مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1955 إلى آخر يناير سنة 1956) - صـ 287

جلسة 10 من ديسمبر سنة 1955

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وحسن جلال وعلي إبراهيم بغدادي المستشارين.

(34)
القضية رقم 322 لسنة 1 القضائية

( أ ) موظف - علاقته بالحكومة علاقة تنظيمية - خضوع نظامه القانوني للتعديل وفق مقتضيات المصلحة العامة - سريان التنظيم الجديد عليه بأثر حال من تاريخ العمل به - تضمن التنظيم الجديد لمزايا ترتب أعباء مالية على الخزانة - عدم سريانه على الماضي إلا إذا نص على ذلك.
(ب) مؤهل دراسي - حملة شهادة الدراسة الثانوية قسم ثان - لا إلزام على الإدارة طبقاً لكادر 1931 أن تمنحهم راتباً قدره 90 ج في السنة عند تعيينهم بالدرجة الثامنة - قرار مجلس الوزراء في 8/ 7/ 1943 بإلزام الإدارة بمنحهم هذا الراتب - لا يسري على الماضي - علة ذلك.
1 - إن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح، ومركز الموظف هو مركز قانوني عام يجوز تعديله وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة بقرار تنظيمي جديد يسري بأثر حال مباشر من تاريخ العمل به، وإذا تضمن التنظيم الجديد مزايا جديدة للوظيفة ترتب أعباء مالية على الخزانة العامة فالأصل أنها تسري من تاريخ نفاذه إلا إذا نص على الإفادة منها من تاريخ أسبق.
2 - إن الفقرة الثانية من البند الثاني عشر من كادر سنة 1931 لم تكن تلزم جهة الإدارة بمنح حملة شهادة الدراسة الثانوية قسم ثان عند تعيينهم في الدرجة الثامنة راتباً مقداره تسعون جنيهاً في السنة، وإنما جعلت تعيينهم بهذا الراتب الاستثنائي أمراً جوازياً لها تترخص فيه وفق مقتضيات المصلحة العامة وحالة الاعتمادات المالية، وذلك على نقيض ما قضت به الفقرة الأولى من هذا البند في شأن حملة الدبلومات العالية؛ إذ أوجبت منح من يعين منهم في الدرجة السادسة راتباً مقداره 144 جنيهاً في السنة. وقد وردت كلتا الفقرتين استثناء من القواعد العامة في هذا الكادر التي حددت للدرجة الثامنة مربوطاً يبدأ باثنين وسبعين جنيهاً في السنة وللدرجة السادسة مربوطاً يبدأ بمائة وثمانين جنيهاً في السنة. وحكمة التفرقة في الحكم بين الحالتين أن الاستثناء في الفقرة الأولى يقضي بتخفيض الراتب عن مبدأ مربوط الدرجة، فلا يجوز أن يكون موضع ترخص أو تقدير من جانب جهة الإدارة، أما الاستثناء الوارد بالفقرة الثانية فإنه يقضي بزيادة الراتب عن مبدأ مربوط الدرجة فهو استثناء بالزيادة مرده إلى تقرير جهة الإدارة تترخص فيه على هدي مقتضيات المصلحة العامة وحالة الميزانية. وقد ظل هذا التنظيم نافذاً في حق حملة شهادة الدراسة الثانوية قسم ثاني حتى صدر قرار مجلس الوزراء في 8 من يوليه سنة 1943 ملزماً جهة الإدارة بمنحهم الراتب الاستثنائي، فاستحدث لهم مركزاً قانونياً جديداً يسري في حقهم من تاريخ نفاذه لا من تاريخ أسبق، أما النص على عدم صرف الفروق عن الماضي فإنه لا يعدو أن يكون ترديداً للأصل العام الذي يقضي بسريان التنظيمات الجديدة التي ترتب أعباء مالية على الخزانة العامة من تاريخ نفاذها إلا إذا نص على الإفادة منها من تاريخ أسبق [(1)].


إجراءات الطعن

في 11 من أكتوبر سنة 1955 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة صحيفة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 13 من يوليه سنة 1955 في الطعن رقم 3770 لسنة 8 القضائية المقدم من وزارة المالية في القرار الصادر من اللجنة القضائية لوزارة المالية بجلسة 17 من أكتوبر سنة 1953 في التظلم رقم 2859 لسنة 1 ق المقدم من طلبة عبد الله إبراهيم ضد وزارة المالية، ويقضي هذا القرار باستحقاق المتظلم تسوية حالته على أساس اعتباره في الدرجة الثامنة بمرتب شهري قدره 7.500 مجـ من بدء التحاقه بالخدمة في 7 من يناير سنة 1933 مع ما يترتب على ذلك من آثار من صرف فروق متجمد الراتب وإعانة غلاء المعيشة، ويقضي الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وبإلزام الحكومة بالمصروفات. وطلب السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة قبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض التظلم وإلزام المدعي بالمصروفات.
وقد أعلن الطعن إلى وزارة المالية في 13 من سبتمبر سنة 1955، وإلى المطعون عليه في 15 من هذا الشهر، وقد عينت لنظره جلسة 19 من نوفمبر سنة 1955 وفيها سمعت الإيضاحات على النحو المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجئ النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة، حسبما يستفاد من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه قدم إلى اللجنة القضائية لوزارة المالية تظلماً جاء به أنه حصل على شهادة الدراسة الثانوية قسم ثان سنة 1932 وعين بمصلحة المساحة في 7 من يناير سنة 1933 بوظيفة من الدرجة الثامنة الكتابية براتب مقداره ستة جنيهات شهرياً في حين أن الراتب المقرر لمؤهله طبقاً لكادر سنة 1931 الذي عين في ظله هو 7.500 مجـ شهرياً، وقد تظلم من هذا الوضع طالباً تسوية حالته وفقاً لكادر سنة 1931 وصرف الفرق الذي يستحقه ومقداره 1.500 مجـ شهرياً، ولكن الوزارة لم تجبه إلى طلبه هذا إلا بعد صدور قرار مجلس الوزراء في 8 من يوليه سنة 1943 باعتبار تعيين حملة شهادة الدراسة الثانوية قسم ثاني براتب مقداره 7.500 مجـ من بدء التعيين بدلاً من ستة جنيهات، وقد اقتصرت في تسوية حالته على منحه الفرق المشار إليه ابتداء من 8 من يوليه سنة 1943 تاريخ صدور قرار مجلس الوزراء دون ما يستحقه عن الفترة السابقة منذ تعيينه، وانتهى إلى طلب هذا الفرق من تاريخ تعيينه في 7 من يناير سنة 1933 إلى 7 من يوليه سنة 1943 مع ما يترتب عليه من إعانة غلاء من سنة 1941 لغاية يوليه سنة 1943. وقد دفعت الحكومة التظلم قائلة إن المدعي عين بأول مربوط الدرجة الثامنة على اعتماد تعلية خزان أسوان، ثم نقل إلى اعتماد نزع الملكية لأعمال بلدية الإسكندرية اعتباراً من 15 من يوليه سنة 1935، وكان يمنح علاواته على هذا الأساس حتى صدر قرار مجلس الوزراء في 8 من يوليه سنة 1943 بالموافقة على منح حملة البكالوريا الذين عينوا بالدرجات الثامنة الكتابية بالماهيات المخفضة قبل 18 من سبتمبر سنة 1935 الماهيات المقررة لشهاداتهم وهي 7.500 مجـ شهرياً من بدء التعيين مع إضافة ما قد يستحقونه من علاوات عادية أو علاوة ترقية على ألا يصرف الفرق إليهم إلا من تاريخ صدوره. وتنفيذاً لهذا القرار سويت حالة المدعي بتعديل راتبه وجعله 7.500 مجـ من بدء تعيينه مع إضافة ما استحقه من علاوات عادية، ولم يصرف له الفرق المترتب على هذه التسوية إلا من تاريخ صدور القرار. وفي 17 من أكتوبر سنة 1953 قررت اللجنة القضائية استحقاق المتظلم تسوية حالته على أساس اعتباره في الدرجة الثامنة بمرتب شهري قدره 7.500 مجـ من بدء التحاقه بالخدمة في 7 من يناير سنة 1933 مع ما يترتب على ذلك من آثار من صرف فروق متجمد الراتب وإعانة غلاء المعيشة. ثم طعنت وزارة المالية في هذا القرار بصحيفة أودعتها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 6 من فبراير سنة 1954 طالبة إلغاءه ورفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات. وفي 13 من يوليه سنة 1955 قضت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات، وبنت قضاءها هذا على أن الحكومة استهدفت بإصدار قراري مجلس الوزراء في 8 من يوليه سنة 1943 و24 من نوفمبر سنة 1943 تصحيح الخطأ الذي وقعت فيه الوزارات المختلفة عند تعيين حملة البكالوريا في غير الدرجة الثامنة ودون الراتب المقرر لمؤهلهم في كادر سنة 1931 مما ينبني عليه أن يكون قرار 8 من يوليه سنة 1943 قراراً كاشفاً للحق مؤكداً له.
وفي 11 من أكتوبر سنة 1955 طعن رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم للأسباب المبينة بصحيفة الطعن.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن كادر سنة 1931 لم يلزم جهة الإدارة بمنح المعينين في الدرجة الثامنة من حملة شهادة البكالوريا راتباً مقداره 7.500 مجـ وإنما ترك هذا الأمر جوازياً تترخص فيه جهة الإدارة وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة - فإذا جاء قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من يوليه سنة 1943 ونص على منحهم راتباً مقداره 7.500 مجـ شهرياً في الدرجة الثامنة عند بدء تعيينهم فإن يكون منشئاً لحق جديد لهم ولا يستحقون الفروق المترتبة عليه عن الماضي كما نص القرار على ذلك.
ومن حيث إن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح، ومركز الموظف هو مركز قانوني عام يجوز تعديله وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة بقرار تنظيمي جديد يسري بأثر حال مباشر من تاريخ العمل به، وإذا تضمن التنظيم الجديد مزايا جديدة للوظيفة ترتب أعباء مالية على الخزانة العامة فالأصل أنها تسري من تاريخ نفاذه إلا إذا نص على الإفادة منها من تاريخ أسبق.
ومن حيث إن كادر سنة 1931 الذي أقره مجلس الوزراء في 25 من فبراير سنة 1931 حدد للدرجة الثامنة مربوطاً يبدأ بستة جنيهات وينتهي بخمسة عشر جنيهاً شهرياً وللدرجة السادسة مربوطاً يبدأ بخمسة عشرة جنيهاً وينتهي بتسعة وثلاثين جنيهاً شهرياً. ثم أورد بالبند الثاني عشر استثناء من كل من هاتين القاعدتين؛ فنصت الفقرة الأولى من هذا البند على أن "تكون الماهية الأولية لحملة الدبلومات العالية الذين يعينون في الدرجة السادسة 144 جنيهاً في السنة، فإذا أمضوا فيها سنتين بنجاح منحوا علاوة قدرها ثلاثة جنيهات لإبلاغ ماهياتهم إلى أول مربوط الدرجة على ألا تمنح العلاوة إلا في مايو التالي لانقضاء السنتين". ونصت الفقرة الثانية على أن "المرشح للتعيين في الدرجة الثامنة من حملة شهادة الدراسة الثانوية قسم ثان أو شهادة مدرسة التجارة المتوسطة يجوز منحه ماهية أولية سنوية قدرها تسعون جنيهاً في السنة للأول وأربعة وثمانون جنيهاً للثاني تزاد تبعاً لنظام العلاوات في هذه الدرجة". وفي 18 من سبتمبر سنة 1935 أصدر مجلس الوزراء قراراً بتخفيض مرتبات المرشحين للتعيين في وظائف الدرجة الثامنة الكتابية بمقدار 1.500 مجـ في الشهر عن القيم المالية المحددة لمؤهلاتهم الدراسية، وفي 7 من يوليه سنة 1943 رفعت اللجنة المالية بناء على طلب وزارة المالية مذكرة إلى مجلس الوزراء حاصلها أن بعض حملة الشهادات العالية وشهادة الدراسة الثانوية قسم ثان وشهادة التجارة المتوسطة عينوا قبل 18 من سبتمبر سنة 1935 - وهو تاريخ صدور قرار مجلس الوزراء المشار إليه - في الدرجة الثامنة بمرتبات تقل عن المقرر لمؤهلاتهم، وذلك لعدم كفاية الاعتمادات المالية، واقترحت إنصافاً لهم أن يمنحوا المرتبات المقررة لمؤهلاتهم مع عدم صرف فروق عن الماضي. وقد وافق المجلس على هذه المذكرة في 8 من يوليه سنة 1943، كما وافق في 24 من نوفمبر من هذا العام على مذكرة أخرى رفعتها إليه اللجنة المالية بشأن تطبيق هذا المبدأ على الموظفين الحاصلين على المؤهلات المشار إليها الذين عينوا باليومية أو في وظائف خارج هيئة العمال قبل 18 من سبتمبر سنة 1935 ولم ينقلوا إلى وظائف من الدرجة الثامنة الكتابية إلا بعد هذا التاريخ، وذلك مع عدم صرف فروق عن الماضي.
ومن حيث إنه يبين من ذلك أن الفقرة الثانية من البند الثاني عشر من كادر سنة 1931 لم تكن تلزم جهة الإدارة بمنح حملة شهادة الدراسة الثانوية قسم ثان عند تعيينهم في الدرجة الثامنة راتباً مقداره تسعون جنيهاً في السنة، وإنما جعلت تعيينهم بهذا الراتب الاستثنائي أمراً جوازياً لها تترخص فيه وفق مقتضيات المصلحة العامة وحالة الاعتمادات المالية، وذلك على نقيض ما قضت به الفقرة الأولى من هذا البند في شأن حملة الدبلومات العالية إذ أوجبت منح من يعين منهم في الدرجة السادسة راتباً مقداره 144 جنيهاً في السنة. وقد وردت كلتا الفقرتين استثناء من القواعد العامة في هذا الكادر التي حددت للدرجة الثامنة مربوطاً يبدأ باثنين وسبعين جنيهاً في السنة وللدرجة السادسة مربوطاً يبدأ بمائة وثمانين جنيهاً في السنة. وحكمة التفرقة في الحكم بين الحالتين أن الاستثناء في الفقرة الأولى يقضي بتخفيض الراتب عن مبدأ مربوط الدرجة، فلا يجوز أن يكون موضع ترخص أو تقدير من جانب جهة الإدارة، أما الاستثناء الوارد بالفقرة الثانية فإنه يقضي بزيادة الراتب عن مبدأ مربوط الدرجة فهو استثناء بالزيادة مرده إلى تقدير جهة الإدارة تترخص فيه على هدي مقتضيات المصلحة العامة وحالة الميزانية. وقد ظل هذا التنظيم نافذاً في حق حملة شهادة الدراسة الثانوية قسم ثان حتى صدر قرار مجلس الوزراء في 8 من يوليه سنة 1943 ملزماً جهة الإدارة بمنحهم الراتب الاستثنائي، فاستحدث لهم مركزاً قانونياً جديداً يسري في حقهم من تاريخ نفاذه لا من تاريخ أسبق. أما النص على عدم صرف الفروق عن الماضي فإنه لا يعدو أن يكون ترديداً للأصل العام الذي يقضي بسريان التنظيمات الجديدة التي ترتب أعباء مالية على الخزانة العامة من تاريخ نفاذها إلا إذا نص على الإفادة منها من تاريخ أسبق.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم جميعه أن المطعون عليه لا يستحق الفرق بين الراتب الذي عين به طبقاً لأحكام كادر سنة 1931 وبين الراتب الذي أقره مجلس الوزراء في 8 من يوليه سنة 1943، ويكون الحكم المطعون فيه - إذ قضى بغير ذلك - مخالفاً للقانون متعيناً إلغاؤه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.


[(1)] رددت المحكمة نفس هذا المبدأ في حكم آخر أصدرته بجلسة 24 من ديسمبر 1955 بالطعن رقم 88 سنة 1 القضائية.