مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1955 إلى آخر يناير سنة 1956) - صـ 380

جلسة 14 من يناير سنة 1956

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وحسن جلال وعلي إبراهيم بغدادي المستشارين.

(46)
القضية رقم 35/ 36 لسنة 2 القضائية

( أ ) وقف التنفيذ - ركناه - الاستعجال وجدية المطاعن الموجهة للقرار الإداري - كلاهما من الحدود القانونية التي تحد سلطة القضاء الإداري وتخضع لرقابة المحكمة الإدارية العليا - الحكم الصادر بوقف التنفيذ - حكم قطعي - جواز الطعن فيه استقلالاً أمام المحكمة الإدارية العليا.
(ب) أزهر - جماعة كبار العلماء - اختصاصها وحدها بمحاكمة علماء الأزهر إذا نسب إليهم طعن في الدين الإسلامي أو إنكار ما علم ضرورة منه أو سلوكهم سلوكاً شائناً - خروج هذه الأمور عن ولاية مجلس تأديب الموظفين.
(ج) تأديب - القرار الصادر من مجلس التأديب في أمر مما تملك جماعة كبار العلماء وحدها ولاية الحكم فيه - اعتباره مجرد فعل مادي عديم الأثر قانوناً.
(د) وقف التنفيذ - عدم قبوله بالنسبة للقرارات الإدارية الصادرة في شأن الموظفين - قيام قرينة قانونية قاطعة بانعدام ركن الاستعجال في هذه الحالات - استثناء حالتي الفصل والوقف عن العمل بإجازة القضاء فيهما باستمرار صرف المرتب كله أو بعضه.
(هـ) قرار إداري - نزوله إلى حد غصب السلطة - عدم تمتعه بأية حصانة - إمكان الطعن فيه دون تقيد بميعاد، وعدم قابليته للتنفيذ المباشر، وقبول طلب وقف تنفيذه ولو تعلق بشئون الموظفين.
1 - إن الحكم بوقف تنفيذ القرار الإداري وإن كان حكماً مؤقتاً، بمعنى أنه لا يقيد المحكمة عند نظر طلب الإلغاء، ولها أن تعدل عنه، إلا أنه حكم قطعي، له مقومات الأحكام وخصائصها، ويحوز قوة الشيء المحكوم فيه في الخصوص الذي صدر فيه وهو الوجه المستعجل للمنازعة طالما لم تتغير الظروف، وبهذه المثابة يجوز الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا استقلالاً، شأنه في ذلك شأن أي حكم انتهائي؛ لأن سلطة وقف التنفيذ مشتقة من سلطة الإلغاء وفرع منها، مردهما كلتاهما إلى الرقابة القانونية التي يسلطها القضاء الإداري على القرار الإداري على أساس وزنه بميزان القانون وزناً مناطه استظهار مشروعية القرار أو عدمها من حيث مطابقته أو عدم مطابقته للقانون نصاً وروحاً، فلا يلغي قراراً إلا إذا استبان - عند نظر طلب الإلغاء - أن القرار شابه عيب من هذا القبيل، ولا يقف قراراً - عند نظر طلب وقف التنفيذ - إلا إذا كان، على حسب الظاهر من الأوراق، مشوباً بمثل هذا العيب وقامت إلى جانب ذلك حالة من الاستعجال تبرر طلب وقف التنفيذ مؤقتاً لحين الفصل في طلب الإلغاء؛ وذلك بأن كان يترتب على التنفيذ نتائج يتعذر تداركها، وكلا الركنين من الحدود القانونية التي تحد سلطة القضاء الإداري، وتخضع لرقابة المحكمة الإدارية العليا.
2 - يبين من نص المادة 13 من المرسوم بقانون رقم 26 لسنة 1936 بإعادة تنظيم الجامع الأزهر أن جماعة كبار العلماء هي وحدها صاحبة الولاية في محاكمة العالم، موظفاً كان أو غير موظف، إذا وقع منه ما لا يناسب وصف العالمية، وأن هذه الولاية منوطة بحقيقة الفعل المنسوب إليه؛ بأن يكون الطعن في الدين الإسلامي، أو إنكار ما علم ضرورة من الدين، أو سلوكه سلوكاً شائناً. فإذا كان الثابت أن الذنب المنسوب للمطعون عليه (المدرس بكلية أصول الدين) هو أنه نشر مقالاً بعنوان "إباحة الفطر في رمضان وشروطه" تضمن مخالفات صريحة لأحكام الصوم عددها قرار الاتهام ووصفها بأنها إنكار للأحكام التي تكاد تكون معلومة من الدين الإسلامي بالضرورة، فلا ريب في أن هذا الفعل - لو صح - لكان في حقيقته إنكاراً لما هو معلوم ضرورة من الدين الإسلامي في أحكام الصوم، وهو ما تملك جماعة كبار العلماء وحدها ولاية الحكم فيه، باعتبارها الهيئة العلمية التي تستطيع مناقشة المتهم في رأيه، واستظهار حكم الدين الإسلامي في شأنه. أما مجلس تأديب الموظفين فليست له ولاية في مناقشة هذه المسائل واستظهارها والحكم فيها مع وجود جماعة كبار العلماء؛ وآية ذلك أن الفقرة الأخيرة من المادة 13 من المرسوم بقانون المشار إليه نصت على أنه إذا كان المحكوم عليه موظفاً وجب أن يحال أمره بعد ذلك إلى الجهة التي هو تابع لها لتثبت الهيئة المختصة الأثر المترتب على هذا الحكم وتحدده من الوجهة الإدارية فيما يختص بالفصل أو ضياع الحق في المكافأة أو المعاش، فقرار هذه الهيئة الإدارية لا يعد وأن يكون تنفيذاً لمقتضى حكم جماعة كبار العلماء التي هي وحدها صاحبة الولاية في هذا الشأن.
3 - إذا أصدر مجلس تأديب الموظفين قراره في محاكمة عالم من علماء الأزهر لفعل نسب إليه، هو في حقيقته وجوهره مما تملك جماعة كبار العلماء وحدها ولاية الحكم فيه، كان قراره عديم الأثر قانوناً؛ لأن هذا العيب الذي اعتور القرار لا يجعله مشوباً بمجرد عيب عادي من عيوب عدم الاختصاص مما يعيبه ويجعله قابلاً للإلغاء مع اعتباره قائماً قانوناً إلى أن يقضي بإلغائه، بل هو عيب ينهض إلى حد اغتصاب السلطة الذي ينزل بالقرار إلى جعله مجرد فعل مادي عديم الأثر قانوناً.
4 - إن ما قرره القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة في المادة 18 منه من عدم قبول طلبات وقف تنفيذ القرارات الإدارية الصادرة في شأن الموظفين - فيما عدا حالتي الفصل أو الوقف فيجوز للمحكمة أن تحكم مؤقتاً باستمرار صرف المرتب كله أو بعضه - إنما قام على افتراض عدم قيام الاستعجال المبرر لوقف تنفيذ هذه القرارات وذلك بقرينة قانونية قاطعة كشفت عنها المذكرة الإيضاحية، وأن القانون المذكور عالج الاستعجال في حالتين نص عليهما على سبيل الحصر وهما الفصل والوقف عن العمل، لا بوقف تنفيذ القرار، ولكن بعلاج استحدثه قدر فيه الضرورة بقدرها؛ وذلك بجواز القضاء باستمرار صرف المرتب كله أو بعضه حتى لا ينقطع عن الموظف مورد الرزق الذي يقيم الأود إن كان المرتب هذا المورد، وأنه لذلك يجب الاستهداء بتلك الحكمة التشريعية عند استظهار ركن الاستعجال في القرارات التي لا تخضع لوجوب التظلم إدارياً لاتحاد العلة.
5 - إنه وإن كان الأصل في القرارات الإدارية الصادرة في شأن الموظفين هو عدم قبول طلبات وقف تنفيذها لانعدام ركن الاستعجال فيها، إلا أن التحدي بذلك لا يكون إلا في شأن القرارات الإدارية التي تعتبر قائمة قانوناً ومنتجة لآثارها إلى أن يقضي بإلغائها؛ ذلك أن من هذه الآثار أن للقرار الإداري قوته الملزمة للأفراد، وللإدارة تنفيذه بالطريق المباشر في حدود القوانين واللوائح، وأن هذه القوة لا تزايله، حتى ولو كان معيباً، إلا إذا قضى بوقف تنفيذه أو بإلغائه، ولكن يلزم أن يكون القرار - وإن كان معيباً - ما زال متصفاً بصفة القرار الإداري كتصرف قانوني، أما إذا نزل القرار إلى حد غصب السلطة، وانحدر بذلك إلى مجرد الفعل المادي المعدوم الأثر قانوناً، فلا تلحقه أية حصانة، ولا يزيل عيبه فوات ميعاد الطعن فيه، ولا يكون قابلاً للتنفيذ بالطريق المباشر، بل لا يعدو أن يكون مجرد عقبة مادية في سبيل استعمال ذوي الشأن لمراكزهم القانونية المشروعة مما يبرر بذاته مطالبتهم إزالة تلك العقبة بصفة مستعجلة.


إجراءات الطعن

أقام المطعون عليه الأستاذ الشيخ عبد الحميد بخيت المدرس بكلية أصول الدين الدعوى رقم 3744 لسنة 9 ق أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعت سكرتيريتها في 24 من يوليه سنة 1955. طالباً إلغاء القرار الصادر في 19 من يونيه سنة 1955 من مجلس التأديب المنصوص عليه في المادة 45 من المرسوم بقانون رقم 26 لسنة 1936 بإعادة تنظيم الأزهر والمعاهد الدينية القاضي بتنزيله من وظيفة التدريس إلى وظيفة أخرى غير وظائف التدريس وما يتصل بها، ثم أقام الدعوى رقم 4015 لسنة 9 ق أمام المحكمة المذكورة بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 8 من سبتمبر سنة 1955 طالباً إلغاء القرار الصادر من فضيلة شيخ الجامع الأزهر الذي أبلغ إياه في 27 من يوليه سنة 1955 القاضي بنقله كاتباً بمعهد دمنهور الابتدائي، كما طلب المطعون عليه في كل من صحيفتي الدعويين وقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه، وقد قضت المحكمة في 16 من نوفمبر 1955 بوقف تنفيذهما، فطعن السيد رئيس هيئة المفوضين في 10 من ديسمبر سنة 1955 في الحكمين الصادرين في الدعوتين المذكورتين بعريضتي طعن قيدتا برقم 35 لسنة 2 ق - بالنسبة للحكم الصادر في الدعوى الأولى - وبرقم 36 لسنة 2 ق - بالنسبة للحكم الصادر في الدعوى الثانية - وأعلن الطعنان لفضيلة شيخ الأزهر في 11 من ديسمبر سنة 1955 وللشيخ عبد الحميد بخيت في 12 منه، وقد نظر الطعنان بجلستي 17 و24 منه على الوجه المبين بالمحضر، ثم أرجئ النطق بالحكم فيهما إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين مرتبطان أحدهما بالآخر ارتباطاً ترى المحكمة معه ضرورة الفصل فيهما بحكم واحد.
ومن حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن فضيلة شيخ الجامع الأزهر أصدر في أول يونيه سنة 1955 قراراً بإحالة المطعون عليه إلى مجلس التأديب المنصوص عليه في المادة 45 من المرسوم بقانون رقم 26 لسنة 1936 بإعادة تنظيم الأزهر والمعاهد الدينية، وذلك لمحاكمته تأديبياً على ما جاء في المقال الذي نشر له في جريدة الأخبار في العدد رقم 815 من السنة الثالثة الصادر في 16 من رمضان سنة 1374 هـ الموافق 9 من مايو سنة 1955 م بعنوان "إباحة الفطر في رمضان وشروطه" من المخالفات الصريحة لأحكام الصوم التي تكاد تكون معلومة من الدين الإسلامي بالضرورة، وهذه المخالفات هي:
1 - قوله في المقال سالف الذكر "ومن هنا رخص الله في الإفطار لمن يؤذيهم الصوم ولو قليلاً من الأذى".
2 - وقوله "فمن يشق عليه الصوم أو يضايقه فإن له أن يفطر ويطعم كل يوم مسكيناً، فإن لم يجد فلا جناح عليه أن يفطر ولا يطعم".
3 - ومنها أنه يدعو المفطرين لعذر إلى المجاهرة بالإفطار مع أن الشريعة ندبت من كان له عذر في الإفطار ألا يجاهر الناس بالفطر حرصاً على حرمة الشهر واحترام التقاليد الدينية وشعور الصائمين.
4 - ومنها تضليل عامة الناس بذكر الأحاديث التي ساقها ليوهم القراء أنها أدلة شرعية على ما ادعاه من إباحة الفطر لأدنى ألم، مع أن الأحاديث التي ساقها واردة في السفر والجهاد في سبيل الله. ولا شك في إباحة الفطر للمسافرين مع وجوب القضاء عليهم.
5 - ومنها أنه أفتى المفطرين بعذر بأن الذي عليهم هو الفدية وسكت عما يجب عليهم من القضاء ليوهم أنه ليس عليهم قضاء، وهذه فتوى لم يقل بها أحد من المسلمين.
6 - ومنها أنه أمعن في تضليل القراء بقوله: حكمة مشروعية الصوم هي كما قال الله في القرآن الكريم (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر، يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون). حقيقة إن هذه الآية الكريمة اشتملت على حكمة إباحة الفطر للمسافر والمريض، وهي أن الله أراد بهم اليسر ولم يرد بهم العسر، ولكن المتهم يأبى إلا أن يمعن في التضليل فيستعمل الآية في غير موضعها ليؤيد بها مدعاه.
7 - ومنها قوله إن شريعة الصوم لم تفرض إلا على الشغوفين به القادرين عليه الذين يؤدونه بدون ما برم أو ضجر.
وقد حضر المطعون عليه أمام مجلس التأديب ودفع بجملة دفوع فرعية.
وفي 5 من يوليه سنة 1955 قرر المجلس رفض الدفوع الثلاثة المقدمة من المتهم ببطلان تشكيل مجلس التأديب وبعدم جواز انعقاده، وبعدم اختصاصه بنظر الدعوى وبمؤاخذته عما نسب إليه وبتنزيله من وظيفة التدريس إلى وظيفة أخرى غير وظائف التدريس وما يتصل بها. وبناء على ذلك أصدر فضيلة شيخ الجامع الأزهر قراراً بنقله كاتباً بمعهد دمنهور الابتدائي.
ومن حيث إن المطعون عليه يستند في طلب وقف تنفيذ هذين القرارين إلى عدم ولاية مجلس التأديب بنظر الاتهامات الموجهة إليه لأنها تقوم على إنكار ما علم من الدين بالضرورة، وأن هذه التهمة تختص بنظرها جماعة كبار العلماء طبقاً للمادة 13 من المرسوم بقانون رقم 26 لسنة 1936 الخاص بإعادة تنظيم الأزهر، هذا إلى عدم جواز انعقاد مجلس التأديب؛ لأن المادة 49 من هذا المرسوم بقانون تنص على أن المجلس الأعلى يضع لائحة بالأحكام الأخرى الخاصة بشروط خدمة أعضاء هيئة التدريس وإجراءات تأديبهم وتصدر برسوم وأنه ما دامت لم تصدر لائحة بإجراءات التأديب طبقاً لهذا النص فإنه لا يجوز انعقاد مجلس التأديب قبل صدورها، وإلى بطلان تشكيل مجلس التأديب؛ لأن القرار الصادر بتعيين الشيخ الطنيحي عضواً في مجلس التأديب بدلاً من سكرتير عام الجامع الأزهر صدر من وكيل الجامع الأزهر في حين أنه يجب - طبقاً للمرسوم بقانون المشار إليه - أن يصدر من شيخ الأزهر نفسه؛ ولأنه يجب أن يشترك في عضوية مجالس التأديب مشايخ الكليات أو وكلاؤهم بينما لم يمثل كلية أصول الدين شيخها أو وكيلها، وإنما مثلها أحد الأساتذة المساعدين، وإلى أن الجزاء الذي وقعه المجلس عليه لم ينزله من وظيفته بل أنزله من الكادر الذي ينتمي إليه، وإلى قيام الخصومة بينه وبين القائمين على شئون الأزهر مما يجعلهم غير صالحين لتحريك الدعوى التأديبية أو الاشتراك في محاكمته وقد كانوا هم الأغلبية. واستطرد المطعون عليه إلى أن الاستعجال المبرر لطلب وقف التنفيذ قائم؛ إذ يترتب على تنفيذ هذين القرارين نتائج يتعذر تداركها، أخطرها ما فيهما من المساس بعقيدته الدينية بصرف النظر عن كونه موظفاً أو غير موظف وإظهاره أمام الناس بمظهر الخارج على الدين وهو خطر قاتل يتهدده في كل لحظة حتى غلا بعضهم واعتبره مرتداً عن دين الإسلام وطالب بالتفريق بينه وبين زوجه، وأهونها ما يصيبه من أضرار أدبية ومادية، بتنزيله لا من وظيفته فحسب بل من الكادر العالي الذي ينتمي إليه إلى الكادر الكتابي، وهي أضرار في ذاتها جد بالغة.
وردت مشيخة الأزهر بأن المجلس حين نظر التهم المنسوبة إلى المطعون عليه رأى أنها تسلبه الثقة والأمانة وتحري الحقائق الواجب توافرها في كل مدرس يقوم على تنشئة الطلبة وتثقيفهم ثقافة خلقية ودينية وعلمية وأنه أصبح غير أهل لأن يلي وظائف التدريس، وأن العقوبة لم تمس درجة المطعون عليه ولا راتبه، وأن ترتيب الكادرات أمر تنظيمي بحت، وأن ما أثاره من دفوع شكلية أخرى قد رد عليه القرار التأديبي بما يضع الأمر في نصابه الصحيح.
ومن حيث إن محكمة القضاء الإداري قد أقامت قضاءها على أن الهيئة التي أصدرت القرار المطعون فيه لا تملك إصداره؛ إذ أن التهم المنسوبة إلى المدعي قد وصفها قرار الاتهام ذاته بأنها من المخالفات الصريحة لأحكام الصوم التي تكاد تكون معلومة من الدين الإسلامي بالضرورة فتكون الهيئة المختصة بمحاكمته عن ذلك هي جماعة كبار العلماء طبقاً لنص المادة 13 من المرسوم بقانون رقم 26 لسنة 1936، لا مجلس تأديب الموظفين. هذا إلى ما ينعاه المدعي على هذا المجلس من أن تشكيله قد وقع باطلاً؛ لأن المادة 45 من المرسوم بقانون المشار إليه أوجبت أن يكون من أعضائه مشايخ الكليات وفي حالة غيابهم ينوب عنهم الوكلاء، بينما لم يكن من بين أعضائه شيخ كلية أصول الدين ولا وكيلها وإنما مثلها أحد أساتذتها المساعدين، وأن المحكمة - دون أن تتقصى باقي أسباب الطعن التي أبداها المدعي، ودون المساس بأصل طلب الإلغاء - ترى أن السببين سالفي الذكر جديان. وقالت فيما يتعلق بركن الاستعجال إنه لا ريب في أن القرار المطعون فيه اشتمل على مساس بعقيدة المدعي الدينية كمسلم وهو في الوقت ذاته من علماء الأزهر، كما ينطوي على أذى بالغ بسمعته وكرامته، وأن مثل هذا القرار يقبل طلب وقف تنفيذه، ولا يرد عليه حكم الفقرة الثانية من المادة الثامنة عشرة من القانون رقم 165 لسنة 1955؛ لأنه مقصور على القرارات التي يجب التظلم منها إدارياً قبل اللجوء إلى القضاء الإداري، والقرار المطعون فيه ليس من بينها.
ومن حيث إن رئيس هيئة المفوضين أقام طعنيه في الحكمين المطعون فيهما على أن اختصاص جماعة كبار العلماء - طبقاً للمادة 13 من المرسوم بقانون رقم 26 لسنة 1936 - منوط بأن يكون المقدم للمحاكمة التأديبية مقدماً بوصفه عالماً في حين أن المطعون عليه قدم بوصفه مدرساً بكلية أصول الدين أي موظفاً. وبهذه المثابة يخضع للمحاكمة التأديبية أمام مجلس التأديب المنصوص عليه في المادة 45 من المرسوم بقانون سالف الذكر. ومنوط كذلك بأن تكون التهمة من بين التهم المنصوص عليها في المادة 13 من هذا المرسوم بقانون: وهي إما الطعن في الدين الإسلامي، وإما إنكار ما علم ضرورة من الدين، وإما السلوك الشائن. في حين أن ما نسب إلى المدعي مخالفات صريحة لأحكام الصوم تكاد تكون معلومة من الدين بالضرورة، وليس إنكار ما علم ضرورة من الدين. وأن مجلس التأديب كيفها على أنها إخلال خطير بواجبات الوظيفة، وعلى أن النعي ببطلان تشكيل مجلس التأديب مردود بشقية؛ لأن قرار تعيين الشيخ الطنيحي عضواً به صدر من وكيل الجامع الأزهر في فترة كان شيخ الأزهر فيها غائباً، ولأنه وإن كانت المادة 45 من المرسوم بقانون المشار إليه سكتت عن حالة غياب وكيل الكلية أو قيام المانع به عن الحضور إلا أن المادة 31 من اللائحة التي صدرت بمرسوم في 8 من إبريل سنة 1931 بشأن استخدام المدرسين والموظفين وإجازاتهم وتأديبيهم بالجامع الأزهر والمعاهد الدينية - والتي ما زالت سارية المفعول طبقاً للمادة 125 من المرسوم بقانون المنوه عنه - قد نصت على أنه في حالة الغياب أو قيام المانع من الحضور تعين السلطة المختصة من يقوم مقامه، وإعمالاً لهذا النص عين أحد الأساتذة المساعدين بكلية أصول الدين بدلاً من وكيلها لاعتذاره. ثم استطرد الطعن فيما يتعلق بركن الاستعجال إلى أن عدم قبول طلب وقف التنفيذ في القرارات الصادرة في شأن الموظفين فيما عدا حالتي الفصل أو الوقف فيجوز الحكم باستمرار صرف المرتب كله أو بعضه، إنما يقوم على حكمة تشريعية هي انتفاء الاستعجال في مثل هذه القرارات فيجب إعمالها كقرينة قانونية قاطعة بالنسبة لجميع القرارات حتى ما كان منها غير خاضع لوجوب التظلم الإداري وذلك لاتحاد العلة.
ومن حيث إن الحكم بوقف تنفيذ القرار الإداري وإن كان حكماً مؤقتاً، بمعنى أنه لا يقيد المحكمة عند نظر طلب الإلغاء، ولها أن تعدل عنه، إلا أنه حكم قطعي، له مقومات الأحكام وخصائصها ويحوز قوة الشيء المحكوم فيه في الخصوص الذي صدر فيه، وهو الوجه المستعجل للمنازعة، طالما لم تتغير الظروف، وبهذه المثابة يجوز الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا استقلالاً، شأنه في ذلك شأن أي حكم انتهائي؛ لأن سلطة وقف التنفيذ مشتقة من سلطة الإلغاء وفرع منها، مردهما كلتاهما إلى الرقابة القانونية التي يسلطها القضاء الإداري على القرار الإداري على أساس وزنه بميزان القانون وزناً مناطه استظهار مشروعية القرار أو عدمها من حيث مطابقته أو عدم مطابقته للقانون نصاً وروحاً، فلا يلغى قراراً إلا إذا استبان - عند نظر طلب الإلغاء - أن القرار شابه عيب من هذا القبيل، ولا يقف قراراً - عند نظر طلب وقف التنفيذ - إلا إذا كان، على حسب الظاهر من الأوراق، مشوباً بمثل هذا العيب، وقامت إلى جانب ذلك حالة من الاستعجال تبرر طلب وقف التنفيذ مؤقتاً لحين الفصل في طلب الإلغاء، وذلك بأن كان يترتب على التنفيذ نتائج يتعذر تداركها. وكلا الركنين من الحدود القانونية التي تحد سلطة القضاء الإداري وتخضع لرقابة المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إنه فيما يتعلق باستظهار ركن المشروعية - بالقدر اللازم لنظر طلب وقف التنفيذ، مع عدم المساس بأصل طلب الإلغاء - فإن المادة 13 من المرسوم بقانون رقم 26 لسنة 1936 بإعادة تنظيم الجامع الأزهر نصت على أنه "إذا وقع من أحد العلماء موظفاً كان أو غير موظف ما لا يناسب وصف العالمية: بأن طعن في الدين الإسلامي، أو أنكر ما علم ضرورة من الدين، أو سلك سلوكاً شائناً، يحكم عليه بناء على طلب شيخ الجامع الأزهر وبإجماع تسعة عشر عالماً معه من جماعة كبار العلماء بإخراجه من زمرة العلماء ويكون هذا الحكم غير قابل للطعن فيه.
ويترتب على هذا الحكم محو اسم المحكوم عليه من سجلات العلماء بالجامع الأزهر، وعدم أهليته للوظائف العامة دينية كانت أو غير دينية، وطرده منها، ويتبع في المحاكمة ما يبين في لائحة الإجراءات الخاصة بذلك.
فإذا كان المحكوم عليه موظفاً وجب أن يحال أمره بعد ذلك إلى الجهة التي هو تابع لها لتثبت الهيئة المختصة الأثر المترتب على هذا الحكم وتحدده من الوجهة الإدارية فيما يختص بالفصل أو ضياع الحق في المكافأة أو المعاش".
ومن حيث إنه يظهر من ذلك أن الهيئة المذكورة هي وحدها صاحبة الولاية في محاكمة العالم، موظفاً كان أو غير موظف، إذا وقع منه ما لا يناسب وصف العالمية، وأن هذه الولاية منوطة بحقيقة الفعل المنسوب إليه، بأن يكون الطعن في الدين الإسلامي، أو إنكار ما علم ضرورة من الدين، أو سلوكه سلوكاً شائناً، وأن الحكم الصادر عليه يتطلب أغلبية خاصة هي أغلبية الثلثين، نظراً لخطورة الذنب، ولما يترتب على الحكم من آثار، فجزاء الذنب المذكور الإخراج من زمرة العلماء، والحكم غير قابل للطعن فيه، ويترتب عليه محو اسم المحكوم عليه من سجلات العلماء، وعدم أهليته للوظائف العامة دينية كانت أو غير دينية وطرده منها.
ومن حيث إن الذنب المنسوب للمطعون عليه، هو أنه نشر مقالاً في جريدة الأخبار بعنوان "إباحة الفطر في رمضان وشروطه" تضمن مخالفات صريحة لأحكام الصوم عددها قرار الاتهام ووصف هذه المخالفات، بأنها إنكار للأحكام التي تكاد تكون معلومة من الدين الإسلامي بالضرورة، ولا ريب في أن هذا الفعل، أياً كانت العبارات التي استعملها قرار الاتهام في التعبير عنه، وأياً كان الوصف الذي وصفه به القرار التأديبي أو التكييف الذي كيفه به - إن هذا الفعل - لو صح - لكان في حقيقته إنكاراً لما هو معلوم ضرورة من الدين الإسلامي في أحكام الصوم، ولا يغير من هذه الحقيقة إضافة لفظ "تكاد" قبل عبارة "تكون معلومة من الدين بالضرورة" والتمحل بذلك لإخراج التهمة من نطاق ما تملك جماعة كبار العلماء وحدها ولاية الحكم فيه، باعتبارها الهيئة العلمية التي تستطيع مناقشة المتهم في رأيه، واستظهار حكم الدين الإسلامي في شأنه، وذلك لإدخالها في نطاق مجرد الإخلال بواجبات الوظيفة مما يختص به مجلس تأديب الموظفين بينما هو ليست له ولاية في مناقشة هذه المسائل واستظهارها والحكم فيها مع وجود جماعة كبار العلماء. وآية ذلك أن الفقرة الأخيرة من المادة 13 من المرسوم بقانون المشار إليه نصت على أنه إذا كان المحكوم عليه موظفاً وجب أن يحال أمره بعد ذلك إلى الجهة التي هو تابع لها لتثبت الهيئة المختصة الأثر المترتب على هذا الحكم وتحدده من الوجهة الإدارية فيما يختص بالفصل أو ضياع الحق في المكافأة أو المعاش، فقرار هذه الهيئة الإدارية لا يعدو أن يكون تنفيذاً لمقتضى حكم جماعة كبار العلماء التي هي وحدها صاحبة الولاية في هذا الشأن.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن مجلس التأديب المطعون في قراريه قد انتزع ولاية جماعة كبار العلماء في محاكمة عالم من علماء الأزهر لفعل نسب إليه هو في حقيقته وجوهره مما تملك هذه الجماعة وحدها ولاية الحكم فيه، وهذا العيب الذي اعتور القرار لا يجعله مشوباً بمجرد عيب عادي من عيوب عدم الاختصاص، مما يعيبه ويجعله قابلاً للإلغاء مع اعتباره قائماً قانوناً إلى أن يقضي بإلغائه؛ بل هو عيب ينهض إلى حد اغتصاب السلطة الذي ينزل بالقرار إلى جعله مجرد فعل مادي عديم الأثر قانوناً. كما يجعل قرار نقل المطعون عليه كاتباً بمعهد دمنهور الابتدائي - الذي ترتب عليه - عديم الأثر قانوناً كذلك.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بركن الاستعجال، فلا جدوى من التحدي بأن ما قرره القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة في المادة 18 منه من عدم قبول طلبات وقف تنفيذ القرارات الإدارية الصادرة في شأن الموظفين فيما عدا حالتي الفصل في الوقف فيجوز للمحكمة أن تحكم مؤقتاً باستمرار صرف المرتب كله أو بعضه، إنما قام على افتراض عدم قيام الاستعجال المبرر لوقف تنفيذ هذه القرارات وذلك بقرينة قانونية قاطعة كشفت عنها المذكرة الإيضاحية، وأن القانون المذكور عالج الاستعجال في حالتين نص عليهما على سبيل الحصر وهما الفصل والوقف عن العمل، لا بوقف تنفيذ القرار، ولكن بعلاج استحدثه قدر فيه الضرورة بقدرها، وذلك بجواز القضاء باستمرار صرف المرتب كله أو بعضه حتى لا ينقطع عن الموظف مورد الرزق الذي يقيم الأود إن كان المرتب هذا المورد، وأنه لذلك يجب الاستهداء بتلك الحكمة التشريعية عند استظهار ركن الاستعجال في القرارات التي لا تخضع لوجوب التظلم إدارياً لاتحاد العلة - لا جدوى من التحدي بذلك إلا في شأن القرارات الإدارية التي تعتبر قائمة قانوناً ومنتجة لآثارها إلى أن يقضي بإلغائها؛ ذلك أن من هذه الآثار أن للقرار الإداري قوته الملزمة للأفراد، وللإدارة تنفيذه بالطريق المباشر في حدود القوانين واللوائح، وأن هذه القوة لا تزايله، حتى ولو كان معيباً، إلا إذا قضى بوقف تنفيذه أو بإلغائه، ولكن يلزم أن يكون القرار - وإن كان معيباً - ما زال متصفاً بصفة القرار الإداري كتصرف قانوني، أما إذا نزل القرار إلى حد غصب السلطة، وانحدر بذلك إلى مجرد الفعل المادي المعدوم الأثر قانوناً، كما هو الشأن في القرارين المطعون فيهما، فلا تلحقه أية حصانة، ولا يزيل عيبه فوات ميعاد الطعن فيه، ولا يكون قابلاً للتنفيذ بالطريق المباشر، بل لا يعدو أن يكون مجرد عقبة مادية في سبيل استعمال ذوي الشأن لمراكزهم القانونية المشروعة مما يبرر بذاته طلب المطعون عليه إزالة تلك العقبة بصفة مستعجلة حتى لا يستهدف لما يستهدف له من نتائج يتعذر تداركها بإظهاره - وهو من العلماء - بمظهر المنكر لما هو معلوم من الدين الإسلامي بالضرورة على ما في ذلك من خطر يتهدده في كل لحظة، ومنها ما يتعرض له من أضرار مادية وأدبية بالغة بتنزيله من وظيفته ونقله كاتباً في معهد ابتدائي وهو المدرس بكلية أصول الدين.
ومن حيث إنه لكل ما سلف بيانه يكون الطعنان غير قائمين على أساس سليم من القانون فيتعين رفضهما. ومشيخة الأزهر بعد ذلك وشأنها في اتباع الطريق القانوني السليم بتقديم المطعون عليه للمحاكمة أمام جماعة كبار العلماء، وهي الهيئة التي تملك وحدها ولاية الحكم فيما هو منسوب إليه، باعتبارها الهيئة العلمية التي تستطيع مناقشته في رأيه، على أساس ما يقدمه من حجج وأدلة، واستظهار حكم الدين الإسلامي بعد ذلك في شأنه، وبذلك توضع الأمور في نصابها الصحيح، وتكون محاكمة المطعون عليه في مثل هذا الأمر الخطير - أياً كان رأيه، أخطأ فيه أم أصاب - مكفولة بالضمانات القانونية التي استهدفها المشرع في المادة 13 من المرسوم بقانون رقم 26 لسنة 1936.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بضم الطعن رقم 36 لسنة 2 القضائية إلى الطعن رقم 35 لسنة 2 القضائية، وبقبولهما شكلاً، وبرفضهما موضوعاً.