مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1992 إلى آخر سبتمبر سنة 1992) - صـ 1024

(109)
جلسة 14 من مارس سنة 1992

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد المهدي عبد الله مليحي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد معروف محمد وعبد اللطيف محمد الخطيب وعلي رضا عبد الرحمن رضا والطنطاوي محمد الطنطاوي - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 1388 لسنة 33 القضائية

( أ ) إثبات - عبء الإثبات.
ولئن كان الأصل أن عبء الإثبات يقع على المدعي غير أن ضياع المستندات ليس بمضيع للحقيقة ذاتها ما دام من المقدور الوصول إليها بطرق الإثبات الأخرى - تطبيق.
(ب) عاملون مدنيون بالدولة - دين - سقوط الدين - التقادم المسقط. (أمناء المخازن وأرباب العهد).
إحالة الموظف إلى المعاش لا يسقط عنه التزامه بالدين الذي شغل ذمته لجهة الإدارة حال كونه موظفاً عاماً طالما ظل قائماً لم ينقض بأي طريق من طرق انقضاء الالتزامات المالية المقررة قانوناً - مطالبة الجهة الإدارية بحقها بالطرق الإدارية تقطع التقادم - نتيجة ذلك: لا محل للتمسك بالتقادم المسقط لحق الجهة الإدارية والذي يجد سنده في المواد 45، 348، 349 من لائحة المخازن - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 18/ 3/ 1987 أودع الأستاذ/ صلاح عبد الدايم بدر الدين المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن بموجب التوكيل الرسمي رقم 863/ أ لسنة 1986 مكتب توثيق
طنطا - سكرتارية المحكمة الإدارية العليا - تقرير طعن ضد المطعون ضده في حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في الدعوى رقم 7103 لسنة 38 قضائية بجلسة 25/ 1/ 1987 والقاضي بـ "رفض الدعوى وإلزام المدعي بصفته بالمصروفات" وطلب في ختامه لما بني عليه من أسباب الحكم أولاً: بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المذكور. ثانياً: قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء حكم محكمة القضاء الإداري المذكور مع الحكم بإلزام المطعون ضده بأن يؤدي للجامعة مبلغ {2512.590 ج} بقيمة ثمن الأصناف التي ظهرت عجزاً بعهدته مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بأحقية الطاعن بصفته في المبلغ المطالب به مع إلزام المطعون ضده المصروفات.
وقد نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون الدائرة الأولى عليا وبجلسة 18/ 3/ 1991 تقرر إحالته إلى دائرة الفحص بالدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا التي قررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الثانية بجلسة 22/ 7/ 1991 حيث نظر على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وقد أعلن الخصوم إعلاناً قانونياً، فأودع المطعون ضده مذكرة بدفاعه بجلسة 10/ 9/ 1991 طلب في ختامها - أولاً: الدفع بسقوط حق الطاعن في المطالبة بالمبلغ لانقضاء أكثر من ثلاث سنوات من تاريخ إيقاف الخصم في شهر فبراير 1979 وذلك عملاً بأحكام المادة 172 من القانون المدني. ثانياً: عدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة. ثالثاً: إلزام الجهة الطاعنة بتقديم أصل المستندات التي تحت يدها محل الأمر الإداري رقم (211) لسنة 1973.
رابعاً: واحتياطياً ضم أوراق الدعوى رقم 1841 لسنة 32 قضائية. خامساً: من باب الاحتياط الكلي القضاء بتأييد الحكم المطعون فيه بعد طرح ما جاء بتقرير هيئة مفوضي الدولة وذلك للأسباب الواردة بأصل الحكم المطعون فيه إذ أن قيمة العجز تم تقديرها جزافياً مع إلزام الطاعن في كل الحالات بالمصروفات وأتعاب المحاماة عن الدرجتين، وقد استطرد المطعون ضده في دفاعه بأن العجز المنسوب إليه هو منه براء وقد حدث أثناء وجوده في الاعتقال وأنه على افتراض تحقيقه بأن يشترك معه آخر وهو...... ومع ذلك فقد ألقيت المسئولية عنه على المطعون ضده وأن قيمة العجز ناجم عن عدم وجود دفاتر وسجلات كتوصيات الجهاز المركزي من قبل المشرف الرئيسي وقد قدر جزافياً، ومن ثم يخلص إلى الطلبات آنفة الذكر.
هذا كما أودعت الجامعة الطاعنة مذكرة بدفاعها - أرفقت بها حافظتي مستندات - صممت فيها على طلباتها وذلك بمقولة أنه بجرد عهدة المطعون ضده - أمين مخزن الكيماويات بكلية الطب بطنطا - تبين وجود عجز بعهدته بلغ قيمته {2800.619 ج} وقامت الجامعة بخصم هذا العجز من مرتبه في حدود ربع مرتبه الشهري وذلك حتى تاريخ إحالته للمعاش وانتهاء خدمته في شهر فبراير 1979 وأن التزام المطعون ضده بالمبلغ المتبقى عليه محل المطالبة يجد سنده في المواد 45، 348، 349 من لائحة المخازن وفي الحكم الصادر في الدعوى رقم 1841 لسنة 32 قضائية - قضاء إداري - التي أقامها المطعون ضده ضد الجامعة بشأن طلب وقف وإلغاء الخصم الجاري من مرتبه تنفيذاً لأمر الجامعة رقم 211 المؤرخ 15/ 7/ 1973 والمتضمن إلزامه بمبلغ {2800.619 ج} للجامعة قيمة العجز الذي ثبت في عهدته والصادر بجلسة 28/ 12/ 1981 والقاضي برفض دعوى المدعي لثبوت مسئولية المطعون ضده عن هذا العجز (المستند رقم 4 + 2 بحافظة مستندات الجامعة رقم 1) وأضاف دفاع الجامعة بأن فقد المستندات الخاصة بهذا العجز بعد صدور الحكم المذكور من عهدة كاتب شئون مخزنية كلية الطب بطنطا السيد/ ..... الذي حول إلى مجلس تأديب وجوزي بخصم عشرة أيام من مرتبه بسبب عدم تسليمه الملفات والمستندات الخاصة بالعجز الخاص بالمطعون ضده - ليس بمضيعة للحقيقة ذاتها بعد أن أكدت الوقائع والحقائق بصدور حكم محكمة القضاء الإداري في الدعوى المشار إليها، وقد حاز الحكم قوة الشيء المقضى به وأصبح عنواناً للحقيقة، وهذا فضلاً عن عدم توان الجامعة لحظة في مطالبة المطعون ضده رسمياً ومراراً بسرعة سداد باقي المبلغ المستحق عليه للجامعة وقدره {2512.590 ج} وذلك باعتباره مالاً عاماً يلتزم المطعون ضده بأدائه حتى بعد انتهاء مدة خدمته وإحالته إلى المعاش ولا يغير من هذه الحقيقة فقد أوراق عجز هذه العهدة بعد ذلك وثبوت مجازاة المتسبب إدارياً عن ذلك، هذا كما أن المادة 172 من القانون المدني تتعلق بدعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع وهو ما لا علاقة له بالطعن المتعلق بمطالبته بقيمة باقي العجز الذي ظهر في العهدة التي كانت تحت يد المطعون ضده والمملوكة لجامعة طنطا وذلك بالتطبيق لأحكام ولائحة المخازن - وقد طالبت الجامعة المطعون ضده بسداده رسمياً بعد إحالته إلى المعاش وذلك طبقاً للمستندات الواردة بحافظتي المستندات المقدمة من الجامعة ومن ثم فلم يسقط حق الجامعة بمضي المدة لدوام المطالبة به، وقد تضمنت حافظة المستندات الأولى للجامعة خمس مستندات عبارة عن خمس صور ضوئية من إخطارات الجامعة المطعون ضده ومطالبته بمبلغ
{2512.590 ج} كما طوت الحافظة الثانية خمس عشرة مستند - تتمثل في صورة ضوئية معتمدة من قرار الجامعة رقم 211 المؤرخ 15/ 7/ 1972 وصورة ضوئية معتمدة من رأي الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة ملف رقم 86/ 4/ 836 والمؤرخة 7/ 1/ 1980 بشأن عدم جواز إجراء خصم أو توقيع حجز على مستحقات المطعون ضده - لدى الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات، صورة ضوئية معتمدة من حكم مجلس الدولة، حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في الدعوى رقم 1841 لسنة 32 ق، صورة ضوئية بمطالبات الجامعة المطعون ضده بسداد باقي قيمة العجز بتاريخ 7/ 6/ 81 و6/ 1/ 82 و19/ 1/ 1983 و12/ 3/ 1984 و31/ 7/ 1985 و25/ 9/ 1985، وقرار الجامعة رقم 572 بتاريخ 18/ 4/ 1983 بمجازاة السيد/ ........ كاتب شئون مخزن كلية الطب، صورة ضوئية معتمدة من إخطار نيابة الأموال العامة بطنطا بشأن اتخاذ اللازم نحو قيام المطعون ضده لسداد المبلغ المطالب به، صورة ضوئية من كل من تقرير هيئة مفوضي الدولة في الدعوى رقم 7103 لسنة 38 قضائية والحكم الصادر فيها.
وبجلسة 21/ 12/ 1991 حجز الطعن للحكم بجلسة 1/ 2/ 1992 ومد أجله لجلسة اليوم حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية فمن ثم يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق - في أن المطعون ضده كان يعمل أميناً لمخزن الكيماويات لكلية الطب بجامعة طنطا وبعمل جرد لما بعهدته تبين وجود عجز بها، وبتاريخ 21/ 12/ 1972 صدر ضده حكم مجلس تأديب غير أعضاء هيئة التدريس بمجازاته عما وقع منه من إهمال في قيامه بواجبات وظيفته وتحمله مبلغ {2810.00 ج} ألفين وثمانمائة جنيه قيمة العجز، وبتاريخ 15/ 7/ 1973 صدر القرار الإداري رقم 211 لسنة 1973 بتحميله بهذا المبلغ والخصم من راتبه بواقع الربع شهرياً اعتباراً من 1/ 7/ 1973 وظل الخصم جاري حتى إحالته إلى المعاش اعتباراً من 18/ 2/ 1979 وقد حاول المطعون ضده بعد تظلمه من القرار المذكور تبرأة ذمته من المبلغ المشار إليه برفع الدعوى رقم 1841 لسنة 32 قضائية محكمة القضاء الإداري، إلا أن المحكمة قضت بتاريخ 28/ 12/ 1981 برفض دعوى المطعون ضده وأثبتت أن أصل الحق هو مبلغ 2800 جنيه ألفين وثمانمائة جنيه مصري، غير أنه بإحالة المطعون ضده إلى المعاش وانتهاء الرأي القانوني - لإدارة الفتوى - إلى عدم جواز الحجز - استيفاء للدين المذكور - على ربع المعاش الخاص بالمطعون ضده، أقام الطاعن بصفته الدعوى الماثلة والصادر فيها الحكم المطعون عليه آنف الذكر مطالباً المطعون ضده بالمبلغ المتبقي في ذمته للجهة المدعية، وإذ صدر الحكم على النحو آنف الذكر وقد شيدته المحكمة على عدم تقديم الجهة الطاعنة للمستندات المؤيدة لأصل الحق والمؤيدة لدعواها، لذا يقيم الطاعن الطعن الماثل ناعياً على الحكم الخطأ في القانون وتطبيقه وتأويله ذلك وأن حق المدعي ثابت رغم فقدان المستندات، وذلك بموجب الحكم الصادر في الدعوى رقم 1841 لسنة 32 قضائية والمقدم نسخة منه ومن القرار الصادر بتحميل المدعى عليه المبلغ وأن حق جهة الإدارة لم يسقط بالتقادم، ذلك لأنه فضلاً عن أن جهة الإدارة لم تتوانى في المطالبة فإن الحق يخضع لقاعدة التقادم طويل الأجل إذ مصدره لائحة المخازن والقانون.
ومن حيث إن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد جرى على أنه ولئن كان الأصل أن عبء الإثبات يقع على المدعي غير أن ضياع المستندات ليس بمضيع للحقيقة ذاتها ما دام من المقدور الوصول إليها بطرق الإثبات الأخرى.
ومن حيث إن إحالة الموظف إلى المعاش لا يسقط عنه التزامه بالدين الذي شغل ذمته لجهة الإدارة حال كونه موظفاً عاماً طالما ظل قائماً لم ينقضي بأي طريق من طرق انقضاء الالتزامات المالية المقررة قانوناً.
ومن حيث إن أصل الدين المستحق طرف المطعون ضده ثابت وذلك بمقتضى القرار الإداري الصادر بتحميله قيمة العجز الثابت في عهدته وتقرير استيفائه عن طريق الخصم من راتبه في حدود ربع المرتب الشهري بالقرار الإداري رقم 211 لسنة 1973 وكذلك بموجب الحكم الصادر في الدعوى رقم 1841 لسنة 32 قضائية آنفة البيان حيث أثبت كل منهما قيمة العجز بمبلغ 2800 جنيه ألفين وثمانمائة جنيهاً، ومن حيث إن جهة الإدارة أخذت في الخصم من مرتب المطعون ضده - في حدود ربع مرتبه - وذلك اعتباراً من 1/ 7/ 1973 ورغم إحالته إلى المعاش في 18/ 2/ 1979 لم تتقاعس عن مطالبته بمتبقى المبلغ وقدره 2512.590 جنيه وذلك حسبما يبين من صور مطالبتها والمؤرخة 7/ 4/ 1987، 28/ 1/ 1988، 12/ 1/ 1989، 1/ 1/ 1990، 6/ 2/ 1991، ومن حيث إن مطالبة الجهة الإدارية بحقها بالطرق الإدارية تقطع التقادم ومن ثم فلا محلل للتمسك بالتقادم المسقط لحق الجهة الطاعنة والذي يجد سنده في المواد 45، 348، 349 من لائحة المخازن والتي مؤداها مسئولية أمناء المخازن وأرباب العهد عما في عهدتهم مسئولية شخصية ولا تخلي مسئوليتهم إلا إذا ثبت للمصلحة أن التلف أو الفقد كان لأسباب قهرية وخارجة عن إرادتهم ولا سبيل لهم في دفعها أو منعها تخصم قيمتها من راتبهم ولا يحول دون ذلك إلا إذا ثبت أن التلف أو الفقد كان نتيجة لسرقة بالإكراه أو السطو أو الحريق أو سقوط مبان أو أي حادث خارج عن إرادة أمين المخزن.
ومن حيث إنه متى كان ذلك فإنه يتعين إلزام المطعون ضده بالمبلغ المتبقي في ذمته والمطلوب منه وقدره 2512.590 جنيه ويكون الحكم المطعون فيه وقد جاء على خلاف هذا النظر مخالفاً للقانون خليقاً بالإلغاء.
ومن حيث إن من خسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملاً بأحكام المادة 184 من قانون المرافعات المدنية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلزام المطعون ضده بأن يؤدي إلى الطاعن بصفته مبلغ 2512.59 جنيهاً (ألفين وخمسمائة واثني عشر جنيهاً وتسعة وخمسون قرشاً) وألزمته المصروفات عن الدرجتين.