مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1955 إلى آخر يناير سنة 1956) - صـ 129

جلسة 19 من نوفمبر سنة 1955

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس المجلس وبعضوية السادة الإمام الإمام الخريبي وحسن جلال وعلي بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

(16)
القضية رقم 87 لسنة 1 القضائية

تقادم خمسي - قيامه على قرينة قانونية مفادها افتراض أداء المدين لتلك الديون من إيراده وأن تراكمها أكثر من خمس سنوات تكليف بما يجاوز السعة - هذه القرينة لا تقبل الدليل العكسي - أحقية الخزانة العامة في الانتفاع من حكمها رغم ملاءتها - منازعة المدين في أصل المرتب أو اعترافه به لا تمنع من سريان هذا التقادم - انطباقه على ما يتجمد من مرتبات - معنى الدورية والتجدد المنصوص عليهما بالمادة 375 من القانون المدني.
إن الدورية والتجدد المنصوص عليهما في المادة 375 من القانون المدني هما من الخصائص المتفرعة عن طبيعة الحق في ذاته؛ إذ يقصد بالدورية أن يكون مستحقاً في مواعيد متتالية، وبالتجدد أن ما يؤدي من الدين في موعده لا ينتقص من أصله. وقد ذكرت المادة 375 المشار إليها المرتبات من بين الحقوق الدورية المتجددة التي أوردتها على سبيل المثال، فالمرتبات بطبيعتها من الحقوق التي تتقادم بخمس سنوات باعتبارها دورية متجددة. وهاتان الصفتان لا تزايلان ما تجمد منها، كما لا يغير من طبيعة المرتب، كحق دوري متجدد، قيام المنازعة في أصل استحقاقه؛ إذ لا شأن لذلك بمدة التقادم كما أشارت إلى ذلك المادة 375 حيث نصت على أن الحق الدوري المتجدد يتقادم بتلك المدة ولو أقر به المدين، فتسري مدة التقادم من باب أولى إذا نازع فيه. ومرد ذلك إلى أن التقادم الخمسي لا يقوم على قرينة الوفاء كما هو الشأن فيما عداه من ضروب التقادم، وإنما يرجع في أساسه إلى أن المدين يفرض فيه أداء الديون الدورية المتجددة من إيراده، فلو أجبر على الوفاء بما تراكم منها بعد انقضاء خمس سنوات من تاريخ الاستحقاق لأفضى ذلك إلى تكليفه بما يجاوز السعة. وقد جعل للمدين، تفريعاً على هذا التوجيه، أن يتمسك بانقضاء تلك المدة، ولو بعد إقراره بوجوب الدين في ذمته، ومما يجب التنبيه إليه أن القرينة التي يقوم عليها هذا التقادم الخمسي هي قرينة قانونية قاطعة لا تقبل الدليل العكسي، فلا وجه للتحدي بأنها لا تسري في حق الخزانة العامة بحسبان أنها مليئة.[(1)]


إجراءات الطعن

في 17 من يوليه سنة 1955 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية بجلسة 18 من مايو سنة 1955 في الدعوى رقم 4674 لسنة 2 ق المرفوعة من السيد/ سيد محمد حسنين ضد وزارة الأشغال، القاضي "برفض الدفع بسقوط الحق بالتقادم الخمسي وأحقية المدعي في الفروق الناتجة عن التسوية التي اعتمدت في 24/ 2/ 1948 وذلك في المدة من أول مايو سنة 1945 حتى 24 من فبراير سنة 1948"، وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض طلب المتظلم وإلزامه بالمصروفات". وأعلن المدعي بالطعن في 21 من يوليه سنة 1955 وأعلن به وزير الأشغال في 24 من يوليه سنة 1955، فأودع الأول مذكرة برده، ثم عين لنظر الدعوى جلسة 22 من أكتوبر سنة 1955 وفيها سمعت إيضاحات الطرفين على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجئ إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يستفاد من أوراق الطعن، تتحصل في أنه في 12 من فبراير سنة 1930 عين المدعي منجداً بمصلحة الميكانيكا والكهرباء بأجر يومي قدره 140 م، ولما صدر كادر العمال سويت حالته باعتباره صانعاً غير دقيق فوصل أجره إلى 360 م من أول مايو سنة 1945، فتظلم من هذه التسوية فأعيدت تسوية حالته باعتباره في درجة منجد دقيق منذ 12 من فبراير سنة 1930، ثم تدرجت علاواته وترقياته إلى أن وصل إلى درجة دقيق ممتاز بأجر يومي قدره 460 م في أول مايو سنة 1945 واعتمدت هذه التسوية في 24 من فبراير سنة 1948 على ألا يصرف للمدعي الفرق الناتج عنها إلا من تاريخ الاعتماد. فقدم المدعي تظلماً إلى اللجنة القضائية لوزارتي الأشغال والحربية قيد تحت رقم 4674 سنة 2 ق طالباً "الأمر بصرف الفروق الناتجة من تعديل أجره من أول مايو سنة 1945 إلى 14 من فبراير سنة 1948". ودفعت الحكومة الدعوى بأنه وإن كانت حقوق المدعي مقررة بقواعد كادر العمال إلا أنها سقطت بالتقادم الخمسي. وقد أحيل التظلم إلى المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية بعد إلغاء اللجان القضائية فقضت المحكمة بحكمها الصادر في 18 من مايو سنة 1955 "برفض الدفع بسقوط الحق بالتقادم الخمسي وبأحقية المدعي في الفروق الناتجة عن التسوية التي اعتمدت في 24/ 2/ 1948 وذلك في المدة من 1/ 5/ 1945 حتى 24/ 2/ 1948". وأقامت المحكمة قضاءها على "أن المدعي يستمد حقه في التسوية الثانية من كادر العمال ذاته وما القرار الصادر بها إلا كاشف لهذا الحق" وأن "المستحق للمدعي ليس أجراً شهرياً متجدداً بحيث يمكن القول بسقوطه بالتقادم الخمسي ولكنه فروق متجمدة عن التسوية فمن ثم لا تسقط إلا بمضي خمس عشرة سنة، هذا فضلاً عن أن الحق الذي يطالب به المدعي حق متنازع فيه إذ أن المصلحة لم تسلم له به بل حرمته منه صراحة فمن ثم يكون دفعها على غير أساس سليم من القانون".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن معنى الدورية الواردة بالمادة 375 من القانون المدني أن يستحق الدين في موعد دوري معين كأن يستحق كل أسبوع أو كل شهر أو كل ثلاثة أشهر أو كل سنة، ومعنى التجدد أن الدين يستحق في كل موعد دوري دون أن يكون لذلك نهاية. فالعبرة إذن بأصل استحقاق الحق. والمبالغ المطالب بها هي في أصل استحقاقها جزء من الراتب. ولا جدال في أن المرتبات من الديون الدورية المتجددة، ومن ثم يكون الحكم، إذ قضى برفض الدفع بسقوط الحق بالتقادم الخمسي، قد خالف القانون.
ومن حيث إن الدورية والتجدد المنصوص عليهما في المادة 375 من القانون المدني هما من الخصائص المتفرعة عن طبيعة الحق في ذاته؛ إذ يقصد بالدورية أن يكون مستحقاً في مواعيد متتالية، وبالتجدد أن ما يؤدي من الدين في موعده لا ينتقص من أصله. وقد ذكرت المادة 375 المشار إليها المرتبات من بين الحقوق الدورية المتجددة التي أوردتها على سبيل المثال، فالمرتبات بطبيعتها من الحقوق التي تتقادم بخمس سنوات باعتبارها دورية متجددة، وهاتان الصفتان لا تزايلان ما تجمد منها، كما لا يغير من طبيعة المرتب، كحق دوري متجدد، قيام المنازعة في أصل استحقاقه؛ إذ لا شأن لذلك بمدة التقادم كما أشارت إلى ذلك المادة 375 حيث نصت على أن الحق الدوري المتجدد يتقادم بتلك المدة ولو أقر به المدين، فتسري مدة التقادم من باب أولى إذا نازع فيه. ومرد ذلك إلى أن التقادم الخمسي لا يقوم على قرينة الوفاء كما هو الشأن فيما عداه من ضروب التقادم، وإنما يرجع في أساسه إلى أن المدين يفرض فيه أداء الديون الدورية المتجددة من إيراده، فلو أجبر على الوفاء بما تراكم منها بعد انقضاء خمس سنوات من تاريخ الاستحقاق لأفضى ذلك إلى تكليفه بما يجاوز السعة، وقد جعل للمدين، تفريعاً على هذا التوجيه، أن يتمسك بانقضاء تلك المدة ولو بعد إقراره بوجوب الدين في ذمته. ومما يجب التنبيه إليه أن القرينة التي يقوم عليها هذا التقادم الخمسي هي قرينة قانونية قاطعة لا تقبل الدليل العكسي، فلا وجه للتحدي بأنها لا تسري في حق الخزانة العامة بحسبان أنها مليئة.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد جاء مخالفاً للقانون فيتعين إلغاؤه والقضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض التظلم، وألزمت المتظلم بالمصروفات.


[(1)] بهذا المعنى الأحكام الصادرة من نفس الهيئة وبنفس الجلسة في الطعون أرقام 109، 110، 111، 183، 184، 189، 301 سنة 1 قضائية.