مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1955 إلى آخر يناير سنة 1956) - صـ 133

جلسة 19 من نوفمبر سنة 1955

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الإمام الإمام الخريبي وحسن جلال وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

(17)
القضية رقم 110 لسنة 1 القضائية [(1)]

( أ ) طعن - أمام المحكمة الإدارية العليا - حق هيئة المفوضين في تقديم طلبات وأسباب جديدة لم ترد في صحيفة الطعن - مناطه - حق المحكمة العليا في عدم التقيد بالطلبات المقدمة من هيئة المفوضين - أساس ذلك.
(ب) علاوة - صرفها - طبقاً لأحكام كادري سنتي 1931 و1939 - منوط بوجود وفر يسمح بذلك.
1 - إن الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا يفتح الباب أمام تلك المحكمة لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال من الأحوال التي تعيبه والمنصوص عليها في المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، فتلغيه ثم تنزل حكم القانون في المنازعة، أم أنه لم تقم به أية حالة من تلك الأحوال، وكان صائباً في قضائه، فتبقى عليه وترفض الطعن. ولما كان الطعن قد قام على حكمة تشريعية تتعلق بالمصلحة العامة كشفت عنها المذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليه باعتبار أن رأي هيئة المفوضين تتمثل فيه الحيدة لصالح القانون وحده الذي يجب أن تكون كلمته هي العليا فإن لهذه الهيئة أن تتقدم بطلبات أو أسباب جديدة غير تلك التي أبدتها في عريضة الطعن، ما دامت ترى في ذلك وجه المصلحة العامة بإنزال حكم القانون على الوجه الصحيح في المنازعة الإدارية. كما أن للمحكمة العليا أن تنزل حكم القانون على هذا الوجه غير مقيدة بطلبات الهيئة أو الأسباب التي تبديها، وإنما المرد إلى مبدأ المشروعية نزولاً على سيادة القانون في روابط هي من روابط القانون العام تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص.
2 - يبين من الاطلاع على منشور المالية رقم 10 لسنة 1931 المؤرخ 25 من إبريل سنة 1931 في شأن أحكام كادر سنة 1931 أن البند الثالث من هذا المنشور ينص على أن القاعدة في منح العلاوات هي "استخدام الفرق (إذا وجد) بين الاعتماد المربوط للمهايا في الميزانية والماهيات الفعلية لمنح العلاوات للموظفين في حدود هذا الفرق" وتنص المادة الأولى من قواعد العلاوات بكادر سنة 1939 التي تضمنها منشور المالية رقم 4 لسنة 1939 المؤرخ 14 من مايو سنة 1939 على أن العلاوات تمنح من وفر متوسط الدرجات، كما تنص المادة الثالثة على أنه إذا لم يكف الوفر في سنة ما لمنح جميع المستحقين نقل من لم يمنحوا علاواتهم إلى السنة التالية وفضلوا على من استحقوا لأول مرة في هذه السنة، ولا يغير هذا النقل الاضطراري موعد العلاوة.
ومفاد ما تقدم أن صرف العلاوات، طبقاً لأحكام كادر سنة 1931 ولأحكام كادر سنة 1939، منوط بوجود وفر يسمح بصرف تلك العلاوات، فإذا لم يوجد هذا الوفر لا تمنح العلاوات. وهذا الحكم ينسحب من باب أولى على العلاوات التي تستحق للمستخدمين المعينين على الاعتمادات بحيث لا يصرف لهم شيء منها إلا إذا كانت حالة الاعتمادات تسمح بذلك. فإذا كان الثابت أن عدم صرف العلاوات المستحقة للمدعي مرده إلى أن حالة الاعتماد المعين عليه لم تكن تسمح بصرف العلاوات فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى، بصرف العلاوات المطالب بها، يكون قد خالف القانون.


إجراءات الطعن

في 28 من يوليه سنة 1955 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية بجلسة 30 من مايو سنة 1955 في القضية رقم 337 لسنة 2 ق، القاضي: "بأحقية المدعي لفروق علاواته المطالب بها التي لم يمض على تاريخ استحقاقها خمس عشرة سنة قبل رفع الدعوى في 27/ 12/ 1954 ورفض ما عدا ذلك من الطلبات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى وإلزام رافعها بالمصروفات". وأعلن المدعي بالطعن في 7 من أغسطس سنة 1955، وأعلنت به الحكومة في 6 من أغسطس سنة 1955، ثم حدد لنظر الطعن جلسة 22 من أكتوبر سنة 1955 وفيها سمعت إيضاحات الطرفين على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجئ إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يستفاد من الأوراق، تتحصل في أن المطعون عليه عين بمصلحة المساحة في أول فبراير سنة 1933 في الدرجة الثامنة على اعتماد التسجيل براتب قدره ستة جنيهات شهرياً، وقد استحقت له علاوة دورية قدرها 500 م من أول مايو سنة 1937 ولم تصرف له إلا في أول مايو سنة 1939، كما استحقت له علاوتان بواقع 500 مليم الأولى من أول مايو سنة 1939 والثانية من أول مايو سنة 1941 ولم تصرفا إليه إلا في أول مايو سنة 1943. وقد أقام المدعي الدعوى رقم 337 سنة 2 ق أمام المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية طالباً الحكم باستحقاقه لفرق العلاوة الدورية الأولى المستحقة له في أول مايو سنة 1937 عن المدة من أول مايو سنة 1937 إلى 30 من إبريل سنة 1939، وفرق العلاوتين المستحقتين له في أول مايو سنة 1939 وأول مايو سنة 1941 عن المدة من أول مايو سنة 1939 إلى 30 من إبريل سنة 1943 بالنسبة للعلاوة المستحقة في أول مايو سنة 1939، وعن المدة من أول مايو سنة 1941 إلى 30 من إبريل سنة 1943 بالنسبة للعلاوة التي استحقت من أول مايو سنة 1941، وصرف ما يترتب على ذلك من إعانة غلاء المعيشة التي كانت مقررة في ذلك الوقت. وقرر أنه كان دائم الشكوى من تأخير المصلحة في صرف علاواته إلى أن صدر كتاب من المصلحة مؤرخ 25 من نوفمبر سنة 1943 اعترفت فيه بحقه وحق زملائه في صرف علاواتهم المتأخرة إلا أنها مع ذلك لم تصرف لهم شيئاً. وقد دفعت الحكومة الدعوى بأن السبب في عدم صرف العلاوات التي استحقت للمدعي يرجع إلى أن حالة اعتماد التسجيل الذي كان معيناً عليه لم تكن تسمح بصرف هذه العلاوات في مواعيد استحقاقها، كما دفعت أيضاً بسقوط الحق في تلك المبالغ بالتقادم الخمسي، وخلصت من ذلك إلى طلب رفض الدعوى. وقد قضت المحكمة بحكمها الصادر في 30 من مايو سنة 1955 "بأحقية المدعي لفروق علاواته المطالب بها التي لم يمض على تاريخ استحقاقها خمس عشرة سنة قبل رفع الدعوى في 27 من ديسمبر سنة 1954 ورفض ما عدا ذلك من الطلبات.."، وأقامت المحكمة قضاءها على أنه "يشترط لتقادم المرتبات التي تستحق بصفة دورية بمضي خمس سنوات أن يكون المرتب خالياً من النزاع، فإن كان محل نزاع فلا يقبل هذا الدفع" وأن "الوزارة كانت تتذرع في عدم الصرف بعدم كفاية الاعتماد كما أنها أذاعت كتاباً دورياً في 23/ 11/ 1943 بمناسبة شكاوى الموظفين أصحاب العلاوات وطلبت منهم الكف عن الشكاوى، مما يفيد أن العلاوة لم تكن خالية من النزاع، فمن ثم لا يقبل الدفع بسقوط الحق بالتقادم الخمسي".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن معنى الدورية الواردة بالمادة 375 من القانون المدني أن يستحق الدين في موعد دوري معين كأن يستحق كل أسبوع أو كل شهر أو كل ثلاثة شهور أو كل سنة، ومعنى التجدد أن يستحق الدين في كل موعد دوري دون أن يكون لذلك نهاية. فالعبرة إذا بأصل استحقاق الحق. والمبالغ المطالب بها هي في أصل استحقاقها جزء من الراتب، ولا جدال في أن المرتبات من الديون الدورية المتجددة، وليس ثمة ضرورة إلى إصدار قرار إداري لاعتبارها جزءاً من المرتب، وأنه وإن صح أن المطالبة الإدارية تقطع التقادم فإن المطعون عليه قد كف عنها منذ 25 من نوفمبر سنة 1943 عندما أصدرت المصلحة كتاباً تدعو فيه الموظفين إلى الكف عن الشكوى، على أن مثل هذا الخطاب لم يكن يمنع المدعي من المطالبة القضائية. واستناداً إلى ما تقدم فإن حكم المطعون فيه، إذ ذهب غير هذا المذهب يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن مثار هذه المنازعة هو استحقاق أو عدم استحقاق المدعي للعلاوات التي يطالب بها، وهل الدفع بالتقادم الخمسي الذي أثارته الحكومة كدفاع احتياطي قائم على أساس سليم من القانون أم لا.
ومن حيث إن رئيس هيئة المفوضين قد اقتصر في أسباب طعنه على النقطة الأخيرة دون الأولى إلا أن الطعن أمام المحكمة يفتح الباب أمام تلك المحكمة لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه والمنصوص عليها في المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، فتلغيه ثم تنزل حكم القانون في المنازعة، أم أنه لم تقم به أية حالة من تلك الأحوال، وكان صائباً في قضائه، فتبقى عليه وترفض الطعن. ولما كان الطعن قد قام على حكمة تشريعية تتعلق بالمصلحة العامة كشفت عنها المذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليه باعتبار أن رأي هيئة المفوضين تتمثل فيه الحيدة لصالح القانون وحده الذي يجب أن تكون كلمته هي العليا، فإن لهذه الهيئة أن تتقدم بطلبات أو أسباب جديدة غير تلك التي أبدتها في عريضة الطعن، ما دامت ترى في ذلك وجه المصلحة العامة بإنزال حكم القانون على الوجه الصحيح في المنازعة الإدارية. كما أن للمحكمة العليا أن تنزل حكم القانون على هذا الوجه غير مقيدة بطلبات الهيئة أو الأسباب التي تبديها، وإنما المرد إلى مبدأ المشروعية نزولاً على سيادة القانون في روابط هي من روابط القانون العام تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص.
ومن حيث إن العلاوات التي يطالب بها المدعي قد حل موعد أولاها في أول مايو سنة 1937 ومن ثم تحكمها قواعد العلاوات بكادر سنة 1931 وحل موعد العلاوتين التاليتين في أول مايو سنة 1939 وأول مايو سنة 1941 فتحكمهما قواعد العلاوات بكادر سنة 1939.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على منشور المالية رقم 10 لسنة 1931 المؤرخ 25 من إبريل سنة 1931 في شأن أحكام كادر سنة 1931 أن البند الثالث من هذا المنشور ينص على أن القاعدة في منح العلاوات هي "استخدام الفرق (إذا وجد) بين الاعتماد المربوط للمهايا في الميزانية والماهيات الفعلية لمنح العلاوات للموظفين في حدود هذا الفرق"، وتنص المادة الأولى من قواعد العلاوات بكادر سنة 1939 التي تضمنها منشور المالية رقم 4 لسنة 1939 المؤرخ 14 من مايو سنة 1939 على أن العلاوات تمنح من وفر متوسط الدرجات، كما تنص المادة الثالثة على أنه إذا لم يكف الوفر في سنة ما لمنح جميع المستحقين نقل من لم يمنحوا علاواتهم إلى السنة التالية وفضلوا على من استحقوها لأول مرة في هذه السنة، ولا يغير هذا النقل الاضطراري موعد العلاوة.
ومن حيث إن مفاد ما تقدم أن صرف العلاوات، طبقاً لأحكام كادر سنة 1931 ولأحكام كادر سنة 1939، منوط بوجود وفر يسمح بصرف تلك العلاوات، فإذا لم يوجد هذا الوفر لا تمنح العلاوات.
ومن حيث إن هذا الحكم ينسحب من باب أولى على العلاوات التي تستحق للمستخدمين المعينين على الاعتمادات بحيث لا يصرف لهم شيء منها إلا إذا كانت حالة الاعتمادات تسمح بذلك.
ومن حيث إن عدم صرف العلاوات المستحقة للمدعي مرده إلى أن حالة الاعتماد المعين عليه لم تكن تسمح بصرف العلاوات، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه، إذ قضى بصرف العلاوات المطالب بها، قد خالف القانون.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالدفع بسقوط الحق بالتقادم الخمسي فإن الحكم قد أقام قضاءه في هذا الخصوص على حجة داحضة؛ ذلك أن الدورية والتجدد هما من الخصائص المتفرعة عن طبيعة الحق في ذاته، إذ يقصد بالدورية أن يكون مستحقاً في مواعيد متتالية، وبالتجدد أن ما يؤدى من الدين في موعده لا ينتقص من أصله. وقد ذكرت المادة 375 من القانون المدني المرتبات من بين الحقوق الدورية المتجددة التي أوردتها على سبيل المثال، فالمرتبات بطبيعتها من الحقوق التي تتقادم بخمس سنوات باعتبارها دورية متجددة. وهاتان الصفتان لا تزايلان ما تجمد منها، كما لا يغير من طبيعة المرتب، كحق دوري متجدد، قيام المنازعة في أصل استحقاقه؛ إذ لا شأن لذلك بمدة التقادم كما أشارت إلى ذلك المادة 375، حيث نصت على أن الحق الدوري المتجدد يتقادم بتلك المدة ولو أقر به المدين، فتسري مدة التقادم من باب أولى إذا نازع فيه. ومرد ذلك إلى أن التقادم الخمسي لا يقوم على قرينة الوفاء، كما هو الشأن فيما عداه من ضروب التقادم، وإنما يرجع في أساسه إلى أن المدين يفرض فيه أداء الديون الدورية المتجددة من إيراده، فلو أجبر على الوفاء بما تراكم منها بعد انقضاء خمس سنوات من تاريخ الاستحقاق لأفضى ذلك إلى تكليفه بما يجاوز السعة. وقد جعل للمدين، تفريعاً على هذا التوجيه، أن يتمسك بانقضاء تلك المدة ولو بعد إقراره بوجوب الدين في ذمته. ومما يجب التنبيه إليه أن القرينة التي يقوم عليها هذا التقادم الخمسي هي قرينة قانونية قاطعة لا تقبل الدليل العكسي، فلا وجه للتحدي بأنها لا تسري في حق الخزانة العامة بحسبان أنها مليئة.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بقطع التقادم نتيجة للشكاوى التي قدمها المدعي فإن الثابت من الأوراق أن المدعي قد كف عن الشكوى منذ نوفمبر سنة 1943، ومن ثم يكون قد انقضى منذ هذا التاريخ إلى تاريخ رفع الدعوى أكثر من خمس سنوات.
ومن حيث إنه لما تقدم جميعه يكون الحكم المطعون فيه قد جاء مخالفاً للقانون فيتعين إلغاؤه والقضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.


[(1)] بهذا المعنى الحكمان الصادران من نفس الهيئة وبنفس الجلسة في الطعنين رقمي 109 و111 سنة 1 قضائية.