أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 37 - صـ 499

جلسة 17 من إبريل سنة 1986

برياسة السيد المستشار: الدكتور كمال أنور نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد نجيب صالح وعوض جادو ومحمد نبيل رياض وصلاح عطية.

(100)
الطعن رقم 1916 لسنة 56 القضائية

(1) حكم "حجيته". قوة الأمر المقضي. اختصاص "الاختصاص الولائي".
إسباغ قوة الأمر المقضي على الأحكام النهائية الباتة التي فصلت في موضوع الدعوى الجنائية. المادتين 454، 455 إجراءات.
صدور حكم بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى. لا يحوز الحجية ولا تكون له قوة الأمر المقضي.
(2) اختصاص "الاختصاص الولائي". قضاء عسكري "اختصاصه". نقض "حالات الطعن. الخطأ في تطبيق القانون".
قرار جهة القضاء العسكري في صدد اختصاصها. قول فصل. لا يقبل تعقيباً. المادة 48 من القانون رقم 25 لسنة 1966.
انتهاء القضاء العسكري إلى عدم اختصاصه بجريمة ما يوجب على القضاء العادي الفصل فيها. مخالفة ذلك خطأ في القانون.
(3) قانون "تفسيره" "تطبيقه" "التفويض التشريعي". لوائح. قرارات وزارية. اختصاص "اختصاص القضاء العسكري". مخدرات.
خضوع ضباط. وأفراد هيئة الشرطة لقانون الأحكام العسكرية مقصور على الجرائم النظامية البحتة. أساس ذلك؟
صحة القرار الصادر بموجب التفويض التشريعي. رهينة بعدم وجود تضاد بينه وبين نص القانون المحدد لأوضاعه وشروطه.
تطبيق نص القانون عند التعارض بينه وبين نص وارد في لائحة أو قرار. واجب.
(4) قانون "إلغاؤه". اختصاص "الاختصاص الولائي". دفوع "الدفع بعدم الاختصاص". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إلغاء التشريع لا يكون إلا بتشريع لاحق أعلى منه أو مساو له في مدارج التشريع.
1 - لما كان من المقرر بنص المادتين 454، 455 من قانون الإجراءات الجنائية أن قوة الأمر المقضي سواء أمام المحاكم الجنائية أو المحاكم المدنية لا تكون إلا للأحكام النهائية بعد صيرورتها باتة والتي تكون قد فصلت في موضوع الدعوى الجنائية سواء بالبراءة أو بالإدانة متى توافرت شرائطها الأخرى، وكان الحكم الصادر من محكمة جنايات بور سعيد بجلسة.... بعدم اختصاصها نوعياً (المقصود ولائياً) بنظر الدعوى غير منه للخصومة، إذ لم يفصل في موضوع الدعوى الجنائية سواء بالبراءة أو بالإدانة ومن ثم فلا يحوز الحجية ولا تكون له قوة الأمر المقضي عند الفصل في موضوع الدعوى الجنائية الماثلة.
2 - لما كانت المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966 تنص على أن السلطات القضائية العسكرية هي وحدها التي تقرر ما إذا كان الجرم داخلاً في اختصاصها أم لا مما مقتضاه أن قرار جهة القضاء العسكري في صدد اختصاصها هو القول الفصل الذي لا يقبل تعقيباً فإذا رأت عدم اختصاصها بجريمة ما تعين على القضاء العادي أن يفصل فيها، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها وتخلى عن الحكم في موضوعها رغم صدور قرار جهة القضاء العسكري بعدم اختصاصها بمحاكمة المطعون ضده يكون مخطئاً في تطبيق القانون.
3 - لما كانت المادة 99 من القانون رقم 109 لسنة 1971 في شأن هيئة الشرطة تنص على أنه "يخضع الضباط بالنسبة على الأعمال المتعلقة بقيادة قوة نظامية لقانون الأحكام العسكرية كما يخضع للقانون المذكور أمناء ومساعد والشرطة وضباط الصف والجنود ورجال الخفر النظاميون في كل ما يتعلق بخدمتهم. وتوقع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية ويحدد وزير الداخلية بقرار منه بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في القانون المذكور للجهات المبينة فيه، كما يصدر القرارات المنظمة لإنشاء السجون العسكرية الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة. فقد دلت بذلك - وعلى ما يبين من وضوح عبارات النص - أنها خاصة بالجرائم النظامية فحسب. وليس أدل على ذلك من النص على أن توقع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية والجزاءات المنصوص عليها في قانون هيئة الشرطة سواء المتعلقة بالضباط أو بغيرهم كلها جزاءات تأديبية بحتة حتى جزاء الحبس أو السجن وفقاً لقانون الأحكام العسكرية المنصوص عنه في الفقرة 11 من المادة 80 التي عددت الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على ضابط الصف وجنود الدرجة الأولى وكذلك الفقرة 11 من المادة 96 الخاصة بالجزاءات التي يجوز توقيعها على رجال الخفر النظاميين ولا يقدح في ذلك ما جاء في المذكرة الإيضاحية للمادة 99 من القانون بأنه "..... وتوقع المحاكم العسكرية متى انعقد لها الاختصاص الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية فلها اختصاص تأديبي إلى ما لها من اختصاص جنائي...." فإنه فضلاً عن أن المذكرة الإيضاحية لا تنشئ اختصاصها ولا يجوز الرجوع إليها عند وضوح النص فإن الإحالة إلى الجزاءات المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 المعدل بالقانون رقم 5 لسنة 1968 بما فيها من جزاءات شبه جنائية إنما يشمل فقط تلك الجزاءات المقررة للجرائم النظامية البحتة وليست العقوبات الجنائية بالمعنى الصحيح والمقررة لجرائم القانون العام - وهذا المعنى واضح من صريح عبارات نص المادة 99 المذكورة والتي لا لبس فيها ولا غموض بل وهو ما يؤكده، نص المادة الأولى من قانون هيئة الشرطة والذي جاء فيه أن الشرطة هيئة مدنية نظامية بوزارة الداخلية، وما جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذه المادة والتي جاء بها "احتفظت المادة الأولى من المشروع بتعريف هيئة الشرطة الوارد في المادة 1 من القانون رقم 61 لسنة 1964 من أن الشرطة هيئة مدنية نظامية وبذلك أكدت أن هيئة الشرطة هي هيئة مدنية فهي جهاز من الأجهزة المدنية بالدولة وليست جهازاً عسكرياً. إلا أنها تفترق عن غيرها من الأجهزة المدنية في أنها ليست مدنية بحتة وإنما هي هيئة نظامية يسود تكوينها علاقات تختلف عن العلاقات المدنية البحتة وخاصة واجب المرؤوس في طاعة رئيسه وواجب الرئيس في قيادة مرؤوسيه والسيطرة على القوة الموضوعة تحت قيادته". وإذن فمتى كان ذلك، وكانت المادة 99 سالفة الذكر قد أتاحت لوزير الداخلية - بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة - تحديد جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في القانون المذكور كما أتاحت به إصدار القرارات المنظمة لإنشاء السجون العسكرية الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة - فإن هذا التفويض التشريعي ينحصر فيما نصت عليه هذه المادة ولا يجوز لوزير الداخلية أن يتعدى نطاقه بخلق اختصاصات أخرى غير المنصوص عليها في القانون وإذ كان قد صدر قرار وزير الداخلية رقم 992 لسنة 1977 بتاريخ 24 من إبريل سنة 1977 في شأن تنظيم القضاء العسكري متضمنا في المادة الأولى منه النص على اختصاص إدارة القضاء العسكري بتنفيذ قانون الأحكام العسكرية بالنسبة لأفراد هيئة الشرطة ومن ذلك إجراء التحقيق في جرائم القانون العام في الأحوال المنصوص عليها في المادة المذكورة والتصرف في هذه القضايا، كما نص في المادة الثالثة على أن تتولى فروع الادعاء العسكري "النيابة العسكرية" اختصاصات النيابة العسكرية المنصوص عليها بالقانون رقم 25 لسنة 1966 وكذلك على اختصاص المحكمة العسكرية العليا بنظر الجنايات التي تدخل في اختصاص القضاء العسكري واختصاص المحكمة المركزية بنظر كافة الجنح والمخالفات التي تقع في اختصاصها طبقاً للقانون - فإنه يكون قد خرج بذلك عن حدود التفويض التشريعي في كل ما نص عليه متعلقاً بجرائم القانون العام. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن صحة القرار الصادر بموجب التفويض التشريعي رهينة بعدم وجود تضاد بينه وبين نص القانون المحدد لأوضاعه وشروطه وأنه عند التعارض بين نصين أحدهما وارد في القانون والآخر في لائحته التنفيذية فإن النص الأول هو الواجب التطبيق باعتباره أصلاً للائحة - ومن ثم فإن ما ورد في قرار وزير الداخلية سالف الذكر الذي يعد خروجاً عن حدود التفويض المرسوم له في القانون لا يعتد به ولا يكون له أي أثر على اختصاصات النيابة العامة المنصوص عليها في القانون كاملة كما لا يكون له أدنى أثر على اختصاص المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة - دون سواها - بالفصل في كافة الجرائم إلا ما استثنى بنص خاص عملاً بالفقرة الأولى من المادة 15 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972. ويستوي في ذلك أن تكون الجريمة معاقباً عليها بموجب القانون العام أو بمقتضى قانون خاص.
4 - من المقرر أن التشريع لا يلغى إلا بتشريع لاحق له أعلى منه أو مساو له في مدارج التشريع ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه: أحرز بقصد الاتجار جوهراً مخدراً (حشيشاً) في غير الأحوال المصرح به قانوناً. وأحالته إلى محكمة جنايات بور سعيد لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت في.... بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها.
فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

من حيث إن مبنى الطعن المقدم من النيابة العامة هو أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها فقد أخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه برر قضاءه بأن الحكم الصادر من المحكمة بهيئة سابقة بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى قد حاز الحجية ومن ثم فلا يجوز للمحكمة أن تعيد النظر فيه إلا إذا ألغى بعد الطعن فيه وفقاً للقانون، حين أن ذلك الحكم غير منه للخصومة ومن ثم فلا يحوز الحجية هذا فضلاً عن أنه قد طرأت عليه وقائع جديدة بعد صدوره تتمثل في صدور قرار قضائي من النيابة العسكرية بعدم اختصاص القضاء العسكري بمحاكمة المطعون ضده مما كان يتعين على المحكمة أن تحكم في موضوع الدعوى باعتبار أن شروط الحجية المانعة من إعادة نظر الدعوى تكون قد تخلفت، أما وأنها قد تخلت عن نظرها فإن حكمها يكون معيباً بما يوجب نقضه.
وحيث إن النيابة العامة أقامت الدعوى الجنائية قبل المطعون ضده عن جريمة إحراز مخدر الحشيش بقصد الاتجار وأحالته إلى محكمة جنايات بور سعيد لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت بتاريخ... بعدم اختصاصها نوعياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى النيابة العامة لاتخاذ شئونها فيها فأحالتها النيابة العامة إلى نيابة بور سعيد العسكرية لتقديم المتهم للمحاكمة أمام القضاء العسكري إلا أن رئيسها أعادها إلى النيابة العامة لما ثبت لديه أن المتهم من رجال الشرطة ولا يخضع لأحكام القانون رقم 25 لسنة 1966. فعادت النيابة العامة وقدمت المتهم للمحاكمة أمام محكمة جنايات بورسعيد إلا أن تلك المحكمة قضت بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل على أساس أن ولايتها على الدعوى قد انتهت بصدور حكمها السابق بعدم الاختصاص. لما كان ذلك، وكان من المقرر بنص المادتين 454، 455 من قانون الإجراءات الجنائية أن قوة الأمر المقضي سواء أمام المحاكم الجنائية أو المحاكم المدنية لا تكون إلا للأحكام النهائية بعد صيرورتها باتة والتي تكون قد فصلت في موضوع الدعوى الجنائية سواء بالبراءة أو بالإدانة متى توافرت شرائطها الأخرى، وكان الحكم الصادر من محكمة جنايات بور سعيد بجلسة.... بعدم اختصاصها نوعياً (المقصود ولائياً) بنظر الدعوى غير منه للخصومة، إذ لم يفصل في موضوع الدعوى الجنائية سواء بالبراءة أو بالإدانة ومن ثم فلا يحوز الحجية ولا تكون له قوة الأمر المقضي عند الفصل في موضوع الدعوى الجنائية الماثلة. وكانت المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966 تنص على أن السلطات القضائية العسكرية هي وحدها التي تقرر ما إذا كان الجرم داخلاً في اختصاصها أم لا مما مقتضاه أن قرار جهة القضاء العسكري في صدد اختصاصها هو القول الفصل الذي لا يقبل تعقيباً فإذا رأت عدم اختصاصها بجريمة ما تعين على القضاء العادي أن يفصل فيها، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها وتخلى عن الحكم في موضوعها رغم صدور قرار جهة القضاء العسكري بعدم اختصاصها بمحاكمة المطعون ضده يكون مخطئاً في تطبيق القانون. ولما كان هذا الخطأ قد حجب المحكمة عن الحكم في موضوع الدعوى فإنه يتعين أن يكون مع النقض الإحالة. ولا يفوت المحكمة أن تنوه أن حكم محكمة جنايات بور سعيد الصادر بجلسة.... بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى رغم أن الثابت أن المطعون ضده جندي من أفراد هيئة الشرطة قد أخطأ في تطبيق القانون ذلك بأن المادة 99 من القانون رقم 109 لسنة 1971 في شأن هيئة الشرطة تنص على أنه "يخضع الضباط بالنسبة على الأعمال المتعلقة بقيادة قوة نظامية لقانون الأحكام العسكرية كما يخضع للقانون المذكور أمناء ومساعد والشرطة وضباط الصف والجنود ورجال الخفر النظاميون في كل ما يتعلق بخدمتهم، وتوقع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية ويحدد وزير الداخلية بقرار منه بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في القانون المذكور للجهات المبينة فيه، كما يصدر القرارات المنظمة لإنشاء السجون العسكرية الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة" فقد دلت بذلك - وعلى ما يبين من وضوح عبارات النص - أنها خاصة بالجرائم النظامية فحسب. وليس أدل على ذلك من النص على أن توقع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية، والجزاءات المنصوص عليها في قانون هيئة الشرطة سواء المتعلقة بالضباط أو بغيرهم كلها جزاءات تأديبية بحتة حتى جزاء الحبس أو السجن وفقاً لقانون الأحكام العسكرية المنصوص عليه في الفقرة 11 من المادة 80 التي عددت الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على أمناء الشرطة والفقرة 11 من المادة 92 الخاصة بالجزاءات التي يجوز توقيعها على ضباط الصف وجنود الدرجة الأولى وكذلك الفقرة 11 من المادة 96 الخاصة بالجزاءات التي يجوز توقيعها على رجال الخفر النظاميين. ولا يقدح في ذلك ما جاء في المذكرة الإيضاحية للمادة 99 من القانون بأنه ".... وتوقع المحاكم العسكرية متى انعقد لها الاختصاص الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية فلها اختصاص تأديبي إلى ما لها من اختصاص جنائي...." فإنه فضلاً عن أن المذكرة الإيضاحية لا تنشئ اختصاصها ولا يجوز الرجوع إليها عند وضوح النص فإن الإحالة إلى الجزاءات المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 المعدل بالقانون رقم 5 لسنة 1968 بما فيها من جزاءات شبه جنائية إنما يشمل فقط تلك الجزاءات المقررة للجرائم النظامية البحتة وليست العقوبات الجنائية بالمعنى الصحيح والمقررة لجرائم القانون العام - وهذا المعنى واضح من صريح عبارات نص المادة 99 المذكورة والتي لا لبس فيها ولا غموض بل وهو ما يؤكده، نص المادة الأولى من قانون هيئة الشرطة والذي جاء فيه أن الشرطة هيئة مدنية نظامية بوزارة الداخلية - وما جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذه المادة والتي جاء بها "احتفظت المادة الأولى من المشروع بتعريف هيئة الشرطة الوارد في المادة 1 القانون 61 لسنة 1964 من أن الشرطة هيئة مدنية نظامية وبذلك أكدت أن هيئة الشرطة هي هيئة مدنية، فهي جهاز من الأجهزة المدنية بالدولة وليست جهازاً عسكرياً. إلا أنها تفترق عن غيرها من الأجهزة المدنية في أنها ليست مدنية بحتة وإنما هي هيئة نظامية يسود تكوينها علاقات تختلف عن العلاقات المدنية البحتة وخاصة واجب المرؤوس في طاعة رئيسه وواجب الرئيس في قيادة مرؤوسيه والسيطرة على القوة الموضوعة تحت قيادته". وإذن فمتى كان ذلك، وكانت المادة 99 سالفة الذكر قد أتاحت لوزير الداخلية - بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة - تحديد جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في القانون المذكور كما أتاحت به إصدار القرارات المنظمة لإنشاء السجون العسكرية الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة - فإن هذا التفويض التشريعي ينحصر فيما نصت عليه هذه المادة ولا يجوز لوزير الداخلية أن يتعدى نطاقه بخلق اختصاصات أخرى غير المنصوص عليها في القانون وإذ كان قد صدر قرار وزير الداخلية رقم 992 لسنة 1977 بتاريخ 24 من إبريل لسنة 1977 في شأن تنظيم القضاء العسكري بتنفيذ قانون الأحكام العسكرية بالنسبة لأفراد هيئة الشرطة ومن ذلك إجراء التحقيق في جرائم القانون العام في الأحوال المنصوص عليها في المادة المذكورة والتصرف في هذه القضايا، كما نص في المادة الثالثة على أن تتولى فروع الادعاء العسكري "النيابة العسكرية" اختصاصات النيابة العسكرية المنصوص عليها بالقانون رقم 25 لسنة 1966 وكذلك على اختصاص المحكمة العسكرية العليا بنظر الجنايات التي تدخل في اختصاص القضاء العسكري واختصاص المحكمة المركزية بنظر كافة الجنح والمخالفات التي تقع في اختصاصها طبقاً للقانون، فإنه يكون قد خرج بذلك عن حدود التفويض التشريعي في كل ما نص عليه متعلقاً بجرائم القانون العام. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن صحة القرار الصادر بموجب التفويض التشريعي رهينة بعدم وجود تضاد بينه وبين نص القانون المحدد لأوضاعه وشروطه، وأنه عند التعارض بين نصين أحدهما وارد في القانون والآخر في لائحته التنفيذية فإن النص الأول هو الواجب التطبيق باعتباره أصلاً للائحة - ومن ثم فإن ما ورد في قرار وزير الداخلية سالف الذكر الذي يعد خروجاً عن حدود التفويض المرسوم له في القانون لا يعتد به ولا يكون له أثر على اختصاصات النيابة العامة المنصوص عليها في القانون كاملة كما لا يكون له أدنى أثر على اختصاص المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة - دون سواها - بالفصل في كافة الجرائم إلا ما استثنى بنص خاص عملاً بالفقرة الأولى من المادة 15 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972. ويستوي في ذلك أن تكون الجريمة معاقباً عليها بموجب القانون العام أو بمقتضى قانون خاص. وإذ كان من المقرر أن التشريع لا يلغى إلا بتشريع لاحق له أعلى منه أو مساو له في مدارج التشريع ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع، وإذ كان الثابت أن قانوناً لاحقاً لم يصدر استثنى أفراد هيئة الشرطة من اختصاص المحاكم العادية فيما يتعلق بجرائم القانون العام - فإن القول بعدم اختصاص القضاء العادي بنظر الدعوى استناداً إلى القرار الوزاري سالف الذكر اجتهاد غير جائز بل هو دفع قانوني ظاهر البطلان.