مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1955 إلى آخر يناير سنة 1956) - صـ 140

جلسة 19 من نوفمبر سنة 1955

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الإمام الإمام الخريبي وحسن جلال وعلي بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

(18)
القضية رقم 184 لسنة 1 القضائية [(1)]

( أ ) طعن - أمام المحكمة الإدارية العليا - حق هيئة المفوضين في تقديم طلبات وأسباب جديدة لم ترد صحيفة الطعن - مناطه - حق المحكمة العليا في عدم التقيد بالطلبات والأسباب المقدمة من هيئة المفوضين - أساس ذلك.
(ب) مؤهل دراسي - حامل دبلوم الفنون - لا إلزام على الإدارة بتعيينه في الدرجة الثامنة طبقاً لقرار مجلس الوزراء في 3/ 1/ 1929 المعدل بقراره المؤرخ 18/ 8/ 1941.
1 - إن الطعن أمام المحكمة العليا يفتح الباب أمام تلك المحكمة لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه والمنصوص عليها في المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، فتلغيه ثم تنزل حكم القانون في المنازعة، أم أنه لم تقم به أية حالة من تلك الأحوال، وكان صائباً في قضائه، فتبقى عليه وترفض الطعن. ولما كان الطعن قد قام على حكمة تشريعية تتعلق بالمصلحة العامة كشفت عنها المذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليه باعتبار أن رأي هيئة المفوضين تتمثل فيه الحيدة لصالح القانون وحده الذي يجب أن تكون كلمته هي العليا فإن لهذه الهيئة أن تتقدم بطلبات أو أسباب جديدة غير تلك التي أبدتها في عريضة الطعن ما دامت ترى في ذلك وجه المصلحة العامة بإنزال حكم القانون على الوجه الصحيح في المنازعة الإدارية. كما أن للمحكمة العليا أن تنزل حكم القانون على هذا الوجه غير مقيدة بطلبات الهيئة أو الأسباب التي تبديها، وإنما المرد هو إلى مبدأ المشروعية نزولاً على سيادة القانون في روابط هي من روابط القانون العام تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص.
2 - إن قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من يناير سنة 1929 معدلاً بقراره المؤرخ 18 من أغسطس سنة 1941 لم يكن يلزم جهات الإدارة بتعيين حامل مؤهل دبلوم الفنون التطبيقية في الدرجة الثامنة بمرتب ثمانية جنيهات بل كان أمراً اختيارياً وجوازياً للإدارة متروكاً لتقديرها بحسب الخلوات وأوضاع الميزانية وغير ذلك من المناسبات التي تترخص فيها، وكان يجوز لها وقتذاك أن تعين حامل هذا المؤهل باليومية أو على درجة خارج الهيئة دون أن يكون في ذلك مخالفة للقانون.


إجراءات الطعن

في 14 من أغسطس سنة 1955 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لجميع الوزارات والمصالح بالإسكندرية بجلسة 15 من يونيه سنة 1955 في القضية رقم 786 سنة 2 ق المرفوعة من محسن محمود درويش ضد وزارة العدل - جامعة الإسكندرية القاضي: "باستحقاق المدعي لمرتب ثمانية جنيهات شهرياً من تاريخ دخوله الخدمة في أول أكتوبر سنة 1938 مع ما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق من هذا التاريخ حتى 29 من يناير سنة 1944..." وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين، للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى وإلزام رافعها بالمصروفات" وأعلن المدعي بالطعن في 25 من أغسطس سنة 1955 وأعلنت به الحكومة في 23 من أغسطس سنة 1955، فأودع الأول مذكرة برده على صحيفة الطعن في 10 من نوفمبر سنة 1955، ثم عين لنظر الطعن جلسة 12 من نوفمبر سنة 1955 وفيها سمعت إيضاحات الطرفين على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم أرجئ إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يستفاد من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعي حصل على دبلوم الفنون التطبيقية عام 1938، والتحق بمصلحة الطب الشرعي في وظيفة مساعد فني من الدرجة العالية ب براتب قدره خمسة جنيهات شهرياً اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1938، ثم نقل بعد ذلك إلى كلية الطب بجامعة الإسكندرية في وظيفة مساعد فني في الدرجة الثامنة الفنية براتب قدره ستة جنيهات شهرياً من 20 من مارس سنة 1943، وعند صدور قواعد الإنصاف عدلت حالته بوضعه في الدرجة السابعة الشخصية براتب قدره عشرة جنيهات شهرياً من تاريخ تعيينه الأول في أول أكتوبر سنة 1938.
وقد أقام المدعي الدعوى رقم 786 سنة 2 ق أمام المحكمة الإدارية لجميع الوزارات والمصالح بالإسكندرية طالباً الحكم بأحقيته في التعيين بماهية قدرها ثمانية جنيهات من بدء التحاقه بالخدمة في أول أكتوبر سنة 1938 مع ما يترتب على ذلك من آثار مع صرف الفروق؛ مستنداً في ذلك إلى أنه عين في الخدمة في ظل كادر سنة 1931، وقد أصدرت وزارة المالية كتاباً دورياً رقم 31 لسنة 1931 في أغسطس سنة 1931 ببيان القواعد التي تتبع في تعيين حملة دبلوم الفنون التطبيقية وهي تقضي بمنحهم ماهية قدرها ثمانية جنيهات شهرياًً ويكون التعيين في إحدى الدرجتين الثامنة أو السابعة بحسب درجة الوظيفة الخالية، وقد صدر هذا المنشور في ظل كادر سنة 1931 وطبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من يناير سنة 1929. وقد دفعت الحكومة الدعوى بأن المدعي عين في أول أكتوبر سنة 1938 بمرتب خمسة جنيهات شهرياً ونقل إلى كلية الطب بجامعة الإسكندرية في 20 من مارس سنة 1943 بالدرجة الثامنة براتب قدره سبعة جنيهات شهرياً عملاً بقرار مجلس الوزراء الصادر في 18 من أغسطس سنة 1941، ثم دفعت الحكومة بعد ذلك بسقوط الحق في الفروق المالية المطالب بها لمضي خمس سنوات عليها بالتطبيق لحكم المادة 375 من القانون المدني، وخلصت الحكومة من ذلك إلى طلب رفض الدعوى. وقد قضت المحكمة الإدارية بحكمها الصادر في 15 من يونيه سنة 1955 "باستحقاق المدعي لمرتب ثمانية جنيهات من تاريخ دخوله الخدمة في أول أكتوبر سنة 1938 وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق من هذا التاريخ إلى 29 من يناير سنة 1944..." وأقامت المحكمة قضاءها على أن المدعي عين في ظل قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من يناير سنة 1929، وهذا القرار يلزم الحكومة بمنح مرتب ثمانية جنيهات لحامل دبلوم الفنون التطبيقية، وأن يكون تعيينه في إحدى الدرجتين الثامنة أو السابعة بحسب الدرجات الخالية، ومن ثم ينبغي على مقتضى هذا القرار منح المدعي ثمانية جنيهات شهرياً من تاريخ تعيينه، ثم ردت المحكمة على الدفع بسقوط الفروق المطالب بها لمضي خمس سنوات على استحقاقها، فقالت ما مجمله إن التقادم الخمسي استثناء من قاعدة التقادم العادي وهو بهذه المثابة لا يجوز التوسع فيه، فينبغي كي يسري هذا التقادم أن يكون الدين مستحق الأداء في مواعيد معينة يتم الوفاء فيها بصفة دورية متجددة ومع ذلك يهمل صاحب الحق المطالبة به فضلاً عن خلو الدين من النزاع؛ لأنه إذا كان محل نزاع جدي فإن حق المطالبة به لا يسقط إلا بمضي المدة الطويلة. وصفة الدورية والتجدد لا تنشأ إلا من يوم أن يثبت حق المدعي بقرار يصدر من الجهة الإدارية التي تملك تعيينه بتحديد مرتبه على مقتضى قرار 3 من يناير سنة 1929، أما وقد صدر القرار بالتعيين بمرتب أقل فإن صفة الدورية لا تلحق إلا هذا المرتب دون المرتب الذي كان ينبغي تقريره، ومن ثم لا تلحق هذه الصفة الفروق المترتبة على ذلك، وأما ضرورة خلو الحق من النزاع فذلك لأن المنازعة في الحق تجعله قلقاً غير مستقر والمنازع في الحق سيء النية لا يفيد إلا من أحكام التقادم العادي.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن معنى الدورية الواردة بالمادة 375 من القانون المدني أن يستحق الدين في موعد دوري معين كأن يستحق كل أسبوع أو كل شهر أو كل ثلاثة أشهر أو كل سنة، ومعنى التجدد أن يستحق الدين في كل موعد دوري دون أن يكون لذلك نهاية. فالعبرة إذا بأصل استحقاق الحق. والمبالغ المطالب بها هي في أصل استحقاقها جزء من الراتب، ولا جدال في أن المرتبات من الديون المتجددة، وليس ثمة ضرورة إلى صدور قرار إداري باعتبارها جزءاً من الراتب، ما دام الحق فيها يستمد مباشرة من قرار مجلس الوزراء. ومن ثم يكون الحكم، إذ قضى برفض الدفع بسقوط الحق بالتقادم الخمسي، قد خالف القانون.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن مثار هذه المنازعة هو استحقاق أو عدم استحقاق المدعي لأن يوضع في الدرجة الثامنة براتب قدره ثمانية جنيهات منذ بدء خدمته على الرغم من أنه عين في الدرجة العالية ب خارج الهيئة بمرتب خمسة جنيهات شهرياً، وهل الدفع بالتقادم الخمسي الذي أثارته الحكومة كدفاع احتياطي قائم على أساس سليم من القانون أم لا.
ومن حيث إنه وإن كان رئيس هيئة المفوضين قد اقتصر في أسباب طعنه على النقطة الأخيرة دون الأولى إلا أن الطعن أمام المحكمة العليا يفتح الباب أمام تلك المحكمة لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه والمنصوص عليها في المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، فتلغيه ثم تنزل حكم القانون في المنازعة، أم أنه لم تقم به أية حالة من تلك الأحوال، وكان صائباً في قضائه، فتبقى عليه وترفض الطعن. ولما كان الطعن قد قام على حكمة تشريعية تتعلق بالمصلحة العامة كشفت عنها المذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليه باعتبار أن رأي هيئة المفوضين تتمثل فيه الحيدة لصالح القانون وحده الذي يجب أن تكون كلمته هي العليا، فإن لهذه الهيئة أن تتقدم بطلبات أو أسباب جديدة غير تلك التي أبدتها في عريضة الطعن ما دامت ترى في ذلك وجه المصلحة العامة بإنزال حكم القانون على الوجه الصحيح في المنازعة الإدارية. كما أن للمحكمة العليا أن تنزل حكم القانون على هذا الوجه غير مقيدة بطلبات الهيئة أو الأسباب التي تبديها، وإنما المرد هو إلى مبدأ المشروعية نزولاً على سيادة القانون في روابط هي من روابط القانون العام تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بأصل استحقاق المدعي للدرجة الثامنة بمرتب ثمانية جنيهات على الرغم من تعيينه وقتذاك، فإن الحكم جاء قاصراً في بيان سنده القانوني، ظاهر أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من يناير سنة 1929 معدلاً بقراره المؤرخ 18 من أغسطس سنة 1941 في هذا الخصوص لم يكن يلزم جهات الإدارة بتعيين حامل مؤهل دبلوم الفنون التطبيقية في الدرجة وبالراتب المذكورين بل كان أمراً اختيارياً وجوازياً للإدارة متروكاً لتقديرها بحسب الخلوات وأوضاع الميزانية وغير ذلك من المناسبات التي تترخص فيها، وكان يجوز لها وقتذاك أن تعين حامل هذا المؤهل باليومية أو على درجة خارج الهيئة دون أن يكون في ذلك مخالفة للقانون، وقد تم تعيينه وقتذاك في الدرجة العالية حرف ب بخمسة جنيهات، ولا تثريب عليها في ذلك، وبذلك لا يستحق سوى الأجر الذي عين له بحكم مركزه القانوني عندئذ إلى أن صدر قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944 فاستحدث مركزاً قانونياً جديداً من شأنه وضعه في الدرجة السابعة براتب قدره عشرة جنيهات، واعتبرت أقدميته في هذه الدرجة راجعة إلى أول أكتوبر سنة 1938 بدون صرف فروق عن الماضي، وقد طبق في شأنه. فيكون الحكم المطعون فيه، إذ قضى باستحقاقه للدرجة والمرتب من بدء تعيينه وصرف الفروق عن الماضي، قد جاء مخالفاً للقانون.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالدفع بسقوط الحق بالتقادم الخمسي الذي أثارته الحكومة كدفاع احتياطي طبقاً للمادة 375 من القانون المدني فإن الحكم قد أقام قضاءه في هذا الخصوص على حجة داحضة؛ ذلك أن الدورية والتجدد هما من الخصائص المتفرعة عن طبيعة الحق في ذاته، إذ يقصد بالدورية أن يكون مستحقاً في مواعيد متتالية، وبالتجدد أن ما يؤدى من الدين في موعده لا ينتقص من أصله. وقد ذكرت المادة 375 من القانون المدني المرتبات من بين الحقوق الدورية المتجددة التي أوردتها على سبيل المثال، فالمرتبات بطبيعتها من الحقوق التي تتقادم بخمس سنوات باعتبارها دورية متجددة، وهاتان الصفتان لا تزايلان ما تجمد منها، كما لا يغير من طبيعة المرتب، كحق دوري متجدد، قيام المنازعة في أصل استحقاقه؛ إذ لا شأن لذلك بمدة التقادم كما أشارت إلى ذلك المادة 375 حيث نصت على أن الحق الدوري المتجدد يتقادم بتلك المدة ولو أقر به المدين فتسري مدة التقادم من باب أولى إذا نازع فيه؛ ومرد ذلك إلى أن التقادم الخمسي لا يقوم على قرينة الوفاء، كما هو الشأن فيما عداه من ضروب التقادم، وإنما يرجع في أساسه إلى أن المدين يفرض فيه أداء الديون الدورية المتجددة من إيراده، فلو أجبر على الوفاء بما تراكم منها بعد انقضاء خمس سنوات من تاريخ الاستحقاق لأفضى ذلك إلى تكليفه بما يجاوز السعة. وقد جعل للمدين. تفريعاً على هذا التوجيه، أن يتمسك بانقضاء تلك المدة ولو بعد إقراره بوجوب الدين في ذمته. ومما يجب التنبيه إليه أن القرينة التي يقوم عليها هذا التقادم الخمسي هي قرينة قانونية قاطعة لا تقبل الدليل العكسي فلا وجه للتحدي بأنها لا تسري في حق الخزانة العامة بحسبان أنها مليئة.
ومن حيث إنه لما تقدم جميعه يكون الحكم المطعون فيه قد جاء مخالفاً للقانون فيتعين إلغاؤه والقضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم
المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.


[(1)] بنفس المعنى الأحكام الصادرة من نفس الهيئة وبنفس الجلسة في الطعون أرقام 183 و189 و301 سنة 1 قضائية، وكان المؤهل الحاصل عليه المدعون في هذه الدعاوى هو دبلوم الفنون والصنائع.