أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 37 - صـ 630

جلسة 4 من يونيه سنة 1986

برياسة السيد المستشار: محمد وجدي عبد الصمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم حسين رضوان ومحمد ممدوح سالم ومحمد رفيق البسطويسي ومحمود بهي الدين عبد الله نواب رئيس المحكمة.

(120)
الطعن رقم 671 لسنة 56 القضائية

(1) مواد مخدرة. جلب. جريمة "أركانها". قصد جنائي. جمارك "إقليم جمركي". "خط جمركي". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
جريمة جلب الجواهر المخدرة. مناط تحققها؟
الإقليم الجمركي أو الخط الجمركي. ماهية كل منهما في مفهوم المواد الثلاث الأولى من القانون 66 لسنة 1963.
تخطي الحدود الجمركية أو الخط الجمركي بغير استيفاء الشروط المنصوص عليها في القانون 182 لسنة 1960. يعد جلباً محظوراً.
مثال لتسبيب سائغ على توافر قصد الجلب.
(2) إثبات "شهود" نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
التشكيك في أقوال الشهود التي اطمأنت إليها المحكمة. جدل موضوعي في تقدير الدليل عدم جواز إثارته أمام محكمة النقض.
(3) إثبات "شهود" حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل" نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
اختلاف أقوال الشهود في بعض التفاصيل. لا يعيب الحكم. شرط ذلك؟.
(4) تفتيش "إذن التفتيش. إصداره". مواد مخدرة استدلالات. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير جدية التحريات".
تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش. موضوعي.
(5) مود مخدرة. جلب اختصاص. "الاختصاص الإقليمي" قانون "سريانه من حيث المكان". قانون دولي. تفتيش "إذن التفتيش. إصداره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الأصل سريان قانون العقوبات على كل من يرتكب جريمة منصوصاً عليها فيه أياً كانت جنسيته. متى وقعت الجريمة في الأراضي أو المياه الإقليمية للدولة. أساس ذلك؟.
إعفاء رؤساء الدول الأجنبية وممثليها الدبلوماسيين والعسكريين من الخضوع للقضاء المصري.
امتداد اختصاص القضاء الجنائي المصري إلى السفن التجارية الأجنبية عند وجودها في المياه الإقليمية في حالات منها ضرورة القضاء على الاتجار غير المشروع في المواد المخدرة. أساس ذلك؟.
1 - لما كان الجلب في حكم القانون رقم 182 لسنة 1960 ليس مقصوراً على استيراد الجواهر المخدرة من خارج الجمهورية وإدخالها المجال الخاضع لاختصاصها الإقليمي كما هو محدد دولياً، بل أنه يمتد أيضاً إلى كل واقعة يتحقق بها نقل الجواهر المخدرة على خلاف الأحكام المنظمة لجلبها المنصوص عليها في الفصل الثاني من القانون المذكور في المواد من 3 إلى 6 إذ يبين من استقراء هذه النصوص أن الشارع اشترط لجلب الجواهر المخدرة أو تصديرها الحصول على ترخيص كتابي من جهة الإدارة المختصة لا يمنح إلا للفئات المبينة بالمادة الرابعة ولا تسلم الجواهر المخدرة التي تصل إلى الجمارك إلا بموجب إذن سحب كتابي تعطيه الجهة الإدارية المختصة للمرخص له بالجلب أو لمن يحل محله في عمله وأوجب على مصلحة الجمارك في حالتي الجلب والتصدير تسلم إذن السحب أو التصدير من صاحب الشأن وإعادته إلى الجهة الإدارية المختصة، كما يبين من نصوص المواد الثلاث الأولى من قانون الجمارك الصادر به القانون رقم 66 لسنة 1966 أنه يقصد بالإقليم الجمركي الأراضي والمياه الإقليمية الخاضعة لسيادة الدولة وأن الخط الجمركي هو الحدود السياسية الفاصلة بين الجمهورية والدول المتاخمة وكذلك شواطئ البحار المحيطة بالجمهورية وتعتبر خطأ جمركياً ضفتا قناة السويس وشواطئ البحيرات التي تمر بها هذه القناة ويمتد نطاق الرقابة الجمركية البحري من الخط الجمركي إلى مسافة ثمانية عشر ميلاً بحرياً في البحار المحيطة به ومفاد ذلك أن تخطي الحدود الجمركية أو الخط الجمركي بغير استيفاء الشروط التي نعى عليها القانون رقم 182 لسنة 1960 والحصول على الترخيص المطلوب من الجهة الإدارية المنوط بها منحه - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - يعد جلباً محظوراً. لما كان ذلك، وكان الحكم قد دلل على القصد من الجلب في قوله "أما قول الدفاع بأن الأوراق قد خلت من دليل على قيام جريمة الجلب بقصد الترويج في حق المتهم، فإن جريمة جلب الجواهر المخدرة التي نصت عليها المادة 33/ أ من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات يتوافر إذا ما تم جلب المخدرات من خارج البلاد بقصد ترويجها داخلها، وإن البين من أقوال ربان السفينة على ما تقدم ذكره وكان محلاً لاطمئنان المحكمة أن المتهم طلب منه إنهاء خدمته حين وصول الباخرة إلى بور سعيد وأنه كان حال الضبط متهيئاً لمغادرتها فضلاً عما ثبت من أن جواز سفره كان منتهياً مما يقطع بأنه جلب المخدرات المضبوطة بقصد الدخول بها إلى البلاد، فإذا كان الثابت أن تلك المخدرات بلغ وزنها 2338 جراماً وهي كمية لا يعقل معها القول بأن جلبها كان بقصد الاستعمال الشخصي فإنه بطريق اللزوم يكون بقصد ترويجها....." وهو تدليل كاف وسائغ على توافر قصد الجلب، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد.
2 - لما كان الحكم قد رد على ما أثاره الدفاع في شأن وجود السفينة بالميناء منذ..... ورد عليه في قوله "ما ذكره الدفاع أن السفينة قد وجدت بالميناء اعتباراً من...... ولا بد أن يكون قد جرى تفتيشها ومن ثم فلا يعقل القول بالعثور على مخدرات فيها بتاريخ..... وهو دفاع خلت الأوراق مما يسانده". وكان ما أثاره الطاعن في هذا الشأن إنما يرمى إلى التشكيك في أقوال شهود الإثبات التي اطمأنت إليها المحكمة، فإن منعى الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
3 - لما كان اختلاف أقوال الشهود في بعض التفاصيل لا يعيب الحكم أو يقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه وما دام لم يورد تلك التفصيلات أو يركن إليها في تكوين عقيدته - كالحال في الدعوى - فإن منعى الطاعن في هذا الخصوص يكون غير سديد.
4 - لما كان تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتفتيش هو من المسائل الموضوعي التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع فمتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في ذلك، كما هو الحال في الدعوى الراهنة - فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون.
5 - لما كانت المادة الأولى من قانون العقوبات قد نصت على أن "تسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب في القطر المصري جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون" وهو ما يقتضي بداهة أن التشريع الجنائي المصري هو الذي يطبق دون غيره على من يرتكب في إقليم الدولة فعلاً يعد جريمة حسب نصوص هذا التشريع أياً كانت جنسية مرتكب الفعل وهو أمر تقتضيه سيادة الدولة على إقليمها وهو الوسيلة لتأمين الحقوق الجديرة بالحماية الجنائية. ويعتبر ضمن إقليم الدولة الأرض التي تحدها حدودها السياسية بما فيها من أنهار وبحيرات وقنوات وموانئ فضلاً عن المياه الإقليمية ولا يستثنى من هذا الأصل إلا ما تقتضيه قواعد القانون الدولي من إعفاء رؤساء الدول الأجنبية وممثليها الدبلوماسيين والأفراد العسكريين الأجانب من الخضوع للقضاء الإقليمي. ويمتد اختصاص القضاء الإقليمي الجنائي إلى السفن التجارية الأجنبية الراسية في الميناء، في حدود ما أقرته اتفاقية جنيف المعقودة سنة 1958 التي نصت على حق الدولة في التعرض للسفن التجارية الأجنبية أثناء مرورها بالموانئ أو المياه الإقليمية في حالات من بينها أن يكون هذا التدخل ضرورياً للقضاء على اتجار غير مشروع في المواد المخدرة، ثم أكدته - من بعد - اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار - التي وقعت عليها مصر بتاريخ 10 من ديسمبر سنة 1982 وصدقت عليها بالقرار الجمهوري رقم 145 لسنة 1983 الصادر في 30 من إبريل سنة 1983 ووافق مجلس الشعب عليها في 22 من يونيه سنة 1983 وأودعت وثيقة التصديق عليها لدى الأمين العام للأمم المتحدة - بالنص في المادة 27 منها على أن" 1 - لا ينبغي للدولة الساحلية أن تمارس الولاية الجنائية على ظهر سفينة أجنبية مارة خلال البحر الإقليمي من أجل توقيف أي شخص أو إجراء أي تحقيق بصدد أية جريمة ارتكبت على ظهر السفينة أثناء مرورها إلا في الحالات التالية فقط: ( أ ).... (ب).... (جـ).... (د) أو إذا كانت هذه التدابير لازمة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات أو المواد التي تؤثر على العقل". وإذ كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن إذن التفتيش قد صدر من وكيل نيابة الميناء ببور سعيد بناء على تحريات الشرطة التي أسفرت عن أن الطاعن قد جلب مخدرات على باخرة لبنانية رست في الميناء، فإن الإذن يكون قد صدر ممن يملك إصداره، لما للسلطات المصرية - في هذه الحالة - من حق القيام بإجراءات التفتيش والضبط التي تسمح بها قوانينها في المراكب التجارية التي تكون راسية في مياهها الإقليمية أو موجودة في مياهها الداخلية، ويكون منعى الطاعن بعدم اختصاص مصدر الإذن بإصداره قولاً أن السفينة تحمل علماً أجنبياً فلا تخضع لقانون الدولة غير سديد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: جلب إلى أراضي جمهورية مصر العربية جوهراً مخدراً "حشيشاً" دون الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية المختصة. وأحالته إلى محكمة جنايات بور سعيد لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1، 2، 3، 33/ 1 من القانون 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 والبند رقم 57 من الجدول رقم واحد الملحق بالقانون الأول المعدل بقرار وزير الصحة رقم 295 لسنة 1976 مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبته بالأشغال الشاقة المؤبدة وتغريمه عشرة آلاف جنيه وبمصادرة الجوهر المخدر المضبوط.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

من حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة جلب جوهر مخدر قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وخالف القانون، ذلك بأنه لم يبين مؤدى أدلة الإدانة، ولم يستظهر أركان جريمة الجلب اكتفاء بما أثبته من ضبط المخدر على متن سفينة راسية في الميناء خارج الخط الجمركي، وأطرح دفاعه أنه من غير المعقول أن تكون السفينة راسية في الميناء منذ يوم..... دون تفتيش ولو حققت المحكمة دفاع الطاعن واستعلمت من السلطات عما إذا كان قد فتشت من قبل لأفادتها بما قد يغير وجه الرأي في الدعوى، ولم تلتفت إلى ما شاب أدلة الدعوى من تناقض إذ ورد في محضر التحريات وأقوال شاهدي الإثبات أن آخر يشارك الطاعن الكابينة بينما ورد بمحضر الضبط وأقوال ربان السفينة أن الطاعن يقيم فيها وحده، وقد تمسك الدفاع ببطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات ولأن من أصدر الإذن غير مختص لأن السفينة المأذون بتفتيشها تحمل علماً أجنبياً ولا تخضع لقانون الدولة ولو كانت راسية في مياهها الإقليمية ولأن الإذن قد صدر للضابط.... بينما قام بالتفتيش الضابط..... ولم يثبت أن التفتيش تحت إشراف المأذون له بما كان لم يحضره مأمور الجمارك نفاذاً لما ورد بالإذن، إلا أن الحكم أطرح كل هذا الذي تمسك به الدفاع دون مسوغ مما يعيبه ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى في قوله أنها "تتحصل في أن رئيس وحدة المخدرات بإدارة شرطة ميناء بورسعيد المقدم.... انتقل بتاريخ..... وفي صحبة المقدم...... رئيس قسم البحث الجنائي بالإدارة واحد مأموري جمرك بور سيعد على رأس قوة من الضباط ورجال الشرطة السريين إلى الباخرة هرميل 2 الراسية بالميناء وذلك لتفتيش شخص وكابينة المتهم..... لضبط ما يحرزه من مواد مخدرة وقد أسفر التفتيش الذي تم بناء على إذن النيابة العامة وموافقة ربان السفينة عن ضبط ست طرب من الحشيش أسفل مرتبة سريره" وأورد على ثبوت الواقعة - على هذه الصورة - أدلة سائغة استقاها من أقوال الضابطين..... و..... وربان السفينة..... ومن تقرير المعامل الكيماوية. لما كان ذلك، وكان الحكم قد حصل أقوال الضابطين بما مؤداه أن التحريات دلت على أن الطاعن ويعمل على الباخرة هرميل 2 القادمة من بيروت جلب معه مخدرات لترويجها داخل البلاد وبعد صدور إذن النيابة العامة بضبطه وتفتيشه انتقلا ومأمور الجمرك إلى السفينة الراسية بميناء بور سعيد وبعد أن أذن لهما الربان بالتفتيش تم ضبط ست طرب حشيش أسفل حشية سرير الطاعن، كما حصل الحكم أقوال ربان السفينة بما مؤداه أنه أذن للضابطين بالتفتيش الذي أسفر عن ضبط ست طرب حشيش داخل الكابينة التي يقيم بها الطاعن بمفرده، فإن منعى الطاعن بشأن قصور الحكم في بيان مؤدى الأدلة لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الجلب في حكم القانون رقم 182 لسنة 1960 ليس مقصوراً على استيراد الجواهر المخدرة من خارج الجمهورية وإدخالها المجال الخاضع لاختصاصها الإقليمي كما هو محدد دولياً، بل أنه يمتد أيضاً إلى كل واقعة يتحقق بها نقل الجواهر المخدرة على خلاف الأحكام المنظمة لجلبها المنصوص عليها في الفصل الثاني من القانون المذكور في المواد من 3 إلى 6 إذ يبين من استقراء هذه النصوص أن الشارع اشترط لجلب الجواهر المخدرة أو تصديرها الحصول على ترخيص كتابي من جهة الإدارة المختصة لا يمنح إلا للفئات المبينة بالمادة الرابعة ولا تسلم الجواهر المخدرة التي تصل إلى الجمارك إلا بموجب إذن سحب كتابي تعطيه الجهة الإدارية المختصة للمرخص له بالجلب أو لمن يحل محله في عمله وأوجب على مصلحة الجمارك في حالتي الجلب والتصدير تسلم إذن السحب أو التصدير من صاحب الشأن وإعادته إلى الجهة الإدارية المختصة، كما يبين من نصوص المواد الثلاث الأولى من قانون الجمارك الصادر به القانون رقم 66 لسنة 1963 أنه يقصد بالإقليم الجمركي الأراضي والمياه الإقليمية الخاضعة لسيادة الدولة وأن الخط الجمركي هو الحدود السياسية الفاصلة بين الجمهورية والدول المتاخمة وكذلك شواطئ البحار المحيطة بالجمهورية وتعتبر خطأ جمركياً ضفتا قناة السويس وشواطئ البحيرات التي تمر بها هذه القناة ويمتد نطاق الرقابة الجمركية البحري من الخط الجمركي إلى مسافة ثمانية عشر ميلاً بحرياً في البحار المحيطة به ومفاد ذلك أن تخطي الحدود الجمركية أو الخط الجمركي بغير استيفاء الشروط التي نعى عليها القانون رقم 182 لسنة 1960 والحصول على الترخيص المطلوب من الجهة الإدارية المنوط بها منحه - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - يعد جلباً محظوراً. لما كان ذلك، وكان الحكم قد دلل على القصد من الجلب في قوله "أما قول الدفاع بأن الأوراق قد خلت من دليل على قيام جريمة الجلب بقصد الترويج في حق المتهم، فإن جريمة جلب الجواهر المخدرة التي نصت عليها المادة 33/ أ من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات يتوافر إذا ما تم جلب المخدرات من خارج البلاد بقصد ترويجها داخلها، وإن البين من أقوال ربان السفينة على ما تقدم ذكره وكان محلاً لاطمئنان المحكمة أن المتهم طلب منه إنهاء خدمته حين وصول الباخرة إلى بور سعيد وأنه كان حال الضبط متهيئاً لمغادرتها فضلاً عما ثبت من أن جواز سفره كان منتهياً مما يقطع بأنه جلب المخدرات المضبوطة بقصد الدخول بها إلى البلاد، فإذا كان الثابت أن تلك المخدرات بلغ وزنها 2338 جراماً وهي كمية لا يعقل معها القول بأن جلبها كان بقصد الاستعمال الشخصي فإنه بطريق اللزوم يكون بقصد ترويجها.... "وهو تدليل كاف وسائغ على توافر قصد الجلب، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك وكان الحكم قد رد على ما أثاره الدفاع في شأن وجود السفينة بالميناء منذ يوم..... ورد عليه في قوله "ما ذكره الدفاع أن السفينة قد وجدت بالميناء اعتباراً من..... ولا بد أن يكون قد جرى تفتيشها ومن ثم فلا يعقل القول بالعثور على مخدرات فيها بتاريخ..... وهو دفاع خلت الأوراق مما يسانده". وكان ما أثاره الطاعن في هذا الشأن إنما يرمى إلى التشكيك في أقوال شهود الإثبات التي اطمأنت إليها المحكمة، فإن منعى الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان اختلاف أقوال الشهود في بعض التفاصيل لا يعيب الحكم أو يقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه وما دام لم يورد تلك التفصيلات أو يركن إليها في تكوين عقيدته - كالحال في الدعوى - فإن منعى الطاعن في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتفتيش هو من المسائل الموضوعي التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع فمتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في ذلك - كما هو الحال في الدعوى الراهنة - فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون. لما كان ذلك، وكانت المادة الأولى من قانون العقوبات قد نصت على أن "تسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب في القطر المصري جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون" وهو ما يقتضي بداهة أن التشريع الجنائي المصري هو الذي يطبق دون غيره على من يرتكب في إقليم الدولة فعلاً يعد جريمة حسب نصوص هذا التشريع أياً كانت جنسية مرتكب الفعل وهو أمر تقتضيه سيادة الدولة على إقليمها وهو الوسيلة لتأمين الحقوق الجديرة بالحماية الجنائية. ويعتبر ضمن إقليم الدولة الأرض التي تحدها حدودها السياسية بما فيها من أنهار وبحيرات وقنوات وموانئ فضلاً عن المياه الإقليمية ولا يستثنى من هذا الأصل إلا ما تقتضيه قواعد القانون الدولي من إعفاء رؤساء الدول الأجنبية وممثليها الدبلوماسيين والأفراد العسكريين الأجانب من الخضوع للقضاء الإقليمي. ويمتد اختصاص القضاء الإقليمي الجنائي إلى السفن التجارية الأجنبية الراسية في الميناء، في حدود ما أقرته اتفاقية جنيف المعقودة سنة 1958 التي نصت على حق الدولة في التعرض للسفن التجارية الأجنبية أثناء مرورها بالموانئ أو المياه الإقليمية في حالات من بينها إن يكون هذا التدخل ضرورياً للقضاء على اتجار غير مشروع في المواد المخدرة، ثم أكدته - من بعد - اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار - التي وقعت عليها مصر بتاريخ 10 من ديسمبر سنة 1982 وصدقت عليها بالقرار الجمهوري رقم 145 لسنة 1983 الصادر في 30 من إبريل سنة 1983 ووافق مجلس الشعب عليها في 22 من يونيه سنة 1983 وأودعت وثيقة التصديق عليها لدى الأمين العام للأمم المتحدة - بالنص في المادة 27 منها على أن" 1 - لا ينبغي للدولة الساحلية أن تمارس الولاية الجنائية على ظهر سفينة أجنبية مارة خلال البحر الإقليمي من أجل توقيف أي شخص أو إجراء أي تحقيق بصدد أية جريمة ارتكبت على ظهر السفينة أثناء مرورها إلا في الحالات التالية فقط: ( أ ).... (ب).... (جـ).... (د) أو إذا كانت هذه التدابير لازمة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات أو المواد التي تؤثر على العقل". وإذ كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن إذن التفتيش قد صدر من وكيل نيابة الميناء ببور سعيد بناء على تحريات الشرطة التي أسفرت عن أن الطاعن قد جلب مخدرات على باخرة لبنانية رست في الميناء، فإن الإذن يكون قد صدر ممن يملك إصداره، لما للسلطات المصرية - في هذه الحالة - من حق القيام بإجراءات التفتيش والضبط التي تسمح بها قوانينها في المراكب التجارية التي تكون راسية في مياهها الإقليمية أو موجودة في مياهها الداخلية، ويكون منعى الطاعن بعدم اختصاص مصدر الإذن بإصداره قولاً أن السفينة تحمل علماً أجنبياً فلا تخضع لقانون الدولة غير سديد لما كان ذلك، وكان الحكم قد رد على دفع الطاعن ببطلان التفتيش وما أسفر عنه من ضبط المخدر لأن من قام بالتفتيش غير من أذن له به في قوله "أما القول بأن الإذن قد صدر لغير من قام بالضبط والتفتيش فإنه مردود بأن طريقة تنفيذ الإذن موكلة إلى المأذون له بالتفتيش ومن حقه الاستعانة في ذلك بزملائه وأعوانه من مأموري الضبط ورجال السلطة العامة بل له أن يستعين في تنفيذ إذن التفتيش بمرؤوسيه من غير رجال الضبط القضائي ما داموا يعملون تحت إشرافه" وكان الثابت مما حصله الحكم من أقوال الضابطين وربان السفينة أن التفتيش قد تم في حضور المأذون له به أصلاً وتحت بصره، فإن الحكم إذ انتهى إلى إطراح دفاع الطاعن في هذا الشأن يكون قد اقترن بالصواب. لما كان ذلك، وكان الثابت مما حصله الحكم من أقوال الضابطين أن التفتيش قد تم في حضور إحدى مأموري الجمارك، فإن منعى الطاعن في هذا الصدد يضحى على غير سند. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.