساس تطبيق أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 12 من أغسطس سنة 1951 عليهم، ثم نقلهم إلى درجات "صانع دقيق" التي كانت قد نقلتهم إليها. وقد وافق المجلس على ذلك، على أن يكون نقلهم إلى درجات صانع دقيق بعد مضي خمس سنوات عليهم في درجة مساعد صانع ومنحهم أجراً مقداره 300 م من ذلك التاريخ، وبذلك تحققت المساواة في معاملة الفريقين.
ومن حيث إنه ما دام قرار مجلس الوزراء الصادر في 21 من أكتوبر سنة 1953 قد استحدث، بالنسبة إلى العمال الذين كانوا قد بلغوا درجة صانع غير دقيق عند تنفيذ قرار 12 من أغسطس سنة 1951 وما كانوا يفيدون من مزاياه، قد استحدث لهم مركزاً قانونياً جديداً يرتب أعباء مالية على الخزانة العامة، وجاء ذلك القرار خلواً من أي نص يدل بوضوح على أنه قصد إلى أن تكون إفادتهم منه من تاريخ سابق في الماضي، فإنهم، والحالة هذه، لا يفيدون من هذا التنظيم الجديد إلا من التاريخ المعين لنفاذه. وعلى مقتضى ذلك، يكون الحكم المطعون فيه، إذ قضى للمطعون عليه بفروق عن المدة من 14 من أكتوبر سنة 1951 لغاية 20 من أكتوبر سنة 1953، قد خالف القانون، ومن ثم يتعين إلغاؤه والحكم برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعى فيها بالمصروفات.