مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1955 إلى آخر يناير سنة 1956) - صـ 243

جلسة 3 من ديسمبر سنة 1955

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وحسن جلال وعلي إبراهيم بغدادي المستشارين.

(28)
القضية رقم 298 لسنة 1 القضائية

( أ ) موظف - علاقته بالحكومة علاقة تنظيمية - خضوع نظامه القانوني للتعديل وفق مقتضيات المصلحة العامة - سريان التنظيم الجديد عليه بأثر حال من تاريخ العمل به - عدم سريانه بأثر رجعي يمس المراكز القانونية الذاتية إلا بنص خاص في قانون وليس في أداة أدنى - تضمن التنظيم الجديد لمزايا ترتب أعباء مالية على الخزانة - عدم سريانه على الماضي إلا إذا تبين قصده من ذلك بوضوح.
(ب) كادر العمال - قرار مجلس الوزراء في 21 من أكتوبر سنة 1953 بمعالجة الشذوذ الناشئ عن تطبيق قراره في 12 من أغسطس سنة 1921 بالنسبة لبعض العمال - المزايا المالية التي يقررها - يعمل بها من تاريخ نفاذه.
1 - إن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح، ومركز الموظف من هذه الناحية هو مركز قانوني عام يجوز تغييره في أي وقت، وليس له أن يحتج بأن له حقاً مكتسباً في أن يعامل بمقتضى النظام القديم الذي عين في ظله. ومرد ذلك إلى أن الموظفين هم عمال المرافق العامة، وبهذه المثابة يجب أن يخضع نظامهم القانوني للتعديل والتغيير وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة. ويتفرع عن ذلك أن النظام الجديد يسري على الموظف بأثر حال مباشر من تاريخ العمل به، ولكنه لا يسري بأثر رجعي بما من شأنه إهدار المراكز القانونية الذاتية التي تكون قد تحققت لصالح الموظف في ظل النظام القديم، قانوناً كان أو لائحة، إلا بنص خاص في قانون وليس في أداة أدنى منه كلائحة. وإذا تضمن النظام الجديد، قانوناً كان أو لائحة، مزايا جديدة للوظيفة ترتب أعباء مالية على الخزانة، فالأصل ألا يسري النظام الجديد في هذا الخصوص إلا من تاريخ العمل به، إلا إذا كان واضحاً منه أنه قصد أن يكون نفاذه من تاريخ سابق.
2 - يبين من الاطلاع على قراري مجلس الوزراء الصادرين في 12 من أغسطس سنة 1951 و21 من أكتوبر سنة 1953 أن أولهما صدر لعلاج ما أسفر عنه تطبيق كادر العمال من شذوذ في معاملة مساعدي الصناع بالقياس إلى طائفة التلاميذ (الشراقات) وهم أدنى منهم درجة؛ إذ رفع أجر التلميذ في بداية السنة الخامسة إلى 250 م في حين أن أجر مساعد الصانع لم يبلغ في هذا التاريخ إلا 170 م فقط، مما حمل وزارة المالية على رفع الأمر إلى مجلس الوزراء طالبة رفع درجة مساعد الصانع من (150 - 240 م) إلى (150 - 300 م) فيعين ابتداء بأجر مقداره 150 م يزاد إلى 200 م بعد سنتين وإلى 250 م بعد سنتين أخريين ثم يمنح بعد ذلك علاوة بواقع 20 م كل سنتين حتى يبلغ الأجر نهاية ربط درجته وتستمر معاملته بالنسبة إلى الترقية بالقاعدة المعمول بها وهي جواز ترقيته بعد خمس سنوات على الأقل. وقد وافق مجلس الوزراء على ذلك في 12 من أغسطس سنة 1951، ورأت اللجنة المالية في 12 من يونيه سنة 1952 أن يكون صرف الفروق المترتبة على تنفيذ هذا القرار ابتداء من 14 من فبراير سنة 1952. أما قرار 21 من أكتوبر سنة 1953 فقد صدر بناء على طلب وزارة الزراعة لما أسفر تطبيق القرار السابق على عمالها عن شذوذ آخر في معاملة طائفة العمال من درجة صانع غير دقيق، ومنهم المطعون عليه، بالقياس إلى مساعدي الصناع الذين يقلون عنهم درجة؛ ذلك أن قرار 12 من أغسطس سنة 1951 لم يتناول سوى طائفة مساعدي الصناع الذين كانوا يشغلون هذه الدرجة عند تنفيذه، فترتب على ذلك زيادة أجور مساعدي الصناع على أجور زملائهم هؤلاء رغم سبقهم في دخول الخدمة مما حمل الوزارة على رفع الأمر إلى مجلس الوزراء طالبة إعادة تسوية حالات هؤلاء العمال على أساس تطبيق قرار مجلس الوزراء الصادر في 12 من أغسطس سنة 1951 عليهم، ثم نقلهم إلى درجات صانع دقيق التي كانت قد نقلتهم إليها، وقد وافق المجلس على ذلك على أن يكون نقلهم إلى درجات صانع دقيق بعد مضي خمس سنوات في درجة مساعد صانع ومنحهم أجراً مقداره 300 م من ذلك التاريخ، وبذلك تحققت المساواة في معاملة الفريقين. ونظراً لأن قرار مجلس الوزراء الصادر في 21 من أكتوبر سنة 1953 قد استحدث بالنسبة إلى العمال الذين كانوا قد بلغوا درجة صانع غير دقيق عند تنفيذ قرار 12 من أغسطس سنة 1951، وما كانوا يفيدون من مزاياه، قد استحدث لهم مركزاً جديداً يرتب أعباء مالية على الخزانة العامة وجاء ذلك القرار خلواً من أي نص يدل بوضوح على أنه قصد إلى أن تكون إفادتهم منه من تاريخ سابق في الماضي فإنهم، والحالة هذه، لا يفيدون من هذا التنظيم الجديد إلا من التاريخ المعين لنفاذه. وعلى مقتضى ذلك يكون الحكم المطعون فيه إذا قضى للمطعون عليه بفروق عن المدة من 14 من أكتوبر سنة 1951 لغاية 21 من أكتوبر سنة 1953، قد خالف القانون، ومن ثم يتعين إلغاؤه والحكم برفض الدعوى.


إجراءات الطعن

في 22 من أغسطس سنة 1955 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات المالية والتجارة والزراعة والتموين بجلسة 26 من يونيه سنة 1955 في الدعوى رقم 636 لسنة 2 ق المرفوعة من مرقص زكي ميخائيل ضد وزارة الزراعة، القاضي "بأحقية المدعي في صرف الفروق الناتجة من تطبيق قرار مجلس الوزراء الصادر في 21 من أكتوبر سنة 1953 بإعادة تسوية حالته وفقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 12 من أغسطس سنة 1951، وذلك اعتباراً من 14 من فبراير سنة 1951 إلى 20 من أكتوبر سنة 1953". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة الطعن الحكم "بقبول هذا الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض طلب المتظلم وإلزامه بالمصروفات". وأعلن المدعي بالطعن في 31 من أغسطس سنة 1955 وأعلنت به الحكومة في 29 من أغسطس سنة 1955، ثم حدد لنظر الطعن جلسة 12 من نوفمبر سنة 1955، وفيها سمعت إيضاحات الطرفين على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجئ إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يستفاد من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعي التحق بخدمة قسم البساتين بوزارة الزراعة في 16 من مايو سنة 1944 بأجر يومي قدره 100 م وعند تطبيق كادر العمال وضع في درجة مساعد صانع (240 - 360 م) اعتباراً من تاريخ التحاقه بالخدمة لحصوله على الشهادة الابتدائية بأجر يومي قدره 200 م ثم رقي إلى درجة صانع غير دقيق في أول أكتوبر سنة 1950 بأجر قدره 240 م وذكر في ترقيته أن "أصله مساعد صانع ورقي إلى صانع غير دقيق لينقل إلى وظائف الدقة بحالته تصحيحاً للوضع مع اعتبار أقدميته من تاريخ ترقيته من مساعد صانع"، ثم رقي إلى صانع دقيق اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1952" وبناء على قرار مجلس الوزراء الصادر في 21 من أكتوبر سنة 1953 المبلغ بكتاب وزارة المالية رقم 1/ 9/ 9 زراعة وكتاب ديوان الموظفين رقم 230 - 5/ 13 المؤرخ 31 من ديسمبر سنة 1953 في شأن تسوية حالة مساعدي الصناع الذين نقلوا إلى درجة صانع غير دقيق قبل صدور قرار مجلس الوزراء الصادر في 12 من أغسطس سنة 1951 المبلغ بكتاب المالية المؤرخ 8 من سبتمبر سنة 1951 ولم يطبق عليهم هذا القرار ثم نقلوا إلى درجة صانع دقيق طبقاً لكتاب وزارة المالية سالف الذكر" سويت حالة المدعي بمنحه أجراً قدره 320 م وصرف له الفرق اعتباراً من 21 من أكتوبر سنة 1953 بناء على كتاب ديوان الموظفين رقم 365 - 9/ 1/ 1 المؤرخ 10 من يناير سنة 1954، ثم منح علاوة دورية منقوصة الربع في أول مايو سنة 1954. وقد قدم المدعي تظلماً إلى اللجنة القضائية لوزارة التجارة والزراعة والتموين قيد برقم 636 لسنة 2 ق قال فيه إنه صدر قرار من مجلس الوزراء في 21 من أكتوبر سنة 1953 بتسوية حالته وحالة أمثاله من الصناع بناء على قرار مجلس الوزراء الصادر في 12 من أغسطس سنة 1951 الخاص بتسوية حالة مساعدي الصناع، غير أنه عند عمل التسوية الخاصة به لم يصرف إليه الفرق إلا من 21 من أكتوبر سنة 1953، والتمس في ختام التظلم تقرير استحقاقه لصرف الفرق المستحق له اعتباراً من 14 من فبراير سنة 1951. وقد أحيل التظلم إلى المحكمة الإدارية المختصة عقب إلغاء اللجان القضائية فقضت المحكمة في 26 من يونيه سنة 1955 بإجابته إلى طلبه، وأقامت قضاءها على أن "الغاية التي يهدف إليها قرار مجلس الوزراء الصادر في 21 من أكتوبر سنة 1953 إنما هي إعادة التسوية لتصحيح الأوضاع على أساس إقامة المساواة بين طائفة المدعي ومن هم أحداث منه، فإذا جعل تنفيذه وصرف الفروق من تاريخ صدوره فقط أصبح قاصراً عن تحقيق ما استهدفه من إعادة التسوية. ولما كان مجلس الوزراء، وهو المهيمن على شئون الدولة، يملك إنصاف الموظفين وتسوية حالاتهم بما يصحح أوضاعهم ورفع الغبن عنهم، ومن ثم يجوز إجراء هذه التسوية مع إرجاع أثرها".
ومن حيث إن الطعن يقوم على "أن المتظلم وأمثاله لم يكن يسري عليهم قرار مجلس الوزراء الصادر في 12 من أغسطس سنة 1951، وأن قرار 21 من أكتوبر سنة 1953 قد أنشأ للمتظلم وأمثاله حقاً لم يكن لهم من قبل. وما دام هذا القرار لم يتضمن نصاً يقضي بصرف فروق مالية عن الماضي فلا سند للصرف عن الماضي، ولا يسوغ تأويل سكوت القرار عن النص على الصرف بأنه إباحة للصرف عن الماضي، فالسكوت عن النص على الصرف في حالة الحق المستحدث مانع من الصرف عن الماضي؛ فالأصل في التشريع أنه ذو أثر مباشر"، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه، إذ قضى بصرف الفروق المالية من 14 من نوفمبر سنة 1951 قد أخطأ في تأويل القانون.
ومن حيث إن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح، ومركز الموظف من هذه الناحية هو مركز قانوني عام يجوز تغييره في أي وقت. وليس له أن يحتج بأن له حقاً مكتسباً في أن يعامل بمقتضى النظام القديم الذي عين في ظله. ومرد ذلك إلى أن الموظفين هم عمال المرافق العامة، وبهذه المثابة يجب أن يخضع نظامهم القانوني للتعديل والتغيير وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة. ويتفرع عن ذلك أن النظام الجديد يسري على الموظف بأثر حال مباشر من تاريخ العمل به، ولكنه لا يسري بأثر رجعي بما من شأنه إهدار المراكز القانونية الذاتية التي تكون قد تحققت لصالح الموظف في ظل النظام القديم، قانوناً كان أو لائحة، إلا بنص خاص في قانون، وليس في أداة أدنى منه كلائحة. وإذا تضمن النظام الجديد، قانوناً كان أو لائحة، مزايا جديدة للوظيفة ترتب أعباء مالية على الخزانة، فالأصل ألا يسري النظام الجديد في هذا الخصوص إلا من تاريخ العمل به، إلا إذا كان واضحاً منه أنه قصد أن يكون نفاذه من تاريخ سابق.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على قراري مجلس الوزراء الصادرين في 12 من أغسطس سنة 1951 و21 من أكتوبر سنة 1953 أن أولهما صدر لعلاج ما أسفر عنه تطبيق كادر العمال من شذوذ في معاملة مساعدي الصناع بالقياس إلى طائفة التلاميذ (الشراقات) وهم أدنى منهم درجة؛ إذ رفع أجر التلميذ في بداية السنة الخامسة إلى 250 م في حين أن أجر مساعد الصانع لم يبلغ في هذا التاريخ إلا 170 م فقط، مما حمل وزارة المالية على رفع الأمر إلى مجلس الوزراء طالبة رفع درجة مساعد الصانع من (150 - 240 م) إلى (150 - 300 م)، فيعين ابتداء بأجر مقداره 150 م يزاد إلى 200 م بعد سنتين وإلى 250 م بعد سنتين أخريين ثم يمنح بعد ذلك علاوة بواقع 20 م كل سنتين حتى يبلغ الأجر نهاية ربط درجته، وتستمر معاملته بالنسبة إلى الترقية بالقاعدة المعمول بها وهي جواز ترقيته بعد خمس سنوات على الأقل. وقد وافق مجلس الوزراء على ذلك في 12 من أغسطس سنة 1951 ورأت اللجنة المالية في 12 من يونيه سنة 1952 أن يكون صرف الفروق المترتبة على تنفيذ هذا القرار ابتداء من 14 من فبراير سنة 1952. أما قرار 31 من أكتوبر سنة 1953 فقد صدر بناء على طلب وزارة الزراعة لما أسفر تطبيق القرار السابق على عمالها عن شذوذ آخر في معاملة طائفة العمال من درجة صانع غير دقيق - ومنهم المطعون عليه - بالقياس إلى مساعدي الصناع الذين يقلون عنهم درجة؛ ذلك أن قرار 12 من أغسطس سنة 1951 لم يتناول سوى طائفة مساعدي الصناع الذين كانوا يشغلون هذه الدرجة عند تنفيذه، فترتب على ذلك زيادة أجور مساعدي الصناع على أجور زملائهم هؤلاء رغم سبقهم في دخول الخدمة، مما حمل الوزارة على رفع الأمر إلى مجلس الوزراء طالبة إعادة تسوية حالات هؤلاء العمال على أساس تطبيق قرار مجلس الوزراء الصادر في 12 من أغسطس سنة 1951 عليهم، ثم نقلهم إلى درجات صانع دقيق التي كانت قد نقلتهم إليها، وقد وافق المجلس على ذلك على أن يكون نقلهم إلى درجات صانع دقيق بعد مضي خمس سنوات في درجة مساعد صانع ومنحهم أجراً مقداره 300 م من ذلك التاريخ، وبذلك تحققت المساواة في معاملة الفريقين.
ومن حيث إنه ما دام قرار مجلس الوزراء الصادر في 21 من أكتوبر سنة 1953 قد استحدث بالنسبة إلى العمال الذين كانوا قد بلغوا درجة صانع غير دقيق عند تنفيذ قرار 12 من أغسطس سنة 1951، وما كانوا يفيدون من مزاياه - قد استحدث لهم مركزاً جديداً يرتب أعباء مالية على الخزانة العامة وجاء ذلك القرار خلواً من أي نص يدل بوضوح على أنه قصد إلى أن تكون إفادتهم منه من تاريخ سابق في الماضي؛ فإنهم - والحالة هذه - لا يفيدون من هذا التنظيم الجديد إلا من التاريخ المعين لنفاذه. وعلى مقتضى ذلك يكون الحكم المطعون، فيه إذ قضى للمطعون عليه بفروق عن المدة من 14 من أكتوبر سنة 1951 لغاية 21 من أكتوبر سنة 1953، قد خالف القانون، ومن ثم يتعين إلغاؤه والحكم برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.