مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1955 إلى آخر يناير سنة 1956) - صـ 449

جلسة 28 من يناير سنة 1956

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الإمام الإمام الخريبي وحسن جلال وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

(55)
القضية رقم 68 لسنة 1 القضائية

ميعاد الستين يوماً - بدؤه من نشر القرار الإداري أو إعلانه - العلم بالقرار يقوم مقام الإعلان - وجوب أن يكون العلم يقينياً وأن يشمل جميع العناصر التي توضح المركز القانوني بالنسبة لهذا القرار - مثال.
الأصل - طبقاً للمادة 12 من القانون رقم 9 لسنة 1949 - أن ميعاد الطعن في القرارات الإدارية يسري من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه، أو إعلان صاحب الشأن به. أما العلم الذي يقوم مقام الإعلان فيجب أن يكون علماً يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً، وأن يكون شاملاً لجميع العناصر التي يمكن لصاحب الشأن على أساسها أن يتبين مركزه القانوني بالنسبة لهذا القرار، ويستطيع أن يحدد - على مقتضى ذلك - طريقة في الطعن فيه، ولا يمكن أن يحسب الميعاد في حقه إلا من اليوم الذي يثبت فيه قيام هذا العلم اليقيني الشامل على النحو السالف إيضاحه. ومن ثم إذا ثبت أن المدعين سبق أن رفعوا دعوى بطلب إرجاع أقدميتهم في الدرجة الخامسة إلى تاريخ سابق، فأجابتهم المحكمة لمطلبهم بحكم صدر في 12 من ديسمبر سنة 1951، ولكن المصلحة كانت قد أصدرت في أول مايو سنة 1950 - أثناء نظر تلك الدعوى - قرارات بترقية زملاء لهم إلى الدرجة الرابعة، فلما صدر الحكم سالف الذكر رفعوا دعوى أخرى يطالبون فيها بأحقيتهم للترقية للدرجة الرابعة اعتباراً من أول مايو سنة 1950 تأسيساً على أنهم، وقد أرجعت أقدميتهم في الدرجة الخامسة بالحكم الصادر في 12 من ديسمبر سنة 1951، تكون قرارات الترقية إلى الدرجة الرابعة معيبة لتخطيهم في النسبة المخصصة للأقدمية - إذا ثبت ذلك، فبالرغم من أن التكييف الصحيح للدعوى الأخيرة هو أنها طعن بالإلغاء في القرارات الصادرة بالترقية إلى الدرجة الرابعة، إلا أن المدعين لم يتبينوا مركزهم القانوني بالنسبة إلى القرارات المطعون فيها إلا من يوم 12 من ديسمبر سنة 1951، وهو التاريخ الذي صدر فيه حكم محكمة القضاء الإداري محدداً وضعهم الصحيح في أقدمية الدرجة الخامسة، إذ هو الذي أرسخ اليقين في الأساس الذي على مقتضاه يكون تخطيهم في القرارات الصادرة بالترقية إلى الدرجات التالية في النسبة المخصصة للأقدمية معيباً، ولقد أنذروا الوزارة لتنفيذ مقتضى هذا الحكم بالنسبة إلى تلك القرارات، فلا أقل من اعتباره تظلماً إدارياً يقطع الميعاد. وإذ سكتت الوزارة عن إجابته وفات أربعة أشهر تنتهي في 4 من يونيه سنة 1952، فيعتبر ذلك في حكم قرار بالرفض، وقد أقاموا الدعوى بإيداع صحيفتها في 3 من أغسطس سنة 1952 أي خلال الستين يوماً التالية لانقضاء أربعة الأشهر المشار إليها، فيكونون قد أقاموها في الميعاد طبقاً للمادة 12 من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة.


إجراءات الطعن

في 7 من يوليه سنة 1955 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر بجلسة 8 من مايو سنة 1955 من الهيئة الخامسة بمحكمة القضاء الإداري في القضية رقم 1559 لسنة 6 ق المرفوعة من السادة محمود إبراهيم عفيفي وسليمان عودة الصافوري وتوفيق محمد عبد المجيد وأحمد محمد مصطفى الألفي وعبد المنعم دسوقي وطلعت حسيب ضد وزارة المالية، القاضي "بعدم قبول الدعوى بالنسبة لطلب إلغاء قرارات الترقيات إلى الدرجة الرابعة من أول مايو سنة 1950 ورفض ما عدا ذلك من الطلبات مع إلزام المدعين بالمصروفات ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة".
وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبإلغاء القرارات المطعون فيها فيما تضمنته من تخطي المدعين في الترقية للدرجة الرابعة والدرجة الثالثة وإلزام وزارة المالية بالمصروفات". وأعلن هذا الطعن إلى وزارة المالية في 13 من يوليه سنة 1955، وإلى أصحاب الشأن في 11، 12، 13، 14 من يوليه سنة 1955، فردت عليه الوزارة بتاريخ 28 من أغسطس سنة 1955، وعقبت هيئة المفوضين على هذا الرد بعد ذلك بالتقرير المودع في الملف تحت رقم 3 دوسيه.
وقد عينت جلسة 5 من نوفمبر سنة 1955 لنظر الطعن، ثم حجزت الدعوى لإصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع إيضاحات الطرفين وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يستفاد من أوراق الطعن، تتحصل في أن المحكوم عليهم أقاموا الدعوى رقم 1559 لسنة 6 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري وطلبوا الحكم بأحقية كل منهم للدرجة الرابعة اعتباراً من أول مايو سنة 1950 مع جميع ما يترتب على ذلك من آثار. وفي بيان ذلك قالوا إنهم كانوا يشغلون الدرجة السادسة عندما أدركتهم قواعد التنسيق في سنة 1947 وقامت الوزارة بترقيتهم إلى الدرجة الخامسة اعتباراً من 13 من أغسطس سنة 1947 بدلاً من جعل الترقية اعتباراً من أول مايو سنة 1946 كما تقضي بذلك قواعد التنسيق، فرفعوا أمام محكمة القضاء الإداري دعواهم الأولى رقم 522 لسنة 4 ق طالبين فيها تسوية مراكزهم القانونية على أساس إرجاع أقدميتهم في الدرجة الخامسة إلى أول مايو سنة 1946 مع جميع ما يترتب على ذلك من آثار. وقد صدر الحكم لهم في 12 من ديسمبر سنة 1951 بهذه الطلبات، ولكن وزارة المالية اقتصرت، في تنفيذ هذا الحكم، على رد أقدميتهم في الدرجة الخامسة إلى التاريخ المطلوب، وأمسكت عن تنفيذ الشق الثاني الخاص بالآثار المترتبة على إجراء هذه التسوية، ومن بينها ترقيتهم إلى الدرجة الرابعة في أول مايو سنة 1950، سيما وأنها كانت قد أصدرت ابتداء من هذا التاريخ عدة قرارات بترقية زملاء لهم إلى هذه الدرجة، فاضطروا إلى توجيه إنذار رسمي إليها في 5 من فبراير سنة 1952 يطالبون فيه بأحقيتهم للترقية إلى الدرجة الرابعة اعتباراً من أول مايو سنة 1950 مع جميع ما يترتب على ذلك أيضاً من آثار. ولما انقضى الوقت الذي استيقنوا بعده أن الوزارة لم تستجب لندائهم، رفعوا دعواهم الثانية موضوع الطعن الحالي وطلبوا في صحيفتها الحكم لهم بالطلبات التي كانوا دونوها في إنذارهم. فدفعت وزارة المالية دعواهم بأن عريضتها جاءت خالية من بيان القرارات الخاصة بترقية زملائهم الذين أشاروا إليهم دون أن يذكروا أسماءهم، وهي لذلك تعتبر مجهلة لا تصلح للمناقشة، وفضلاً عن ذلك فإن طلب المدعين فيها يتضمن إلغاء القرارات التي صدرت بترقية أولئك الزملاء في سنة 1950، وقد انقضت على تاريخ تلك القرارات سنتان تقريباً وانقضت بذلك مواعيد الطعن فيها، وانتهت الوزارة إلى طلب الحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد. أما من ناحية الموضوع فقد ذكرت الوزارة أن المدعين يتبعون كادر حسابات الوزارات والمصالح والتفتيش، وهو يختلف عن كادر الديوان العام من حيث الترتيب في الأقدمية وما يستتبعه من الترقيات وأن قرارات الترقية إلى الدرجة الرابعة التي صدرت منذ أول مايو سنة 1950 كانت تشمل موظفي الديوان العام، وانتهت إلى طلب رفض الدعوى موضوعاً.
وبجلسة 16 من مايو سنة 1954 طلب المدعون نظر الدعوى أمام دائرة الإلغاء فأجابتهم المحكمة إلى طلبهم فعدلوا أمام الهيئة الجديدة طلباتهم إلى "الحكم بأحقيتهم للدرجة الرابعة من أول مايو سنة 1950، والدرجة الثالثة اعتباراً من 14 من إبريل سنة 1954 بالنسبة للثلاثة الأول، ومن 25 من إبريل سنة 1954 بالنسبة للرابع، ومن 23 من أغسطس سنة 1954 بالنسبة للخامس والسادس - كل بحسب ترتيب أقدميته في الدرجة الخامسة في كشوف الأقدميات المعدلة بالحكم الصادر لصالحهم، وذلك مع زملائهم الذين رقوا إلى هذه الدرجات بالأقدمية المطلقة مع ما يترتب على ذلك من آثار قانونية ومالية".
وقالوا عن الدفع الخاص بشكل الدعوى إن الحكم الصادر في دعواهم الأولى صدر في 12 من ديسمبر سنة 1951، وإن القرارات الصادرة بترقية بعض زملائهم إلى الدرجة الرابعة صدرت في سنة 1950 أثناء نظر تلك الدعوى، فلما صدر الحكم لصالحهم في 12 من ديسمبر سنة 1951، واكتفت الوزارة بتنفيذ شقه الأول دون الثاني، قاموا بإنذارها رسمياً في 5 من فبراير سنة 1952، وانتظروا حتى انقضت مدة أربعة الأشهر التي يعتبر انقضاؤها رفضاً ضمنياً للطلبات الواردة في الإنذار ثم رفعوا دعواهم في خلال الستين يوماً التالية (بتاريخ 3 من أغسطس سنة 1952) أي قبل اليوم الخامس من أغسطس سنة 1952 الذي تنتهي بعده فترة الستين يوماً.
وقالوا عن الموضوع إن ميزانية وزارة المالية لسنة 1949/ 1950 لا يوجد بها كادران للموظفين، بل إن وظائف الديوان وفروعه تقع جميعها في قسم واحد وفرع واحد وفصل واحد وبند واحد تحت عنوان واحد هو "الديوان العام" وإن الكشوف التي اشتملت على أسماء زملائهم الذين رقوا إلى الدرجات الرابعة والثالثة، وعلى تواريخ الترقية إليها، وعلى أرقام قرارات هذه الترقية، تدل بوضوح على أن المدعين أسبق منهم في الأقدمية إذا ما احترمت أقدميتهم طبقاً للحكم الصادر في 12 من ديسمبر سنة 1951.
وقد قضت محكمة القضاء الإداري في حكمها الصادر بجلسة 8 من مايو سنة 1955 "بعدم قبول الدعوى بالنسبة لطلب إلغاء الترقيات إلى الدرجات الرابعة من أول مايو سنة 1950 وبرفض ما عدا ذلك من الطلبات"، مستندة في ذلك إلى تكييف الدعوى بأنها عبارة عن طعن بالإلغاء في القرارات الصادرة بالترقية إلى الدرجة الرابعة منذ أول مايو سنة 1950، "وأن موعد الطعن فيها طبقاً للقانون هو ستون يوماً، وأنه كان يجب على المدعين أن يتربصوا لكل قرار يصدر بالترقية إلى الدرجات الرابعة والطعن فيه بالإلغاء في حينه ولكنهم انتظروا حتى صدور الحكم لصالحهم ثم أعلنوه للوزارة فلما نفذته جزئياً كما ظنوا أنذروها باستكمال هذا التنفيذ وحسبوا ميعاد رفع الدعوى من تاريخ هذا الإنذار في حين كان يجب عليهم أن يرفعوها في خلال ستين يوماً من تاريخ علمهم بصدور هذه القرارات". وانتهى الحكم من ذلك إلى قبول الدفع بعدم قبول الدعوى بالنسبة لطلب الترقية إلى الدرجة الرابعة من أول مايو سنة 1950.
أما عن الموضوع (وهو الخاص بطلب ترقية المدعين بعد ذلك إلى الدرجة الثالثة باعتبار أن ذلك من آثار ترقيتهم إلى الدرجة الرابعة في أول مايو سنة 1950) فإن الحكم ذهب إلى أنه ما دام قد رأى عدم قبول دعواهم فيما يتعلق بترقيتهم إلى الدرجة الرابعة فإنه يكون قد انهار الأساس الذي تقوم عليه طلباتهم الموضوعية. ثم أضاف إلى ذلك قوله: "إنه وإن كان ثابتاً من الميزانية أن الديوان العام بفروعه المختلفة (ومن بينها حسابات الوزارة والمصالح والتفتيش) يعتبر وحدة واحدة لا تتجزأ، إلا أنه بمقارنة أقدمية المطعون في ترقيتهم في الدرجة الرابعة الذين رقوا إلى الدرجة الثالثة سواء في قرار 14 من إبريل سنة 1954 بديوان عام الوزارة وفروعه أو في قرار 25 من إبريل سنة 1954 أو في قرار 23 من أغسطس سنة 1954 بأقدمية المدعين في الدرجة الرابعة نجد أن جميع من رقوا إلى الدرجة الثالثة بهذه القرارات يسبقون المدعين أقدمية في الدرجة الرابعة سواء في ذلك من رقى منهم بالأقدمية أو من رقى بالاختيار، ومن ثم يكون طلب المدعين الترقية إلى الدرجة الثالثة على غير أساس سليم متعيناً رفضه".
فطعنت هيئة المفوضين في هذا الحكم ناعية عليه أنه أقام قضاءه في عدم قبول الدعوى على أساس خاطئ؛ إذ استند إلى ضابط لتحديد العلم بالقرار المطلوب إلغاؤه غير الضابط السليم العادل الذي يتعين الاستناد إليه فاعتبر مجرد العلم بالقرار مبدأ لسريان موعد الطعن فيه، مع أن العبرة بالعلم اليقيني الذي ينتفي معه كل شك في أمر القرار، ولذلك انتهت عريضة الطعن إلى طلب "إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم قبول الدعوى مع إلغاء القرارات المطعون فيها فيما تضمنته من تخطي المدعين في الترقية للدرجة الرابعة وللدرجة الثالثة"، مستندة في طلباتها الموضوعية إلى أن الثابت من الوقائع ومن الحكم المطعون فيه أن ميزانية وزارة المالية تجعل الديوان العام بفروعه المختلفة وحدة لا تتجزأ، ولذلك يكون ما ادعته الوزارة من وجود كادرين أحدهما للديوان العام والآخر للفروع ادعاء على غير أساس، ولأن المطعون في ترقيتهم يلون المدعين في الأقدمية إذا ما أعملت في المقارنة الأقدمية المعدلة الصادر بها الحكم في الدعوى 522 لسنة 4 ق.
أ - عدم الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد:
من حيث إن الحكم المطعون فيه وإن أصاب في تكييف الدعوى بأنها طعن بالإلغاء في القرارات الصادرة بالترقية إلى الدرجة الرابعة ثم في القرارات الصادرة بالترقية إلى الدرجة الثالثة، فيما تضمنته هذه القرارات من ترك المدعين في الترقية في دورهم بالأقدمية المطلقة في النسبة المخصصة لذلك - لئن كان الحكم المطعون فيه قد أصاب فيما تقدم، إلا أنه أخطأ في قضائه بعدم قبول الدعوى بمقولة إنه كان يجب عليهم أن يتربصوا لكل قرار يصدر بالترقية إلى الدرجة الرابعة ثم لكل قرار يصدر بالترقية إلى الدرجة الثالثة والطعن فيها جميعاً بالإلغاء في حينه، ولكنهم انتظروا حتى صدر الحكم الذي حدد أقدميتهم في الدرجة الخامسة اعتباراً من أول مايو سنة 1946 في الدعوى رقم 522 لسنة 4 ق أمام محكمة القضاء الإداري في 12 من ديسمبر سنة 1951 ثم أعلنوه إلى الحكومة فنفذته بتصحيح وضعهم في أقدمية الدرجة الخامسة ولكنها لم تتبعه آثاره فيما يتعلق بترقيتهم إلى الدرجات التالية على أساس أقدميتهم هذه في النسبة المخصصة للترقية بالأقدمية المطلقة فأنذروها في 5 من فبراير سنة 1952 واعتبروا هذا الإنذار بمثابة تظلم يقطع الميعاد وانتظروا أربعة أشهر ثم أقاموا الدعوى الحالية خلال الستين يوماً بينما كانت القرارات المطعون فيه قد صدرت خلال نظر الدعوى الأولى وعلموا بها في حينها وفات على هذا العلم ميعاد الستين يوماً المحدد لتقديم الطعن بالإلغاء - إن الحكم المطعون فيه أخطأ في قضائه بعدم قبول الدعوى على هذا الأساس؛ ذلك أن الأصل - طبقاً للمادة 12 من القانون رقم 9 لسنة 1949 النافذ وقت رفع هذه الدعوى - أن الميعاد يسري من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به، ولم يحصل مثل هذا الإجراء في حق المدعين، أما العلم الذي يقوم مقام الإعلان فيجب أن يكون علماً يقينياً، لا ظنياً ولا افتراضياً، وأن يكون شاملاً لجميع العناصر التي يمكن لصاحب الشأن على أساسها أن يتبين مركزه القانوني بالنسبة لهذا القرار، ويستطيع أن يحدد على مقتضى ذلك طريقه في الطعن فيه، ولا يمكن أن يحسب الميعاد في حقه إلا من اليوم الذي يثبت فيه قيام هذا العلم اليقيني الشامل على النحو السالف إيضاحه. وعلى هدي ما تقدم، فإن المدعين لم يتبينوا مركزهم القانوني بالنسبة إلى القرارات المطعون فيها إلا من يوم 12 من ديسمبر سنة 1951 وهو التاريخ الذي صدر فيه حكم محكمة القضاء الإداري محدداً وضعهم الصحيح في أقدمية الدرجة الخامسة، إذ هو الذي أرسخ اليقين في الأساس الذي على مقتضاه يكون تخطيهم في القرارات الصادرة بالترقية إلى الدرجات التالية في النسبة المخصصة للأقدمية معيباً، ولقد أنذروا الوزارة لتنفيذ مقتضى هذا الحكم بالنسبة إلى تلك القرارات، فلا أقل من اعتباره تظلماً إدارياً يقطع الميعاد، وإذ سكتت الوزارة عن إجابته وفات أربعة أشهر تنتهي في 4 من يونيه سنة 1952 فيعتبر ذلك في حكم قرار بالرفض، وقد أقاموا الدعوى بإيداع صحيفتها في 3 من أغسطس سنة 1952، أي خلال الستين يوماً التالية لانقضاء أربعة الأشهر المشار إليها، فيكونون قد أقاموها في الميعاد طبقاً للمادة 12 من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة.
(ب) عن الموضوع:
ومن حيث إنه خلال نظر الدعوى رقى المدعون إلى الدرجة الرابعة ثم إلى الدرجة الثالثة، فأصبح الطعن في القرارات، والحالة هذه، طعناً جزئياً بالإلغاء مقصوراً على تاريخ ترقيتهم إلى هذه الدرجات.
ومن حيث إنه قد بان للمحكمة من الأوراق، وبوجه خاص من ميزانية الدولة في السنة التي صدرت فيها القرارات المطعون فيها، أن الديوان العام بوزارة المالية بفروعه المختلفة ومن بينها حسابات الوزارة والمصالح والتفتيش، وحدة واحدة، فينبغي مراعاة ذلك في ترتيب الأقدمية وفي الترقية.
ومن حيث إنه لا جدال في أنه على أساس ترتيب أقدمية المدعين في الدرجة الخامسة اعتباراً من أول مايو سنة 1946 طبقاً للحكم الصادر لصالحهم من محكمة القضاء الإداري في 12 من ديسمبر سنة 1951، قد كانوا يستحقون جميعاً الترقية إن الدرجة الرابعة في دورهم بالأقدمية المطلقة في النسبة المخصصة قانوناً لذلك اعتباراً من أول مايو سنة 1950، وكان المدعون الثلاثة الأولون يستحقون الترقية إلى الدرجة الثالثة من 14 من إبريل سنة 1954، والمدعيان الرابع والخامس من 25 من إبريل سنة 1954، والسادس من 23 من أغسطس سنة 1954، وذلك على الأساس ذاته، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد جاء مخالفاً للقانون، فيتعين إلغاؤه وإلغاء القرارات المطعون فيها إلغاء جزئياً بما يضع أقدمياتهم في الدرجات الرابعة ثم الثالثة التي رقوا إليها خلال نظر الدعوى في نصابها الصحيح، وذلك على الوجه المبين بالمنطوق.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبقبول الدعوى، وفي موضوعها باعتبار أقدمية جميع المدعين في الدرجة الرابعة راجعة إلى أول مايو سنة 1950 وباعتبار أقدمية المدعين الثلاثة الأولين في الدرجة الثالثة راجعة إلى 14 من إبريل سنة 1954 وأقدمية المدعيين الرابع والخامس فيها راجعة إلى 25 من إبريل سنة 1954 وأقدمية المدعي السادس فيها راجعة إلى 23 من أغسطس سنة 1954، وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة للمدعين.