أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 37 - صـ 483

جلسة 16 من إبريل سنة 1986

برياسة السيد المستشار: إبراهيم حسين رضوان نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد ممدوح سالم ومحمد رفيق البسطويسي (نائبي رئيس المحكمة) وفتحي خليفه وسري صيام.

(98)
الطعن رقم 365 لسنة 56 القضائية

(1) تقليد أختام. تلبس. قبض.
لغير مأموري الضبط القضائي من آحاد الناس أو من رجال السلطة العامة في حالة التلبس بالجنايات والجنح التي يجوز فيها الحبس تسليم وإحضار المتهم إلى أقرب مأمور للضبط القضائي.
مثال لتسبيب سائغ في رفض الدفع ببطلان القبض والتفتيش لعدم صدور إذن من النيابة العامة بذلك.
(2) تلبس. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير حالة التلبس". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
ما يكفي لتوافر حالة التلبس؟
تقدير الظروف التي تلابس الجريمة وكفايتها لقيام حالة التلبس. موضوعي.
مثال.
(3) مأمورو الضبط القضائي "اختصاصهم". استدلالات. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق مأمور الضبط القضائي أثناء جمع الاستدلالات. سؤال المتهمين عن التهمة المسندة إليهم. أساس ذلك؟
مثال.
(4) تلبس. مأمور الضبط القضائي. تفتيش "التفتيش بغير إذن".
حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حالة التلبس. تبيح لمأمور الضبط القضائي القبض والتفتيش دون الحصول على إذن بذلك من سلطة التحقيق.
(5) تقليد "تقليد علامات". جريمة "أركانها". فاعل أصلي. اشتراك.
اعتبار الشخص فاعلاً أصلياً في جريمة تقليد علامات الحكومة إذا ارتكب التقليد بنفسه أو تم بواسطة غيره متى ساهم معه فيه.
(6) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". مسئولية جنائية.
عدم جدوى التمسك بمساهمة آخر في ارتكاب الجريمة. ما دام ذلك لا يحول دون مساءلة الطاعن عنها.
(7) إثبات "بوجه عام" "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
وفاة أحد الشهود قبل الإدلاء بأقواله أو إثباتها بالتحقيقات. لا يحول دون أن تأخذ المحكمة بباقي عناصر الدعوى.
(8) دفوع "الدفع ببطلان القبض والتفتيش". بطلان. مأمورو الضبط القضائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الدفع بوقوع الجريمة بتحريض من ضابط الشرطة. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام النقض. علة ذلك؟
(9) مأمورو الضبط القضائي "اختصاصهم". تقليد أختام استدلالات.
مهمة مأمور الضبط القضائي الكشف عن الجرائم والتوصل إلى معاقبة مرتكبيها. المادة 21 إجراءات.
كل إجراء يقوم به مأمور الضبط القضائي للكشف عن الجريمة. صحيح ما لم يتدخل بفعله في خلق الجريمة أو التحريض عليها. وما دامت إرادة الجاني بقيت حرة غير معدومة.
مثال.
(10) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بتتبع المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي.
1 - أن المادتين 37، 38 من قانون الإجراءات الجنائية، أجازتا لغير مأموري الضبط القضائي، من آحاد الناس أو من رجال السلطة العامة، تسليم وإحضار المتهم إلى أقرب مأمور للضبط القضائي في الجنايات، أو الجنح التي يجوز فيها الحبس الاحتياطي أو الحبس على حسب الأحوال، متى كانت الجناية أو الجنحة في حالة تلبس، وتقتضي هذه السلطة - على السياق المتقدم - أن يكون لآحاد الناس أو رجال السلطة العامة التحفظ على المتهم وجسم الجريمة الذي شاهده معه أو ما يحتوي على هذا الجسم، بحسبان تلك الإجراء ضرورياً ولازماً للقيام بالسلطة تلك على النحو الذي استنه القانون، وذلك كيما يسلمه إلى مأمور الضبط القضائي وإذ كان ذلك، وكان ما فعله الرقيبان..... و..... بوصفهما من رجال السلطة العامة، أو بوصفهما من آحاد الناس كذلك، من اقتياد للطاعن ومعه الحقيقة التي وضع بها الخاتم المقلد بعد تجربته على مرأى منهما، إلى مأمور الضبط القضائي، ومن إبلاغه بما وقع منه لا يعدو - في صحيح القانون أن يكون مجرد تعرض مادي يقتضيه واجبهما في التحفظ على المتهم وعلى جسم الجريمة، بعد أن شاهدا جناية تقليد خاتم إحدى الجهات الحكومية، في حالة تلبس كشفت عنها وعن آثارها مراقبتهما المشروعة للمتهم.
2 - من المقرر أنه يكفي لقيام حالة التلبس أن تكون هناك مظاهر خارجية تنبئ بذاتها عن وقوع الجريمة، وكان الثابت من مدونات الحكم، أنه انتهى إلى قيام هذه الحالة، استناداً إلى ما أورده في هذا الخصوص - على النحو المتقدم - من عناصر سائغة لا يماري الطاعن في أن لها معينها من الأوراق، وكان تقدير الظروف التي تلابس الجريمة وتحيط بها وقت ارتكابها، أو بعد ارتكابها، وتقدير كفايتها لقيام حالة التلبس، أمراً موكولاً إلى محكمة الموضوع، دون معقب عليها، ما دامت الأسباب والاعتبارات التي بنت عليها هذا التقدير صالحة لأن تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها.
3 - لما كانت المادة 29 من قانون الإجراءات الجنائية، تنص على أن "لمأموري الضبط القضائي أثناء جمع الاستدلالات أن يستمعوا إلى أقوال من يكون لديهم معلومات عن الوقائع الجنائية ومرتكبها، وأن يسألوا المتهم عن ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه، أن رجلي السلطة العامة بعد اقتيادهما للطاعن ومعه الحقيبة سالفة الذكر، وعرضه على مأمور الضبط القضائي، قام الأخير بسؤاله عن الاتهام المسند إليه، فاعترف به، وقدم له الخاتم المقلد مفصحاً له عن نيته في استخدامه، وعول الحكم على ذلك ضمن ما عول عليه في إثبات الجريمة قبل المتهم، وتناهى - على السياق المتقدم - إلى رفض الدفع ببطلان القبض والتفتيش، فإنه يكون قد برئ من عيب الخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله.
4 - لما كانت الحالة من حالات التلبس، فلا على مأمور الضبط القضائي إن هو لم يسع للحصول على إذن من سلطة التحقيق بالقبض والتفتيش، لم يكن في حاجة إليه.
5 - لا يشترط في جريمة التقليد المنصوص عليها في المادة 206 من قانون العقوبات، أن يكون الجاني قد قلد بنفسه خاتم أو تمغة أو علامة، إحدى الجهات الحكومية بنفسه، بل يكفي أن يكون التقليد قد تم بواسطة غيره، ما دام كان مساهماً معه فيما قارفه، فقد سوى الشارع بين من قلد بنفسه شيئاً مما تقدم، وبين من يرتكب ذلك بواسطة غيره، مما يجعل مرتكب التقليد في الحالتين فاعلاً أصلياً في الجريمة.
6 - لا يجدي الطاعن النعي بعدم إقامة الدعوى الجنائية قبل متهم آخر وعدم إنزال العقاب به، ما دام أنه بفرض إسهامه في الجريمة، لم يكن ذلك ليحول دون مساءلة الطاعن عنها.
7 - من المقرر أن وفاة أحد الشهود، قبل الإدلاء بأقواله أو إثباتها في التحقيقات، ليس من شأنه - بفرض صحته - أن يحول بين المحكمة والأخذ بباقي عناصر الدعوى، ما دامت قد اقتنعت بها ورأت للأسباب السائغة التي أوردتها أنها كافية لإدانة المتهم.
8 - لما كان الدفاع بأن الجريمة تمت بناء على تحريض من ضباط الشرطة للإيقاع بالمتهم، هو دفاع قانوني يخالطه واقع، ومن ثم لا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض، ما لم تكن مدونات الحكم تحمل مقوماته، نظراً لأنه يقتضي تحقيقاً تنأى عنه وظيفة محكمة النقض.
9 - من المقرر أن مهمة مأمور الضبط القضائي، بموجب المادة 21 من قانون الإجراءات الجنائية، الكشف عن الجرائم والتوصل إلى معاقبة مرتكبيها، فإن كل إجراء يقوم به في هذا السبيل يعتبر صحيحاً منتجاً لأثره، ما دام لم يتدخل بفعله في خلق الجريمة أو التحريض على مقارفتها، وطالما بقيت إرادة الجاني حرة غير معدومة، فلا تثريب على مأمور الضبط القضائي أن يصطنع في تلك الحدود من الوسائل البارعة ما يسلس لمقصوده في الكشف عن الجريمة، ولا يتصادم مع أخلاق الجماعة وتقاليد المجتمع.
10 - لما كان ما يثيره الطاعن في شأن عدم رد الحكم على نفيه الاتهام في التحقيقات، هو من أوجه الدفاع الموضوعي التي لا تستأهل من الحكم رداً، ما دام الرد عليه مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم وصحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة ونسبتها إلى الطاعن، ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه، لأن في التفاته عنها، ما يفيد أنه اطرحها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: قلد بواسطة غيره خاتم إحدى المصالح الحكومية - مصلحة الجمارك - على النحو المبين تفصيلاً بالتحقيقات. وأحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام، ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بالمادتين 206 و30 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات والمصادرة.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه، أنه إذ دانه بجريمة تقليد خاتم لمصلحة الجمارك، بواسطة غيره، قد شابه القصور في التسبيب والخطأ في القانون وتأويله والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه، رد على ما أثاره المدافع عن الطاعن من دفاع ببطلان القبض والتفتيش لحصولهما بدون إذن من النيابة العامة، بما لا يصلح رداً، ورغم وجود الوقت الكافي للحصول على إذن من النيابة العامة بالتفتيش، فإنه لم يتم الحصول على إذن منها بذلك، وعاقبت المحكمة الطاعن دون أن يكون فاعلاً أصلياً في الجريمة، ودون أن ينال العقاب، من قام بالتقليد بوصفه شريكاً في الجريمة تلك، كما أن أحد شاهدي الإثبات قد توفى دون أن يثبت له قول في الأوراق، وعول الحكم على شهادة الرائد..... الذي أمر بإجراء القبض الباطل، فلا يصح التعويل على شهادته وكذلك لأن في طلبه من صانع الأختام اقتراف التقليد إيقاع بالطاعن لا يجوز قانوناً، هذا إلى أنه لم يعرض لدفاع الطاعن بنفي الاتهام في مراحل التحقيق، كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى، بما مفاده أن.....، وهو صانع أختام، أبلغ الضابط..... بقسم جرائم الأموال العامة بمديرية أمن القاهرة، أن المتهم..... العامل بشركة..... وهو مندوب الشركة لدى جمرك الدولية وعضو نقابة مستخلصي الجمارك، طلب منه تقليد خاتم شعار الجمهورية الخاص بمصلحة الجمارك بعد أن قدم له نموذج بصمة الخاتم، وذلك مقابل مبلغ مائتي جنيه، فطلب منه الضابط القيام بما طلبه المتهم، وفي اليوم المحدد لاستلام الخاتم أرسل الضابط، الشرطيين..... و..... إلى صانع الأختام سالف الذكر، لضبط المتهم، حيث اتفقا مع الصانع المذكور على إشارة تدل على حضور المتهم، ثم مكثا على مقربة من مكانه، وإذ حضر المتهم، وتسلم الخاتم المقلد وقام بتجربته ثم وضعه في حقيبته، وكان ذلك على مرأى منهما، فقد قاما بالتحفظ على المتهم واقتاداه إلى الضابط المعني وأبلغاه بما حدث، ثم أثبت الأخير في محضره أن المتهم قام بفتح الحقيبة التي كانت معه وقدم للضابط الخاتم المقلد وأقر له بأنه يعمل مستخلص جمارك لدى شركة....، وأنه كان ينوي استخدام الخاتم في بعض الأوراق. وقد ساق الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة في حق الطاعن أدلة سائغة مستمدة من شهادة كل من.... (صانع الأختام) والرقيب.... والرائد.... ومما أثبت بمحضر الضبط، وما جاء بتقرير المعمل الجنائي عن بصمة الخاتم المضبوط وكونها مما تجوز على الشخص العادي فينخدع بها، وهي أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. وكان الحكم المطعون فيه، قد رد على الدفع ببطلان القبض والتفتيش لعدم صدور إذن من النيابة العامة بذلك في قوله "أنه من المقرر أنه يكفي في حالة التلبس، أن تكون هناك مظاهر خارجية تنبئ بذاتها عن وقوع الجريمة، ويكفي في ذلك تحقق تلك المظاهر الخارجية بأي حاسة من الحواس، متى كان هذا التحقق بطريقة يقينية لا تحتمل شكاً، كما أن من المقرر طبقاً لنص المادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية، أن لمأمور الضبط القضائي في أحوال التلبس بالجنايات أو الجنح التي يعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر الذي يعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه، وفضلاً عن ذلك فقد خولت المادة 37 من قانون الإجراءات الجنائية، لكل من شاهد الجاني متلبساً بجناية، أو جنحة يجوز فيها قانوناً الحبس الاحتياطي، أن يسلمه إلى أقرب رجال السلطة العامة، دون احتياج لأمر بضبطه، كما خولت المادة 38 من ذات القانون لرجال السلطة العامة في الجنح المتلبس بها التي يجوز الحكم فيها بالحبس، أن يحضروا المتهم ويسلموه إلى أقرب مأمور الضبط القضائي، بل إن المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت على مأموري الضبط القضائي أن يقبلوا التبليغات والشكاوى التي ترد إليهم بشأن الجرائم أن يبعثوا بها فوراً إلى النيابة العامة، ويجب عليهم وعلى مرؤوسيهم، وهم رجال السلطة العامة أن يحصلوا على جميع الإيضاحات ويجروا المعاينات اللازمة لتسهيل تحقيق الواقعة التي تبلغ إليهم أو التي يعلمون بها بأي كيفية كانت، وعليهم أن يتخذوا جميع الوسائل التحفظية اللازمة للمحافظة على أدلة الجريمة، وبناء على ذلك، فإذا وقف رجال السلطة العامة وهم بصدد إجراء التحريات وجمع الاستدلالات عن الجريمة التي أبلغ بها رؤساؤهم من مأموري الضبط القضائي، إذا وقف هؤلاء على جريمة متلبس بها أثناء ذلك، فيتعين من عليهم أن يحضروا المتهم ويسلموه إلى مأمور الضبط القضائي، وإذ كان ما نقله الرقيبان.... و....، حيال المتهم....، إثر مشاهدتهما له أثناء استلام الخاتم المقلد، لم يخرج عن نطاق القواعد القانونية سالفة البيان، فإن الدفع المبدى ببطلان القبض على هذا المتهم وتفتيشه، يكون على غير سند من الواقع والقانون ومن ثم فإن المحكمة تلتفت عنه ولا تعول عليه". وهذا الذي انتهى إليه الحكم، صحيح في القانون، ذلك بأن المادتين 37، 38 من قانون الإجراءات الجنائية، أجازتا لغير مأموري الضبط القضائي، من آحاد الناس أو من رجال السلطة العامة، تسليم وإحضار المتهم إلى أقرب مأمور للضبط القضائي في الجنايات، أو الجنح التي يجوز فيها الحبس الاحتياطي أو الحبس على حسب الأحوال، متى كانت الجناية أو الجنحة في حالة تلبس، وتقتضي هذه السلطة - على السياق المتقدم - أن يكون لآحاد الناس أو رجال السلطة العامة التحفظ على المتهم وجسم الجريمة الذي شاهده معه أو ما يحتوي على هذا الجسم، بحسبان تلك الإجراء ضرورياً ولازماً للقيام بالسلطة تلك على النحو الذي استنه القانون، وذلك كيما يسلمه إلى مأمور الضبط القضائي وإذ كان ذلك، وكان ما فعله الرقيبان..... و..... بوصفهما من رجال السلطة العامة، أو بوصفهما من آحاد الناس كذلك، من اقتياد للطاعن ومعه الحقيبة التي وضع بها الخاتم المقلد بعد تجربته على مرأى منهما، إلى مأمور الضبط القضائي، ومن إبلاغه بما وقع منه لا يعدو - في صحيح القانون أن يكون مجرد تعرض مادي يقتضيه واجبهما في التحفظ على المتهم وعلى جسم الجريمة، بعد إذ شاهدا جناية تقليد خاتم إحدى الجهات الحكومية، في حالة تلبس كشفت عنها وعن آثارها مراقبتهما المشروعة للمتهم، وكان يكفي لقيام حالة التلبس أن تكون هناك مظاهر خارجية تنبئ بذاتها عن وقوع الجريمة، وكان الثابت من مدونات الحكم، أنه انتهى إلى قيام هذه الحالة، استناداً إلى ما أورده في هذا الخصوص - على النحو المتقدم - من عناصر سائغة لا يماري الطاعن في أن لها معينها من الأوراق، وكان تقدير الظروف التي تلابس الجريمة وتحيط بها وقت ارتكابها، أو بعد ارتكابها، وتقدير كفايتها لقيام حالة التلبس، أمراً موكولاً إلى محكمة الموضوع، دون معقب عليها، ما دامت الأسباب والاعتبارات التي بنت عليها هذا التقدير صالحة لا تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها. وكانت المادة 29 من القانون آنف الذكر، تنص على أن "لمأموري الضبط القضائي أثناء جمع الاستدلالات أن يستمعوا إلى أقوال من يكون لديهم معلومات عن الوقائع الجنائية ومرتكبها، وأن يسألوا المتهم عن ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه، أن رجلي السلطة العامة بعد اقتيادهما للطاعن ومعه الحقيبة سالفة الذكر، وعرضه على مأمور الضبط القضائي، قام الأخير بسؤاله عن الاتهام المسند إليه، فاعترف به، وقدم له الخاتم المقلد مفصحاً له عن نيته في استخدامه، وعول الحكم على ذلك ضمن ما عول عليه في إثبات الجريمة قبل المتهم، وتناهى - على السياق المتقدم - إلى رفض الدفع ببطلان القبض والتفتيش، فإنه يكون قد برئ من عيب الخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله. لما كان ذلك، وكانت الحالة من حالات التلبس، فلا على مأمور الضبط القضائي إن هو لم يسع للحصول على إذن من سلطة التحقيق بالقبض والتفتيش، لم يكن في حاجة إليه. لما كان ذلك وكان لا يشترط في جريمة التقليد المنصوص عليها في المادة 206 من قانون العقوبات، أن يكون الجاني قد قلد بنفسه خاتم أو تمغة أو علامة، إحدى الجهات الحكومية بنفسه، بل يكفي أن يكون التقليد قد تم بواسطة غيره، ما دام كان مساهماً معه فيما قارفه، فقد سوى الشارع بين من قلد بنفسه شيئاً مما تقدم، وبين من يرتكب ذلك بواسطة غيره، مما يجعل مرتكب التقليد في الحالتين فاعلاً أصلياً في الجريمة، وهو ما ثبت توافره في حق الطاعن على ما خلص إليه الحكم المطعون فيه، على ما سلف بيانه، فإن النعي على الحكم في هذا يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان لا يجدي الطاعن النعي بعدم إقامة الدعوى الجنائية قبل متهم آخر وعدم إنزال العقاب به، ما دام أنه بفرض إسهامه في الجريمة، لم يكن ذلك ليحول دون مساءلة الطاعن عنها، وهو الحال في الدعوى الماثلة، فإن النعي في هذا الصدد يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكانت وفاة أحد الشهود، قبل الإدلاء بأقواله أو إثباتها في التحقيقات، ليس من شأنه - بفرض صحته - أن يحول بين المحكمة والأخذ بباقي عناصر الدعوى، ما دامت قد اقتنعت بها ورأت للأسباب السائغة التي أوردتها أنها كافية لإدانة المتهم - وهو الحال في الدعوى الماثلة - فإن النعي في هذا الصدد يكون غير مجد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه، قد انتهى - على ما سلف بيانه - صحيحاً في القانون، إلى رفض الدفع ببطلان القبض والتفتيش، لأن الحالة كانت من حالات التلبس، وأقرته على ذلك هذه المحكمة، فإن النعي باستناد الحكم إلى أقوال الرائد.... بقالة أنه أمر بإجراء القبض الباطل فلا يصح التعويل على شهادته، يكون بعيداً عن محجة الصواب. لما كان ذلك، وكان الدفاع بأن الجريمة تمت بناء على تحريض من ضباط الشرطة للإيقاع بالمتهم، هو دفاع قانوني يخالطه واقع، ومن ثم لا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض، ما لم تكن مدونات الحكم تحمل مقوماته، نظراً لأنه يقتضي تحقيقاً تنأى عنه وظيفة محكمة النقض، وإذ كان الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يدفع بما يثيره في طعنة في هذا المنحى، وقد خلت مدونات هذا الحكم مما يرشح لقيامة، فإنه لا يقبل منه إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض، هذا فضلاً عن أن مهمة مأمور الضبط القضائي، بموجب المادة 21 من قانون الإجراءات الجنائية، الكشف عن الجرائم والتوصل إلى معاقبة مرتكبيها، فإن كل إجراء يقوم به في هذا السبيل يعتبر صحيحاً منتجاً لأثره، ما دام لم يتدخل بفعله في خلق الجريمة أو التحريض على مقارفتها، وطالما بقيت إرادة الجاني حرة غير معدومة، فلا تثريب على مأمور الضبط القضائي أن يصطنع في تلك الحدود من الوسائل البارعة ما يسلس لمقصوده في الكشف عن الجريمة، ولا يتصادم مع أخلاق الجماعة وتقاليد المجتمع، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه، أن الضابط المعني طلب من صانع الأختام مجاراة الطاعن في طلبه تقليد خاتم مصلحة الجمارك، حتى إذا ما قلده، وسلمه للطاعن الذي قام بتجربته على مرأى من رجلي السلطة العامة، واقتاداه إلى مأمور الضبط القضائي ذاك، مبلغين إياه ما كان من أمر المتهم، وإذ سأله اعترف بالواقعة وقدم له الخاتم المقلد، فإن ما تقدم من إجراءات تعد مشروعة ويصح التعويل على شهادة من قاموا بها، لأن في طلب مأمور الضبط القضائي إلى صانع الأختام مجاراة الطاعن في طلبه تقليد خاتم مصلحة الجمارك، وقيام الصانع بذلك بناء على رغبة المتهم ومشيئته، ليس فيه خلق للجريمة أو التحريض عليها. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن في شأن عدم رد الحكم على نفيه الاتهام في التحقيقات، هو من أوجه الدفاع الموضوعي التي لا تستأهل من الحكم رداً، ما دام الرد عليه مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم وصحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة ونسبتها إلى الطاعن، ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه، لأن في التفاته عنها، ما يفيد أنه أطرحها. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته، يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.