مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1955 إلى آخر يناير سنة 1956) - صـ 182

جلسة 26 من نوفمبر سنة 1955

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وحسن جلال ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

(23)
القضية رقم 305 لسنة 1 القضائية

( أ ) مكافأة - عن أعمال إضافية - سرد المراحل التشريعية الخاصة بها.
(ب) موظف - تكليفه بعمل في غير المواعيد الرسمية - متى يعتبر عملاً إضافياً ومتى لا يعتبر كذلك - منحه مكافأة عن العمل الإضافي - جوازي للإدارة.
(ج) مكافأة - عن أعمال إضافية - ترخص الإدارة في منحها في حدود الاعتمادات المالية المقررة - نواحي سلطتها التقديرية في ذلك.
(د) قرار إداري - ترتيبه لأعباء مالية على الخزانة - تعليق أثره على فتح الاعتماد اللازم - صدور اعتماد مالي معين - التزام الإدارة لحدوده فيما تصدره من قرارات مرتبط تنفيذها به - مثال بالنسبة لمكافآت الأعمال الإضافية.
(هـ) موظف - أوقات العمل الرسمية - التحديد الوارد بكتاب ديوان الموظفين الدوري رقم 5 في 27/ 9/ 1952 - لا يسري على الجهات التي تتنافر طبيعة عملها معه.
(و) مكافأة - عن أعمال إضافية - قرارات مجلس الوزراء في 11/ 8 و5/ 11/ 1952 و1/ 4/ 1953 التي نصت على حد أقصى لها - لا توجب على الإدارة منح هذا الحد الأقصى بتمامه - وجوب مراعاة الاعتماد المالي.
1 - يبين من تقصي المراحل التي مرت بها القواعد الخاصة بمنح المكافآت عن ساعات العمل الإضافية أن مجلس الوزراء وافق في 29 من أكتوبر سنة 1934 على منح "التلغرافجية ووكلاء وملاحظي المكاتب الذين يؤدون أعمال الحركة، وكذلك كتبة المراجعة وعمال التلغراف اللاسلكي وغيرهم" أجوراً إضافية عن الساعات الزائدة عن المقرر لهم بواقع الساعة ساعة وربع. كما وافق في 4 من أغسطس سنة 1943 على تخويل وزارة المالية سلطة الموافقة على منح مكافآت عن أعمال إضافية للموظفين والمستخدمين الدائمين والمؤقتين. ولما كانت طبيعة عمل غالبية طائفة نظار ومعاوني المحطات - ومن يقوم بعمل هؤلاء من الطوائف الفنية الأخرى - لا تختلف كثيراً عن مستخدمي حركة التلغراف، فقد طلبوا معاملتهم بالمثل؛ ذلك أن مصلحة السكك الحديدية كانت تضطر - بالنظر إلى نقص عددهم عما ينبغي - أن يكون تشغيلهم من عشر ساعات إلى اثنتي عشرة ساعة في اليوم بدلاً من ثماني ساعات، لذا رأى مدير عام المصلحة في مذكرته المرفوعة إلى مجلس الإدارة في 24 من يوليه سنة 1947 أنه: "إلى أن تعتمد زيادة عدد الوظائف ويدرج المبلغ اللازم لها بالميزانية، يجب تعويض من يؤدون أعمالاً مرهقة بمنحهم أجوراً إضافية عما يزيد عن ساعات العمل المقررة". واقترح أن يحدد للنظار والمعاونين وبعض موظفي الطوائف الفنية الذين يعملون في محطات كثيرة الحركة ثماني ساعات تزاد كلما كانت الحركة بالمحطة خفيفة حسب تقدير المدير العام للمصلحة، وأن يحسب الأجر الإضافي على هذا الأساس باعتبار الساعة تعادل ساعة وربعاً، بحد أعلى قدره 50% من المرتب. وقد وافق مجلس إدارة المصلحة على هذه المقترحات في 30 من يوليه سنة 1947 ورفعت بها مذكرة إلى مجلس الوزراء أقرها بجلسته المنعقدة في 12 من أغسطس سنة 1947، ثم صدر القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، ونص في المادة 73 منه على أنه: "على الموظف أن يقوم بنفسه بالعمل المنوط به وأن يؤديه بدقة وأمانة وعليه أن يخصص وقت العمل الرسمي لأداء واجبات وظيفته، وتحدد مواعيد العمل بقرار من ديوان الموظفين، ويجوز تكليف الموظفين بالعمل في غير أوقاته الرسمية علاوة على الوقت المعين لها إذ اقتضت مصلحة العمل ذلك" كما قضى في المادة 45 المعدلة بالقانون رقم 432 لسنة 1953 بأنه: "يجوز أن يمنح الموظف مكافأة عن الأعمال الإضافية التي يطلب إليه تأديتها في غير أوقات العمل الرسمية، ويحدد مجلس الوزراء قواعد منح هذه المكافآت كما يحدد الرواتب الإضافية وشروط منحها وذلك بناء اقتراح وزير المالية والاقتصاد بعد أخذ رأي ديوان الموظفين...". وتطبيقاً لما جاء في هذه المادة وافق مجلس الوزراء في 11 من أغسطس سنة 1952 على اقتراحات ديوان الموظفين فيما يتعلق بالمكافآت الإضافية بأن يختص الديوان "بالموافقة على منح مكافآت عن أعمال إضافية للموظفين الدائمين والمؤقتين والمستخدمين الخارجين عن الهيئة على أساس محاسبتهم عن الساعة من العمل الإضافي بساعة من العمل العادي وباعتبار أن ساعات العمل في اليوم الواحد هي ست ساعات وذلك بحد أقصى 25% من المرتب الشهري أو 8 جنيهات أيهما أقل. وفي الحالات الاستثنائية التي توجب صرف مكافأة بفئة أعلى من الفئات المتقدمة يكون من سلطة ديوان الموظفين تقرير هذه المكافآت، وفي جميع الأحوال يكون صرف المكافآت في حدود اعتمادات الميزانية المقررة". وقد نص هذا القرار على اعتبار الساعة من العمل الإضافي لعمال اليومية بساعة وربع من العمل العادي. وفي 5 من نوفمبر سنة 1952 صدر قرار مجلس الوزراء مؤيداً لاستمرار العمل بالقواعد الواردة بقرار 11 من أغسطس سنة 1952 في شأن منح المكافآت عن الأعمال الإضافية وشروط ذلك، إلا أنه نظراً لما تبين بعد صدور القرارين سالفي الذكر من أن المبالغ التي تنفقها الدولة في نظير المكافآت الإضافية بلغت من التضخم حداً كبيراً أثقل كاهل الميزانية بحيث أصبح يخشى أن يؤثر في سياسة الدولة الإنشائية مما يقتضي توخي الاقتصاد تمكيناً للدولة من تنفيذ سياستها الاقتصادية والإصلاحية - فقد رؤى استبعاد الحالات الاستثنائية التي توجب صرف مكافآت بفئة أعلى من ربع المرتب أو ثمانية جنيهات أيهما أقل بالنسبة للموظفين والمستخدمين، واعتبار ساعات العمل الإضافي بالنسبة لعمال اليومية بساعة واحدة من العمل العادي. وعلى هذا الأساس صدر قرار مجلس الوزراء في أول إبريل سنة 1953 بأن "يختص ديوان الموظفين بالموافقة على منح مكافآت عن أعمال إضافية للموظفين الدائمين والمؤقتين والمستخدمين الخارجين عن الهيئة على أساس محاسبتهم عن الساعة من العمل الإضافي بساعة من العمل العادي، وباعتبار أن ساعات العمل في اليوم الواحد ست ساعات وذلك بحد أقصى 25% من المرتب الشهري أو ثمانية جنيهات أيهما أقل......". كما قضى بأن "يعمل بهذه القواعد اعتباراً من أول إبريل سنة 1953 على أن تسري على جميع المكافآت السابق صدور قرارات بشأنها وذلك بتخفيضها إلى حدود هذه الفئات" وبهذا المعنى صدر كتاباً ديوان الموظفين الدوريان رقم 9 لسنة 1953 في 29 من يناير سنة 1953 ورقم 23 لسنة 1953 في 22 من إبريل سنة 1953. وفي 17 من يونيه سنة 1953 وافق مجلس الوزراء على ما اقترحه ديوان الموظفين من استثناء بعض حالات من أحكام قرار أول إبريل سنة 1953 وتخويل الديوان سلطة النظر في كل حالة منها على حدة مراعاة لصالح العمل، ثم صدر القانون رقم 312 لسنة 1955 في 23 من يونيه سنة 1955 بتعديل المادة 45 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بحيث أصبح نصها: "يجوز للوزير المختص أن يمنح الموظف مكافأة عن الأعمال الإضافية التي يطلب إليها تأديتها في غير أوقات العمل الرسمية طبقاً للقواعد التي يحددها مجلس الوزراء.....". وبجلسة 26 من أكتوبر سنة 1955 صدر قرار مجلس الوزراء بقواعد منح المكافآت عن الأعمال الإضافية والخدمات الممتازة، ونص في مادته الرابعة على أن "يلغى كل ما يتعارض مع أحكام هذا القرار من أحكام القرارات السابقة" كما قضى في مادته الخامسة بأن "يعمل بهذا القرار من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية".
2 - إن الأصل أن يخصص الموظف وقته وجهده في الحدود المعقولة لأداء واجبات وظيفته، وأن يقوم بنفسه بالعمل المنوط به في أوقات العمل الرسمية أو الذي يكلف بأدائه ولو في غير هذه الأوقات علاوة على الوقت المعين لها، متى اقتضت مصلحة العمل ذلك، وهذا هو ما نص عليه قرار مجلس الوزراء الصادر في 18 من يوليه سنة 1926 وما رددته المادة 73 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الواردة في الفصل السادس الخاص بواجبات الموظفين والأعمال المحرمة عليهم. كما أن المفروض في الموظف أن يؤدي عملاً إيجابياً في خدمة المصلحة العامة طوال ساعات العمل الرسمية بتمامها، فليس يكفي أن يوجد بمقر وظيفته في أوقات العمل الرسمية دون أن يؤدي عملاً ما، كما لا يكفي أن يقوم في هذه الأوقات بأي قدر من العمل ولو يسير، بل إنه مكلف بإنجاز القدر من العمل المطلوب منه أداؤه في الوقت المخصص لذلك. فإذا لم يؤد عملاً ما أو لم ينجز القدر من العمل المنوط به إنجازه كان مقصراً في واجبات وظيفته وحق للرئيس إلزامه بأن يقوم في غير أوقات العمل الرسمية بما لم يؤده أو ما لم يتم إنجازه من عمله الأصلي في أوقات العمل الرسمية، دون أن يعتبر هذا تكليفاً له بعمل إضافي، ودون أن يستحق عن ذلك مكافأة ما. أما العمل الإضافي فهو ما جاوز ذلك، سواء كان من ذات طبيعة العمل الأصلي أم من طبيعة مغايرة، وهو ما يجوز أن يمنح عنه الموظف مكافآت. وتفريعاً على ذلك حظر على الموظف الجمع بين وظيفته وبين أي نشاط مهني بتأدية عمل للغير بالذات أو بالوساطة بمرتب أو بمكافأة ولو في غير أوقات العمل الرسمية إلا على سبيل الاستثناء وبقيود معينة. كما أن منحه مكافأة عن الأعمال الإضافية التي يطلب إليه تأديتها في غير أوقات العمل الرسمية ليس حقاً أصيلاً له، وإنما هو أمر جعل جوازياً للإدارة؛ لاعتبارات مردها إلى صالح العمل وإلى العدالة معاً.
3 - نص قانون نظام موظفي الدولة على مبدأ جواز منح الموظف المكافأة عن الأعمال الإضافية في المادة 45 منه، وعين فيها السلطة المختصة بوضع القواعد المنظمة له، تلك القواعد التي تضمنتها قرارات مجلس الوزراء الصادرة في هذا الشأن والتي قررت شروط منح المكافأة وفئاتها. ولما كان هذا المنح ليس وجوبياً بل هو جوازي، وكان القانون قد فوض الإدارة في تحديد قواعد منح المكافآت وشروط هذا المنح، فإن الإدارة تترخص في ذلك بسلطتها التقديرية في حدود الاعتمادات المالية المقررة، سواء من حيث تحديد عدد ساعات العمل في اليوم الواحد وتقدير ما زاد عنها، أم من حيث أساس حساب المكافأة عن الساعات الزائدة، أم من حيث مقدار هذه المكافأة وحدها الأعلى وشروط استحقاقها، أم من حيث ملاءمة تطبيق هذه القواعد فيما يتعلق بطوائف الموظفين المختلفة تبعاً لظروف العمل في كل مصلحة من المصالح ووفقاً لما يقتضيه صالح العمل فيها.
4 - إن القاعدة الأساسية التي تحكم صرف المكافآت عن الأعمال الإضافية في نطاق الأوضاع التي رسمتها قرارات مجلس الوزراء الصادرة في هذا الشأن هي وجوب التزام حدود اعتمادات الميزانية المقررة في جميع الأحوال، ومن ثم فإن تقدير فئة المكافأة في كل وزارة أو مصلحة بمراعاة حدها الأقصى يتقيد حتماً بهذا الضابط؛ ذلك أنه لما كان الأصل في هذه المكافأة أنها منحة تخييرية للإدارة، فإن هذه الأخيرة تملك تقييد منحها بما تراه من الشروط محققاً للمصلحة العامة، كما أن الإدارة نفسها مقيدة في هذا المنح بالاعتمادات المالية التي لا سلطان لها في تقريرها، بل مرجع الأمر فيها إلى جهة أخرى هي السلطة التشريعية صاحبة الاختصاص وحدها في ذلك. ومتى كان القرار الإداري من شأنه ترتيب أعباء مالية على الخزانة العامة فإن أثره لا يكون حالاً ومباشراً إلا بقيام الاعتماد المالي اللازم لمواجهة هذه الأعباء، فإذا لم يوجد الاعتماد كان تحقيق هذا الأثر غير ممكن قانوناً. كما أنه يتفرع من هذا الأصل أنه إذا صدر اعتماد مالي معين كان من واجب الإدارة أن تلتزم حدود هذا الاعتماد فيما تصدره من قرارات مرتبط تنفيذها به، فإن جاوزته فقد قرارها - عند التجاوز - سنده المالي ووقع القرار على محل قبل أن تتوافر له شرائطه القانونية.
5 - إن المشرع قد فوض ديوان الموظفين في الفقرة الثانية من المادة 73 من القانون رقم 210 لسنة 1951 في تحديد مواعيد العمل، وبالتالي في تحديد ساعاته، بقرار منه. وبذلك أوجد ضابطاً مرناً بإسناد هذا التحديد إلى تقدير ديوان الموظفين، يترخص فيه بما يتلاءم مع طبيعة العمل في كل وزارة أو مصلحة. وإذا كان الديوان قد ضمن كتابه الدوري رقم 5 الصادر في 27 من سبتمبر سنة 1952 أن مواعيد العمل الرسمية صيفاً وشتاء هي التي سبق أن وافق عليها مجلس الوزراء في 11 من أغسطس سنة 1952 فإنه لم يكن في ذلك إلا مردداً للنظام القديم الذي كان يجرى عليه العمل قبل صدور قانون نظام موظفي الدولة، ولا ينصرف تحديده هذا بطبيعة الحال إلا إلى موظفي الدواوين عامة وما شابهها من المصالح التي يتفق العمل فيها وهذه المواعيد، وهذا هو الحكم العام. بيد أن ثمة مصالح أخرى، كمصلحة السكك الحديدية والتلغرافات والتليفونات، لا تسمح طبيعة العمل فيها بأن يجرى عليها هذا الحكم العام؛ إذ لا يمكن تقييدها بالمواعيد المشار إليها، بل يقتضي الأمر انفرادها بحكم خاص يتمشى مع ظروف العمل فيها بما يكفل سير المرفق الذي تقوم على إدارته على وجه يحقق الصالح العام، بتلبية حاجة المنتفعين بخدماته في أية ساعة من الليل أو النهار، ومن ثم لزم أن يخضع تحديد ساعات العمل فيها ومواعيده لاعتبارات الملاءمة المشتقة من هذه الظروف.
6 - إن قرارات مجلس الوزراء الصادرة في 11 من أغسطس و5 من نوفمبر سنة 1952 وأول إبريل سنة 1953 وإن كانت قد حددت المكافأة الجائز منحها للموظف عن الأعمال الإضافية بحد أقصى قدره 25% من المرتب الشهري أو بثمانية جنيهات أيهما أقل، إلا أنها لم توجب منح هذا الحد الأقصى بتمامه أو ثمانية الجنيهات بأكملها بل أطلقت الأمر لما هو دون ذلك حتى يجرى تقدير فئة المكافأة زيادة أو نقصاً في كل جهة في حدود اعتمادات الميزانية المقررة لها.


إجراءات الطعن

في 27 من أغسطس سنة 1955 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتارية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لجميع الوزارات والمصالح بالإسكندرية بجلسة 28 من يونيه سنة 1955 في الدعوى رقم 750 لسنة 2 القضائية المقامة من السيد/ عبد العظيم أحمد الشرقاوي ضد مصلحة السكك الحديدية ووزارة المواصلات، وهو الحكم الذي قضى "باستحقاق المدعي لصرف المكافأة عن ساعات العمل الإضافية الزائدة عن ساعات العمل الرسمية المقررة للمحطة التي يعمل بها، وذلك بالتطبيق لأحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 12 من أغسطس سنة 1947، على أن يكون صرف المكافأة في حدود 25% من المرتب الأساسي أو ثمانية جنيهات أيهما أقل. مع إلزام المدعي عليها بالمصاريف المناسبة، ورفض ما عدا ذلك من الطلبات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين، للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن "القضاء بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات". وقد أعلن كل من الجهة الإدارية والمطعون عليه بعريضة الطعن في 31 من أغسطس و5 من سبتمبر سنة 1955 على التوالي. ولم يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته في الميعاد القانوني. وقد عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 5 من نوفمبر سنة 1955، وأخطر الطرفان في 24 من أكتوبر سنة 1955 بميعاد هذه الجلسة، وفيما سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بمحضر الجلسة. وقررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة الإدارية تتحصل في أنه بموجب صحيفة مودعة في 27 من مارس سنة 1955 أقام المطعون عليه ضد مصلحة السكك الحديدية ووزارة المواصلات دعوى أمام المحكمة الإدارية لجميع الوزارات والمصالح بالإسكندرية قيدت بجدولها العمومي تحت رقم 750 لسنة 2 القضائية، طالباً الحكم له بمبلغ 67.221 مجـ تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في أول إبريل سنة 1953 بمنح مكافآت للموظفين عما يقومون به من أعمال إضافية، وللمادة 4 من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952، وللمادتين 683 و684 من القانون المدني، وذلك قيمة ما يستحقه من مكافأة عن ساعات العمل الإضافية على أساس أن ساعات العمل هي ست ساعات يومياً في حدود 25% من المرتب الشهري شاملاً علاوة الغلاء على ألا تزيد المكافأة على ثمانية جنيهات شهرياً، مع صرف الفروق إليه عن المدة من أول إبريل سنة 1953 إلى 31 من يناير سنة 1955، وإلزام الحكومة بالمصروفات. ثم عدل طلباته أثناء نظر الدعوى بزيادتها إلى 78.537 مجـ. واستند في دعواه إلى أن قرار مجلس الوزراء المشار إليه قضى بمنح مكافآت للموظفين عما يقومون به من أعمال إضافية بحساب الساعة من العمل الإضافي بساعة من العمل العادي، وباعتبار أن ساعات العمل هي ست ساعات يومياً على ألا تزيد المكافأة على 25% من المرتب الشهري أو ثمانية جنيهات أيهما أقل، وعلى أن يعمل بهذا القرار ابتداء من أول إبريل سنة 1953. بيد أن المصلحة لم تطبق عليه القرار المذكور بل منحته الأجر الإضافي على أساس 15% من المرتب الأساسي فقط، ثم عادت فخفضته إلى 10% كحد أقصى، وذلك على اعتبار أن ساعات العمل المقررة هي عشر ساعات يومياً لا ست. مع أنه يشتغل معاوناً لمحطة سيدي بشر ويعمل ما بين 12 و13 ساعة يومياً، كما بني طلباته المعدلة على أنه اقتصر في طلباته الأولى على المطالبة بقيمة ما يستحقه من فرق الأجر الإضافي على أساس الماهية الأصلية مضافاً إليها علاوة الغلاء فقط، في حين أنه يتعين أن تضاف إليها العلاوات الأخرى التي يتقاضاها بصفة دورية ومنتظمة، وهي العلاوة الاجتماعية وقدرها 1 ج وعلاوة التلغراف وقدرها 1.500 مجـ شهرياً. وقد أجابت المصلحة عن هذه الدعوى بأنها على أثر صدور قرار مجلس الوزراء في أول إبريل سنة 1953 بتحديد النسبة القصوى للأجور الإضافية بواقع 25% من المرتب أو بثمانية جنيهات أيهما أقل عن ساعات العمل التي تزيد على الساعات الرسمية المقررة بست ساعات، استطلعت رأي ديوان الموظفين في مدى تطبيق هذا القرار بالنسبة إلى الطوائف الفنية في ضوء قرار مجلس الوزراء السابق صدوره في 15 من أغسطس سنة 1947 بتخويل مدير عام المصلحة سلطة تحديد ساعات العمل ومنح أجر إضافي لمن يراه، حسب حالة العمل بالمحطات وفي حدود الاعتماد المقرر. فرد الديوان بأن قرار مجلس الوزراء الخاص باعتبار ساعات التشغيل ست ساعات لا يسري على الإدارات والمصالح التي لها نظام مشابه لمواعيد العمل الرسمية بها. ولما كانت حالة العمل بالمحطات تختلف من محطة إلى أخرى، فثمة محطات كثيرة العمل بما يستغرق كل وقت الموظفين ومحطات عملها خفيف تتخلله فترات ركود، فقد خول قرار مجلس الوزراء مدير المصلحة تحديد ساعات العمل بالمحطات. وبناء عليه رأت المصلحة أن محطة سيدي بشر من المحطات البسيطة الحركة فتقرر لها 15% لطائفة النظار والمعاونين، ولعدم كفاية الاعتماد المالي المدرج للأجور الإضافية في ذلك الوقت اقتضى الأمر تخفيض هذه النسبة إلى 10% حتى لا يحرم أحد من الموظفين الذين يعملون ساعات إضافية. هذا إلى أن علاوة الغلاء وما إليها لا يمكن اعتبارها جزءاً من المرتب الشهري، وبالتالي لا يجوز الاعتداد بها في تقدير الأجر الإضافي. وبجلسة 28 من يونيه سنة 1955 صدر الحكم المطعون فيه قاضياً "باستحقاق المدعي لصرف المكافأة عن ساعات العمل الإضافية الزائدة عن ساعات العمل الرسمية المقررة للمحطة التي يعمل بها، وذلك بالتطبيق لأحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 12 من أغسطس سنة 1947، على أن يكون صرف المكافأة في حدود 25% من المرتب الأساسي أو ثمانية جنيهات أيهما أقل، مع إلزام المدعى عليها المصاريف المناسبة ورفض ما عدا ذلك من الطلبات". وأسست المحكمة قضاءها على "إنه وإن جاءت أحكام قرار أول إبريل سنة 1953 عامة دون أن يستثنى منها طوائف معينة من الموظفين أو المستخدمين، غير أنه من المقرر فقهاً وقضاء أن قاعدة أن الأحدث ينسخ الأسبق عند تعاقب القواعد التنظيمية العامة لا يؤخذ بها أحياناً بل يؤخذ بقاعدة أن الخاص يقيد العام ولا عكس. ولما كان قرار مجلس الوزراء الصادر في 12 من أغسطس سنة 1947 قد تضمن قاعدة جديدة - لم يؤخذ بها فيما تقدم أو تأخر من قواعد تحديد ساعات العمل الرسمية والأجور الإضافية - من مقتضاها أن لمدير عام مصلحة السكة الحديد أن يقدر ساعات العمل الرسمية بالمحطات بما يزيد عن 8 ساعات يومياً - وذلك كلما كانت الحركة بها خفيفة - ففي ضوء هذا التحديد يكون النظر في صرف الأجور عن ساعات العمل الإضافية - فوق الساعات التي حددت بوصفها ساعات العمل الرسمية، وأن يكون الصرف في الحدود الواردة بقرار مجلس الوزراء أي بحد أعلى 50% من المرتب. ثم جاء قرار أول إبريل سنة 1953 عاماً في تحديد ساعات العمل الرسمية بست ساعات يومياً، ثم تحديد الأجر عن الساعات الإضافية بحدود معينة، فقد يتجه القول - بالنسبة لموظفي المحطات بمصلحة السكة الحديد - أن القرار الأول المؤرخ 12 من أغسطس سنة 1947 يقيد القرار الثاني - خاصة وأنه لم يرد بالقرار الأخير ما يفيد صراحة عدم الأخذ بهذه القاعدة الفقهية، وأما ما تضمنه من العمل بأحكامه اعتباراً من أول إبريل سنة 1953 وأن تسري على جميع المكافآت السابق صدور قرار بشأنها، وذلك بتخفيضها إلى حدود هذه الفئات، فهو لا يفيد إلغاء العمل بقرار 12 من أغسطس سنة 1947 بصفة كلية، بل بصفة جزئية بالنسبة لتحديد نسبة المكافأة عن ساعات العمل الإضافية. فقد أصبحت بنسبة 25% من المرتب الشهري فقد وليست 50% كما جاءت بالقرار سالف الذكر. ومن ثم فلا وجه لما يطلبه المدعي من صرف المكافأة عن ساعات العمل الإضافية بمراعاة أن ساعات العمل الرسمية هي ست ساعات يومياً بالنسبة إليه - بل يجرى الصرف عن الساعات الإضافية الزائدة عما قرره المدير العام للمصلحة من ساعات العمل الرسمية بالنسبة لمحطة سيدي بشر التي يعمل بها المدعي". أما فيما يتعلق بتحديد أساس صرف المكافأة عن ساعات العمل الإضافية فقد ذهب الحكم إلى أن العبرة فيه هي بالمرتب الشهري الأصلي وحده، دون اعتداد بإعانة غلاء المعيشة أو الإعانة الاجتماعية أو علاوة التلغراف التي يتقاضاها المدعي.
ومن حيث إن الطعن يقوم على وجه واحد هو مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون وخطؤه في تطبيقه على واقعة الدعوى، وذلك تأسيساً على أن مجلس الوزراء وافق في 12 من أغسطس سنة 1947 على منح نظار ومعاوني المحطات بمصلحة السكك الحديدية أجراً إضافياً باعتبار الساعة تعادل ساعة وربعاً بحد أقصى قدره 50% من المرتب، على أن يحدد للنظار والمعاونين الذين يعملون في محطات كثيرة الحركة ثماني ساعات تزاد كلما كانت الحركة بالمحطة خفيفة حسب تقدير المدير العام للمصلحة. وتنفيذاً لهذا القرار كانت تصدر تعليمات المصلحة بتحديد عدد ساعات العمل التي تتخذ أساساً لمنح الأجر الإضافي. ثم صدر بعد ذلك القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة. وبناء على ما جاء بالمادتين 73 و45 منه صدرت قرارات من مجلس الوزراء في 11 من أغسطس و5 من نوفمبر سنة 1952 وأول إبريل سنة 1953 بتنظيم صرف المكافآت الإضافية متضمنة القواعد التي تتبع في منحها وشروط هذا المنح التي تتلخص في أن يختص ديوان الموظفين بالموافقة على منح هذه المكافآت للموظفين الدائمين والمؤقتين والمستخدمين الخارجين عن الهيئة على أساس محاسبتهم عن الساعة من العمل الإضافي بساعة من العمل العادي، وباعتبار أن ساعات العمل في اليوم الواحد هي ست ساعات، وذلك بحد أقصى قدره 25% من المرتب الشهري أو ثمانية جنيهات أيهما أقل، على أن يكون صرفها في جميع الأحوال في حدود اعتمادات الميزانية المقررة. ومن ثم تصبح جميع القرارات السابقة ملغاة، بحيث يتعين، اعتباراً من تاريخ العمل بالقواعد الجديدة، إعمال حكمها بالنسبة إلى كافة موظفي الدولة دون غيرها، سواء فيما يتعلق بعدد ساعات العمل الرسمية أم فيما يختص بنسبة الأجر المقرر. والأصل أن الموظف لا يستحق أجراً إضافياً عما يؤديه من عمل في غير أوقاته الرسمية؛ ولذا فإن الإدارة تترخص في منح هذا الأجر الإضافي طبقاً للقواعد المعمول بها في حدود الاعتمادات المالية. والجهة الوحيدة التي تملك الموافقة على صرف مثل هذه المكافأة هي ديوان الموظفين، على أن تتم موافقته طبقاً للأوضاع المرسومة لذلك. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أعمل في حالة المدعي قرار 12 من أغسطس سنة 1947 فيما يتعلق بتحديد ساعات العمل الرسمية خلال فترة جاءت لاحقة لصدور القواعد الجديدة، ثم قضى بصرف المكافأة بواقع النسبة المقررة في هذه القواعد، دون أن يتحقق مما يفيد صدور موافقة الجهة المختصة التي تملك تقريرها، ودون أن يتثبت من وجود الاعتماد المالي الذي يسمح بصرفها، فإنه بذلك كله يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه. وانتهى السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة من هذا إلى طلب القضاء بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.
ومن حيث إنه يبين من تقصي المراحل التي مرت بها القواعد الخاصة بمنح المكافآت عن ساعات العمل الإضافية أن مجلس الوزراء وافق في 29 من أكتوبر سنة 1934 على منح "التلغرافجية ووكلاء وملاحظي المكاتب الذين يؤدون أعمال الحركة، وكذلك كتبة المراجعة وعمال التلغراف اللاسلكي وغيرهم" أجوراً إضافية عن الساعات الزائدة عن المقرر لهم بواقع الساعة ساعة وربع، كما وافق في 4 من أغسطس سنة 1943 على تخويل وزارة المالية سلطة الموافقة على منح مكافآت عن أعمال إضافية للموظفين والمستخدمين الدائمين والمؤقتين. ولما كانت طبيعة عمل غالبية طائفة نظار ومعاوني المحطات - ومن يقوم بعمل هؤلاء من الطوائف الفنية الأخرى - لا تختلف كثيراً عن مستخدمي حركة التلغراف، فقد طلبوا معاملتهم بالمثل؛ ذلك أن مصلحة السكك الحديدية كانت تضطر، بالنظر إلى نقص عددهم عما ينبغي أن يكون، إلى تشغيلهم من عشر ساعات إلى اثنتي عشرة ساعة في اليوم بدلاً من ثماني ساعات. لذا رأى مدير عام المصلحة في مذكرته المرفوعة إلى مجلس الإدارة في 24 من يوليه سنة 1947 أنه "إلى أن تعتمد زيادة عدد الوظائف ويدرج المبلغ اللازم لها بالميزانية، يجب تعويض من يؤدون أعمالاً مرهقة بمنحهم أجوراً إضافية عما يزيد عن ساعات العمل المقررة"، واقترح أن يحدد للنظار والمعاونين وبعض موظفي الطوائف الفنية الذين يعملون في محطات كثيرة الحركة ثماني ساعات تزاد كلما كانت الحركة بالمحطة خفيفة حسب تقدير المدير العام للمصلحة، وأن يحسب الأجر الإضافي على هذا الأساس باعتبار الساعة تعادل ساعة وربعاً بحد أعلى قدره 50% من المرتب. وقد وافق مجلس إدارة المصلحة على هذه الاقتراحات في 30 من يوليه سنة 1947، ورفعت بها مذكرة إلى مجلس الوزراء أقرها بجلسته المنعقدة في 12 من أغسطس سنة 1947. ثم صدر القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، ونص في المادة 73 منه على أنه "على الموظف أن يقوم بنفسه بالعمل المنوط به، وأن يؤديه بدقة وأمانة، عليه أن يخصص وقت العمل الرسمي لأداء واجبات وظيفته. وتحدد مواعيد العمل بقرار من ديوان الموظفين، ويجوز تكليف الموظفين بالعمل في غير أوقاته الرسمية علاوة على الوقت المعين لها إذا اقتضت مصلحة العمل ذلك". كما قضى في المادة 45 المعدلة بالقانون رقم 432 لسنة 1953 بأنه "يجوز أن يمنح الموظف مكافأة عن الأعمال الإضافية التي يطلب إليه تأديتها في غير أوقات العمل الرسمية. ويحدد مجلس الوزراء قواعد منح هذه المكافأة كما يحدد الرواتب الإضافية وشروط منحها، وذلك بناء على اقتراح وزير المالية والاقتصاد بعد أخذ رأي ديوان الموظفين...". وتطبيقاً لما جاء في هذه المادة وافق مجلس الوزراء في 11 من أغسطس سنة 1952 على اقتراحات ديوان الموظفين فيما يتعلق بالمكافآت الإضافية بأن يختص الديوان "بالموافقة على منح مكافآت عن أعمال إضافية للموظفين الدائمين والمؤقتين والمستخدمين الخارجين عن الهيئة على أساس محاسبتهم عن الساعة من العمل الإضافي بساعة من العمل العادي، وباعتبار أن ساعات العمل في اليوم الواحد هي ست ساعات، وذلك بحد أقصى 25% من المرتب الشهري أو 8 جنيهات أيهما أقل. وفي الحالات الاستثنائية التي توجب صرف مكافأة بفئة أعلى من الفئات المتقدمة يكون من سلطة ديوان الموظفين تقدير هذه المكافآت. وفي جميع الأحوال يكون صرف المكافآت في حدود اعتمادات الميزانية المقررة". وقد نص هذا القرار على اعتبار الساعة من العمل الإضافي لعمال اليومية بساعة وربع من العمل العادي. وفي 5 من نوفمبر سنة 1952 صدر قرار مجلس الوزراء مؤيداً لاستمرار العمل بالقواعد الواردة بقرار 11 من أغسطس سنة 1952 في شأن منح المكافآت عن الأعمال الإضافية وشروط ذلك. إلا أنه نظراً لما تبين بعد صدور القرارين سالفي الذكر من أن المبالغ التي تنفقها الدولة في نظير المكافآت الإضافية بلغت من التضخم حداً كبيراً أثقل كاهل الميزانية بحيث أصبح يخشى أن يؤثر في سياسة الدولة الإنشائية مما يقتضي توخي الاقتصاد تمكيناً للدولة من تنفيذ سياستها الاقتصادية والإصلاحية، فقد رؤى استبعاد الحالات الاستثنائية التي توجب صرف مكافآت بفئة أعلى من ربع المرتب أو ثمانية جنيهات أيهما أقل بالنسبة للموظفين والمستخدمين، واعتبار ساعات العمل الإضافي بالنسبة لعمال اليومية بساعة واحدة من العمل العادي. وعلى هذا الأساس صدر قرار مجلس الوزراء في أول إبريل سنة 1953 بأن "يختص ديوان الموظفين بالموافقة على منح مكافآت عن أعمال إضافية للموظفين الدائمين والمستخدمين الخارجين عن الهيئة على أساس محاسبتهم عن الساعة من العمل الإضافي بساعة من العمل العادي، وباعتبار أن ساعات العمل في اليوم الواحد ست ساعات، وذلك بحد أقصى قدره 25% من المرتب الشهري أو ثمانية جنيهات أيهما أقل..."، كما قضى بأن "يعمل بهذه القواعد اعتباراً من أول إبريل سنة 1953، على أن تسري على جميع المكافآت السابق صدور قرارات بشأنها، وذلك بتخفيضها إلى حدود هذه الفئات". وبهذا المعنى صدر كتابا ديوان الموظفين الدوريان رقم 9 لسنة 1953 في 29 من يناير سنة 1953 ورقم 23 لسنة 1953 في 22 من إبريل سنة 1953، وفي 17 من يونيه سنة 1953 وافق مجلس الوزراء على ما اقترحه ديوان الموظفين من استثناء بعض حالات من أحكام قرار أول إبريل سنة 1953 وتخويل الديوان سلطة النظر في كل حالة منها على حدة مراعاة لصالح العمل. ثم صدر القانون رقم 312 لسنة 1955 في 23 من يونيه سنة 1955 بتعديل المادة 45 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بحيث أصبح نصها "يجوز للوزير المختص أن يمنح الموظف مكافأة عن الأعمال الإضافية التي يطلب إليه تأديتها في غير أوقات العمل الرسمية طبقاً للقواعد التي يحددها مجلس الوزراء....". وبجلسة 26 من أكتوبر سنة 1955 صدر قرار مجلس الوزراء بقواعد منح المكافآت عن الأعمال الإضافية والخدمات الممتازة، ونص في مادته الرابعة على أن "يلغى كل ما يتعارض مع أحكام هذا القرار من أحكام القرارات السابقة"، كما قضى في مادته الخامسة بأن "يعمل بهذا القرار من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية".
ومن حيث إن الأصل أن يخصص الموظف وقته وجهده في الحدود المعقولة لأداء واجبات وظيفته، وأن يقوم بنفسه بالعمل المنوط به في أوقات العمل الرسمية أو الذي يكلف بأدائه ولو في غير هذه الأوقات علاوة على الوقت المعين لها متى اقتضت مصلحة العمل ذلك. وهذا هو ما نص عليه قرار مجلس الوزراء الصادر في 18 من يوليه سنة 1926، وما رددته المادة 73 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الواردة في الفصل السادس الخاص بواجبات الموظفين والأعمال المحرمة عليهم. كما أن المفروض في الموظف أن يؤدي عملاً إيجابياً في خدمة المصلحة العامة طوال ساعات العمل الرسمية بتمامها، فليس يكفي أن يوجد بمقر وظيفته في أوقات العمل الرسمية دون أن يؤدي عملاً ما، كما لا يكفي أن يقوم في هذه الأوقات بأي قدر من العمل ولو يسير، بل إنه مكلف بإنجاز القدر من العمل المطلوب منه أداؤه في الوقت المخصص لذلك؛ فإذا لم يؤد عملاً ما أو لم ينجز القدر من العمل المنوط به إنجازه، كان مقصراً في واجبات وظيفته وحق للرئيس إلزامه بأن يقوم في غير أوقات العمل الرسمية بما لم يؤده أو ما لم يتم إنجازه من عمله الأصلي في أوقات العمل الرسمية، دون أن يعتبر هذا تكليفاً له بعمل إضافي، ودون أن يستحق عن ذلك مكافأة ما. أما العمل الإضافي فهو ما جاوز ذلك سواء أكان من ذات طبيعة العمل الأصلي أم من طبيعة مغايرة، وهو ما يجوز أن يمنح عنه الموظف مكافأة. وتفريعاً على ذلك حظر على الموظف الجمع بين وظيفته وبين أي نشاط مهني بتأدية عمل للغير بالذات أو بالوساطة بمرتب أو بمكافأة ولو في غير أوقات العمل الرسمية إلا على سبيل الاستثناء وبقيود معينة. كما أن منحه مكافأة عن الأعمال الإضافية التي يطلب إليه تأديتها في غير أوقات العمل الرسمية ليس حقاً أصيلاً له، وإنما هو أمر جعل جوازياً للإدارة لاعتبارات مردها إلى صالح العمل وإلى العدالة معاً. وقد نص قانون نظام موظفي الدولة على مبدأ جواز المنح في المادة 45 منه وعين فيها السلطة المختصة بوضع القواعد المنظمة له، تلك القواعد التي تضمنتها قرارات مجلس الوزراء المتقدم ذكرها والتي قررت شروط منح المكافأة وفئاتها. ولما كان هذا المنح ليس وجوبياً بل هو جوازي، وكان القانون قد فوض الإدارة في تحديد قواعد منح المكافآت وشروط هذا المنح، فإن الإدارة تترخص في ذلك بسلطتها التقديرية في حدود الاعتمادات المالية المقررة سواء من حيث تحديد عدد ساعات العمل في اليوم الواحد وتقدير ما زاد عنها، أم من حيث أساس حساب المكافأة عن الساعات الزائدة، أم من حيث مقدار هذه المكافأة وحدها الأعلى وشروط استحقاقها، أم من حيث ملاءمة تطبيق هذه القواعد فيما يتعلق بطوائف الموظفين المختلفة تبعاً لظروف العمل في كل مصلحة من المصالح ووفقاً لما يقتضيه صالح العمل فيها.
ومن حيث إن قرارات مجلس الوزراء الصادرة في 11 من أغسطس و5 من نوفمبر سنة 1952 وأول إبريل سنة 1953 جاءت ملغية لكل تنظيم سابق يتعارض مع أحكامها فيما يختص بالمكافآت التي تمنح عن الأعمال الإضافية وحلت محل هذا التنظيم فيما تضمنته من أحكام؛ إذ نص القرار الأخير على أن يعمل بالقواعد الواردة به اعتباراً من أول إبريل سنة 1953 على أن تسري على جميع المكافآت السابق صدور قرارات بشأنها وذلك بتخفيضها إلى حدود هذه الفئات. أما قرار 26 من أكتوبر سنة 1955 فلئن كان قد قضى بإلغاء كل ما يتعارض مع أحكامه من أحكام القرارات السابقة، إلا أنه في الوقت ذاته لم ينص على العمل به إلا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية. ومن ثم فلا يسري بأثر رجعي على المكافأة التي يطالب المطعون عليه بالفرق فيها عن المدة من أول إبريل سنة 1953 حتى 31 من يناير سنة 1955 والتي تظل خاضعة لأحكام القرارات السابقة على صدوره.
ومن حيث إن القاعدة الأساسية التي تحكم صرف المكافآت عن الأعمال الإضافية في نطاق الأوضاع التي رسمتها قرارات مجلس الوزراء آنفة الذكر هي وجوب التزام حدود اعتمادات الميزانية المقررة في جميع الأحوال. ومن ثم فإن تقدير فئة المكافأة في كل وزارة أو مصلحة بمراعاة حدها الأقصى يتقيد حتماً بهذا الضابط؛ ذلك أنه لما كان الأصل في هذه المكافأة أنها منحة تخييرية للإدارة، فإن هذه الأخيرة تملك تقييد منحها بما تراه من الشروط محققاً للمصلحة العامة. كما أن الإدارة نفسها مقيدة في هذا المنح بالاعتمادات المالية التي لا سلطان لها في تقريرها بل مرجع الأمر فيها إلى جهة أخرى هي السلطة التشريعية صاحبة الاختصاص وحدها في ذلك. ومتى كان القرار الإداري من شأنه ترتيب أعباء مالية على الخزانة العامة فإن أثره لا يكون حالاً ومباشرة إلا بقيام الاعتماد المالي اللازم لمواجهة هذه الأعباء، فإذا لم يوجد الاعتماد كان تحقيق هذا الأثر غير ممكن قانوناً. كما يتفرع عن هذا الأصل أنه إذا صدر اعتماد مالي معين كان من واجب الإدارة أن تلتزم حدود هذا الاعتماد فيما تصدره من قرارات مرتبط تنفيذها به فإن جاوزته فقد قرارها - عند التجاوز - سنده المالي، ووقع القرار على محل قبل أن تتوافر له شرائطه القانونية.
ومن حيث إن ديوان الموظفين قد أصبح منذ صدور قرار مجلس الوزراء في 11 من أغسطس سنة 1952 هو الجهة المختصة بالموافقة على منح المكافآت عن الأعمال الإضافية للموظفين الدائمين والمؤقتين والمستخدمين الخارجين عن الهيئة، إلى أن صدر القانون رقم 312 لسنة 1955 في 23 من يونيه سنة 1955 فأسند هذا الاختصاص إلى الوزير المختص باعتباره أقدر على فهم حاجة العمل في وزارته التي تقتضي وجوب تواجد الموظفين لإتمامه وتوفيراً لتبادل المكاتبات مع ديوان الموظفين وللوقت الذي يستغرقه الرجوع إلى وزارة المالية.
ومن حيث إن المشرع قد فوض ديوان الموظفين في الفقرة الثانية من المادة 73 من القانون رقم 210 لسنة 1951 في تحديد مواعيد العمل، وبالتالي في تحديد ساعاته، بقرار منه. وبذلك أوجد ضابطاً مرناً بإسناد هذا التحديد إلى تقدير ديوان الموظفين يترخص فيه بما يتلاءم مع طبيعة العمل في كل وزارة أو مصلحة. وإذا كان الديوان قد ضمن كتابه الدوري رقم 5 الصادر في 27 من سبتمبر سنة 1952 بيان مواعيد العمل الرسمية صيفاً وشتاء التي سبق أن وافق عليها مجلس الوزراء في 11 من أغسطس سنة 1952، فإنه لم يكن في ذلك إلا مردداً للنظام القديم الذي كان يجرى عليه العمل قبل صدور قانون نظام موظفي الدولة، ولا ينصرف تحديده هذا بطبيعة الحال إلا إلى موظفي الدواوين عامة وما شابهها من المصالح التي يتفق العمل فيها وهذه المواعيد، وهذا هو الحكم العام. بيد أن ثمة مصالح أخرى كمصلحة السكك الحديدية والتلغرافات والتليفونات لا تسمح طبيعة العمل فيها بأن يجرى عليها هذا الحكم العام؛ إذ لا يمكن تقييدها بالمواعيد المشار إليها، بل يقتضي الأمر انفرادها بحكم خاص يتمشى مع ظروف العمل فيها بما يكفل سير المرفق الذي تقوم على إدارته على وجه يحقق الصالح العام بتلبية حاجة المنتفعين بخدماته في أية ساعة من الليل أو النهار. ومن ثم لزم أن يخضع تحديد ساعات العمل فيها ومواعيده لاعتبارات الملاءمة المشتقة من هذه الظروف.
ومن حيث إن مصلحة السكك الحديدية استطلعت رأي ديوان الموظفين بكتاب مراقبة الحسابات رقم 36 / 3/ 16 المؤرخ 15 من أكتوبر سنة 1953 في شأن مدى تطبيق قرار مجلس الوزراء الصادر في أول إبريل سنة 1953 بالنسبة إلى ساعات العمل المقررة، للطوائف الفنية طبقاً لما نص عليه قرار مجلس الوزراء الصادر في 15 من أغسطس سنة 1947 من تخويل مدير عام المصلحة سلطة تحديد ساعات العمل ومنح أو عدم منح أجر إضافي لمن يراه حسب حالة العمل بالمحطات في حدود الاعتماد المقرر، فأجابها الديوان بكتابه رقم 181/ 13/ 2 المؤرخ 17 من نوفمبر سنة 1953 بأن النص الوارد بقرار مجلس الوزراء المنوه عنه والخاص باعتبار ساعات التشغيل ستاً لا يسري على الإدارات والمصالح التي لها نظام ثابت لمواعيد العمل الرسمية بها.
ومن حيث إن تحديد مدير عام مصلحة السكك الحديدية لساعات العمل بالمحطات، وهو الذي أقره عليه ديوان الموظفين صاحب الاختصاص في ذلك، وكذا تحديده لفئات المكافأة التي تمنح لكل طائفة من الموظفين، إنما تم بمراعاة أن حالة العمل بالمحطات تتفاوت من محطة إلى أخرى، فثمة محطات كثيرة العمل بما يستغرق كل وقت الموظفين، وأخرى عملها يسير تتخلله فترات ركود ولذا تكيف هذا التحديد بما يتلاءم مع حالة العمل وطبيعته وظروفه في كل محطة بزيادة ساعات العمل الرسمية كلما خفت الحركة، وخفضها كلما اشتدت؛ بحيث لا يمنح الموظف مكافأة إلا على ما جاوز ذلك من ساعات عمل إضافية. وهذا لا يعدو في الواقع من الأمر أن يكون تقديراً نسبياً لساعات العمل الفعلية.
ومن حيث إن قرارات مجلس الوزراء الصادرة في 11 من أغسطس و5 من نوفمبر سنة 1952 وأول إبريل سنة 1953 وإن كانت قد حددت المكافأة الجائز منحها للموظف عن الأعمال الإضافية بحد أقصى قدره 25% من المرتب الشهري أو بثمانية جنيهات أيهما أقل إلا أنها لم توجب منح هذا الحد الأقصى بتمامه أو ثمانية الجنيهات بأكملها، بل أطلقت الأمر لما هو دون ذلك حتى يجرى تقدير فئة المكافأة زيادة أو نقصاً في كل جهة في حدود اعتمادات الميزانية المقررة لها.
ومن حيث إنه ظاهر من الأوراق أن مدير عام مصلحة السكك الحديدية، وقد رأى أن محطة سيدي بشر هي من المحطات البسيطة الحركة، قرر في بادئ الأمر مكافأة قدرها 15% لطائفة نظار المحطة ومعاونيها، ثم اضطر بعد ذلك، نظراً لعدم كفاية الاعتماد المالي المقرر في ميزانية المصلحة للأجر الإضافي، إلى تخفيض هذه النسبة إلى 10% وهكذا الحال بالنسبة إلى باقي المحطات كل حسب النسبة التي قدرت لها. وقد توخى بهذا التخفيض إمكان مواجهة منح مكافآت لجميع الموظفين الذين يعملون ساعات إضافية حتى لا يحرم منهم أحد أو لا يحرموا جميعاً خلال فترة معينة من السنة المالية بسبب نفاد الاعتماد المقرر لهذا البند. وليس شك في أن مدير عام المصلحة، كما يملك تحديد ساعات العمل، يملك أيضاً تحديد هذه النسب، سواء بمراعاة حالة العمل في كل محطة أم بالتزام حدود الاعتمادات المدرجة في الميزانية.
ومن حيث إنه لا جدال في أن مصلحة السكك الحديدية قد صرفت للمطعون عليه مكافأته عن ساعات العمل الإضافية على أساس النسب السالف بيانها، وإنما ينحصر الخلاف في الفرق بين هذه النسب وبين الحد الأعلى للمكافأة البالغ قدرها 25% من المرتب الشهري أو ثمانية جنيهات أيهما أقل، وهو ما لا حق للمطعون عليه فيه وما لا وجه لإلزام المصلحة به، ما دام مرجع الأمر في استحقاق هذا الفرق أو عدم استحقاقه هو إلى الاعتماد المالي الذي يسمح بصرفه، وقد ثبت أن هذا الاعتماد يضيق عنه. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه، إذ قضى بصرف مكافأة المطعون عليه عن ساعات العمل الإضافية الزائدة عن ساعات العمل الرسمية المقررة للمحطة التي يعمل بها، على أن يكون الصرف في حدود 25% من المرتب الأساسي أو ثمانية جنيهات أيهما أقل، غير مراع في ذلك ما نصت عليه قرارات مجلس الوزراء الصادرة في هذا الشأن من أن هذا هو الحد الأقصى الذي يمكن النزول عنه تبعاً لمقدار الاعتماد المالي المقرر، وما أوجبته القرارات المذكورة من أن يكون صرف المكافآت في جميع الأحوال في حدود هذا الاعتماد - إن الحكم، إذ خرج على مقتضى هذه القواعد القانونية ومدلولها الصحيح، يكون قد خالف القانون وأخطأ في تأويله وتطبيقه، ولذا يتعين الحكم بإلغائه وبرفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.