مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1992 إلى آخر سبتمبر سنة 1992) - صـ 1356

(147)
جلسة 9 من مايو سنة 1992

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد معروف محمد نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ عبد اللطيف محمد وعلي شحاتة محمد وحسني سيد محمد وعلي رضا عبد الرحمن رضا - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 2227 لسنة 33 القضائية

( أ ) عاملون مدنيون بالدولة - نقلهم - شروط النقل - الباعث على النقل - (الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة).
المواد الأولى والثانية والرابعة من قرار رئيس الجمهورية رقم 937 لسنة 1974 بإنشاء مديريات شئون العاملين المدنيين بالمحافظات، المادة الثانية من قرار وزير الحكم المحلي رقم 46 لسنة 1974، المادة 54 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978.
قرار النقل هو إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين وهو إنهاء الولاية الوظيفية للعامل في دائرة الوظيفة المنقول منها وإسناد اختصاصات الوظيفة العامة في دائرة الجهة المنقول إليها وهو كما يكون نقلاً من وظيفة إلى أخرى قد يكون نقلاً مكانياً بحسب مقتضيات العمل تجريه جهة الإدارة بما لها من سلطة تقديرية بحسب ملاءمات ومتطلبات توزيع العمل تحقيقاً للمصلحة العامة وحسن سير المرفق العام وانتظامه وسواء أكان ذلك من وحدة إلى أخرى من الوحدات الخاضعة لأحكام القانون رقم 47 لسنة 1978 وتلك الوحدات التابعة للقطاع العام أو العكس أم منها للأجهزة الحكومية ذات الموازنة الخاصة - النقل من الأمور التي تترخص فيها جهة الإدارة ما دام لا يترتب عليه تفويت فرصة على العامل للترقية بالأقدمية أو كان يتضمن نقله إلى وظيفة من درجة أقل من تلك التي يشغلها أو كان مشوباً بإساءة استعمال السلطة أو متضمناً جزاءً تأديبياً مقنعاً - العبرة فيما إذا كانت قرارات النقل تحمل في طياتها قرارات أخرى مقنعة وأنها تنطوي على جزاء تأديبي مقنع إنما تكون بما قصدت إليه الإدارة حقيقة من اتخاذها قراراها لا بما وصفت به هذا القرار من وصف مخالف للحقيقة - نقل العامل بدرجته إلى ذات وظيفته في مديرية شئون عاملين بذات مستوى المديرية التي كان يعمل مديراً عاماً بها واستهدفت جهة الإدارة من هذا القرار المصلحة العامة نتيجة ذلك: - يكون قرار النقل متفقاً مع صحيح حكم القانون وما تملكه جهة الإدارة من صلاحيات وسلطة تقديرية لمقتضيات حسن العمل والأداء - لا يغير من سلطة جهة الإدارة أنها استنت قاعدة الرغبة في العمل بمديريات شئون العاملين واستطلاع الرغبات بالإعلان عن الوظائف الشاغرة لإتاحة الفرصة للعاملين بالجهاز للتقدم برغباتهم - أساس ذلك: أن ذات القاعدة أردفت بعد ذلك بتأكيد حق السلطة المختصة في شغل الوظائف بالمحافظات النائية عن طريق النقل من خارج الجهاز طبقاً لأحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة على أن يتم اختيار أفضل وأكفأ العناصر من بين الراغبين في العمل وكذلك إمكان شغل بعض وظائف مديري ووكلاء المديريات على أساس النقل وفقاً لما يقرره الجهاز. تطبيق.
(ب) مسئولية - مسئولية جهة الإدارة عن قراراتها - أركانها (تعويض) خطأ.
إلزام جهة الإدارة بالتعويض عن قراراتها الإدارية لا يتأتى إلا بتوافر أركان مسئولية جهة الإدارة عن تلك القرارات وذلك بتحقق أركانها الثلاث: الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما - يتحقق الخطأ بأن يكون القرار الإداري المترتب عليه الضرر غير مشروع وذلك بأن يكون مشوباً بأحد عيوب القرار الإداري حسبما حددها قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 بأن يكون مخالفاً للقانون أو تفسيره أو تأويله أو مشوباً بعيب عدم الاختصاص أو الانحراف بالسلطة أو إساءة استعمالها - صدور قرار النقل ممن يملكه قانوناً في حدود السلطة المخولة دون انحراف بها أو إساءة استعمالها مستهدفاً المصلحة العامة - نتيجة ذلك: لا يتحقق ركن الخطأ في حق جهة الإدارة وبالتالي مسئوليتها المؤدية إلى التزامها بالتعويض. - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 16/ 5/ 1987 أودع السيد/ محمد رشاد نبيه المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن بموجب التوكيل العام رقم 3116 لسنة 1983 جنوب القاهرة سكرتارية المحكمة الإدارية العليا - تقرير طعن ضد المطعون ضده بصفته في حكم محكمة القضاء الإداري - دائرة الجزاءات والترقيات - الصادر في الدعوى رقم 4800 لسنة 39 قضائية بجلسة 25/ 2/ 1986 والقاضي: بقبول الدعوى شكلاً وبرفضها موضوعاً وإلزام المدعي المصروفات. "وطلب في ختامه – لما بني عليه من أسباب - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم للطاعن بطلباته وهي:
أولاً: إلغاء قرار رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة رقم 52 لسنة 1958 الذي قرر تعيين الطاعن مديراً لمديرية شئون العاملين بمحافظة المنيا نقلاً من مديرية شئون العاملين بمحافظة القاهرة وجميع ما يترتب على ذلك من آثار. ثانياً: إلزام السيد/ رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة بأن يدفع إلى الطاعن مبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض وجميع المصاريف والأتعاب عن الدرجتين.
أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه - لما أوردته من أسباب - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء قرار رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة رقم 52 لسنة 1985 بنقل الطاعن من مديرية شئون العاملين بمحافظة القاهرة إلى مديرية شئون العاملين بمحافظة المنيا وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية بالتعويض المناسب الذي تقدره المحكمة والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
وقد أعلن الطعن إعلاناً قانونياً صحيحاً للمطعون ضده وحددت جلسة 26/ 11/ 1990 لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون حيث قدم الطاعن حافظة مستندات طويت على ستة مستندات تتمثل فيما يلي: (1) صورة الكتاب المؤرخ 18/ 3/ 1985 الموجه من السيد المحافظ إلى رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة والمتضمن تجريحاً في حق الطاعن (2) صورة قرار رئيس الجهاز المذكور المطعون فيه (3) صورة مذكرة إدارة الدعاوى والتظلمات بشأن التظلم المقدم من الطاعن (4) صورة مذكرة قسم القضاء الإداري بهيئة قضايا الدولة والمتضمنة أن نقله بسبب إهماله في العمل (5) صورة بيان كفاية الطاعن.
(6) صورة من تقرير نتائج الزيادة الميدانية لمديرية التنظيم والإدارة بمحافظة المنيا وقد أودع الطاعن بجلسة 14/ 1/ 1991 مذكرة بدفاعه صمم فيها على طلباته تأسيساً على أن قرار نقله يتسم بالسمة العقابية بغير الطريق الذي رسمه القانون وحرمان الطاعن من الاختصاصات والمزايا الأدبية والمادية لمنصبه بمحافظة القاهرة والتي لا يوجد مثيل لها بمحافظة المنيا وآية ذلك المستندات آنفة الذكر وقد طلبت المحكمة تقديم القرار المنظم للتعيين والنقل بوظائف مديري شئون العاملين بالمحافظات الساري في تاريخ نقل الطاعن إلى محافظة المنيا والمنوه عنه بدفاع الطاعن. وبجلسة 11/ 11/ 1991 قدم الطاعن حافظة مستندات بها البيان المطلوب تقديمه من الجهة الإدارية اشتملت على ستة مستندات أولها: صورة ضوئية من القواعد المعتمدة من رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة بتاريخ 12/ 11/ 1981 المتضمنة للتعيين والنقل بوظائف مديري شئون العاملين بالمحافظات، ثانيها: صورة لإعلان نموذج شغل وظائف مديري العاملين بالمحافظات، ثالثها: - مجموعة من القرارات الصادرة بالتطبيق لتلك القواعد، رابعها: صورة ضوئية من قرار الجهاز رقم 280 لسنة 86 بمنح الطاعن علاوة تشجيعية، خامسها: صورة من حكم محكمة القضاء الإداري الصادر لصالح الطاعن في الدعوى رقم 216 لسنة 34 ق بمناسبة نقله إلى محافظة أسيوط، سادسها: صور تقارير طبية وعلاجية ورسم قلب لاحق على تاريخ نقل الطاعن إلى محافظة المنيا" وبجلسة 23/ 12/ 1991 أودع الطاعن مذكرة تلخيصية بدفاعه أرفق بها حافظة مستندات تضمنت قانون إنشاء الجهاز والقرارات المكملة مشيراً إلى قرار وزير الدولة للحكم المحلي رقم 46 لسنة 1974، و116 لسنة 1974 ولخص دفاعه في أن قرار نقله يتضمن عيباً حقيقياً وجزاءً مقنعاً له بغير الطريق الذي رسمه القانون وبغير الطريق التأديبي ودون تحقيق مع الطاعن وتنزيلاً له من وظيفة أعلى إلى وظيفة أقل. ويتضمن مخالفة صريحة للقواعد التنظيمية العامة المستقرة للنقل إلى المحافظات فالطاعن أمضى أكثر من سنتين مديراً لمديرية شئون العاملين في محافظة أسيوط ولا تنصرف إليه قواعد النقل إذ تجاوز سنة الثامنة والخمسين وقت صدور القرار.
وبجلسة 1/ 2/ 1992 تقرر إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا - الدائرة الثانية - الذي نظرته على النحو المبين بمحاضر الجلسات 11/ 4/ 1992 أودعت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها الذي خلص إلى طلب الحكم برفض الطعن وإلزام الطاعن المصروفات وأتعاب المحاماة وقد أسست دفاعها أولاً: على انتفاء مصلحة الطاعن لإحالته إلى المعاش في تاريخ 25/ 1/ 1987 ومع الفرض الجدلي بأن للطاعن مصلحة في إقامة الطعن فإن القرار المطعون فيه قد قام على أسباب تبرره قانوناً عملا بأحكام المادة 54 من القانون رقم 47 لسنة 1978 وقد تم نقله وفقاً لها وفي حدود السلطة التقديرية لجهة الإدارة وما لها من اختصاص في توزيع موظفيها ولما لوحظ من ضعف وقلة أداء المدعي في مديرية التنظيم والإدارة بالقاهرة التي تعتبر فرعاً من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة وأنه بسبب قرب سنة من الإحالة إلى المعاش فإن قراراته لا تتناسب مع ما هو منوط بهذه المديرية التي كانت بصدد المشاركة في القيام بدراسات وتطبيقات والتطوير اللازم للنهوض بمستوى العمل الإداري وبالتالي لم تتعسف جهة الإدارة في استعمال سلطتها التقديرية التي خولها إياها القانون. ولم يترتب على نقل الطاعن أية أضرار أو تفويت فرصة للترقية أو تنزيل في درجته أو تخفيض في راتبه الأمر الذي يجعل القرار قائماً على سبب صحيح من القانون وعلى سند يبرره ومن ثم فلا محل لمسئولية جهة الإدارة وبالتالي يتعين رفض الطلبين اللذين استهدفهما الطعن وقد حجز الطعن للحكم لجلسة 9/ 5/ 1992 حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به وقد أودع الطاعن بتاريخ 23/ 4/ 1992 مذكرة ختامية بدفاعه طلب في ختامها الحكم برفض الدفع الذي أبدته جهة الإدارة والحكم بقبول الدعوى وإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بطلباته.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة قانوناً.
ومن حيث إن طلبات الطاعن تنصرف إلى الطلبين آنفي البيان وأن الفصل في طلب التفويض يتطلب تناول مشروعية القرار المطعون عليه فإنه لا ينال من مصلحة الطاعن في الاستمرار في دعواه إحالته إلى المعاش ومن حيث إن الطعن قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية فمن ثم يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق والمستندات في أنه بتاريخ 9/ 6/ 1985 أقام الطاعن ضد المطعون ضده بصفته أمام محكمة القضاء الإداري - دائرة الجزاءات والترقيات - الدعوى رقم 4800 لسنة 39 قضائية - طلب في ختامها الحكم: أولاً: بإلغاء قرار رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة رقم 52 لسنة 1985 الذي قرر تعيينه مديراً لمديرية شئون العاملين بمحافظة المنيا نقلاً من مديرية شئون العاملين بمحافظة القاهرة وجميع ما يترتب على ذلك من آثار، ثانياً: إلزام السيد/ رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة بأن يدفع له مبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض والمصروفات والأتعاب.
وقد شرح المدعي - الطاعن - دعواه بأنه حاصل على ليسانس الحقوق عام 1948 وعلى الكثير من شهادات الدراسات العليا وعلى الدكتوراه في القانون عام 1960 والتحق بالحكومة بعد عمله بالمحاماة وتدرج بوظائف ديوان الموظفين بالجهاز المركزي للتنظيم والإدارة حتى حصل على درجة وكيل وزارة بالجهاز المركزي للتنظيم والإدارة منذ 30 مايو 1979 وكان طوال مراحل عمله مثالاً للجد والاستقالة والتفاني حتى عين مديراً لمديرية شئون العاملين بمحافظة القاهرة وهي أكبر مديرية لشئون العاملين على مستوى الجمهورية بتاريخ 10/ 4/ 1985 تلقي كتاب الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة رقم 1960 المؤرخ 7/ 4/ 1985 الذي يتضمن صدور قرار رئيس الجهاز رقم 52 لسنة 1985 بتعيينه مديراً لمديرية شئون العاملين بمحافظة المنيا وطلب تسلمه العمل بها اعتباراً من 10/ 4/ 1985 وقد بادر بالتظلم من هذا القرار الذي قيد تحت رقم 47 لسنة 1985 بتاريخ 14/ 4/ 1985 وإذ صدر القرار المذكور مخالفاً للقانون وذلك للأسباب الآتية أولاً: فقد صدر القرار مخالفاً لما جرى عليه العمل بالجهاز المركزي للتنظيم والإدارة إذ صدر في غير مناسبة حركة تنقلات وفي وقت غير مناسب وأثناء تنفيذ خطة 84/ 85 التي تنتهي في 30/ 6/ 1985 وفي شهر امتحانات الأبناء مع تكليف المدعي بتنفيذه في نفس يوم إعلانه بالقرار الأمر الذي يقطع بأنه صدر إيذاء للطالب وليس تحقيقاً لأي مصلحة عامة وقد ترتب عليه أضرار أدبية ومادية وصحية للطالب وأسرته ثانياً: المدعى بحكم أقدميته وبحكم أنه سبق أن عين بمحافظة أسيوط في الفترة من 31/ 7/ 1980 إلى 23/ 10/ 1982 لا يصح نقله إلى الصعيد أو إلى مديرية شئون العاملين بمحافظة المنيا بالذات بعد أن كان مديراً لمديرية شئون العاملين بمحافظة القاهرة إذ أن هذا النقل يتضمن مساساً بمركزه الأدبي وسمعته وكرامته، ثالثاً: أن النقل بالصورة التي تم بها يتضمن جزاءً أريد توقيعه على المدعي بغير الطريق الذي رسمه القانون لتوقيع الجزاءات وهو ما أفصحت عنه صراحة مذكرة الإدارة العامة للشئون القانونية - إدارة الدعاوى والتظلمات المؤرخة 21/ 4/ 1985 رداً على تظلمه وبجلسة 25/ 12/ 1986 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها محل الطعن الماثل وقد شيدته على أن النقل من وظيفة إلى أخرى في ذات المستوى ومن مكان لآخر من الملاءمات التي تترخص فيها جهة الإدارة بلا معقب عليها ما دام أن قرارها قد صدر تحقيقاً للمصلحة العامة ولم يثبت أنها أساءت استعمال سلطتها أو انحرفت بها وأنه لم يثبت من الأوراق أن جهة الإدارة وقد استخدمت سلطتها التقديرية - قد أساءت استعمال سلطتها أو انحرفت بها وأن نقل المدعي لمحافظة المنيا كان يتضمن جزاءً تأديبياً إذ تم النقل بصورة عادية تحقيقاً لحسن سير العمل بالمرفق وللمصلحة العامة ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد صدر صحيحاً متفقاً مع أحكام القانون ويكون بالتالي طلب إلغائه والتعويض عنه على غير سند من القانون لانتفاء الخطأ وعدم توافر أركان مسئولية جهة الإدارة ومن حيث إن الطاعن يقيم طعنه الماثل على سند من القول بأن الحكم المطعون عليه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله وذلك لأنه أولاً: مرجع القرار في حقيقة الأمر هو موقف الطاعن الرقابي من محافظة القاهرة وملاحظاته الانتقادية التي ضمنها كتابة الموجه إلى محافظ القاهرة في شأن تنفيذ الدورات التدريبية للعاملين بالمحافظة المنفذة بالمعونة الأمريكية والمصالح المتبادلة بين الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة ومحافظة القاهرة وقد نسبت مذكرة الإدارة العامة للشئون القانونية المؤرخة في 3/ 4/ 1985 إلى الطاعن الإهمال الشديد والجسيم في عمله ورغم أن الطاعن قدم ثلاث حوافظ أمام محكمة القضاء الإداري بتاريخ 11/ 11/ 1985 و22/ 5/ 1986 و23/ 10/ 1986 وبها مستندات تثبت إساءة الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة استعمال السلطة إلا أن المحكمة لم تظهر البتة مناقشتها لهذه المستندات أو مذكرة دفاعه المقدمة بجلسة 22/ 5/ 1986 والتي دلل فيها على أن نقله قصد به معاقبته بغير الطريق التأديبي والانتقام منه لموافقة الثابتة بأوراق الدعوى ثانياً: لم يناقش الحكم مخالفة القرار لقاعدة تنظيمية عامة ومستقرة اطرد عليها العمل بالجهاز المركزي للتنظيم والإدارة تمنع نقل الذي وصل سنه إلى الثامنة والخمسين من العمر إلى خارج القاهرة فضلاً عن أن القواعد الأخرى التي تحكم النقل تبين أن المدة القصوى للعمل بمحافظات الوجه القبلي سنتان وقد أمضاها الطاعن فيما سبق في محافظة أسيوط. ثالثاً: جاء الحكم متناقضاً في أسبابه فبالرغم من أن الحكم أورد في الصفحة الثانية منه أنه جاء بمذكرة جهة الإدارة أن المدعي أهمل في عمله نجد أنه يذكر في أسبابه أن محافظ القاهرة وجه كتاباً لرئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة يطلب منه تعيين من يراه صالحاً لتولي وظيفة مدير مديرية التنظيم والإدارة بالمحافظة ومن ثم صدر القرار المطعون فيه غير أن الحكم يثبت في أسبابه أنه لم يثبت من الأوراق أن نقل المدعي لمحافظة المنيا كان يتضمن جزاءً تأديبياً فهل كان الحكم يتطلب جزاءً صريحاً وإذ كان نقل الطاعن يجد سببه فيما نسب إليه من إهمال فمن ثم يكون القرار المذكور متضمناً جزاءً تأديبياً مقنعاً وقد أصاب الطاعن من جرائه أضرار أدبية لمساسه بسمعته وأضرار مادية تتمثل في تحمله نفقات مضاعفة ولإقامة أسرته وحدها بالقاهر وأبناؤه جميعاً بمراحل التعليم بها، هذا فضلاً عن الأضرار الصحية التي لحقت به نتيجة لتنفيذه لهذا القرار وآثاره النفسية وبالبناء على ذلك يخلص إلى طلباته آنفة الذكر.
ومن حيث إنه بتاريخ 16/ 6/ 1974 صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 937 لسنة 1974 بإنشاء مديريات شئون العاملين المدنيين بالمحافظات مقرراً في مادته الأولى إنشاء مديرية لشئون العاملين المدنيين بكل محافظة تتبع المحافظ وتتولى التخطيط والتوجيه والمتابعة بالنسبة لكل ما يتعلق بشئونهم وتنفيذ قوانين الخدمة المدنية في دائرة المحافظة ونصت المادة الثانية منه على أن يصدر بتكوين البناء التنظيمي لتلك المديريات قرار من وزير الحكم المحلي والتنظيمات الشعبية بعد أخذ رأي رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة ونصت المادة الرابعة منه على أن "يكون شغل وظائف مديري مديريات شئون العاملين بالمحافظات ووكلائهم بقرارين من رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة بالاتفاق مع المحافظ المختص وتدرج فئات وظائفهم بموازنة الجهاز ويكون تعيين ونقل باقي العاملين بهذه المديريات بقرار من المحافظ المختص." وقد صدر قرار وزير الحكم المحلي رقم 46 لسنة 1974 ونصت المادة الثانية منه على أن "تقسم مديريات شئون العاملين بالمحافظات بحسب مسئولياتهم وحجم العمل بها إلى ثلاثة مستويات ويعتبر من المؤشرات الهامة ذات الدلالة الحاكمة مستوى المحافظة نفسها بحيث يتناسب مستوى مديرية شئون العاملين مع مستوى المحافظة: مديريات من المستوى ( أ ) ويرأسها مدير من فئة وكيل وزارة....... مديريات من المستوى (ب) ويرأسها مدير من فئة مدير عام...... ومديريات من المستوى (ج) ويرأسها مدير من الفئة الثانية......." وقد نصت المادة 54 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 على أنه "مع مراعاة النسبة المئوية المقررة في المادة (15) من هذا القانون - يجوز نقل العامل من وحدة إلى أخرى من الوحدات التي تسري عليها أحكامه، كما يجوز نقله إلى الهيئات العامة والأجهزة الحكومية ذات الموازنة الخاصة بها ووحدات القطاع العام والعكس وذلك إذا كان النقل لا يفوت عليه دوره في الترقية بالأقدمية أو كان بناء على طلبه.... ولا يجوز نقل العامل من وظيفة إلى أخرى أقل ويكون نقل العامل بقرار من السلطة المختصة بالتعيين.
وبتاريخ 28/ 3/ 1985 أرسل محافظ القاهرة إلى السيد/ رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة الكتاب رقم 3 جاء نصه كالآتي: "نظراً لأهمية الدور الذي يناط بمديرية التنظيم والإدارة بوصفها فرعاً من الجهاز تتولى تقديم المشورة لكافة النواحي الإدارية وخاصة في مجالات الخدمة المدنية ولما كانت المديرية بصدد المشاركة في دراسات وتطبيقات التطوير الذي تستهدفه المحافظة والجهاز للهيكل الوظيفي وأسلوب الأداء بالمحافظة للنهوض بمستويات العمل الإداري الأمر الذي يقتضي وجود قيادة للعمل في مديرية التنظيم والإدارة والمحافظة بما يحقق إنجاز هذه المهمة." وبتاريخ 6/ 4/ 1985 أصدر رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة عملاً بأحكام القانون رقم 118 لسنة 64 بإنشاء الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة والقانون رقم 48 لسنة 1978 بإصدار نظام العاملين المدنيين بالدولة والقرار الجمهوري رقم 937 لسنة 1974 بإنشاء مديريات شئون العاملين وموافقة محافظي محافظة القاهرة والمنيا القرار رقم 52 لسنة 1985 المطعون عليه - مقرراً تعيين الطاعن مديراً لمديرية شئون العاملين بمحافظة المنيا نقلاً من محافظة القاهرة وتعيين السيد/ ....... مديراً لمديرية شئون العاملين بمحافظة القاهرة فتظلم الطاعن من هذا القرار في الميعاد وردت الإدارة العامة للشئون القانونية بالجهاز المركزي للتنظيم والإدارة على تظلمه بأن القرار استهدف المصلحة العامة وجاء بناء على كتاب السيد محافظ القاهرة آنف الذكر إلا أنها استطردت بالقول بأن المتظلم أهمل في عمله إهمالاً جسيماً مما دعا محافظ القاهرة إلى إرسال كتابه المشار إليه يلمح فيه بكياسة ودبلوماسية عن إهماله وكان رئيس الجهاز رحيماً به باختيار نقله إلى محافظة المنيا لقربها من القاهرة فكان بذلك مثلاً في التجرد والبعد عن الهوى إلا أن المتظلم كان في غاية الجحود والإنكار والكيد حين ضمن تظلمه مهاترات ليسبغ موقفه أحقية بدلاً من أن يتدارس سلبياته في محافظة القاهرة ويبدأ صفحة جديدة في محافظة المنيا يختم بها حياته الوظيفية الجليلة ومن ثم فلا يمكن أن يوصم القرار بالانحراف.
ومن حيث إن قرار النقل هو إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين وهو إنهاء الولاية الوظيفية للعامل في دائرة الوظيفة المنقول منها وإسناد اختصاصات الوظيفة العامة في دائرة الجهة المنقول إليها وهو كما يكون نقلاً من وظيفة إلى أخرى قد يكون نقلاً مكانياً بحسب مقتضيات العمل. فتأخذه جهة الإدارة بما لها من سلطة تقديرية بحسب ملاءمات ومتطلبات توزيع العمل تحقيقاً للمصلحة العامة وحسن سير المرفق العام وانتظامه، وسواء أكان من وحدة إلى أخرى من الوحدات الخاضعة لأحكام القانون رقم 47 لسنة 1978 وتلك الوحدات التابعة للقطاع العام أو العكس أم منها للأجهزة الحكومية ذات الموازنة الخاصة - فإن النقل من الأمور التي تترخص فيها جهة الإدارة ما دام لا يترتب عليه تفويت فرصة على العامل للترقية بالأقدمية أو كان يتضمن نقله إلى وظيفة من درجة أقل من تلك التي يشغلها أو كان مشوباً بإساءة استعمال السلطة أو متضمناً جزاءً تأديبياً مقنعاً.
ومن حيث إن العبرة فيما إذا كانت قرارات النقل تحمل في طياتها قرارات أخرى وأنها تنطوي على جزاء تأديبي مقنع إنما تكون بما قصدت إليه الإدارة حقيقة من اتخاذها قرارها لا بما وصفت به هذا القرار من وصف مخالف للحقيقة.
ومن حيث إن البين من الأوراق أن الطاعن نقل بدرجته إلى ذات وظيفته في مديرية شئون عاملين بذات مستوى المديرية التي كان يعمل مديراً عاماً بها وأن جهة الإدارة استهدفت من القرار المصلحة العامة حسبما يفصح عنه كتاب محافظة القاهرة وقد اتبع في نقله الإجراءات التي رسمها القانون وكان ذلك بعد موافقة كل من محافظي القاهرة والمنيا وذلك تحقيقاً لحسن سير المرفق وزيادة في فاعلية الأداء ولا يغير من ذلك ما ورد استطراداً بمذكرة الإدارة القانونية دون ما أساس له في كتاب السيد/ محافظ القاهرة وتحميلاً لعباراته بما لا يحمله من معان وأهداف فمن ثم يكون قرار نقل الطاعن متفقاً مع صحيح حكم القانون وما تملكه جهة الإدارة من صلاحيات وسلطة تقديرية لمقتضيات حسن العمل والأداء ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه وقد انتهى إلى ذات النتيجة قد أصاب صحيح حكم القانون.
ولا يغير ولا يحد من سلطة جهة الإدارة أنها استنت قاعدة الرغبة في العمل بمديريات شئون العاملين واستطلاع الرغبات بالإعلان عن الوظائف الشاغرة لإتاحة الفرصة للعاملين بالجهاز للتقدم برغباتهم ذلك لأن ذات القاعدة أردفت بعد ذلك بتأكيد حق السلطة المختصة في شغل الوظائف بالمحافظات النائية عن طريق النقل من خارج الجهاز طبقاً لأحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة على أن يتم اختبار أفضل وأكفأ العناصر من بين الراغبين في العمل وكذلك إمكان شغل بعض وظائف مديري ووكلاء المديريات على أساس النقل وفقاً لما يقرره الجهاز. ومن حيث إن إلزام جهة الإدارة بالتعويض عن قراراتها الإدارية لا يتأتى إلا بتوافر أركان مسئولية جهة الإدارة عن تلك القرارات وذلك بتحقيق أركانها الثلاث: الخطأ، الضرر، وعلاقة السببية بينهما، ويتحقق الخطأ بأن يكون القرار الإداري المترتب عليه الضرر - غير مشروع وذلك بأن يكون مشوباً بأحد عيوب القرار الإداري حسبما حددها قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 بأن يكون مخالفاً للقانون أو تفسيره أو تأويله أو مشوباً بعيب عدم الاختصاص أو الانحراف بالسلطة أو إساءة استعمالها.
ومن حيث إن البين مما سبق أن صدور قرار نقل الطاعن قد صدر ممن يملكه قانوناً في حدود السلطة المخولة دون انحراف بها أو إساءة استعمالها مستهدفاً المصلحة العامة فمن ثم لا يتحقق ركن الخطأ في حق جهة الإدارة وبالتالي مسئوليتها المؤدية إلى التزامها بالتعويض عنه وتكون دعوى الطاعن بالتعويض المطالب به، فضلاً عن افتقارها لبيان عناصر الضرر على غير سند من القانون والواقع خليقة بالرفض.
ومن حيث إن من خسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملاً بأحكام المادة 184 من قانون المرافعات المدنية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعن المصروفات.