مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1992 إلى آخر سبتمبر سنة 1992) - صـ 1201

(130)
جلسة 29 من مارس سنة 1992

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ إسماعيل عبد الحميد إبراهيم وعادل محمد زكي فرغلي وفريد نزيه تناغو وأحمد عبد العزيز أبو العزم - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 397 لسنة 36 القضائية

( أ ) دعوى - الإعلان - أثر إغفال إعلان الخصوم بالدعوى. (مرافعات).
المادتان 3، 30 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، المادتان 64، 69 من الدستور.
الأصل وجوب تطبيق الإجراءات المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة - لا تتم الإحالة إلى قانون المرافعات إذا ما تعارضت هذه الأحكام نصاً أو روحاً مع أحكام قانون مجلس الدولة - إذا كانت الخصومة قد انعقدت أمام المحاكم المدنية فلا يترتب على إحالة الدعوى إلى إحدى محاكم مجلس الدولة انقضاء الخصومة بل تمتد إلى المحكمة التي أحيلت إليها الدعوى ويكون نظرها أمامها خاضعاً للأحكام المنظمة لذلك بقانون مجلس الدولة - المادة 30 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 لم تحدد الوسيلة التي يبلغ بها قلم الكتاب ذوي الشأن بميعاد الجلسة المحددة لنظر الدعوى - يتعين وصول هذا الإبلاغ إلى ذوي الشأن وأن يقوم الدليل من الأوراق على وصول العلم بتاريخ الجلسة إليهم وذلك حتى تنعقد الخصومة صحيحة بإجراءات إخطار صحيحة تتحقق من بلوغها غايتها المحكمة المنظورة أمامها الدعوى - القاضي الإداري مسئول عن الإشراف على أداء العاملين في قلم كتاب المحكمة لواجبهم في الإخطار كتابة بتاريخ الجلسة لذوي الشأن جميعاً لتمكينهم أنفسهم أو بوكلائهم من المثول أمام المحكمة للإدلاء بما لديهم من إيضاحات وتقديم ما يعن لهم من بيانات وأوراق لاستيفاء الدعوى واستكمال عناصر الدفاع فيها ومتابعة سير إجراءاتها ومباشرة كل ما يحتمه ويخوله لهم مباشرة حقهم في الدفاع عن مصالحهم وعن الشرعية وسيادة القانون في ذات الوقت - كفالة حق الدفاع أصالة أو بالوكالة لجميع المواطنين أصلاً عاماً من أصول التقاضي - أثر ذلك: يترتب على إغفال هذا الأصل العام وإهداره إذا لم يتسن تدارك الإغفال أو تصحيحه وقوع عيب شكلي جوهري في الإجراءات يخالف النظام العام القضائي بإهداره حقاً من الحقوق الأساسية للإنسان كفله الدستور وهو حق الدفاع - نتيجة ذلك: يكون الحكم الصادر في مثل هذا النزاع معيباً ولا أثر له ويتحتم الحكم من محكمة الطعن بانعدامه وببطلان أي أثر له - تطبيق.
(ب) دعوى - الطعن في الأحكام - ميعاد الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا - سريان الميعاد.
المادة 44 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972.
ميعاد الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا ستون يوماً من تاريخ صدور الحكم المطعون فيه - هذا الميعاد لا يسري إلا في حق الخصم الذي علم بتاريخ الجلسة المحددة لنظر الدعوى أصلاً أو الذي أصبح محققاً تمكنه من العلم بتاريخ الجلسة والتي سوف يصدر فيها الحكم ليستطيع متابعة صدوره ليتمكن من مباشرة حقه في الطعن فيه بعد علمه به علماً يقينياً - نتيجة ذلك: ذو المصلحة الذي لم يعلم بتاريخ الجلسة التي تحددت لنظر الدعوى وبالتالي لم يعلم بصدور الحكم فيها في حينه لا يسري ميعاد الطعن في حقه إلا من تاريخ علمه اليقيني بهذا الحكم - تطبيق.
(جـ) دعوى - تكييف الدعوى - حدود سلطة القاضي الإداري.
للخصوم تحديد طلباتهم وتحديد الألفاظ والعبارات التي يصوغون هذه الطلبات بواسطتها على النحو الذي يرونه محققاً لمصلحتهم - تكييف هذه الطلبات وتحديد حقيقتها أمر تستقل به المحكمة المنظورة أمامها الدعوى - أساس ذلك: هذا التكييف هو الذي يتوقف عليه تحديد ولاية المحكمة واختصاصها ومدى قبول الدعوى شكلاً أمامها قبل الفصل في موضوعها، وكلها من المسائل الأولية المتصلة بالنظام العام - نتيجة ذلك: على المحكمة، وهي بصدد تكييف الدعوى وصياغة الطلبات فيها، أن تتقصى النية الحقيقية للخصوم من وراء إبدائهم طلباتهم، فلا تقف عند ظاهر اللفظ ووجه العبارة بل عليها استكشاف حقيقة نية الخصوم وإرادتهم وأهدافهم وغاياتهم من وراء الدعوى والطلبات فيها - أساس ذلك: العبرة بالمقاصد والمعاني وليست بالألفاظ والمباني - مؤدى ذلك: على محكمة القضاء الإداري أن تبحث أولاً أمر اختصاصها بنظر الدعوى المحالة إليها بإنزال حقيقة التكييف القانوني لها - ما تنتهي إليه محكمة القضاء الإداري من تكييف قانوني للدعوى يكون خاضعاً للرقابة القضائية التي تمارسها هذه المحكمة - تطبيق.
(د) دعوى - الحكم في الدعوى - ولاية القاضي الإداري.
لا يملك قاضي المشروعية أن يصدر أمراً إلى الإدارة - أساس ذلك: استقلال السلطة التنفيذية عن السلطة القضائية - السلطة القضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية في إطار أحكام الدستور وقانون مجلس الدولة - نتيجة ذلك: يقتصر اختصاص قاضي المشروعية على إجراء رقابة المشروعية على ما تصدره الجهة الإدارية أو تمتنع عن إصداره من قرارات متى كانت ملزمة قانوناً بذلك فيحكم بإلغاء القرار المعيب في الحالة الأولى وبإلغاء القرار السلبي بالامتناع في الحالة الثانية - على السلطة التنفيذية المختصة إصدار القرارات اللازمة لتنفيذ هذه الأحكام نزولاً على الشرعية بما يحقق الشرعية وسيادة القانون وذلك بناءً على مسئوليتها السياسية أمام السلطة التشريعية وتحت مسئوليتها المدنية والجنائية التي يملك أصحاب الشأن تحريكها في الوقت ذاته لإجبارها على تنفيذ الأحكام التي جعل الدستور عدم تنفيذها جريمة من الموظف العام يعاقب عليها قانوناً وللمحكوم له برفع الدعوى الجنائية مباشرة إلى المحكمة المختصة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 31 من ديسمبر سنة 1989 أودع الأستاذ فايق وهبة فرج المحامي بصفته وكيلاً عن شركة مونيه للتصدير والاستيراد قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن قيد برقم 397 لسنة 36 ق. عليا ضد كل من وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية ورئيس مصلحة الجمارك ومدير عام الجمارك بالإسكندرية والمنطقة الغربية بصفاتهم في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 21/ 11/ 1989 في الدعوى رقم 398 لسنة 36 ق. عليا والقاضي بعدم قبول الدعوى وألزمت المدعي المصروفات وطلبت الشركة الطاعنة للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى لذات المحكمة للفصل فيها من جديد بهيئة أخرى وإلزام المطعون ضدهم مصروفات هذا الطعن ومقابل أتعاب المحاماة وتم إعلان الطعن على الوجه المبين بالأوراق وأودع السيد الأستاذ المستشار مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً برأي هيئة مفوضي الدولة ارتأى فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بقبول الدعوى شكلاً وإعادتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في موضوعها مع إبقاء الفصل في المصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 19 من مارس سنة 1990 وتداولته بالجلسات على النحو المبين بالمحاضر وبجلسة 3 من ديسمبر سنة 1990 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة التي نظرته بجلسة 22 من ديسمبر سنة 1990 والجلسات التالية وبجلسة 26 من يناير سنة 1992 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 25/ 3/ 1992 ثم مدت أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم 29/ 3/ 1992 وبها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه صدر بجلسة 21/ 11/ 1989 وأقيم الطعن الماثل بإيداع صحيفته قلم كتاب المحكمة بتاريخ 31/ 12/ 1991.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق أنه بتاريخ 7 من فبراير سنة 1987 أقامت الشركة الطاعنة الدعوى رقم 562 لسنة 87 أمام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة وطلبت في ختامها الحكم بصفة مستعجلة بالإفراج فوراً عن السيارات التي ترد تباعاً على قوة الموافقات الاستيرادية الوارد بيانها تفصيلاً بالصحيفة والتخصيم عليها مع مراعاة احتساب شرط العمر وهو خمس سنوات مع الإذن للشركة الطاعنة بفتح الاعتماد المستندي لدى أحد المصارف المعتمدة مع إلزام مصلحة الجمارك المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقالت الشركة الطاعنة شرحاً لدعواها: إنه في ظل العمل بالقرار الوزاري رقم 15 لسنة 1980 تقدمت إلى وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بثلاثة طلبات استيراد بهدف الحصول على موافقات استيرادية لاستيراد سيارات نقل مرسيدس مستعملة موديل سنة 1979 حتى 1984 وقد صدرت الموافقات الاستيرادية أرقام 15703، 15602، 15603 بتاريخ 12/ 11/ 1983، 30/ 1/ 1984، 30/ 9/ 1984 على التوالي لاستيراد أربعين سيارة مستعملة وإثر الانتهاء من جميع الإجراءات الاستيرادية فوجئت الشركة المدعية بصدور القرار الوزاري رقم 6 لسنة 1985 والمعمول به اعتباراً من 15/ 1/ 1985 وقيام مصلحة الجمارك بتطبيقه على الموافقات الاستيرادية سالفة الذكر والسابقة على صدوره والعمل به، وقد أصدرت المصلحة المذكورة تعليمات فورية لجميع المصارف المعتمدة بعدم قبول أوراق فتح الاعتماد النقدي بالرغم من النص في المادة الرابعة من القرار الأخير بالعمل به اعتباراً من 15/ 1/ 1985 ولا يسري على ما سبقه الأمر الذي دعا رئيس الجمهورية للتدخل بنفسه لوقف هذه المخالفات وكان من أثر ذلك صدور منشور وزير المالية رقم 40 في 1/ 4/ 1985 متضمناً أن البضائع التي تم التعاقد عليها قبل 5/ 1/ 1985 لا يتم عرضها على لجنة الترشيد ورغم ذلك استمرت مصلحة الجمارك في تطبيق القرار الوزاري رقم 6 لسنة 1985 على نحو مخالف لنص المادة الرابعة منه مما حدا بكثير من المواطنين والشركات الذين أضيروا من هذه المخالفة القانونية للجوء للقضاء وصدرت أوامر وقتية وأحكام من القضاء المستعجل في هذا الخصوص ولما كانت الأخطار محدقة بالشركة المدعية مما يتوافر معه ركن الاستعجال المبرر لإقامة هذه الدعوى بالطلبات السالفة وبجلسة 18/ 4/ 1987 حكمت المحكمة في مادة مستعجلة أولاً: برفض الدفع المبدى من الحكومة بعدم اختصاص المحكمة محلياً بنظر الدعوى، ثانياً: وبرفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدفع، ثالثاً: بالإفراج عن السيارات التي ترد تباعاً على قوة الموافقات الاستيرادية الواردة بياناتها تفصيلاً بالصحيفة والتخصيم عليها مع مراعاة شرط العمر وهو خمس سنوات طبقاً للقرار الوزاري رقم 15 لسنة 1980 وذلك بعد سداد كافة الرسوم والضرائب الجمركية المستحقة قانوناً مع الإذن للشركة المدعية بفتح الاعتماد المستندي لدى أحد المصارف المعتمدة وألزمت المدعى عليه الأخير بصفته المصروفات ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة وقد استأنف المدعى عليهم الحكم آنف البيان بالاستئناف رقم 1904 لسنة 1987 أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية والتي قضت بجلستها المنعقدة بتاريخ 26/ 1/ 1989 بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر طلب الإفراج عن السيارات الواردة بالصحيفة وإحالة الدعوى بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري لنظرها بجلسة 29/ 3/ 1989 وألزمت المستأنف ضده مصروفات الشق المستعجل وعشرين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة وأبقت الفصل في مصاريف الدعوى المستأنف حكمها بالنسبة لهذا الطلب وعدم اختصاصها بنظر طلب الإذن بفتح الاعتماد المستندي وألزمت المستأنف ضده المصاريف وعشرين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي بالنسبة لهذا الشق وقد أحيلت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري حيث قيدت برقم 3018 لسنة 43 ق.
وبجلسة 21 من نوفمبر سنة 1989 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها المطعون فيه بعدم قبول الدعوى وألزمت المدعي المصروفات وأقامت المحكمة قضاءها على أنه من المقرر طبقاً لحكم المادة 49 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 وجوب اقتران طلب وقف التنفيذ بطلب الإلغاء ولما كانت الدعوى قد أقيمت ابتداءً أمام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بطلب الحكم بصفة مستعجلة بالإفراج فوراً عن السيارات الواردة على قوة الموافقات الاستيرادية المبينة بصحيفة الدعوى، وإذ قضى بعدم اختصاص محكمة الأمور المستعجلة بنظر الدعوى وإحالتها إلى هذه المحكمة فإنه كان يتعين على الشركة المدعية تعديل طلباتها أمامها بما يتفق وشروط قبول الدعوى أمام القضاء الإداري وذلك بأن يقرن طلب وقف التنفيذ بطلب الإلغاء خلال المواعيد المقررة قانوناً للطعن في القرارات الإدارية وإذ لم تقم الشركة المدعية بذلك فإنه يتعين عدم قبول الدعوى لعدم اقتران طلب وقف التنفيذ بطلب الإلغاء.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد شابه خطأ جسيم في الإسناد وفساد في الاستدلال ومخالفة لأحكام القانون ومن ثم جاء معيباً بعيب البطلان المطلق الذي ينزل به إلى مرتبة العدم أولاً: لصدوره في خصومة لم تنعقد بالطريق القانوني في المرحلة التالية لحكم عدم الاختصاص الولائي لأن الشركة الطاعنة لم يصلها أية إخطارات على الإطلاق ولم يتصل علمها بتحديد جلسة 2/ 5/ 1989 أول جلسة لنظر الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري بعد الحكم بعدم الاختصاص والإحالة التي لم تخطر بها الشركة الطاعنة بموجب إخطار بالبريد الموصى عليه المقترن بعلم الوصول أو بموجب إعلان على يد محضر وأوراق ملف الدعوى المطعون في حكمها تنطق محاضر جلساتها بأن الشركة لم تحضر أية جلسة من هذه الجلسات ولم تبد دفاعاً لانقطاع علمها تماماً بالجلسة المحددة لنظر الدعوى مما يصم الحكم بالبطلان المطلق، ثانياً: أخطأ الحكم المطعون فيه في تحصيل الوقائع وشابه قصور في التسبيب وأخطأ في تطبيق القانون وتأويله ذلك أن الشركة الطاعنة أقامت دعواها ابتداء أمام القضاء المستعجل بالقاهرة بصحيفة ضمنتها طلب الحكم بالإفراج فوراً عن السيارات التي صدرت لها الموافقات الاستيرادية الموضح تفصيلها بصحيفة الدعوى في ظل العمل بأحكام القرار الوزاري رقم 15 لسنة 1980 مع الإذن لها بفتح الاعتماد المستندي لدى أحد المصارف المعتمدة طبقاً لأحكام القرار الوزاري المشار إليه وهو ما يتضمن معنى وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلغائه في آن واحد إذ تكون الدعوى قد استوفت الشروط التي نصت عليها المادة (49) من قانون مجلس الدولة ومتى كان ذلك وكان حق الشركة الطاعنة في إبداء دفاعها أمام محكمة أول درجة قد صادرته إجراءات باطلة بطلاناً مطلقاً لعدم علمها بها فإن الحكم المطعون عليه يكون قد وقع باطلاً بطلاناً مطلقاً ينزل به إلى مرتبة الانعدام وانتهت الشركة الطاعنة إلى طلب قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون عليه وإعادة الدعوى للمحكمة المذكورة للفصل فيها من جديد بهيئة أخرى غير التي أصدرت الحكم مع إلزام المطعون ضدهم بصفاتهم مصروفات هذا الطعن ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إن المادة الثالثة من قانون مجلس الدولة رقم (47) لسنة 1972 تنص على أن "تطبق الإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون وتطبق أحكام قانون المرافعات فيما لم يرد فيه نص وذلك إلى أن يصدر قانون الإجراءات الخاصة بالقسم القضائي، ومفاد حكم المادة الثالثة آنفة الذكر وما جرى عليه قضاء هذه المحكمة هو أن الأصل وجوب تطبيق الإجراءات المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة ولا تتم الإحالة إلى قانون المرافعات إذا ما تعارضت هذه الأحكام نصاً أو روحاً مع أحكام قانون مجلس الدولة فإذا كان الثابت أن الخصومة في الطعن الماثل كانت قد انعقدت أمام المحاكم المدنية فلا يترتب على إحالة الدعوى إلى إحدى محاكم مجلس الدولة انقضاء الخصومة بل تنتقل إلى المحكمة التي أحيلت إليها الدعوى، ويكون نظرها أمامها خاضعاً للأحكام المنظمة لذلك بقانون مجلس الدولة وتنص المادة (30) من قانون مجلس الدولة آنف الذكر على أن "...... ويبلغ قلم كتاب المحكمة بتاريخ الجلسة إلى ذوي الشأن...
ومن حيث إنه مراعاة لطبيعة المنازعة الإدارية التي تختص بنظرها محاكم مجلس الدولة وبصفة خاصة المنازعات الخاصة بطلبات إلغاء القرارات ولا يصل هذا النوع من المنازعات بالمشروعية وسيادة القانون التي يقوم عليها نظام الدولة بصريح نص المادة (64) من الدستور فإن المشرع قد أناط بمعاوني القضاء بمجلس الدولة تحت إشراف المحكمة المختصة إخطار الخصوم بتاريخ الجلسة المحددة لنظر الدعوى في مجلس القضاء أمام أية محكمة من محاكم مجلس الدولة وذلك يجعل القاضي الإداري ذاته مسئولاً عن الإشراف على أداء العاملين في قلم كتاب المحكمة لواجبهم في الإخطار كتابة بتاريخ الجلسة لذوي الشأن جميعاً لتمكينهم أنفسهم أو بوكلائهم من المثول أمام المحكمة للإدلاء بما لديهم من إيضاحات وتقديم ما يعن لهم من بيانات وأوراق لاستيفاء الدعوى واستكمال عناصر الدفاع فيها ومتابعة سير إجراءاتها ومباشرة كل ما يحتمه ويخوله لهم مباشرة حقهم في الدفاع عن مصالحهم وعن الشرعية وسيادة القانون في ذات الوقت الأمر الذي يرتبط بمصلحة جوهرية لذوي الشأن بل وبحسن سير العدالة ذاتها وفقاً لما تقتضيه طبيعة الخصومة القضائية في المنازعات الإدارية ومن أجل ذلك حرص الدستور على النص في المادة (69) منه على كفالة حق الدفاع أصالة أو بالوكالة لجميع المواطنين ويمثل ذلك أصلاً عاماً من أصول التقاضي سواء أمام القضاء العادي أو قضاء مجلس الدولة أم أمام أية جهة قضائية أخرى فلا خصومة بلا طرفين يباشر كل منهما حق الدفاع كاملاً في ساحة العدالة في مواجهة الطرف الثاني وتحت إشراف القاضي الطبيعي للمنازعة ومن ثم يترتب على إغفال هذا الأصل العام وإهداره وهو أحد الأسس الجوهرية للنظام العام للتقاضي إذا لم يتسن تدارك الإغفال أو تصحيحه وقوع عيب شكلي جوهري في الإجراءات يخالف النظام العام القضائي بإهداره حقاً من الحقوق الأساسية للإنسان كفله الدستور وهو حق الدفاع الذي يحرم من مباشرته أمام القضاء وحتمية الإهدار لمصالح الخصم الذي وقع هذا الإهدار لحقه الأمر الذي يؤثر في الحكم ويترتب على صدوره في خصومة وفي منازعة لم تنعقد بمجلس القضاء قانوناً حيث تخلف أحد طرفيها عن الدفاع عن حقوقه ومصالحه وانفرد بدون وجه حق بالمخالفة للدستور وللنظام العام القضائي بإبداء وجهة نظره ومطالبة في ساحة العدالة طرف واحد الأمر الذي يحتم عدم الاعتداد بأي أثر قانوني تحميه الشرعية بناءً على هذا الانفراد الموصوم بالمخالفة الجسيمة للدستور والقانون من أحد الخصوم بساحة العدالة بالتالي يكون الحكم الصادر في مثل هذا النزاع معيباً ولا أثر له ويتحتم الحكم من محكمة الطعن بانعدامه وبطلان أي أثر له.
ومن حيث إنه وإن كانت المادة (30) آنفة البيان لم تحدد الوسيلة التي يبلغ بها قلم الكتاب ذوي الشأن بميعاد الجلسة المحددة لنظر الدعوى إلا أنه يتعين وصول هذا الإبلاغ إلى ذوي الشأن وأن يقوم الدليل من الأوراق على وصول العلم بتاريخ الجلسة إليهم وذلك حتى تنعقد الخصومة صحيحة بإجراءات إخطار صحيحة تتحقق من بلوغها غايتها المحكمة المنظور أمامها الدعوى فإذا لم يثبت من الأوراق أن الطاعن (المدعي) قد علم بتاريخ أول جلسة تحددت لنظر الدعوى أمام المحكمة المطعون في الحكم الصادر فيها بعد إحالتها إليها من القضاء المدني وقد تأجل نظر الدعوى العديد من الجلسات حتى حجزت للحكم بجلسة 21/ 11/ 1989 م دون أن يخطر الطاعن أو محاميه بأي من هذه الجلسات ودون أن يتمكن من الشخوص أمام المحكمة واستظهار أوجه دفاعه وهو أمر لا يتصور حدوثه من الشركة (الطاعنة) ووكيلها المحامي حيث لا مصلحة معقولة البتة لهما فيه إذا كان قد بلغهما أو بلغ أحدهما إخطار بالفعل بتاريخ الجلسة ومن ثم فإن الإجراءات يكون قد شابها عيب شكلي من النظام العام يبطلها ويؤثر في الحكم مما يستتبع بطلانه على مقتضى حكم الفقرة الثانية من المادة 23 من قانون مجلس الدولة.
ومن حيث إنه بناءً على ما سلف بيانه وعلى أساس أن قضاء هذه المحكمة مستقر على أنه ولئن كان ميعاد الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا هو ستين يوماً من تاريخ صدور الحكم المطعون فيه طبقاً للمادة (44) من قانون مجلس الدولة فإن هذا الميعاد لا يسري إلا في حق الخصم الذي علم بتاريخ الجلسة المحددة لنظر الدعوى أصلاً أو الذي علم أو أصبح محققاً تمكنه من العلم بتاريخ الجلسة والتي سوف يصدر فيها الحكم ليستطيع متابعة صدوره ليتمكن من مباشرة حقه في الطعن فيه بعد علمه به علماً يقينياً ومن ثم، فإن ذا المصلحة الذي لم يعلم بتاريخ الجلسة التي تحددت لنظر الدعوى وبالتالي لم يعلم بصدور الحكم فيها في حينه لا يسري ميعاد الطعن في حقه إلا من تاريخ علمه اليقيني بهذا الحكم وعلى هذا المقتضى فإنه حيث لم يثبت علم الطاعنة علماً يقينياً بهذا الحكم قبل الستين يوماً السابقة على تاريخ إقامة الطعن فإنه لا مناص من اعتبار الطعن مقاماً في الميعاد المقرر قانوناً مستوفياً أوضاعه الشكلية وذلك بصرف النظر على أنه قد أقيم هذا الطعن بالفعل في 31/ 12/ 1989 بينما الحكم المطعون فيه قد صدر في 21/ 11/ 1989 وأقيم الطعن الماثل في 31/ 12/ 1989.
ومن حيث إنه ولئن كانت الشركة الطاعنة قد أقامت دعواها ابتداء أمام محكمة الأمور المستعجلة بالقضاء المدني طالبة الحكم بصفة مستعجلة بالإفراج عن السيارات التي ترد تباعاً على قوة الموافقات الاستيرادية الثلاث...... وهي السيارات الموضحة وفقاً لهذه الموافقات..... مع الإذن لها بفتح الاعتماد المستندي لدى أحد المصارف المعتمدة....... إلا أن محكمة جنوب القاهرة (محكمة الاستئناف) أنزلت على الطلبات في الدعوى ما ارتأته من تكييف قانوني لها بأنها طلبت إلغاء القرار الوزاري رقم 6 لسنة 1985 واعتباره كأن لم يكن وإلغاء كافة ما يترتب عليه من آثار ومنها الإفراج عن السيارات المبينة بعريضة الدعوى ورتبت تلك المحكمة على ما انتهت إليه من تكييف قانوني للطلبات عدم اختصاص القضاء المدني بفرعيه العادي والمستعجل بنظر الدعوى وبالتالي قضت بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة مستقر على أنه ولئن كان للخصوم تحديد طلباتهم وتحديد الألفاظ والعبارات التي يصوغون هذه الطلبات بواسطتها على النحو الذي يرونه محققاً لمصالحهم فإن تكييف هذه الطلبات وتحديد حقيقتها أمر تستقل به المحكمة المنظورة أمامها الدعوى لما هو: مسلم به من أن هذا التكييف هو الذي يتوقف عليه تحديد ولاية المحكمة واختصاصها ومدى قبول الدعوى شكلاً أمامها قبل الفصل في موضوعها وكلها من المسائل الأولية المتصلة بالنظام العام، ومن ثم فإنه على المحكمة وهي بصدد تكييف الدعوى وحقيقة الطلبات فيها أن تتقصى النية الحقيقية للخصوم من وراء إبدائهم طلباتهم فلا تقف عند ظاهر اللفظ ووجه العبارة بل عليها استكناه حقيقة نية الخصوم وإرادتهم وأهدافهم وغاياتهم من وراء الدعوى والطلبات فيها، فالعبرة بالمقاصد والمعاني وليست بالألفاظ والمباني ومؤدى ذلك ولازمه القانوني أن يكون على محكمة القضاء الإداري أن تبحث أولاً أمر اختصاصها بنظر الدعوى المحالة إليها بإنزال حقيقة التكييف القانوني لها ويكون ما تنتهي إليه محكمة القضاء الإداري من تكييف قانوني للدعوى خاضعاً للرقابة القضائية التي تمارسها هذه المحكمة وإذا كانت الشركة قد عبرت عن طلباتها بحسبان أن دعواها قد أقيمت ابتداءً أمام القضاء المستعجل المدني بأنها تطلب الحكم بصفة مستعجلة بالإفراج فوراً عن السيارات التي ترد تباعاً على قوة الموافقات الاستيرادية الثلاث المشار إليها إلا أنه وقد أحيلت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري فكان يتعين عليها أن تجرى على الطلبات المشار إليها حقيقة التكييف القانوني لها استظهاراً لنية الشركة من ورائها، وقصدها من إبدائها، وبما يتفق والاختصاص المقرر لقاضي المشروعية، وعلى ذلك إذا كان وجه عبارة الطلبات وظاهر ألفاظها إصدار الأمر إلى جهة الإدارة بالإفراج فوراً عن السيارات التي ترد استناداً إلى الموافقات الاستيرادية التي منحت للشركة الطاعنة فإن ذلك مما يتأبى واختصاص قاضي المشروعية طبقاً لما ينص عليه الدستور وقانون مجلس الدولة إذ لا يملك قاضي المشروعية أن يصدر أمراً إلى جهة الإدارة لاستقلال السلطة التنفيذية عن السلطة القضائية كما أن هذه السلطة القضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية في الإطار الذي تبيحه أحكام الدستور وقانون مجلس الدولة، ومن ثم يقتصر اختصاصه على إجراء رقابة المشروعية على ما تصدره الجهة الإدارية أو تمتنع عن إصداره من قرارات متى كانت ملزمة قانوناً بذلك فيحكم بإلغاء القرار المعيب في الحالة الأولى وبإلغاء القرار السلبي بالامتناع في الحالة الثانية وعلى السلطة التنفيذية المختصة إصدار القرارات اللازمة لتنفيذ هذه الأحكام نزولاً على الشرعية بما يحقق المشروعية وسيادة القانون وذلك على مسئوليتها السياسية أمام السلطة التشريعية وتحت مسئوليتها المدنية والجنائية التي يملك أصحاب الشأن تحريكها في ذات الوقت لإجبارها على تنفيذ الأحكام التي جعل الدستور عدم تنفيذها جريمة من الموظف العام يعاقب عليها قانوناً وللمحكوم له حق رفع الدعوى الجنائية مباشرة إلى المحكمة المختصة (م 72) وفي ضوء ما أوردته الشركة من طلبات بصحيفة الدعوى تنكشف حقيقة طلبات الشركة بعد أن أثير الخلاف بينها وبين جهة الإدارة حول حقيقة مفاد حكم الأثر المباشر لقرار وزير الاقتصاد رقم 6 لسنة 1985 واتخاذ جهة الإدارة مسلكاً إيجابياً برفض الإفراج عن السيارات وردت استناداً إلى الموافقات الاستيرادية بأنها تطلب الحكم بأحقيتها في استيراد السيارات الوارد بيانها بالموافقات الاستيرادية التي منحت لها وفق الشروط والأوضاع التي كانت سارية وقت منح هذه الموافقات الاستيرادية فلا تسري على السيارات الواردة استناداً إلى تلك الموافقات الأحكام التي استحدثها قرار وزير الاقتصاد رقم 6 لسنة 1985 فيما تضمنه من شروط خاصة باستيراد السيارات مع ما يترتب على ذلك من آثار تتحصل في الإفراج عن السيارات التي ترد استناداً إلى تلك الموافقات الاستيرادية المشار إليها أو فتح الاعتمادات المستندية اللازمة عن تلك الموافقات وبهذه المثابة تكون الطلبات في الدعوى هي طلبات موضوعية تقوم على إلغاء القرارات الصادرة بعدم الإفراج عن هذه السيارات وتطلب الشركة أن يكون الفصل فيها على وجه السرعة وهو ما يعني حتماً وبالضرورة أن هذه الطلبات بالإلغاء تشمل وقف التنفيذ مما يندرج في مفهوم المنازعة الإدارية بالإلغاء المقترن بوقف التنفيذ للقرارات المطلوب الحكم بإلغائها أو يختص بنظرها مجلس الدولة بهيئة قضايا إداري وقد ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب دون سند من الواقع أو القانون فيكون حقيقاً بالإلغاء.
ومن حيث إنه من وجه آخر فإنه لما كانت الشركة الطاعنة لم تحضر أياً من الجلسات التي نظرت فيها الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري ولم تبد دفاعها فيها وإبداء طلباتها الختامية في الدعوى ومن ثم تكون غير مهيأة للفصل فيها ومن ثم يتعين إعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها مجدداً بهيئة أخرى مع إلزام الجهة الإدارية المطعون ضدها بمصروفات هذا الطعن عملاً بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وأمرت بإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها مجدداً بهيئة أخرى وألزمت الجهة الإدارية بمصروفات هذا الطعن.