مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1992 إلى آخر سبتمبر سنة 1992) - صـ 1297

(140)
جلسة 21 من إبريل سنة 1992

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد محمود الدكروري نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ عويس عبد الوهاب عويس ومحمد أبو الوفا عبد المتعال وأحمد أمين حسان محمد ود. محمد عبد البديع عمران - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 819 لسنة 32 القضائية

عقد إداري - بعض أنواع العقود الإدارية - التعهد بالتأهيل قبل الخدمة.
يجب تنفيذ العقد وفقاً لما اشتملت عليه شروطه وبما يتفق ومبدأ حسن النية - مقتضى ذلك: أن حقوق المتعاقد مع الإدارة والتزاماته إنما تتحدد طبقاً لشروط العقد - أثر ذلك: أن الحكم الذي يتحدد وباتفاق المتعاقدين في العقد الإداري يفيد طرفيه كأصل عام - شرط ذلك: أن ما اتفق عليه طرفا التعاقد هو شريعتهما التي تلاقت عنها إرادتهما وقبلا تبعاً لذلك ترتيب حقوق والتزامات كل منهما على أساسه - أساس ذلك: العقد شريعة المتعاقدين - إذا كان العقد المبرم بين الطاعن وجهة الإدارة الهدف منه استكمال تأهيله كقائد طراز ثقيل تمهيداً لتعيينه بتلك الجهة - عدم اعتبار فترة استكمال تأهيله التحاقاً بالعمل لدى الشركة - أثر ذلك: لا ينطبق في شأن هذه العلاقة أية قوانين متعلقة بالعمل - عدم استكمال الطاعن لفترة تأهيله - لا التزام على الجهة الإدارية بتعيينه لعدم حلول أجل ذلك ولا حدوث مقتضاه - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 10/ 2/ 1986 أودع وكيل الطاعن تقرير هذا الطعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 2759 لسنة 37 ق (دائرة العقود الإدارية والتعويضات) والذي قضى بجلسة 15/ 12/ 1985 برفض الدعوى.
وطلب الطاعن في ختام تقرير الطعن للأسباب الواردة به الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بإلزام المطعون ضده بأن يدفع للطاعن مبلغاً مقداره خمسمائة ألف جنيه وذلك على سبيل التعويض عن الأضرار التي حاقت به نتيجة للفصل التعسفي الذي باشرته الجهة الإدارية المطعون ضدها تجاه الطاعن والمصروفات عن درجتي التقاضي.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن انتهت للأسباب الواردة فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه وإلزام الطاعن بالمصروفات.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 7/ 11/ 1990 التي قررت بجلسة 16/ 1/ 1991 إحالة الطعن إلى هذه الدائرة لنظره بجلسة 26/ 2/ 1991 حيث تدوول نظره على النحو الوارد بمحاضر الجلسات وبجلسة 14/ 1/ 1992 قررت هذه المحكمة حجزه للحكم بجلسة 24/ 3/ 1992 ثم أمد أجل الحكم لجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته مشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص حسبما تبين من الأوراق في أنه بتاريخ 17/ 3/ 1983 أقام الطاعن الدعوى رقم 2751 لسنة 37 ق أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود الإدارية والتعويضات) بطلب الحكم بإلزام المدعى عليه بأن يدفع مبلغ خمسمائة ألف جنيه على سبيل التعويض عن الأضرار التي حاقت به نتيجة للفصل التعسفي الذي باشرته الجهة المدعى عليها تجاه المدعي مع المصروفات.
وقال المدعي شرحاً لدعواه أنه تعاقد بتاريخ 4/ 11/ 1980 مع المؤسسة المدعى عليها على تعيينه بعد تمام تأهيله لمدة أقصاها 23/ 9/ 1981 تاريخ انتهاء عقد الطائرة المؤجرة من الهيئة العربية للتصنيع، وأنه بالرغم من العراقيل التي وضعت أمام تنفيذ هذا العقد فقد انتهى التدريب الأساسي في 12/ 12/ 1981، إلا أنه فوجئ بخطاب مسجل بعلم الوصول ينطوي على إخطاره بإنهاء التعاقد لانتفاء الغرض منه.
وأضاف المدعي أن العقد المبرم بينه وبين الشركة المدعى عليها هو في حقيقته عقد عمل ومن ثم يعتبر القرار الصادر منه باعتبار التعاقد معه منتهياً هو قرار فصل تعسفي ارتكن على واقعة غير صحيحة وهي إخفاء المدعي في التأهيل وانتهى المدعي إلى طلب الحكم له بطلباته.
وبجلسة 15/ 12/ 1985 حكمت المحكمة برفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات واستندت في حكمها إلى أن الثابت من نصوص العقد المبرم بين المدعي وجهة الإدارة أن هذا العقد لا ينطوي على تعيين للمدعي بل هو عقد إعداد وتأهيل وتدريب تمهيداً للتعيين بعد استكمال هذا التأهيل بل إن التعيين قد تضمنه البند الرابع من العقد بحسبانه حقاً للشركة والتزاماً على المدعي ويكون ذلك كله بعد استكمال التأهيل وبموافقة الطرف الأول (الجهة الإدارية المدعى عليها) وأضافت المحكمة أن الثابت أن المؤسسة المدعى عليها قد بذلت كل جهد في سبيل تدريب المدعي لإعداده وتأهيله وخصصت له وقتاً يجاوز الوقت ما يخصص لتدريب وتأهيل ثلاثة طيارين مساعدين، إلا أنه نظراً لإخفاق المدعي في التأهيل كقائد طيران ثقيل فقد أخطرته المؤسسة بانتهاء التعاقد معها، ومن ثم لا يعتبر هذا الإجراء فصلاً تعسفياً للمدعي لعدم قيام رابطة توظف أصلاً بين المدعي وبين المؤسسة المدعى عليها.
وتخلص أسباب الطعن حسبما وردت بتقريره في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون إذ أن حقيقة العقد بين الطاعن وجهة الإدارة أنه عقد عمل بمكافأة شاملة وهو واضح من نصوص وعبارات العقد، كما أنه قد تم تعيين الطاعن بالشركة بطلب تقدم به لرئيس قطاع العمليات الجوية حيث وافق بتاريخ 4/ 2/ 1980 ثم عاود الكتابة لرئيس مجلس الإدارة لتعيينه بالشركة بعد حصوله على فرقة طراز البوينج (707)، وقد وافقت الهيئة العربية للتصنيع على تعيينه بمكافأة شاملة للعمل على الطائرة المؤجرة للشركة على أن يتم استكمال تدريبه على الطيران التمثيلي - وعلى ذلك تكون الظروف التي أحاطت بالتعاقد أفصحت عن النية المشتركة للمتعاقدين بتعيين الطاعن للعمل بالجهة المطعون ضدها على أن يتم تدريبه على جهاز السمليتور ومن ثم يكون العقد المبرم بتاريخ 4/ 11/ 1980 هو عقد عمل. كما أن المدعى عليها لم تنذر الطاعن بفسخ العقد بل استمرت في تنفيذه لمدة أخرى مما يقطع بأن العقد تم تنفيذه بصورة مرضية وأن الطاعن اجتاز مرحلة التدريب أو التأهيل وبالتالي فلا محل للشرط الواقف المنصوص عليه بالعقد الذي يشترط تمام التأهيل.
كذلك فإن محكمة أول درجة استندت إلى الخطاب الصادر من مدير الإدارة العامة للتدريب بتاريخ 30/ 7/ 1981 من أن الطاعن قد أتم تدريبه الأساسي على جهاز السمليتور طراز بوينج (707) كمساعد طيار بنتيجة مرضية وأن هذا الخطاب لا ينطوي - على تقييم لصلاحية المدعي بل أن التقييم ورد بخطاب الإدارة العامة للتدريب المؤرخ 19/ 10/ 1981 والذي تضمن أن المدرب أشار لبعض الملاحظات في طيرانه وأوصى بأن يطير كعضو قيادة زائد في حين أنه لم يتعامل مع هذا المدرب فضلاً عن وجود خصومات بينه وبين المدرب المذكور مما يبطل تقريره. وانتهى الطاعن إلى طلب الحكم له بطلباته.
ومن حيث إن المبادئ المسلمة والأحكام العامة المقررة في تنفيذ العقود عموماً أنه يجب تنفيذ العقد وفقاً لما اشتملت عليه شروطه وبما يتفق ومبدأ حسن النية في تنفيذ العقد طبقاً للأصل العام المقرر في الالتزامات عموماً. ومن مقتضى ذلك أن حقوق المتعاقد مع الإدارة والتزاماته إنما تتحدد طبقاً لشروط العقد الذي يربطه بها، وبذلك فإن الحكم الذي يتحدد وباتفاق المتعاقدين في العقد الإداري يقيد طرفيه كأصل عام، ومرد ذلك إلى أن ما اتفق عليه طرفا التعاقد هو شريعتهما التي تلاقت عندها إرادتهما وقبلا تبعاً لذلك - ترتيب حقوق والتزامات كل منهما على أساسه إعمالاً لقاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين حسبما استقر عليه القضاء والإفتاء.
ومن حيث إن الماثل في عناصر المنازعة أنه بتاريخ 4/ 11/ 1980 تحرر عقد بين شركة مصر للطيران والطاعن (كطرف ثان) وجاء بالعقد أنه نظراً لأن الطرف الثاني حاصل على الدراسة النظرية لقائد طراز ثقيل ويرغب في العمل بالشركة فقد تم الاتفاق على ما يأتي.
البند الأول: يتولى الطرف الأول استكمال تأهيل الطرف الثاني على السمليتور وتدريبه عملياً لتأهيله كقائد طراز ثقيل.
البند الثاني: يقوم الطرف الأول بتعيين الطرف الثاني بعد تمام تأهيله لمدة أقصاها 23/ 9/ 1981 انتهاء عقد الطائرة المؤجرة من الهيئة العربية للتصنيع.
البند الثالث: يقر الطرف الثاني بأن فترة استكمال تأهيله على السمليتور وتدريبه عملياً لا تعتبر التحاقاً بالعمل لدى الشركة ولا ينطبق في شأن هذه العلاقة قانون العمل أو قانون التأمينات الاجتماعية أو أية قوانين متعلقة بالعمل.
البند الرابع: يتعهد الطرف الثاني بعد استكمال تأهيله أن يعمل في خدمة الشركة مدة تنتهي في 23/ 9/ 1981 قابلة للتجديد طبقاً لاحتياجات وظروف التشغيل بموافقة الطرف الأول.
ومن حيث إن النصوص المتقدمة واضحة الدلالة على أن العقد المبرم بين الطاعن وجهة الإدارة الهدف منه استكمال تأهيل وتدريب الطاعن للعمل كقائد طراز ثقيل تمهيداً لتعيينه بتلك الجهة، وهو ما أوضح عنه نص البندين الأول والثاني من العقد، وأكده البندان الثالث والرابع حين أقر الطرف الثاني "الطاعن (بأن فترة استكمال تأهيله على السمليتور وتدريبه عملياً لا تعتبر التحاقاً بالعمل لدى الشركة ولا ينطبق في شأن هذه العلاقة أية قوانين متعلقة بالعمل، وكذلك حينما يتعهد الطرف الثاني (الطاعن) بالعمل في خدمة الشركة (المؤسسة المطعون ضدها) بعد استكمال تأهيله وبموافقة الطرف الأول.
ومن حيث إنه لما كان ذلك، وكانت الأوراق قد خلت تماماً مما يفيد استكمال الطاعن تأهيله وتدريبه كقائد طراز ثقيل - كما نص ذلك العقد - فإن التزام جهة الإدارة المطعون ضدها بتعيينه لا يكون قد حل أجله ولا قام مقتضاه وبالتالي ينتفي القول بوجود أية علاقة وظيفية بين الطاعن والمطعون ضدها، ولا يكون ما اتخذته حيال الطاعن من اعتبار العقد المبرم بينهما منتهياً لانتفاء الغرض منه وهو عدم استكمال الطاعن تأهيله وتدريبه كقائد طراز ثقيل من قبيل الفصل التعسفي الموجب للتعويض، ومن ثم تكون دعوى المدعى عليه على غير سند من واقع أو قانون جديرة بالرفض وإذا أخذ الحكم المطعون فيه بهذا النظر، فإنه يكون قد صادف صحيح حكم القانون ويكون الطعن الماثل ومن ثم مفتقداً لسنده القانوني حقيقاً بالرفض.
ومن حيث إن من خسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملاً بحكم المادة 184 مرافعات، فمن ثم يتعين إلزام الطاعن بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه وبإلزام الطاعن المصروفات.