أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 38 - صـ 778

جلسة 4 من يونيه سنة 1987

برياسة السيد المستشار/ مصطفى صالح سليم نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ إبراهيم زغو نائب رئيس المحكمة، محمد حسن العفيفي، ممدوح السعيد، ولطفي عبد العزيز.

(164)
الطعن رقم 598 لسنة 57 ق

(1) قضاة "مخاصمة القضاة". دعوى "دعوى المخاصمة". محكمة الموضوع.
الأصل عدم مسئولية القاضي عما يصدر منه من تصرفات أثناء عمله. الاستثناء. ما أوردته المادة 494 مرافعات من أسباب لمخاصمته ومنها الخطأ المهني الجسيم. تحصيل القاضي لفهم الواقع في الدعوى وتقديره لأدلتها. خروجه من دائرته. ولو خالف في ذلك أحكام القضاء وإجماع الفقهاء.
(2) قضاة "مخاصمة القضاة" "رد القضاة". دعوى "دعوى المخاصمة".
أسباب المخاصمة. وردها على سبيل الحصر. م 494 مرافعات. تأسيس دعوى المخاصمة على وجود مودة بين أحد الخصوم وبين رئيس الدائرة المخاصم. عدم اتخاذ المخاصم الطريق القانوني لرده وعدم تنحي رئيس الدائرة عن نظر الدعوى لعدم توافر سببه من جهته. أثره. عدم جواز المخاصمة.
1 - الأصل هو عدم مسئولية القاضي عما يصدر منه من تصرفات أثناء عمله لأنه إنما يستعمل في ذلك حقاً خوله له القانون وترك له السلطة التقديرية فيه، إلا أن المشرع رأى أن يقرر مسئوليته على سبيل الاستثناء فنص في المادة 494 من قانون المرافعات على أسباب مخاصمته على سبيل الحصر ومن بينها إذا وقع منه خطأ مهني جسيم وهو الخطأ الفادح الذي ما كان ليساق إليه لو اهتم بواجباته الاهتمام العادي أو لإهماله في عمله إهمالاً مفرطاً وصفته المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات السابق بالخطأ الفاحش الذي لا ينبغي أن يقع منه، فيخرج من دائرة هذا الخطأ تحصيل القاضي لفهم الواقع في الدعوى وتقديره لأقوال الشهود وكل رأي أو تطبيق قانوني يخلص إليه بعد إمعان النظر والاجتهاد في استنباط الحلول القانونية للمسألة المطروحة عليه ولو خالف في ذلك أحكام القضاء وإجماع الفقهاء.
2 - أسباب المخاصمة وردت في المادة 494 من قانون المرافعات على سبيل الحصر فلا يجوز القياس عليها أو رفع دعوى المخاصمة لغيرها من الأسباب والمقصود بالتدليس والضرر هو الانحراف عن العدالة عن قصد وبسوء نية إيثاراً لأحد الخصوم أو نكاية في خصم أو تحقيقاً لمصلحة خاصة، والمخاصم لم ينسب للسيد المستشار رئيس الدائرة المخاصمة شيئاً من ذلك، وما أورده لا يقوم به سبب آخر من أسباب المخاصمة المنصوص عليها في المادة سالفة الذكر. والثابت أن الحكم محل دعوى المخاصمة قد صدر من الشركة المملوكة لأربعة هم أولاد وزوجة المهندس المقول بمودة بينه وبين السيد رئيس الدائرة التي أصدرت ذلك الحكم، وتنحية القاضي عن نظر الدعوى لسبب من الأسباب المنصوص عليها في المادة 148 من قانون المرافعات ومنها رابطة المودة التي يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل إنما يكون بطلب رده عن نظر الدعوى بالإجراءات التي نصت عليها المادة 153 من قانون المرافعات أو بأن يكون القاضي قد استشعر من تلقاء نفسه الحرج من نظرها لأي سبب ورأت هيئة المحكمة أو رئيسها إقراره على التنحي بالتطبيق لنص المادة 150 من القانون المذكور وتقدير مبلغ هذا التأثير متروك لضمير القاضي نفسه وإذ كان الطالب بصفته لم يتخذ الطريق القانوني للرد ولم ير رئيس الدائرة من جهته سبباً لتنحيه ومن ثم فلا جناح على الدائرة المخاصمة إذ مضت في نظر الدعوى والفصل فيها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
ومن حيث إن الوقائع - على ما يبين من الأوراق - تتحصل في أن الطالب "المخاصم" بصفته كان قد أقام الدعوى رقم 881 سنة 1974 مدني جنوب القاهرة الابتدائية ضد...... وآخرين بطلب الحكم بأحقيته في أخذ العقار المبين بصحيفتها بالشفعة مقابل ما أودعه خزانة المحكمة من ثمن وملحقاته تأسيساً على أنه يمتلك العقار المجاور للعقار المبيع والمشفوع فيه والذي تم بيعه بعقد مشهر نظير ثمن مقداره 30000 ج، وبتاريخ 28/ 3/ 1976 حكمت المحكمة برفض الدعوى، استأنف المخاصم هذا الحكم بالاستئناف رقم 2134 سنة 93 ق القاهرة، وبتاريخ 20/ 12/ 1977 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وللمخاصم بصفته بالطلبات، طعن...... وآخرون في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 103 لسنة 48 ق. وبتاريخ 13/ 12/ 79 نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه وأحالت الدعوى إلى محكمة الاستئناف التي حكمت بتاريخ 20/ 12/ 1980 بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفي أن المستأنف بصفته "المخاصم" اعترف بملكية المستأنف عليهما الأولين للعقار المشفوع فيه وأن الثمن الحقيقي 45000 ج وأن المستأنف بصفته كان يعلم بذلك وقت طلب الشفعة، وبعد أن تنفذ هذا الحكم بسماع شهود الطرفين حكمت المحكمة بتاريخ 5/ 5/ 1981 بإلغاء الحكم المستأنف وأجابت المستأنف بصفته "المخاصم" مرة أخرى إلى طلباته، طعن...... وآخرون في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 1827 سنة 51 ق، وبتاريخ 25/ 11/ 1986 نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه وحكمت في موضوع الاستئناف رقم 2134 سنة 93 ق القاهرة برفضه وتأييد الحكم المستأنف، رفع المخاصم بصفته دعوى المخاصمة الماثلة بتقرير في قلم الكتاب بتاريخ 29/ 2/ 1987 مخاصماً رئيس وأعضاء دائرة الثلاثاء المدنية بمحكمة النقض التي أصدرت هذا الحكم طالباً بعد قبول وجواز المخاصمة الحكم ببطلانه وبإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا إليه مبلغ 5000 جنيه على سبيل التعويض وأودع المخاصمون مذكرة بالرد وعرضت الدعوى على هذه الدائرة فحددت جلسة لنظره في غرفة مشورة وفيها صمم المخاصم على طلباته، وقدمت النيابة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم جواز المخاصمة.
وحيث إن تقرير المخاصمة يقوم على سببين حاصل أولهما أن الحكم صدر من المخاصمين عن خطأ مهني جسيم وفي بيان ذلك يقول أن محكمة الاستئناف إعمالاً لحكم النقض الصادر في الطعن رقم 103 لسنة 48 ق أحالت الدعوى إلى التحقيق لإثبات أو نفي أنه كان يعلم بحقيقة الثمن قبل أخذ طلبه العقار بالشفعة وبعد أن استمعت إلى شهود الطرفين حكمت بإلغاء الحكم المستأنف وبأحقيته في أخذ العقار المشفوع فيه بالشفعة على سند من عدم اطمئنانها لأقوال شهود المستأنف عليهما الأولين "المشترين" لاختلافهم فيمن حضر واقعة تحرير عقد البيع، وعلى الرغم من أن الدائرة المخاصمة سجلت في أسباب حكمها أن تقدير أقوال الشهود من سلطة محكمة الموضوع إلا أنها لم تعمل تلك القاعدة ونقضت الحكم الاستئنافي تأسيساً على أن الأسباب التي ساقها لعدم اطمئنانه الأقوال شهود المستأنف عليهما آنفى الذكر غير سائغة وقضت بتأييد الحكم الابتدائي برفض الدعوى وعولت في حكمها محل المخاصمة على أقوال شهود وطلب الشهر العقاري المقدم من المشفوع ضدهم بالرغم من أنها لا تؤدي إلى ما استخلصته منها من أن المخاصم كان يعلم بالثمن الحقيقي للعقار ومقداره 45000 ج قبل طلبه الشفعة، إذ الثابت من محضر التحقيق الذي أجرته محكمة الاستئناف - والمقدم بحافظة مستنداته - أن الشاهد الأول...... لم يتصل به إلا بعد طلب الشفعة وأن مصدر علمه بالثمن الحقيقي هو السيد...... بينما قرر الشاهد الثاني...... أنه لم يتقابل مع أحد ممثلي الشركة الشفيعة إلا بعد الحكم الابتدائي ومن ثم فلا قيمة لأقوال هذين الشاهدين وما كان يصح الاستناد إليها هذا إلى أن المخاصم لم يكن في مكنته أخذ صورة من طلب الشهر العقاري أو الاطلاع عليه إذ أنه ليس طرفاً فيه وبذلك يكون الدائرة التي أصدرت الحكم محل المخاصمة قد وقعت في خطأ مهني جسيم.
وحيث إن هذا السبب في غير محله ذلك أن الأصل هو عدم مسئولية القاضي عما يصدر منه من تصرفات أثناء عمله لأنه إنما يستعمل في ذلك حقاً خوله له القانون وترك له سلطة التقدير فيه، إلا أن المشرع رأى أن يقرر مسئوليته على سبيل الاستثناء فنص في المادة 494 من قانون المرافعات على أسباب مخاصمته على سبيل الحصر ومن بينها إذا وقع منه خطأ مهني جسيم وهو الخطأ الفادح الذي ما كان ليساق إليه لو اهتم بواجباته الاهتمام العادي أو لإهماله في عمله إهمالاً مفرطاً مما وصفته المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات السابق بالخطأ الفاحش الذي لا ينبغي أن يقع منه، فيخرج من دائرة هذا الخطأ تحصيل القاضي لفهم الواقع في الدعوى وتقديره لأقوال الشهود وكل رأي أو تطبيق قانوني يخلص إليه بعد إمعان النظر والاجتهاد في استنباط الحلول القانونية للمسألة المطروحة عليه ولو خالف في ذلك أحكام القضاء أو إجماع الفقهاء وكان البين من الحكم محل المخاصمة أنه أقام قضاءه بنقض الحكم الصادر في الاستئناف رقم 2134 سنة 93 ق مدني القاهرة على أن ما استند إليه هذا الحكم لاستبعاد شهادتي...، ... يخالف الثابت في الأوراق وينطوي على تحريف لأقوالهما وخروج بها إلى ما لا يؤدي إليه مدلولها وأنه لما كان الطعن للمرة الثانية والموضوع صالح للفصل فيه فإنها تحكم فيه برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف مقيمة قضاءها في هذا الصدد على قولها أن "المحكمة تطمئن إلى ما ثبت من شهادة شاهد الإثبات الأول السيد..... من أن الشركة الشفيعة "المخاصم بصفته" كانت تعلم قبل طلبها الشفعة بأن الثمن الحقيقي للعقار المبيع هو 45000 ج، إذ عهدت إليه زوجة أب البائعين بالتدخل لدى الشركة للتنازل عن الشفعة مقابل خمسة آلاف من الجنيهات فعرضت الشركة مبلغاً مماثلاً مقابل التسليم لها بالشفعة ورفض عرضها لأنه لا يغطي الثمن الحقيقي المشار إليه، كما ثبت مقدار هذا الثمن بطلب الشهر العقاري المقدم من الطاعنين وبشهادتي السيد...... والسيد......، وإذ كان مؤدى ذلك أنه ما كان للشركة المطعون ضدها "المخاصم بصفته" أن تتمسك بالثمن الوارد بالعقد المسجل بل كان عليها أن تودع الثمن الحقيقي، وكان المبلغ المودع منها على ذمة دعوى الشفعة يقل عن هذا الثمن وهو ما يترتب عليه سقوط حقها في الشفعة عملاً بنص المادة 942 من القانون المدني فإن الحكم المستأنف يكون صحيحاً فيما انتهى إليه من رفض الدعوى، ومن ثم يتعين تأييده". وكان هذا الذي أورده الحكم من قبيل تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير أقوال الشهود بما لا يخرج عن مدلول شهادتهم حسبما هو ثابت بمحضر التحقيق الذي عول عليه الحكم محل المخاصمة - والمقدم ضمن حافظة مستندات المخاصم بصفته - وتؤدي إلى ما انتهى إليه الحكم من أنه كان يعلم بأن الثمن الحقيقي الذي بيعت به العين المشفوع فيها هو مبلغ 45000 ج وليس 30000 ج الوارد بالعقد المسجل - وهو العقد الظاهر - وأنه رغم ذلك اكتفى بإيداع المبلغ الأخير ورتب على عدم إيداعه كل الثمن الحقيقي الذي حصل به البيع قبل رفع دعوى الشفعة سقوط حقه في الشفعة بالتطبيق لحكم المادة 942/ 2 من القانون المدني فإن هذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الشركة التي يمثلها المخاصم ذات مسئولية محدودة ومملوكة لأربعة مساهمين - هم زوجة المهندس...... وأولاده وأن المهندس المذكور هو المهيمن على شئون الشركة والذي كانت شخصيته ظاهرة في أوراق الطعن ومن أقوال الشهود وهو عضو فخري في نادي القضاة وتربطه بالعديد من السادة المستشارين وعلى وجه الخصوص بأعضاء مجلس إدارة ناديهم علاقة مودة قوية ومنهم السيد المستشار رئيس الدائرة المخاصمة مما كان يجوز معه رد سيادته عن نظر الطعن عملاً بنص المادة 148 من قانون المرافعات وأن سبيل الرد يظل الطعن مفتوحاً عملاً بنص المادة 152 من القانون سالف الذكر إذا أقامت الدليل على عدم علمها بتوافر سبب الرد إلا بعد صدور الحكم وكان ذلك متعذراً عليها، فإن اشتراك السيد رئيس الدائرة في إصدار محل المخاصمة دون أن يتنحى عن نظر الطعن يعد من قبيل التدليس والغدر مما يجوز معه مخاصمته عملاً بنص المادة 494 من قانون المرافعات.
وحيث إن هذا السبب غير مقبول ذلك أن أسباب المخاصمة وردت المادة 494 من قانون المرافعات وعلى ما سلف القول على سبيل الحصر فلا يجوز القياس عليها أو رفع دعوى المخاصمة لغيرها من الأسباب، وإذ كان المقصود بالتدليس والغدر هو الانحراف عن العدالة عن قصد وبسوء نية إيثاراً لأحد الخصوم أو نكاية في خصم أو تحقيقاً لمصلحة خاصة وكان المخاصم بصفته لم ينسب للسيد المستشار رئيس الدائرة شيئاً من ذلك وكان ما أورده لا يقوم به سبب آخر من أسباب المخاصمة المنصوص عليها في المادة سالفة الذكر وكان الثابت في الأوراق أن الحكم محل دعوى المخاصمة قد صدر ضد الشركة المملوكة لأربعة هم أولاد وزوجة المهندس المقول بمودة بينه وبين السيد رئيس الدائرة التي أصدرت ذلك الحكم، وكانت نتيجة القاضي عن نظر الدعوى لسبب من الأسباب المنصوص عليها في المادة 148 من قانون المرافعات ومنها رابطة المودة التي يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل إنما يكون بطلب رده عن نظر الدعوى بالإجراءات التي نصت عليها المادة 153 من قانون المرافعات أو بأن يكون القاضي قد استشعر من تلقاء نفسه الحرج من نظرها لأي سبب ورأت هيئة المحكمة أو رئيسها إقراره على التنحي بالتطبيق لنص المادة 150 من القانون المذكور وتقدير مبلغ هذا التأثير متروك لضمير القاضي نفسه وكان الطالب بصفته لم يتخذ الطريق القانوني للرد ولم ير رئيس الدائرة من جهته سبباً لتنحيه. ومن ثم فلا جناح على الدائرة المخاصمة إذ مضت في نظر الدعوى والفصل فيها فإن هذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين القضاء بعدم جواز المخاصمة مع تغريم المخاصم بصفته عملاً بنص المادة 499 من قانون المرافعات.