أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 38 - صـ 1045

جلسة 3 من ديسمبر سنة 1987

برياسة السيد المستشار/ يوسف أبو زيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ درويش عبد المجيد نائب رئيس المحكمة د. رفعت عبد المجيد، محمد خيري الجندي وأحمد أبو الحجاج.

(221)
الطعنان رقما 1589 لسنة 55 و1093 لسنة 53 القضائية

(1) التماس إعادة النظر. حكم "عيوب التسبيب" "الطعن في الحكم".
الحكم بشيء لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه باعتباره وجهاً من وجوه التماس إعادة النظر م 241 مرافعات. العبرة فيه بالطلب المطروح منه الخصم لا بما يقدمه من مستندات مؤيده له. إجابة الحكم طلب المدعي دون أن يدرك تجاوز الطلب ما تضمنه المستند المثبت له لا يعد قضاء بأكثر مما طلبه الخصوم. اعتباره مخالفة للثابت بالأوراق وعدم إحاطة بواقع الدعوى.
(2) ملكية "نطاقها" "الحقوق العينية المتفرعة عنها: حق الانتفاع".
حق الملكية. اختلافه عن حق الانتفاع. نطاق كل منهما.
1 - الحكم بشيء لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه وإن كان يعد وجهاً من وجوه الطعن بالتماس إعادة النظر وفقاً للمادة 241 من قانون المرافعات إلا أنه ينبغي في هذا الصدد الوقوف على الطلب ذاته الذي طرحه الخصم وصولاً إلى تبيان ما إذا كان القاضي قد حكم في حدوده أم تجاوزه دون اعتداد. بما قدم من الخصم من مستندات تأييداً وتدعيماً لهذا الطلب، فإذا ما صدر الحكم قضاؤه موافقاً لمطلب المدعي من دعواه بغير أن يفطن إلى حقيقة تجاوز هذا الطلب لما تضمنه المستند الذي قدم إثباتاً له فإن ذلك لا يعتبر قضاء بأكثر مما طلبه الخصم، بل هو خطأ اعترى قضاء الحكم لمخالفته الثابت بورقة من أوراق الدعوى وعدم إدراكه الواقع في النزاع المعروض مما لا يعتبر سبباً يجيزه القانون للطعن في الحكم بطريق التماس إعادة النظر.
2 - حق الملكية يغاير في طبيعته وحكمه في القانون حق الانتفاع، فحق الملكية هو جماع الحقوق العينية إذ مالك العقار يكون له حق استعماله وحق استغلاله وحق التصرف فيه، فإذا أنشأ هذا المالك لآخر حقاً بالانتفاع فإن هذا الحق يجرد الملكية من عنصري الاستعمال والاستغلال ولا يبقى لها إلا العنصر الثالث وهو حق التصرف فتصبح الملكية المثقلة بحق الانتفاع هي ملكية الرقبة فيجتمع في العقار حقان عينيان، حق الرقبة للمالك وحق الانتفاع للمنتفع، وهذا الحق بالانتفاع موقوت ينتهي بانتهاء الأجل العين له، فإن لم يعين له أجل عد مقرراً لحياة المنتفع وينتهي على أي حال بموت المنتفع وفقاً لما تقضي به المادة 993 من القانون المدني.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الأوراق - تتحصل في أن الطاعنة في الطعن رقم 1589 لسنة 55 القضائية (......) أقامت الدعوى رقم 197 مدني أمام محكمة أسوان الابتدائية واختصمت فيها المطعون ضده (......) وآخرين قائلة في بيانها أنها اشترت من مورث المطعون ضده المنزل الموضح حدوده ومعالمه بصحيفة افتتاح الدعوى لقاء ثمن مقداره ألف وخمسمائة جنيه وذلك بمقتضى عقد عرفي مؤرخ 30/ 1/ 1975، وكان هذا البائع قد اشترى العقار من مورث باقي المدعى عليهم المختصمين في الدعوى بثمن مقداره خمسون جنيهاً وحرر عن هذا البيع عقد مؤرخ 5/ 4/ 1941، وإذ لم ينفذ البائع التزامه بنقل ملكية العقار المبيع إليها، وتخلف من بعده ورثة المطعون ضده وكذلك باقي المدعى عليهم ورثة البائع للبائع لها عن اتخاذ إجراءات تسجيل العقدين سالفي الذكر. لذا فقد أقامت دعواها بطلب الحكم بصحتهما ونفاذهما وتسليمها العقار المبيع. دفع المطعون ضده بإنكار توقيع مورثه على العقد المؤرخ 30/ 1/ 1975، فقضت المحكمة بعدم قبول هذا الدفع، وبعدئذ دفع بصورية البيع الصادر من مورثه فأجرت المحكمة تحقيقاً لهذا الدفع، ثم حكمت بتاريخ 13 من إبريل سنة 1981 برفض الدعوى استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 171 لسنة 56 القضائية لدى محكمة استئناف قنا التي أحالت الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفي الطعن بصورية عقد البيع المؤرخ 30/ 1/ 1975، وبعد أن سمعت البينة قضت بتاريخ 12 من مارس سنة 1983 بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبصحة ونفاذ عقدي البيع وتسليم العقار المبيع، وقد سلك المطعون ضده سبيل الطعن في هذا الحكم بالتماس إعادة النظر أمام محكمة الاستئناف التي أصدرت الحكم وقيد التماسه برقم 95 للسنة الثانية القضائية، وطعن في الحكم أيضاً بطريق النقض بالطعن رقم 1093 للسنة 53 القضائية، وبتاريخ 11 من مارس سنة 1985 حكمت محكمة استئناف قنا في التماس إعادة لنظر بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم الملتمس فيه فيما قضى به في الشق الأول منه وفي موضوع هذا الشق بإثبات صحة التعاقد عن عقد البيع العرفي المؤرخ 3/ 1/ 1975 الحاصل بين مورث الملتمس وبين الملتمس ضدها لقاء ثمن مقداره ألف وخمسمائة جنيه. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 1589 للسنة 55 القضائية. وقدمت النيابة العامة مذكرة في كل من الطعنين أبدت فيها الرأي برفضه، وإذ عرض الطعنان على الحكم في غرفة مشورة رأت ضم ثانيهما لأولهما للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد وحددت جلسة لنظرهما وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن المحكمة ترى أن تعرض بداءة للفصل في الطعن المرفوع عن الحكم الصادر في التماس إعادة النظر.
أولاً: عن الطعن رقم 1589 للسنة 55 القضائية.
وحيث إن هذا الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين تنعى الطاعنة في أولهما على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك تقول إن هذا الحكم قضى بقبول الالتماس على سند من أن الحكم الملتمس فيه تجاوز في قضائه ما طلبته الطاعنة من دعواها فاعتبر البيع المحرر عنه العقد المؤرخ 30/ 1/ 1975 قد شمل حق ملكية العقار موضوع التداعي مع أنه في حقيقته بيع اقتصر على الحق في الانتفاع، وهذا القول من الحكم غير صائب لما يبين من شرح دعواها أن العقار المبين بمقتضى ذلك العقد هو منزل مكون من طابقين وأفصحت عن أن البيع محله حق الملكية وليس حق الانتفاع فيكون الطلب الذي اختتمت به صحيفة الدعوى من الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع وإنما ينصرف إلى بيع حق الملكية المنزل، وإذ قضى الحكم الملتمس فيه بذلك يكون قد التزم نطاق مطلبها من الدعوى ول يتجاوزه، الأمر الذي يصبح معه الطعن فيه بالطريق التماس إعادة النظر غير مقبول ويكون الحكم المطعون فيه وقد قضى بقبوله معيباً مستوجباً نقضه.
وحيث أن هذا النعي في محله ذلك بأن الحكم بشيء لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه وإن كان يعد وجهاً من وجوه الطعن بالتماس إعادة النظر وفقاً لنص المادة 241 من قانون المرافعات، إلا أنه ينبغي في هذا الصدد الوقوف على الطلب ذاته الذي طرحه الخصم وصولاً إلى تبيان ما إذا كان القاضي قد حكم في حدوده أم تجاوزه ودون اعتداد بما قدمه الخصم من مستندات تأييداً وتدعيماً لهذا الطلب، فإذا ما صدر الحكم وكان قضاءه موافقاً لمطلب المدعي من دعواه بغير أن يفطن إلى حقيقة تجاوز هذا الطلب لما تضمنه المستند الذي قدم إثباتاً له فإن ذلك لا يعتبر قضاء بأكثر مما طلبه الخصم، بل هو خطأ اعترى قضاء الحكم لمخالفته الثابت بورقة من أوراق الدعوى وعدم إدراكه لواقع في النزاع المعروض مما لا يعتبر سبباً يجيزه القانون للطعن في الحكم بطريق التماس إعادة النظر، لما كان ذلك وكان البين من الأوراق أن الطاعنة أوردت في صحيفة افتتاح الدعوى وصفاً للعقار المبيع بالعقد المؤرخ 30/ 1/ 1975 وأبانت في صراحة لا لبس فيها ولا غموض بأن محل البيع منزل يملكه البائع مورث المطعون ضده وهي ترفع دعواها ابتغاء استصدار حكم تنتقل بمقتضاه ملكية المنزل المبيع إليها، وينتقل التكليف لاسمها، واختتمت الصحيفة بطلب الحكم بصحة ونفاذ هذا العقد ثم لما رفعت الاستئناف عن الحكم الابتدائي القاضي برفض دعواها طلبت في صحيفة الاستئناف إلغاء هذا الحكم والقضاء بطلبها المبين بصحيفة الدعوى المبتدأة، ومن ثم فإن طلبها على هذا النحو ينصرف في وضوح وجلاء إلى عقد بيع موضوعه هو تصرف في حق ملكية العقار الموصوف بتلك الصحيفة، فإذا ما كان الحكم الاستئنافي الملتمس فيه قد استجاب إلى هذا الطلب دون أن يدرك الحقيقة الثابتة بالعقد المقدم من الطاعنة من أن البيع تعلق بحق عيني متفرع عن حق الملكية هو حق الانتفاع بالعقار فإن هذا الخطأ الذي شاب قضاء الحكم لا يجيز الطعن بطريق التماس إعادة نظر وإذ قضى الحكم المطعون فيه بقبول هذا الطعن تأسيساً على أن الحكم الملتمس فيه قضى بما يجاوز طلب المدعية فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه دون حاجة لبحث السبب الثاني من سببي الطعن.
وحيث إن الطعن بالتماس إعادة النظر صالح للفصل فيه، ولما تقدم يتعين القضاء بعدم قبول الالتماس.
ثانياً: عن الطعن رقم 1093 للسنة 53 القضائية.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت بالأوراق والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول أن العقد المؤرخ 30/ 1/ 1975 الذي قدمته المطعون ضدها قد أثبت به أن مورثه إنما باع حق الانتفاع في المنزل وهو حق يفترق عن حق الملكية، ولقد أثار في دفاعه أمام محكمة الموضوع بدرجتيها أن هذا العقد صوري لم تدفع فيه المطعون ضدها ثمناً لقاء الحق المبيع لها إذ كانت زوجة للمورث البائع واستهدف الزوج من تحريره أن يسترضيها لتبقى في مسكن الزوجية وتتولى رعايته وهو في سن الشيخوخة، ودلل على ذلك بأن المورث ظل منتفعاً بالعقار حتى الوفاة ولم يسلم المحرر إلى الزوجة، بل أودعه لدى أمين لم يظهره إلا من بعد الوفاة، وأشهد أيضاً على صحة دفعه بالصورية الشاهدين اللذين اطمأنت محكمة أول درجة إلى أقوالهما فقضت برفض الدعوى لثبوت صورية العقد، ولكن الحكم الاستئنافي المطعون فيه غاب عنه ما أثبت بالعقد في قصر التصرف على حق الانتفاع دون الملكية وأولى الثقة بأقوال الشاهدين اللذين أشهدتهما المطعون ضدها أمام محكمة الاستئناف واستنبط من شهادتهما أن البيع حقيقي تضمن تصرفاً منجزاً تعلق بملكية المنزل من أن ما أثبت بالعقد يناقض هذه الشهادة، ثم جاء قضاءه بصحة ونفاذ البيع باعتباره بيعاً انصب على الملكية مخالفاً لما أثبت بالمحرر المتقدم في الدعوى، وتلك أمور جميعها تعم الحكم بالفساد في الاستدلال فضلاً عن مخالفة الثابت بالأوراق مما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي سديد ذلك بأن حق الملكية يغاير في طبيعته وحكمه في القانون لحق الانتفاع، فحق الملكية هو جماع الحقوق العينية إذ مالك العقار يكون له حق استعماله وحق استغلاله وحق التصرف فيه، فإذا أنشأ هذا المالك لآخر حقاً بالانتفاع فإن هذا الحق يجرد الملكية من عنصري الاستعمال والاستغلال ولا يبقى لها إلا العنصر الثالث وهو حق التصرف فتصبح الملكية المثقلة بحق لانتفاع هي ملكية الرقبة فيجتمع في العقار حقان عينيان، حق الرقبة للمالك وحق الانتفاع للمنتفع وهذا الحق بالانتفاع موقوت ينتهي بانتهاء الأجل المعين له فإن لم يعين له أجل عد مقرراً لحياة المنتفع وينتهي على أي حال بموت المنتفع وفقاً لما تقضي به المادة 993 من القانون المدني، لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه حمل قضاءه بانتفاء صورية البيع على ما شهد به شاهد المطعون ضدها أمام محكمة الاستئناف من أنها اشترت المنزل من زوجها قبل وفاته وأن هذا الأخير أطلعهما على ورقة العقد فوقعا عليها بعد أن أقر أمامهما بقبض الثمن من المشترية وأفصح أحدهما عن أن الثمن المدون بالعقد ليس بخساً بل يوازي القيمة الحقيقية للمنزل المبيع، ومؤدى تلك الشهادة التي اتخذها الحكم عماداً لقضائه يتعارض مع ما ورد بعقد البيع المؤرخ 30/ 1/ 1975 من أن ثمن المدفوع من المطعون ضدها كان لقاء شرائها حق الانتفاع بالمنزل دون أن يمتد إلى ملكيته، ومن ثم فإن ما ساقه الحكم من تدليل على عدم صوريته البيع استخلاصاً من أقوال هذين الشاهدين يكون قد انطوى على الفساد في الاستدلال، هذا إلى أن الحكم قد جرى في قضائه على صحة ونفاذ عقد البيع باعتباره بيعاً تضمن تصرفاً ناقلاً لحق ملكية المنزل إلى المطعون ضدها مع أن ذلك يخالف ما أثبت بالعقد من أن البيع اقتصر على حق الانتفاع وحده، وهو حق كما سلف البيان يختلف اختلافاً بيناً عن حق الملكية، الأمر الذي يكون معه الحكم المطعون فيه قد خالف الثابت بالأوراق وشابه فساد في الاستدلال بما يوجب نقضه دون حاجة لبحث أوجه الطعن الأخرى.