أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 38 - صـ 822

جلسة 14 من يونيه سنة 1987

برياسة السيد المستشار/ محمد المرسي فتح الله نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ سعيد أحمد صقر نائب رئيس المحكمة، محمد لطفي السيد، أحمد زكي غرابة وطه الشريف.

(174)
الطعن رقم 1455 لسنة 53 القضائية

(1) دعوى "المصلحة في الدعوى".
المصلحة التي تجيز رفع الدعوى. ماهيتها. المصلحة القانونية دون الاقتصادية. م 3 مرافعات.
(2) عقد "فسخ العقد".
حق كل متعاقد في العقود التبادلية في طلب فسخ العقد. شرطه. إخلال الطرف الآخر بالتزاماته ولو لم يتحقق له مصلحة اقتصادية من الفسخ.
(3) محكمة الموضوع.
استنباط الأدلة من الوقائع الثابتة. من سلطة محكمة الموضوع بلا معقب عليها في ذلك متى كان استخلاصها سائغاً.
(4) حكم "حجية الحكم". قوة الأمر المقضي.
حجية الحكم. شرطه. م 101 إثبات.
(5) دعوى. بيع "فسخ عقد البيع". عقد. "فسخ العقد". دعوى "الخصوم في الدعوى".
دعوى فسخ عقد البيع. ليست من الدعاوى التي يوجب القانون فيها اختصام أشخاص معينين.
(6) بيع "التزامات المشتري". التزام "الحق في الحبس". محكمة الموضوع".
حق المشتري في حبس الثمن. مناطه. وجود سبب جدي يخشى معه نزع المبيع من تحت يده. م 457/ 3 مدني. تقدير جدية السبب. من سلطة محكمة الموضوع.
1 - النص في المادة الثالثة من قانون المرافعات على أنه "لا يقبل أي طلب أو دفع لا يكون لصاحبه مصلحة قائمة يقرها القانون، ومع ذلك تكفي المصلحة المحتملة..." يدل على أن المصلحة التي تجيز رفع الدعوى أو المطالبة بالحق في تلك المصلحة القانونية التي يحميها القانون دون ما نظر إلى المصلحة الاقتصادية.
2 - من حق كل طرف في عقد تبادلي أن يطلب فسخ العقد عند إخلال الطرف الآخر بالتزاماته سواء تحقق له من الفسخ مصلحة اقتصادية أم لا.
3 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن استنباط الأدلة من الوقائع الثابتة هو مما يدخل في نطاق سلطة محكمة الموضوع بلا معقب عليها في ذلك متى كان استخلاصها سائغاً.
4 - المقرر في المادة 101 من قانون الإثبات أنه يشترط لكي يكون للحكم حجية أن يكون قد صدر في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلاً وسبباً.
5 - دعوى فسخ عقد البيع ليست من الدعاوى التي يوجب القانون فيها اختصام أشخاص معينين.
6 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مفاد نص المادة 457/ 2 من القانون المدني أن المشرع وإن أجاز للمشرع في حبس الثمن إذا تبين له وجود سبب جدي يخشى معه نزع المبيع من تحت يده إلا أن تقدير جدية السبب الذي يولد الخشية في نفس المشتري من نزع المبيع من تحت يده هو من الأمور التي تستقل بها محكمة الموضوع دون رقابة عليها في ذلك متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 2362 لسنة 1979 مدني كلي المنيا على المطعون ضدها بطلب الحكم وبصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 20/ 12/ 1968 والمتضمن شراءه منها الأرض موضحة الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى لقاء ثمن قدرة 4739.500 ج، وقال بياناً لها أن المطعون ضدها باعته تلك الأرض لقاء الثمن المشار إليه وأنه قد دفع إليها منه في مجلس العقد مبلغ 700 جنيه، والباقي وقدره 4039.500 ج اتفق على سداده على أربعة أقساط مع التزامه فضلاً عن ذلك بأن يدفع لها مع أقساط الثمن وفي مواعيد استحقاقه إيجار الأرض المبيعة بنسبة ما لم يسدد من ثمنها، وأنه قد أوفاها بجميع ما التزم به إلا أنها تقاعست عن تنفيذ التزامها بالتوقيع على عقد البيع فأقام الدعوى بطلباته - كما أقامت المطعون ضدها الدعوى رقم 2858 سنة 1979 مدني كلي المنيا على الطاعن بطلب فسخ العقد ورد الأرض المبيعة، وقالت بياناً لها أن الطاعن لم يوفها ما التزم به رغم الاتفاق في العقد على الشرط الصريح الفاسخ جزاء للتخلف عن سداد أي من هذه المبالغ وأنه قد أصبح مديناً لها بمبلغ 6789.500 ج فوجهت إليه إنذاراً بسداده وبحقها في إعمال أحكام الشرط الصريح الفاسخ إلا أنه تقاعس مع ذلك عن الوفاء به، ومن ثم فقد أقامت الدعوى بطلباتها، قضت المحكمة - بعد أن أمرت بضم الدعويين - بفسخ عقد البيع وتسليم المطعون ضدها الأرض المبيعة بموجبه بالحالة التي تكون عليها وقت التسليم، وبرفض دعوى الطاعن، استأنف الأخير هذا الحكم بالاستئناف رقم 63 سنة 18 ق بني سويف (مأمورية المنيا) وبتاريخ 9/ 4/ 1983 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسببين الأول والثالث من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك أمام محكمة الموضوع بعدم قبول دعوى الفسخ لانتفاء مصلحة المطعون ضدهما فيها - لأن القضاء بالفسخ لن يؤدي إلى عودة الأرض إليها وإنما يؤدي إلى أيلولتها لملكية الدولة باعتبارها زائدة عن الحد الأقصى المقرر للملكية الزراعية طبقاً لأحكام القانون رقم 50 لسنة 1969، ولن يكون للبائعة إلا الحق في التعويض عنها وهو ما يقل كثيراً عن الثمن المباعة به إليه، كما تمسك بتنازل المطعون ضدها عن إعمال الشرط الصريح الفاسخ مستدلاً على ذلك بلجوئها إلى اللجنة القضائية بهيئة الأوقاف بعد حلول مواعيد دفع جميع الأقساط - طالبة اعتماد البيع واستبعاد القدر المبيع بموجبه من نطاق الأرض المستولى عليها، في الوقت الذي حسم فيه الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بتاريخ 10/ 4/ 1979 - في الطعن رقم 43 سنة 23 ق باعتماد البيع محل العقد - الأمر في هذا الشأن وحدد المراكز القانونية لطرفيه وهو ما لا يجوز معه للمطعون ضدها - إعمالاً لحجية هذا الحكم - أن تطلب من بعد الحكم بفسخ العقد، إلا أن الحكم المطعون فيه رفض الدفاع آنف الذكر على ما ساقه من أن مصلحة المطعون ضدها في الفسخ قائمة وتتمثل في حقها في إعادة بيع الأرض محل عقد البيع مرة ثانية متى كانت زائدة عن الحد الأقصى المسموح بتملكه قانوناً، حالة أنه من غير الجائز لها ذلك باعتبار أن هذه الأرض كانت مملوكة لها في تاريخ سابق على 23/ 7/ 1969 تاريخ العمل بأحكام القانون السابق الإشارة إليه، فضلاً عن أن ذلك يخالف قاعدة آمرة وييسر للمطعون ضدها الاستيلاء على أرض مملوكة للدولة وزيادة ملكيتها عن الحد المسموح به قانوناً وهو عمل قد تم طبقاً لنص المادة الخامسة عشرة من القانون آنف الذكر - وأعمل فيه أثر تحقق الشرط الصريح الفاسخ دون أن يواجه بأسباب كافية باقي أوجه دفاعه، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن النص في المادة الثالثة من قانون المرافعات على أنه "لا يقبل أي طلب أو دفع لا تكون لصاحبه مصلحة قائمة يقرها القانون، ومع ذلك تكفي المصلحة المحتملة..." يدل على أن المصلحة التي تجيز رفع الدعوى أو المطالبة بحق هي تلك المصلحة القانونية التي يحميها القانون دون ما نظر إلى المصلحة الاقتصادية، وإذ كان من حق كل طرف في عقد تبادلي أن يطلب فسخ العقد عند إخلال الطرف الآخر بالتزاماته سواء تحقق له من الفسخ مصلحة اقتصادية أم لا، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن قد أمسك عن تنفيذ التزاماته بما يتحقق معه للمطعون ضدها أن تطلب فسخ العقد حماية لمصلحتها القانونية في هذا الصدد دون ما نظر إلى ما قد يؤدي إليه طلبها من ربح أو خسارة، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى قيام حقها في طلب الفسخ وهي نتيجة صحيحة في القانون، فإن النعي عليه فيما أورده من أسباب في هذا الشأن يكون غير منتج، وهو مردود في شقه الثاني - بما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة - من أن استنباط الأدلة من الوقائع الثابتة هو مما يدخل في نطاق سلطة محكمة الموضوع بلا معقب عليها في ذلك متى كان استخلاصها سائغاً، فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من أن تمسك المطعون ضدها أمام لجنة الإصلاح الزراعي باعتماد البيع الحاصل بينها والطاعن ليست له دلالة التنازل عن الشرط الصريح الفاسخ من قبيل الاستخلاص السائغ الذي لا معقب عليه، والنعي في شقه الأخير مردود بما هو مقرر في المادة 101 من قانون الإثبات التي تشترط لكي يكون للحكم حجية أن يكون قد صدر في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلاً وسبباً، وكان محل الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في الاعتراض المقدم من المطعون ضدها على قرار للجنة القضائية للإصلاح الزراعي وسببه هو مجرد ثبوت تاريخ التصرف الصادر من المطعون ضدها، دون أن يعرض في قضائه للخصومة محل الدعوى الماثلة بما لا يحول دون حق المطعون ضدها في طلب فسخه لاختلاف دعوى الفسخ عن دعوى عدم الاعتداد بعقد محلاً وسبباً ويضحي النعي في هذا الخصوص على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه البطلان وفي بيان ذلك يقول أن الحكم قضى للمطعون ضدها بفسخ عقد البيع وتسليم الأرض المبيعة بموجبة إليها، وذلك دون اختصام الهيئة العامة للإصلاح الزراعي أو يأمر بإدخالها في الدعوى رغم أنها هي صاحبة الصفة الحقيقة في استلام الأرض والتي أصبحت بعد القضاء بفسخ العقد زائدة عن الحد المسموح للمطعون ضدها بتملكه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أنه لما كانت دعوى فسخ عقد البيع ليست من بين الدعاوى التي يوجب القانون فيها اختصام أشخاص معينين وكانت الهيئة العامة للإصلاح الزراعي لا صفة لها في الدعوى، ذلك أن النزاع فيها يدور حول تنفيذ أو عدم تنفيذ التزامات طرفي عقد البيع، وكان لا مصلحة للطاعن في الزود عن حقوق تلك الهيئة، فإن النعي بهذا السبب يكون قائماً على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم أقام قضاءه برفض ما تمسك به من دفاع حول قيام حقه في حبس باقي الثمن وزوال أثر الشرط الصريح الفاسخ تبعاً لذلك على أن النزاع لم يثر بشأن الأرض محل التعاقد إلا في سنة 1974 بعد حلول موعد آخر قسط من متأخر الثمن في أكتوبر سنة 1974، وأن مبررات الحبس قد انتهت، بفرض قيام الحق فيه - وبصدور حكم المحكمة الإدارية في 10/ 4/ 1979 وقعوده بعد هذا التاريخ عن السداد رغم إنذاره من المطعون ضدها بذلك في 25/ 9/ 1979، فضلاً عن تنازله عن الحق في الحبس وهو الأمر المستفاد من قيامه خصماً في دعوى الاعتراض على قرار الاستيلاء أمام اللجنة القضائية للإصلاح الزراعي والمحكمة الإدارية العليا ومن تأخره في رفع الدعوى بصحة العقد وبعد إقراره فيها بأنه أوفى المطعون ضدها بباقي الثمن، حالة أنه يكفي حتى يستعمل المشتري حقه في حبس الثمن أن تكون لدية أسباب جدية يخشى معها وقوع تعرض له وهو ما تحقق بصدور القانون رقم 50 لسنة 1969 والمعمول به قبل استحقاق القسط الأول من الثمن، ومن سبق خضوع المطعون ضدها لأحكام قوانين الإصلاح الزراعي المتعاقبة ومن استيلاء الإصلاح الزراعي على أرض النزاع، في الوقت الذي كان تخلفه عن الوفاء بباقي الثمن بعد إنذاره من المطعون ضدها راجعاً إلى أنه لم يكن في استطاعته تسجيل عقد البيع دون تقديم شهادة بالإفراج عن أرض النزاع من الإصلاح الزراعي، وهو ما لم تفعله المطعون ضدها بالمخالفة لالتزامها القيام بكل ما هو ضروري لنقل ملكية المبيع إليه، بالإضافة إلى أن ما اعتمد عليه الحكم في القول بقيام التنازل عن حقه في حبس باقي الثمن لا يؤدي إلى ذلك، وأن المعول عليه فقط في هذا الشأن هو تاريخ إيداعه باقي الثمن خزينة المحكمة، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن النعي بهذا السبب في جملته غير مقبول، ذلك أن - المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن مفاده نص المادة 457/ 2 من القانون المدني أن المشرع وإن أجاز للمشتري الحق في حبس الثمن إذا تبين له وجود سبب جدي يخشى معه نزع المبيع تحت يده إلا أن تقدير جدية السبب الذي يولد الخشية في نفس المشتري من نزع المبيع من تحت يده هو من الأمور التي تستقل بها محكمة الموضوع دون رقابة عليها في ذلك متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله, وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى في أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق إلى انتفاء السبب الذي ذهب الطاعن إلى أنه ولد الخشية في نفسه من أن ينتزع المبيع من تحت يده وهو ما جعل منه مدار حقه في حبس باقي الثمن عن المطعون ضدها، ويكون النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب مجرد جدل موضوعي في تقدير دليل وصولاً إلى نتيجة غير تلك التي وصل إليها الحكم، وهو الأمر الذي لا يقبل التحدي به لدى هذه المحكمة.
وحيث إنه ولما تقدم جميعه يتعين القضاء برفض الطعن.