مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1955 إلى آخر يناير سنة 1956) - صـ 344

جلسة 24 من ديسمبر سنة 1955

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وحسن جلال وعلي إبراهيم بغدادي المستشارين.

(41)
القضية رقم 21 لسنة 1 القضائية

موظف - علاقته بالحكومة علاقة تنظيمية - خضوع نظامه القانوني للتعديل وفق مقتضيات المصلحة العامة - سريان التنظيم الجديد عليه بأثر حال من تاريخ العمل به - تضمن التنظيم الجديد لمزايا ترتب أعباء مالية على الخزانة - عدم سريانه على الماضي إلا إذا تبين قصده في ذلك بوضوح - مثال.
إن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة قانونية تحكمها القوانين واللوائح، ومركز الموظف هو مركز قانوني عام يجوز تعديله وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة بقانون أو قرار تنظيمي جديد يسري بأثر حال مباشر من تاريخ العمل به، وإذا تضمن التنظيم الجديد مزايا جديدة للوظيفة ترتب أعباء مالية على الخزانة العامة فالأصل أنه يسري في هذا الخصوص من تاريخ العمل به إلا إذا نص على الإفادة منها من تاريخ أسبق. وقد جاء القانون رقم 88 سنة 1955 مؤكداً ومطبقاً لهذا الأصل العام حين نص على ألا تصرف أية فروق مالية نتيجة تطبيق القواعد المعمول بها في شأن الموظفين والمستخدمين لموظفي ومستخدمي مجالس المديريات الذين نقلوا إلى الحكومة وسويت حالاتهم بمقتضى قرار مجلس الوزراء الصادر في 16 من أكتوبر سنة 1946 وذلك عن المدة السابقة على تاريخ صدوره.


إجراءات الطعن

في 19 من يونيه سنة 1955 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية هذه المحكمة صحيفة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "دائرة ثالثة" بجلستها المنعقدة في 21 من إبريل سنة 1955 في الطعن رقم 3372 لسنة 8 ق المقدم من وزارة الشئون البلدية والقروية في القرار الصادر من اللجنة القضائية لهذه الوزارة بجلستها المنعقدة في 16 من سبتمبر سنة 1953 في التظلم رقم 2663 لسنة 1 ق المقدم من طه محمد التلاوي ضد وزارة الشئون البلدية والقروية - ويقضي هذا القرار بأحقية المتظلم في فرق المرتب عن المدة من أول يوليه سنة 1943 لغاية 15 من أكتوبر سنة 1946 وما يترتب على ذلك من آثار. ويقضي ذلك الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الحكومة بالمصروفات. وطلب رئيس هيئة مفوضي الدولة قبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض التظلم مع إلزام المتظلم بالمصروفات.
وقد أعلنت صحيفة الطعن إلى المطعون عليه في 26 من يونيه سنة 1955 وإلى وزارة الشئون البلدية والقروية في 21 من هذا الشهر. وعينت لنظر الطعن جلسة 3 من ديسمبر سنة 1955 وفيها سمعت الإيضاحات على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجى إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يستفاد من أوراق الطعن، تتحصل في أن طه محمد التلاوي قدم إلى اللجنة القضائية لوزارة الشئون البلدية والقروية تظلماً جاء فيه أنه عين بمجلس مديرية المنوفية ثم نقل منه إلى مصلحة الشئون القروية في سنة 1943 وقد بلغ راتبه وقتئذ 12 ج في الدرجة من 6 ج - 15 ج وقد اعتبرت المصلحة هذه الدرجة معادلة للدرجة الثامنة الحكومية، ثم رقي منسياً إلى الدرجة السابعة اعتباراً من أول يوليه سنة 1943، ولما كانت الدرجة من 6 ج - 15 ج معادلة للدرجة السابعة الحكومية فقد طلب إلى المصلحة تصحيح وضعه وترقيته إلى الدرجة السادسة منسياً بدلاً من الدرجة السابعة، ولكنها رفضت هذا الطلب، ثم صدر في 16 من أكتوبر سنة 1946 قرار من مجلس الوزراء باعتبار الدرجة من 6 ج - 15 ج معادلة للدرجة السابعة الحكومية، وقامت المصلحة بتصحيح وضعه طبقاً لأحكام هذا القرار وذلك باعتباره في الدرجة السابعة من سنة 1925 وفي الدرجة السادسة من أول يوليه سنة 1943 دون صرف الفروق المترتبة على هذه التسوية إلا من تاريخ صدور قرار مجلس الوزراء المشار إليه. ولما كان مستحقاً لهذه الفروق من أول يوليه سنة 1943 - تاريخ اعتباره في الدرجة السادسة - فإنه يطلب إصدار قرار بأحقيته فيها. وقد دفعت الحكومة الدعوى قائلة إن المتظلم عين كاتباً على اعتماد بمجلس مديرية المنوفية في 22 من أغسطس سنة 1922، ثم نقل إلى الدرجة من 6 ج - 12 ج اعتباراً من أول إبريل سنة 1923، وإلى الدرجة من 6 - 18 ج اعتباراً من أول إبريل سنة 1925 ثم خفضت نهاية هذه الدرجة إلى 15 ج. وفي أول مايو سنة 1943 نقل إلى مصلحة الشئون القروية كاتباً أولاً بالإدارة الهندسية بمديرية المنوفية، وقد اعتبرت درجته معادلة للدرجة الثامنة الحكومية وذلك طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من يوليه سنة 1943، ورقي إلى الدرجة السابعة منسياً اعتباراً من أول يوليه سنة 1943، ثم صدر كادر مجالس المديريات سنة 1944 معدلاً تقدير الدرجة من 6 ج - 15 ج باعتبارها معادلة للدرجة السابعة بدلاً من الدرجة الثامنة، وأخيراً صدر قرار مجلس الوزراء في 16 من أكتوبر سنة 1946 بتطبيق قواعد كادر مجالس المديريات الصادر سنة 1944 على الموظفين الذين نقلوا منها إلى الحكومة قبل نفاذ هذا الكادر، فقامت المصلحة بتسوية حالة المتظلم باعتباره في الدرجة السابعة اعتباراً من أول إبريل سنة 1925 وفي الدرجة السادسة اعتباراً من أول يوليه سنة 1943 ولم يصرف له فرق التسوية إلا من تاريخ قرار المجلس المشار إليه وذلك وفقاً لكتاب وزارة المالية الدوري م 78/ 2/ 74 المؤرخ 20 من نوفمبر سنة 1946. وقد قررت اللجنة القضائية بجلستها المنعقدة في 16 من سبتمبر سنة 1953 أحقية المتظلم في فرق المرتب عن المدة من أول يوليه سنة 1943 لغاية 15 من أكتوبر سنة 1946 وما يترتب على ذلك من آثار - وبنت قرارها هذا على أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 16 من أكتوبر سنة 1946 يستهدف إقامة المساواة كاملة بين طائفة موظفي مجالس المديريات سواء في ذلك من بقى في خدمتها ومن نقل منهم إلى الحكومة قبل نفاذ كادر مجالس المديريات الصادر سنة 1944 وذلك يقتضي استحقاق المتظلم فروق المرتب من أول يوليه سنة 1943 إلى 15 من أكتوبر سنة 1946، ولا اعتداد بكتاب وزارة المالية الدوري سالف الذكر الذي نص على عدم صرف فروق عن الماضي لصدوره من سلطة أدنى من مجلس الوزراء وعلى خلاف روح القرار الصادر منه. وبصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 27 من يناير سنة 1954 طعنت وزارة الشئون البلدية والقروية في هذا القرار، وبنت طعنها على أن تسوية حالة المتظلم إنما تمت وفقاً لأحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 16 من أكتوبر سنة 1946 الذي أنشأ له الحق في هذه التسوية منذ صدوره لا من تاريخ أسبق - وانتهت إلى طلب إلغاء القرار المطعون فيه وإلزام المتظلم بالمصروفات. وفي 21 من إبريل سنة 1955 قضت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات. وبنت قضاءها هذا على أسباب تتفق وأسباب القرار المطعون فيه - وقد طعن رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم للأسباب المبينة بصحيفة الطعن.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن القانون رقم 88 لسنة 1955 قد صدر في 16 من فبراير سنة 1955 قبل صدور الحكم المطعون فيه، وقد قضت المادة الأولى منه بعدم صرف فروق إلى موظفي ومستخدمي مجالس المديريات الذين نقلوا إلى الحكومة وسويت حالاتهم بمقتضى قرار مجلس الوزراء الصادر في 16 من أكتوبر سنة 1946 وذلك عن المدة السابقة على تاريخ صدوره. لما كان الحكم المطعون فيه قد قضى بصرف هذه الفروق إلى المطعون عليه فإنه يكون مخالفاً للقانون.
ومن حيث إن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة قانونية تحكمها القوانين واللوائح، ومركز الموظف هو مركز قانوني عام يجوز تعديله وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة بقانون أو قرار تنظيمي جديد يسري بأثر حال مباشر من تاريخ العمل به، وإذا تضمن التنظيم الجديد مزايا جديدة للوظيفة ترتب أعباء مالية على الخزانة العامة فالأصل أنه يسري في هذا الخصوص من تاريخ العمل به إلا إذا نص على الإفادة منها من تاريخ أسبق.
ومن حيث إن قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من يوليه سنة 1943 بتسوية حالة موظفي مجالس المديريات المنقولين إلى الحكومة كان يقضي باعتبار الدرجة من 6 ج - 15 ج "وهي درجة المطعون عليه عند نقله من مجلس مديرية المنوفية إلى مصلحة الشئون القروية" معادلة للدرجة الثامنة الحكومية. وقد صدر بعد ذلك كادر جديد لمجالس المديريات في 23 من إبريل سنة 1944 وتضمن فيما تضمنه رفع تقدير الدرجة من 6 ج - 15 ج بجعلها معادلة للدرجة السابعة الحكومية. وقد أسفر تطبيق هذا الكادر على من بقى في خدمة مجالس المديريات من موظفيها دون من نقل منهم إلى الحكومة عن تفرقة في المعاملة بين الفريقين، مما حمل وزارة المالية على رفع مذكرة إلى مجلس الوزراء اقترحت فيها تطبيق الكادر المذكور على من نقل من موظفي المجالس إلى الحكومة أسوة بمن ظل منهم في خدمتها، وذلك تحقيقاً للمساواة بين أفراد طائفة واحدة. وقد وافق مجلس الوزراء على هذه المذكرة في 16 من أكتوبر سنة 1946 دون أن يعين تاريخاً لنفاذ قراره مما أثار عند تنفيذه خلافاً بشأن هذا التاريخ، وهل يسري القرار بأثر حال مباشر من تاريخ صدوره أم من تاريخ أسبق. وحسماً لهذا الخلاف استصدرت وزارة المالية القانون رقم 88 لسنة 1955 ناصاً في مادته الأولى على أنه "مع عدم الإخلال بالأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري والأحكام والقرارات النهائية الصادرة من المحاكم الإدارية واللجان القضائية - لا تصرف أية فروق مالية نتيجة تطبيق القواعد المعمول بها في شأن الموظفين والمستخدمين لموظفي ومستخدمي مجالس المديريات الذين نقلوا إلى الحكومة وسويت حالاتهم بمقتضى قرار مجلس الوزراء الصادر في 16 من أكتوبر سنة 1946 وذلك عن المدة السابقة على تاريخ صدوره". ونصت المادة الثانية على أن يعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، وتم هذا النشر في 17 من فبراير سنة 1955، وقد جاء هذا القانون مردداً ومؤكداً للأصل العام المشار إليه فيما يقضي به من نفاذ التنظيمات الجديدة لعلاقة الموظف بالحكومة التي ترتب أعباء مالية على الخزانة العامة بأثر حال مباشر من تاريخ العمل بها ما لم ينص على نفاذها من تاريخ أسبق.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن المطعون عليه لا يستحق الفرق الذي يدعيه بين راتب الدرجة السابقة وراتب الدرجة السادسة منذ أول يوليه سنة 1943 حتى 15 من أكتوبر سنة 1946، ويكون الحكم المطعون فيه - إذ قضى له بهذا الفرق - مخالفاً للقانون متعيناً إلغاؤه ورفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.