مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1955 إلى آخر يناير سنة 1956) - صـ 458

جلسة 28 من يناير سنة 1956

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الإمام الإمام الخريبي وحسن جلال وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

(56)
القضية رقم 77 لسنة 1 القضائية

( أ ) إنصاف - تنظيم قواعد خاصة به لطائفة معينة من المستخدمين أو الموظفين أو العمال - امتناع ازدواج الإفادة من هذه القواعد خضوعاً لمبدأ تخصيص الإنصاف - الحصول على إنصاف في ظل سلك معين في فترة معينة - الانتقال إلى سلك آخر - عدم الإفادة من الإنصاف المقرر لهذا السلك الأخير عن نفس الفترة.
(ب) كادر العمال - تقسيمه سائقي السيارات إلى فئتين ( أ ) و(ب) وتسوية حالة كل فئة على أساس معين - مقصور على من كان موجوداً منهم في الخدمة في تاريخ نفاذه وتحققت فيهم شروط تطبيقه.
1 - يتضح من اتجاه المشرع في تنظيم قواعد خاصة لإنصاف كل طائفة على حدة من طوائف الموظفين والمستخدمين المدنيين والعسكريين والعمال، بوضع كادر خاص لرجال البوليس مستقل عن الكادر العام، وآخر لعمال اليومية، وتنظيم قواعد لتقدير المؤهلات الدراسية للمدنيين، وأخرى لأفراد القوات العسكرية والجوية وغيرها لقدامى الموظفين، أنه توخي بهذه المغايرة إفراد أحكام خاصة لكل فئة من هؤلاء، بمراعاة حالتهم وما يلائم طبيعة وظائفهم وظروف عملهم، بما يحقق لكل منهم بوجه عام مزايا متعادلة. وبناء على الحكمة التي تغياها المشرع من هذه الأوضاع، وتأسيساً على مبدأ تخصيص الإنصاف، لا يجوز كأصل عام ازدواج الإفادة من قواعد الإنصاف. وينبني على هذا أن من نال إنصافاً سابقاً في ظل سلك معين كان ينتمي إليه في فترة ما من خدمته، لا يكون له حق في إنصاف جديد عن هذه الفترة ذاتها إذا ما نقل إلى سلك آخر، على أساس ما هو مقرر لهذا السلك الأخير من إنصاف؛ ذلك أن كل إنصاف يجرى إعماله في مجاله يكون مقصوراً على الأشخاص الذين قصد أن يسري عليهم حكمه، والذين اقتضت الأوضاع الخاصة بهم صدوره لتنظيم حالهم دون سواهم، فلا يتعدى أثره إلى غير هؤلاء الأشخاص، ومن باب أولى إلى من سبق إنصافه في السلك الذي كان فيه بحسب قواعد الإنصاف المقررة لأمثاله في هذا السلك. ولما كان المطعون عليه تابعاً - إبان خدمته بالبوليس، في المدة من 3 من ديسمبر سنة 1941 حتى تاريخ نقله إلى وزارة الأشغال في 12 من ديسمبر سنة 1950 - لكادر خاص يقوم على منح الخاضعين لأحكامه إنصافاً شبيهاً بإنصاف المدنيين من موظفين وعمال، فما كانت لتطبق في حقه قواعد كادر عمال اليومية، لا سيما أن هذا الكادر الذي وضع لإنصاف الصناع والعمال الذين تركوا بغير كادر ينظم شئونهم ينص على أن التسويات الواردة فيه لا تسري إلا على من لم يشملهم الإنصاف السابق، ولا ينتفع بها من غير أرباب اليومية إلا المستخدمون الصناع الذين يشغلون وظائف داخل الهيئة أو خارجها والموظفون الفنيون، سواء كانوا على وظيفة دائمة أو على وظيفة مؤقتة، الذين على درجات، إذا كانوا صناعاً أو عمالاً فنيين، ولم يكن المطعون عليه أثناء تطوعه في خدمة البوليس ووقت تطبيق كادر العمال شاغلاً لدرجة من نوع الدرجات المشار إليها في هذا الكادر؛ إذ كان يخضع لنظام عسكري يتميز بدرجات وأوضاع من طبيعة أخرى وتنظيم خاص.
2 - إن ما ورد في شأن سائقي السيارات بقرار مجلس الوزراء الصادر في 28 من ديسمبر سنة 1944 بالموافقة على رأي وزارة المالية المبين في مذكرتها رقم ف 234 - 1/ 302 لا يعدو أن يكون تقريراً لمعاملتهم أسوة بمساعدي الصناع. أما ما جاء بكتاب وزارة المالية الدوري ملف رقم ف 234 - 9/ 53 المؤرخ 16 من أكتوبر سنة 1945 بشأن كادر عمال اليومية خاصاً بسائقي السيارات من تقسيمهم إلى فئتين "أ" و"ب" وتسوية حالة كل فريق منهم على أساس أجرة معينة من تاريخ التعيين في وظيفة سائق سيارة، فإنه لا يصدق إلا على من كان موجوداً من هؤلاء السائقين في الخدمة فعلاً وتحققت فيه شروط تطبيق هذا الكادر في التاريخ الذي نفذ فيه. وآية ذلك أن البند (رابعاً) من كتاب وزارة المالية المشار إليه نص فيما يتعلق بسائقي السيارات على أن "يعد عنهم بيانان مستقلان عن بقية الطوائف، البيان الأول: يكون عنوانه تكاليف إنصاف سائقي السيارات "أ" وتسوى فيه حالة سائقي السيارات الذين دخلوا الخدمة بامتحان على أساس...... البيان الثاني: ويكون عنوانه تكاليف إنصاف سائقي السيارات "ب" وتحسب التكاليف في هذا البيان على أساس....". وهذان البيانان هما من ضمن البيانات التي طلبت وزارة المالية وقتذاك إعدادها لحصر النفقات التي يتكلفها تنفيذ الكادر على الصناع والعمال الموجودين في الخدمة في أول مايو سنة 1945 من واقع ملفات خدمة هؤلاء، كما يتضح ذلك مما ورد بصدر وبختام كتابها المتقدم ذكره.


إجراءات الطعن

في 10 من يوليه سنة 1955 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال العمومية والحربية بجلسة 11 من مايو سنة 1955 في الدعوى رقم 2773 لسنة 2 لجان قضائية المقامة من محمد الدسوقي عيد ضد وزارة الأشغال العمومية، القاضي "باستحقاق المدعي في تطبيق كادر العمال عليه اعتباراً من تاريخ تعيينه سائق سيارة بوزارة الداخلية في 3 ديسمبر سنة 1941، وباستحقاقه لأجره وفقاً لما تنتهي إليه التسوية اعتباراً من تاريخ تعيينه في وزارة الأشغال في 12 ديسمبر سنة 1950". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند عليها في عريضة طعنه "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً والقضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض التظلم وإلزام المتظلم المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليه في 14 من يوليه سنة 1955 وإلى وزارة الأشغال العمومية في 16 من يوليه سنة 1955. وفي 9 من أغسطس سنة 1955 أودع المطعون عليه سكرتيرية هذه المحكمة مذكرة بملاحظاته صمم فيها على طلب الحكم برفض الطعن وبتأييد الحكم المطعون فيه مع إلزام الحكومة بالمصروفات والأتعاب. ولم تقدم جهة الإدارة ملاحظات ما في الميعاد القانوني وقد عين لنظر الطعن جلسة 7 من يناير سنة 1956 وأبلغ الطرفان في 22 من ديسمبر سنة 1955 بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه رفع إلى اللجنة القضائية لوزارة الأشغال العمومية في 17 من ديسمبر سنة 1953 التظلم رقم 2773 لسنة 2 لجان قضائية، وذكر فيه أنه التحق بخدمة بوليس مدينة القاهرة بوظيفة سائق سيارة في 3 من ديسمبر سنة 1941، ثم نقل سائقاً بمشروعات عموم ري الوجه القبلي في 12 من ديسمبر سنة 1950، ولما كانت مدة خدمته متصلة فإنه يطلب ضم مدة خدمته السابقة وتسوية حالته وفقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 11 من مايو سنة 1947، وتعديل مرتبه على هذا الأساس مع صرف الفرق الناتج من تاريخ نقله. وقد أجاب تفتيش مشروعات ري مصر العليا على هذا التظلم بأن المتظلم كان يشتغل سائقاً بوزارة الداخلية في وظيفة أومباشي شرف بماهية شهرية قدرها 4.500 مجـ وفصل من الخدمة اعتباراً من 12 من ديسمبر سنة 1950 بسبب نقله إلى وزارة الأشغال في ذلك التاريخ في وظيفة سائق بيومية قدرها 240 م عدلت إلى 300 م أي بأجر أكبر مما كان يتقاضاه وهو بخدمة البوليس. أما مدة خدمته السابقة بوزارة الداخلية فهي مضمومة قانوناً طبقاً للتعليمات، وأما تسوية أجره من تاريخ التحاقه بخدمة وزارة الداخلية فهذا غير جائز قانوناً؛ إذ أنه كان يشتغل في وزارة الداخلية بالماهية الشهرية في وظيفة عسكرية، وفصل من الخدمة ثم ألحق بالعمل بوزارة الأشغال باليومية؛ ومن ثم فإن ذلك يعتبر تعييناً جديداً. وقد قدم المتظلم مذكرتين في فبراير سنة 1954 و20 من نوفمبر سنة 1954 حدد فيهما طلباته بأن يحكم له: "(أولاً) باستحقاقه بتطبيق كادر العمال الصادر في أول مايو سنة 1945 عليه من تاريخ بدء تعيينه بوظيفة سائق سيارة بالبوليس اعتباراً من 3 من ديسمبر سنة 1941 مع تدرجه بالعلاوات وفقاً لما تنتهي إليه التسوية. و(ثانياً) صرف الفروق المستحقة له من تاريخ 12 من ديسمبر سنة 1950 وهو تاريخ نقله إلى وزارة الأشغال حتى تاريخ الحكم مع إلزام الوزارة المدعى عليها بالمصروفات والأتعاب". واستند في ذلك إلى أن نقله من وزارة الداخلية إلى وزارة الأشغال لا يعتبر بحال من الأحوال تعييناً جديداً طالما أنه لم تكن هناك فترة انقطاع بين العملين، وردت على ذلك وزارة الأشغال بمذكرة مؤرخة 3 من يناير سنة 1955 بعدم جواز ضم مدة الخدمة بالبوليس إلى مدة الخدمة اللاحقة باليومية في حساب الأقدمية وتحديد الأجرة بمقتضى كادر العمال، وذلك بناء على ما جاء بكتاب وزارة المالية رقم م 78 - 31/ 29 المؤرخ 8 من سبتمبر سنة 1947. وبجلسة 11 من مايو سنة 1955 قضت المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال العمومية والحربية التي حلت محل اللجنة القضائية "باستحقاق المدعي في تطبيق كادر العمال عليه اعتباراً من تاريخ تعيينه سائق سيارة بوزارة الداخلية في 3 من ديسمبر سنة 1941 وباستحقاقه لأجره وفقاً لما تنتهي إليه التسوية اعتباراً من تاريخ تعيينه في وزارة الأشغال في 12 من ديسمبر سنة 1950". وأسست قضاءها على أنه يبين من البند الرابع من كادر عمال اليومية أن المعول عليه في تسوية حالة سائقي السيارات الحكومية من الفئتين "أ" و"ب" وفقاً لأحكام هذا الكادر هو الاعتداد بتاريخ بدء تعيينهم في خدمة الحكومة، ولا عبرة بالاحتجاج بأن قواعد ذلك الكادر لم تكن لتسري على المدعي وهو في وظيفته العسكرية؛ لأن هذه القواعد توجب، أياً كانت الفئة التي ينتمي إليها، حساب أجرته وتدرجه بالعلاوات ابتداء من تاريخ تعيينه في وظيفة سائق سيارة بالحكومة بغض النظر عن نوع وظيفته، مدنية كانت أم عسكرية، إذ جاء النص عاماً غير محدد لنوعها وغير مشترط وجوب انطباق أحكام كادر العمال عليه وهو في وظيفته السابقة، لأن المراد هو إجراء التسوية وتحديد الأجر بمراعاة مدة الخدمة السابقة إطلاقاً، أما استحقاق الأجر بعد التسوية فلا يمكن إلا من يوم نقل العامل إلى المصلحة المدنية وصيرورته من العمال الذين تنطبق عليهم أحكامه. وفي 10 من يوليه سنة 1955 طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم طالباً "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، والقضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض التظلم وإلزام المتظلم المصروفات". واستند في طعنه إلى أن المسألة القانونية المطلوب الفصل فيها هي ما إذا كانت قواعد التسوية الواردة بكادر العمال تسري على المطعون عليه منذ بدء تعيينه سائقاً بالبوليس أم لا، وإلى أنه ثابت من ملف خدمة المذكور أنه كان منذ بدء تعيينه ببوليس مصر حتى نقله إلى وزارة الأشغال يشغل درجة من الدرجات العسكرية غير المدرجة في الميزانية في الكادر الفني أو في كادر الخارجين عن الهيئة الصناع، ولما كانت قواعد التسوية الواردة بكادر العمال تنص على أن انتفاع غير عمال اليومية من الموظفين والمستخدمين الفنيين والصناع رهين بكونهم على درجات في الميزانية في الكادر الفني أو في كادر الخدمة الخارجين عن الهيئة الصناع وبأن يكون لهم مثيل من عمال اليومية في نفس المصلحة وقت تطبيق الكادر عليهم فإن المطعون عليه يكون فاقداً لشرط من شروط تطبيق قواعد التسوية الواردة بهذا الكادر. ولما كانت الدرجات العسكرية يحكمها كادر خاص وافق عليه مجلس الوزراء في 4 من سبتمبر سنة 1943، فلا يمكن أن يطبق على المطعون عليه وقت أن كان ملتحقاً بخدمة بوليس مصر كادر العمال الذي وضع لإنصاف الصناع وعمال اليومية من المدنيين وممن تركوا بغير كادر ينظم شئونهم. ومن ثم فإن المطعون عليه لا يستحق تطبيق كادر العمال على حالته منذ بدء تعيينه سائقاً ببوليس مصر. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد بني على مخالفة القانون والخطأ في تأويله وتطبيقه. وتكون قد قامت به حالة من أحوال الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا. وفي 9 من أغسطس سنة 1955 أودع المطعون عليه سكرتيرية هذه المحكمة مذكرة بملاحظاته ردد فيها أسانيده السابق إبداؤها أمام المحكمة الإدارية والأسباب التي ارتكنت عليها هذه الأخيرة، وأضاف أنه ليس في نصوص كادر العمال ما يحول دون انتفاع العامل من أحكام هذا الكادر إذا توافرت فيه شرائط انطباقه، متى كان لم يشمله إنصاف سابق، وأنه إنما يستفيد من قواعد الكادر المذكور بوصفه عاملاً بعد أن زالت موانع انطباق هذا الكادر عليه، رغم أنه لم يتضمن أي تمييز بين المدنيين والعسكريين، وانتهى من هذا إلى التصميم على طلب الحكم برفض الطعن وبتأييد الحكم المطعون فيه مع إلزام الحكومة بالمصروفات والأتعاب.
ومن حيث إن المطعون عليه حدد في مذكرته الختامية أمام المحكمة الإدارية ما استهدفه في تظلمه المقدم إلى اللجنة القضائية من طلب ضم مدة خدمته السابقة في البوليس وتعديل مرتبه على هذا الأساس بأنه إنما يطلب الحكم باستحقاقه لتطبيق كادر العمال على حالته من بدء تعيينه بوظيفة سائق سيارة بالبوليس اعتباراً من 3 من ديسمبر سنة 1941، مع تدرجه بالعلاوات وصرف الفروق المستحقة له من 12 من ديسمبر سنة 1950 تاريخ نقله إلى وزارة الأشغال العمومية، وهذا هو مقتضى الضم بالنسبة إلى من كان مثله عاملاً باليومية وليس على درجة من درجات الميزانية؛ إذ لا يفيد من حساب مدة خدمته السابقة إلا من كان على درجة في الميزانية. ولو أن للمطعون عليه حقاً في هذا الضم لما كان لذلك أثره إلا في تحديد أجره فحسب، وهذا هو ما انتهى إليه في طلباته المعدلة. ومن ثم يكون جوهر المنازعة الحالية هو ما إذا كانت قواعد التسوية الواردة بكادر العمال تسري على المطعون عليه منذ بدء تعيينه سائقاً بالبوليس، أم من تاريخ تطبيق كادر العمال عليه بعد نقله إلى وزارة الأشغال.
ومن حيث إنه يبين من ملف خدمة المطعون عليه أنه التحق بخدمة بوليس مصر بصفة نفر متطوع درجة أولى لمدة خمس سنوات اعتباراً من 3 من ديسمبر سنة 1941 بماهية قدرها 40 جنيهاً سنوياً، ثم نقل لقسم إصلاح مركبات البوليس في سنة 1945، ومنح علاوة سيارة قدرها جنيه واحد شهرياً من أول يناير سنة 1945، ثم جدد تطوعه لمدة خمس سنوات أخرى اعتباراً من 3 من ديسمبر سنة 1946 ومنح علاوة دورية قدرها 6 جنيهات سنوياً في سنة 1949، ثم فصل من خدمة البوليس اعتباراً من 12 من ديسمبر سنة 1950 وهو أومباشي شرف نقلا إلى وزارة الأشغال العمومية في وظيفة سائق سيارة باليومية في الدرجة (240 - 400 م) مع منحه أول مربوط الدرجة، وطبقت عليه كشوف حرف "ب" فمنح أجراً قدره 300 م يومياً من 14 من فبراير سنة 1951.
ومن حيث إن المطعون عليه كان إبان خدمته ببوليس مصر يشغل درجة عسكرية ويعامل بأحكام كادر خاص وافق عليه مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 4 من سبتمبر سنة 1943 بناء على مذكرة رفعتها إليه وزارة المالية، أبدت فيها أن الماهيات والمرتبات الخاصة بصف ضباط وعساكر البوليس كانت دائماً موضع الشكوى لعدم كفايتها، ومن ذلك أن الماهية الأساسية لأنفار البوليس، وهم الأغلبية الكبرى، كانت مقصورة على 3.500 مجـ وهو مبلغ ضئيل لا يسد حاجات المعيشة، وأنه قد ضاعف من سوء الحالة ارتفاع تكاليف المعيشة وقتئذ ارتفاعاً بالغاً مما ساعد على تجدد الشكوى على وجه يوجب الاهتمام والعناية، مما يتطلب تحسين حال رجال البوليس من الكونستبلات وضباط الصف والأنفار. ولذلك اقترحت وزارة المالية تحسين كادر رجال البوليس المذكورين وتعديله برفع مرتباتهم ومنحهم علاوات دورية، على أن تمنح بداية المرتب أو المربوط الثابت للجميع. وتنفيذاً لهذا القرار صدر في 6 من سبتمبر سنة 1943 مرسوم بمشروع قانون بفتح اعتماد إضافي بالمبلغ اللازم لتكاليف تعديل الكادر المشار إليه في ميزانية السنة المالية 1943/ 1944، ووافق عليه البرلمان، ومن ثم صدر القانون رقم 1 لسنة 1944 بفتح هذا الاعتماد. في 7 من ديسمبر سنة 1947 وافق مجلس الوزراء على تحسين آخر لأنفار البوليس بزيادة نهاية مربوط درجاتهم إلى 66 ج في السنة، كما وافق في 2 من مايو سنة 1948 على تقديم موعد العلاوة التالية لرجال البوليس سنة واحدة أي إلى أول مايو سنة 1948 بدلاً من أول مايو سنة 1949. وفي 16 من سبتمبر سنة 1952 أصدر مجلس الوزراء كادراً جديداً لصولات وصف ضباط وعساكر البوليس متضمناً رفعاً وتحسيناً جديداً لمرتباتهم وتقصيراً لمدد استحقاق علاواتهم الدورية. وفي 17 من سبتمبر سنة 1952 صدر بهذا الكادر المرسوم بقانون رقم 201 لسنة 1952 كما صدر المرسوم بقانون رقم 202 لسنة 1952 بفتح اعتمادين إضافيين في ميزانية السنة المالية 1952/ 1953 لمواجهة تكاليف التعديل والتحسين اللذين تضمنهما الكادر المذكور. ومفاد هذه النصوص القانونية والقرارات التنظيمية أن المشرع قد عنى بوضع كادر خاص لرجال البوليس يطبق في نطاقهم متفقاً مع حالتهم وطبيعة وظائفهم ومتضمناً إنصافاً لهم وتحسيناً لمرتباتهم، بمنحهم من الميزات المالية مثل ما ناله غيرهم من طوائف الموظفين غير العسكريين وأرباب اليومية بمقتضى قواعد الإنصاف التي شرعت لكل فريق منهم.
ومن حيث إنه يتضح من اتجاه المشرع في تنظيم قواعد خاصة لإنصاف كل طائفة على حدة من طوائف الموظفين والمستخدمين المدنيين والعسكريين والعمال، بوضع كادر خاص لرجال البوليس مستقل عن الكادر العام، وآخر لعمال اليومية، وتنظيم قواعد لتقدير المؤهلات الدراسية للمدنيين، وأخرى لأفراد القوات العسكرية والجوية، وغيرها لقدامى الموظفين، أنه توخي بهذه المغايرة إفراد أحكام خاصة لكل فئة من هؤلاء بمراعاة حالتهم، وما يلائم طبيعة وظائفهم وظروف عملهم، بما يحقق لكل منهم بوجه عام مزايا متعادلة. وبناء على الحكمة التي تغياها المشرع من هذه الأوضاع، وتأسيساً على مبدأ تخصيص الإنصاف، لا يجوز كأصل عام ازدواج الإفادة من قواعد الإنصاف. وينبني على هذا أن من نال إنصافاً سابقاً في ظل سلك معين كان ينتمي إليه في فترة ما من خدمته، لا يكون له حق في إنصاف جديد عن هذه الفترة ذاتها إذا ما نقل إلى سلك آخر، على أساس ما هو مقرر لهذا السلك الأخير من إنصاف؛ ذلك أن كل إنصاف يجرى إعماله في مجاله يكون مقصوراً على الأشخاص الذين قصد أن يسري عليهم حكمه، والذين اقتضت الأوضاع الخاصة بهم صدوره لتنظيم حالهم دون سواهم، فلا يتعدى أثره إلى غير هؤلاء الأشخاص، ومن باب أولى إلى من سبق إنصافه في السلك الذي كان فيه بحسب قواعد الإنصاف المقررة لأمثاله في هذا السلك.
ومن حيث إن المطعون عليه وقد كان تابعاً - إبان خدمته بالبوليس في المدة من 3 من ديسمبر سنة 1941 حتى تاريخ نقله إلى وزارة الأشغال في 12 من ديسمبر سنة 1950 - لكادر خاص يقوم على منح الخاضعين لأحكامه إنصافاً شبيهاً بإنصاف المدنيين من موظفين وعمال، وما كانت لتطبق في حقه قواعد كادر عمال اليومية لا سيما أن هذا الكادر الذي وضع لإنصاف الصناع والعمال الذين تركوا بغير كادر ينظم شئونهم ينص على أن التسويات الواردة فيه لا تسري إلا على من لم يشملهم الإنصاف السابق، ولا ينتفع بها من غير أرباب اليومية إلا المستخدمون الصناع الذين يشغلون وظائف داخل الهيئة أو خارجها والموظفون الفنيون، سواء كانوا على وظيفة دائمة أو على وظيفة مؤقتة الذين على درجات، إذا كانوا صناعاً أو عمالاً فنيين. ولم يكن المطعون عليه أثناء تطوعه في خدمة البوليس ووقعت تطبيق كادر العمال شاغلاً لدرجة من نوع الدرجات المشار إليها في هذا الكادر، إذ كان يخضع لنظام عسكري يتميز بدرجات وأوضاع من طبيعة أخرى وتنظيم خاص.
ومن حيث إن ما ورد في شأن سائقي السيارات بقرار مجلس الوزراء الصادر في 28 من ديسمبر سنة 1944 بالموافقة على رأي وزارة المالية المبين في مذكرتها رقم ف 234 - 1/ 302 لا يعدو أن يكون تقريراً لمعاملتهم أسوة بمساعدي الصناع. أما ما جاء بكتاب وزارة المالية الدوري ملف رقم ف 234 - 9/ 53 المؤرخ 16 من أكتوبر سنة 1945 بشأن كادر عمال اليومية خاصاً بسائقي السيارات من تقسيمهم إلى فئتين "أ" و"ب" وتسوية حالة كل فريق منهم على أساس أجرة معينة من تاريخ التعيين في وظيفة سائق سيارة، فإنه لا يصدق إلا على من كان موجوداً من هؤلاء السائقين في الخدمة فعلاً وتحققت فيه شروط تطبيق هذا الكادر في التاريخ الذي نفذ فيه. وآية ذلك أن البند (رابعاً) من كتاب وزارة المالية المشار إليه نص فيما يتعلق بسائقي السيارات على أن "يعد عنهم بيانان مستقلان عن بقية الطوائف، البيان الأول: يكون عنوانه تكاليف إنصاف سائقي السيارات "أ" وتسوى فيه حالة سائقي السيارات الذين دخلوا الخدمة بامتحان على أساس...... البيان الثاني: ويكون عنوانه تكاليف إنصاف سائقي السيارات "ب" وتحسب التكاليف في هذا البيان على أساس....." وهذان البيانان هما من ضمن البيانات التي طلبت وزارة المالية وقتذاك إعدادها لحصر النفقات التي يتكلفها تنفيذ الكادر على الصناع والعمال الموجودين في الخدمة في أول مايو سنة 1945 من واقع ملفات خدمة هؤلاء، كما يتضح ذلك مما ورد بصدر وبختام كتابها المتقدم ذكره.
ومن حيث إنه لما تقدم لا يكون للمطعون عليه حق في تطبيق أحكام كادر العمال عليه بأثر رجعي عن مدة خدمته بالبوليس التي كان فيها خاضعاً لنظام معين نال في ظله ما هو مقرر للوظيفة التي كان يشغلها من إنصاف. أما كادر العمال فلا يبدأ سريان أحكامه في حقه إلا من يوم تعيينه في المصلحة المدنية وصيرورته من العمال الذين ينطبق عليهم هذا الكادر. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه، إذ قضى باستحقاق المطعون عليه لتطبيق كادر العمال على حالته اعتباراً من تاريخ تعيينه سائق سيارة بوزارة الداخلية وباستحقاقه لأجره وفقاً لما تنتهي إليه التسوية اعتباراً من تاريخ تعيينه في وزارة الأشغال، يكون قد خالف القانون وبني على خطأ في تأويله وتطبيقه، ويتعين الحكم بإلغائه وبرفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.