مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1992 إلى آخر سبتمبر سنة 1992) - صـ 1376

(149)
جلسة 12 من مايو سنة 1992

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد محمود الدكروري نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ د، أحمد مدحت حسن علي وعويس عبد الوهاب عويس وأحمد أمين حسان محمد ود. محمد عبد البديع عسران - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 774 لسنة 32 القضائية

عقد إداري - تنفيذه - الخطأ العقدي. (تعويض).
المادتان 216 و221 من التقنين المدني - يقدر القاضي التعويض إذا لم يكن مقدراً في العقد أو نص القانون - يتعين عند تقدير التعويض تقصي وجود الخطأ المشترك وأثره - يجوز للقاضي أن ينقص مقدار التعويض أولاً يحكم بالتعويض إذا كان الدائن بخطئه قد اشترك في إحداث الضرر أو زاد فيه - نتيجة ذلك: لا يتقاضى المضرور في كل الأحوال تعويضاً كاملاً بل يتحمل نصيبه من المسئولية إذا كان هناك ما يدعو إلى ذلك - مثال: امتناع الشركة من جانبها عن التوريد في المواعيد المحددة بالعقد والموافقة الاستيرادية وطوال فترة سريان فتح الاعتماد حتى سقوط الموافقات الاستيرادية واستحالة تنفيذ الالتزام - مساهمة الشركة في استحالة تنفيذ العقد بفوات المواعيد المحددة لتنفيذه - فسخ العقد - أساس ذلك: المادة 159 من التقنين المدني - من الأمور المسلمة في العقود سواء كانت إدارية أو مدنية أن الخطأ العقدي هو عدم قيام المدين بتنفيذ التزاماته الناشئة عن العقد أياً كان السبب - يستوي في ذلك أن يكون عدم التنفيذ ناشئاً عن عمده أو عن إهماله أو فعله دون عمد أو إهمال - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 5/ 2/ 1985 أودع الأستاذ/ أحمد وجيه عبد المجيد قابيل المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن بتوكيل رسمي عام رقم 356 لسنة 1984 عام جنوب القاهرة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بالسجل العام تحت رقم 774 لسنة 32 قضائية عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود الإدارية والتعويضات) بجلسة 8/ 12/ 1985 في القضية رقم 463 لسنة 33 ق عليا والذي قضى "بإلزام شركة النصر للتصدير والاستيراد بأن تدفع للشركة المدعية مبلغاً وقدره 103410.370 مليمجـ (فقط مائة وثلاثة آلاف وأربعمائة وعشرة جنيهات و 370/ 1000 مليماً) على سبيل التعويض عن عمليتي الزيت والبراميل ورفضت ما عدا ذلك من طلبات وتحميل الشركة المدعية بمصروفات هذه الدعوى. وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه إلى أن يكون التعويض الذي يقضي به لصالحها ضد شركة النصر للتصدير والاستيراد ووزارة الزراعة متضامنين مبلغ مليون دولار وذلك بصفة أصلية واحتياطياً بما يعادل هذا المبلغ بالجنيه المصري على أساس السعر المعلن من البنك المركزي في تاريخ تنفيذ الحكم فضلاً عن الفوائد والمصاريف والأتعاب عن درجتي التقاضي.
وأعلن الطعن قانوناً، وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات.
وحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 21/ 11/ 1990 وتدوول نظره على النحو المبين بمحاضر الجلسات حتى قررت بجلسة 20/ 3/ 1991 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) وحددت لنظره جلسة 7/ 5/ 1991 وفي هذه الجلسة والجلسات التالية نظرت المحكمة الطعن على النحو الثابت بمحاضر الجلسات وبجلسة 28/ 1/ 1992 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 17/ 3/ 1992 وفي هذه الجلسة قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لإتمام المداولة وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن أقيم في الميعاد القانوني مستوفياً أوضاعه الشكلية فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن الطاعن بصفته أقام الدعوى رقم 452 لسنة 1976 تجاري كلي جنوب القاهرة أودع صحيفتها قلم كتاب محكمة جنوب القاهرة بتاريخ 25/ 10/ 1976 طالباً فيها الحكم:
أولاً: بصحة ونفاذ العقد المبرم بين الشركة المدعية (الطاعنة) والشركة المدعى عليها الأولى (المطعون ضدها الأولى) والمؤرخ في 12/ 2/ 1975 والخاص بعملية توريد 3000 طن زيت معدني و42000 برميل معدني وفقاً للمواصفات وطبقاً للأسعار المحددة.
ثانياً: بصفة مستعجلة تعديل الاعتمادات المفتوحة لدى المدعى عليه الثالث والخاصة بإذني الاستيراد رقمي 121 بتاريخ 30/ 3/ 1975، 13 بتاريخ 8/ 4/ 1975 وجعلها بالعملات الحرة نقداً بدلاً من الاتفاقيات طبقاً لشروط التعاقد حتى تتمكن الشركة من شحن البضاعة وتنفيذ الأمر رقم 191 لسنة 1976 تجاري كلي جنوب القاهرة.
ثالثاً: إلزام المدعى عليهما الأول والثاني بأن يدفعا للشركة المدعية بالتضامن فيما بينهما مبلغ نصف مليون جنيه مصري تعويضاً عما ترتب على تأخير تنفيذ العملية من أضرار مع إلزام المدعى عليهما الأول والثاني بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة وبجلسة 25/ 12/ 1976 قررت المحكمة إحالة الدعوى ودعاوى أخرى مرتبطة مقامة من المطعون ضدهما الأول والثاني ضد الطاعن إلى محاكم مجلس الدولة للاختصاص ووردت هذه الدعاوى جميعاً حيث قيدت بقلم كتاب محكمة القضاء الإداري تحت رقم 463 لسنة 33 ق وفي مجال شرح الشركة لدعواها أبدت أنه في غضون شهر فبراير سنة 1975 طرحت شركة النصر للتصدير والاستيراد مناقصة عالمية لتوريد منتجات غير نمطية وبمواصفات خاصة وهي توريد 3000 طن زيت معدني، 42000 برميل معدني لحساب وزارة الزراعة فتقدمت الشركة المدعية بعروضها في هذه المناقصة وبتاريخ 12/ 2/ 1975 تسلمت الشركة المدعية (تلكس) من شركة النصر نصه" يسرنا تثبيت حوالي 65000 برميل بسعر 2.78 دولار للبرميل فوب وحوالي 3000 طن زيت معدني بسعر 312 دولاراً (س. اند. اف) سنخطركم خلال أيام بتحديد الكميات النهائية) وقد اعتبرت الشركة أن العملية قد رست عليها بالأسعار والشروط التي حددتها إلا أن الكمية لم تحدد بعد وبتاريخ 17/ 2/ 1975 تسلمت الشركة المدعية البرقية الآتية من شركة النصر (يسرنا تثبت الكميات الآتية بصفة نهائية: أ) 2000 طن زيت معدني درجة أولى بسعر صافٍ 312 دولار للطن من (س. اند. اف) الإسكندرية والشحن خلال مايو ويونيو سنة 1975 ب) 42000 برميل معدني بسعر صافٍ 2.78 دولاراً للبرميل فوب برشلونة أو ثالبسنا) بتسلم هذه البرقية تم التعاقد بين الشركة المدعية والشركة المدعى عليها الأولى وتنفيذاً لهذا التعاقد قامت شركة النصر باستخراج إذن استيراد برقم 121 في 30/ 3/ 1975 لاستيراد 3000 طن زيت معدني ونص في ترخيص الاستيراد "اعتماد مستندي معزز بالعملة الحرة" وهذا يعني أن الدفع نقداً بالعملات الحرة وليس بنظام الاتفاقيات وكان هذا شرط الشركة المدعية في العطاء وكذلك استخرجت شركة النصر ترخيص الاستيراد رقم 13 في 8/ 4/ 1975 لاستيراد 42000 برميل معدني بسعر 2.78 دولار للبرميل الواحد وتحرر بذات طريقة الترخيص الأول (عملات حرة) نقداً وأمام طريقة الدفع عبارة - اعتماد مستندي معزز بالعملة الحرة).
وبتاريخ 23/ 4/ 1975 تقدمت الشركة المدعية إلى البنك الأهلي المصري بطلب فتح الاعتمادات الخاصة بهذه العملية إلا أن الشركة فوجئت بأن الاعتمادات لم تفتح بالعملات الحرة حسب الاتفاق وشروط المناقصة وإنما فتحت من حساب الاتفاقات بينما حساب الاتفاقات مع أسبانيا خال ولا يمكن الاستفادة به فأخطرت الشركة المدعية الشركة المدعى عليها تليفونياً بما حدث وطلبت منها سرعة تعديل الاعتماد ليكون الدفع بالعملات الحرة وليس بالاتفاقيات طبقاً للشروط وأكدت المحادثة ببرقية وبتاريخ 25/ 5/ 1975 تسلمت الشركة المدعية من الشركة المدعى عليها البرقية التالية" تسلم اليوم البنك الأهلي موافقة وزارة الاقتصاد بتعديل الاعتمادات لتكون بالعملات الحرة سيتم تنفيذه خلال أيام" وانتظرت الشركة المدعية إجراء هذا التعديل، إلا أن ذلك لم يتم رغم إخطارها الشركة المدعى عليها عدة مرات بأن في بقاء هذا الوضع ضرراً جسيماً بالشركة المدعية لسبب احتمال تلف البضاعة وزيادة مصاريف التخزين وفوائد المبالغ المجمدة وأن كل ذلك سيعيب الثمن بالزيادة ورغم كل ما قدمته من شكاوى للجهات المسئولة واتخاذ الإجراءات اللازمة إلا أن الشركة المدعى عليها لم تقم بفتح الاعتمادات بالعملات حتى يمكن الشحن مما حدا بالشركة المدعية إلى إقامة دعواها بطلباتها سالفة البيان.
وبجلسة 8/ 12/ 1985 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه وأقامت قضاءها على ما قضت به المحكمة - بهيئة أخرى - في الحكم التمهيدي الصادر - بجلسة 4/ 7/ 1982 بندب خبير في الدعوى محل الطعن حيث فصلت في بعض عناصر النزاع موضوعياً بحكم قطعي يمتنع معه العودة إليها مرة أخرى إذ قطعت في مبدأ التعويض المستحق للشركة الطاعنة على أساس إخلال شركة النصر بالتزامها وفي طبيعة العلاقة بين شركة النصر للتصدير والاستيراد وكل من وزارة الزراعة وشركة ابسببا بينت أنها وكالة بالعمولة، كما حددت المسئولية بالنسبة لعمليتي الزيت المعدني والبراميل على أساس إخلال شركة النصر بالتزامها بفتح الاعتمادات لشركة ابسببا بالعملات الحرة وليس بالحساب القابل للتحويل كما أنه في العلاقة بين شركة النصر ووزارة الزراعة بين الحكم أن وزارة الزراعة هي التي أخطأت بعدم استكمال إجراءات تعديل الاعتماد وليكون بالدولار الحر وليس بالحساب القابل للتحويل وفي حدود طلبات الخصوم ومما تقدم من أسباب قضت المحكمة في الحكم التمهيدي بالنسبة للدعوى المقامة من شركة ابسببا بعدم قبولها بالنسبة لوزير الزراعي وبقبولها بالنسبة لشركة النصر وإحالة طلب التعويض عن عمليتي الزيت المعدني والبراميل - قبل الفصل فيه - إلى مكتب خبراء وزارة العدل لتحديد عناصر التعويض ومقداره فأحيلت الأوراق إلى الخبير المنتدب وبعد ورود التقرير قضت المحكمة بالحكم المطعون فيه وقصرت أسبابه على ما لم يتم الفصل فيه من عناصر النزاع بقضاء موضوعي قطعي أما ما سبق الفصل فيه فقررت أنها لا تعود إلى مناقشته حتى ولو حاول الخصوم ذلك لكونه غير جائز قانوناً. وعن مسألة تقدير التعويض المستحق للشركة الطاعنة قبل شركة النصر والذي قام الخبير المنتدب بتقديره بمبلغ إجمالي 141816 جـ لمجابهة ما لحقها من خسارة وما فاتها من كسب على التفصيل الذي تضمنه التقدير فإن المحكمة في الحكم محل الطعن الماثل قدرت التعويض المستحق للشركة الطاعنة بمبلغ 103410 جنيه على أساس أن الشركة الأخيرة لم تستطع أن تقدم للخبير مستنداً قاطعاً ومنتجاً في بيان مدى الضرر الذي عاد عليها كما أن ما لحق الشركة الطاعنة من ضرر كان بإسهام منها وفقاً لما صدر عنها من أفعال سجلت عليها وأشار إليها الحكم الصادر بجلسة 4/ 7/ 1982 ومن ثم فإن التقدير الوارد بتقرير الخبير لتعويض الشركة بواقع 30% من الأسعار المتفق عليها بالعقد (فوب) عما لحقها من خسارة وما فاتها من كسب يكون محل نظر من المحكمة لأنه لم يدخل في حساب هذا التقدير جوانب الخطأ الثابتة قبل الشركة المدعية وما يمكن أن يستغرقه هذا الخطأ من قيمة التعويض التي ارتآها الخبير الأمر الذي رأت معه المحكمة تقدير التعويض بواقع 20% من الأسعار بدلاً من 30% لتغطية كل جوانب الضرر الذي لحق الشركة بما قيمته 103410.370 مليمجـ وبالنسبة للفوائد قالت المحكمة إن: تقدير قيمة التعويض على النحو المتقدم لا يستحق عنه فوائد تأخيرية إلا من تاريخ الحكم به إذ أن التعويض المستحق لم يكن معلوم المقدار وقت رفع الدعوى.
وإذ لم يلق الحكم المطعون فيه قبولاً لدى الطاعن فقد أقام عنه هذا الطعن الذي يبنيه على مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله للأسباب الآتية:
أولاً: أخطأ الحكم المطعون فيه حين تصدى لتقدير التعويض الذي تطلبه الشركة الطاعنة من وجهين 1 - أنه خالف ما قضى به الحكم الآمر بندب خبير والذي قضى قطعياً في جانب من الخصومة رغم أن حجية هذا الحكم تنبسط على كل ما يصدر عن المحكمة من أحكام أو قرارات في ذات درجة التقاضي.
2 - أنه خالف قواعد المسئولية لتنفيذ العقد عيناً أو بطريق التعويض أو بفسخه ذلك أن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 4/ 7/ 1982 انتهى في أسبابه بعد أن كيف العقد بين شركة النصر ووزارة الزراعة أنه وكالة بالعمولة إلى رفض الدعوى ضد وزارة الزراعة ومناقشة المسئولية بين الشركة الطاعنة وشركة النصر. إلا أن الحكم بعد أن سجل أنه لا مسئولية على الشركة الطاعنة حاد عن ذلك وحاول أن يثبت خطأ في جانبها ليصل من ذلك تارة إلى خفض التعويض وأخرى إلى رفضه بالنسبة للتعويض الأدبي كل ذلك كان له أثره في تغيير وجه الرأي في الدعوى لخفض التعويض إلى درجة غير منصفة.
ثانياً: أخطأ الحكم في تطبيق القانون عند تقدير الضرر ذلك أن الخبير قدر الضرر عند وقوعه بمبلغ 358830 دولاراً ثم حوله إلى جنيه مصري على أساس سعر الصرف في وقت وقوع الضرر لينزل به إلى مبلغ 141816جنيهاً مصرياً إلا أن العبرة في تقدير الضرر هو بتاريخ صدور الحكم في الدعوى واستشهد الطاعن بحكم للنقض تعرضت له المحكمة بأن هذا الحكم يتناول الضرر المتغير بينما الضرر محل الدعوى لم يتغير وكما استشهد الطاعن بحكم حديث للنقض وبما تضمنته كتب الشراح تأييداً لوجهة نظره. وأضاف أن انخفاض القوة الشرائية للنقود دفعه إلى تعديل طلبه إلى طلب تعويض مقداره مليون دولار مع طلب احتياطي إذا تمسك المدعى عليه بالدفع بالعملة المصرية وأن ذلك من حقه بعد حرمانه مما يستحقه من تعويض طوال عشر سنوات بسبب اللدد في الخصومة والدعاوى الفرعية والمضادة التي رفعها المطعون ضدهم وأغفل الحكم المطعون فيه الرد على ذلك وهو إهدار لحق الدفاع.
ثالثاً: أما عن السبب في رفع مبلغ التعويض فلأنه أصبح يحتوي على نوعين من التعويض تعويض عن التأخير في التنفيذ وتعويض عن عدم التنفيذ ويجوز الجمع بين التعويضين ما دام لم يقم المدين بتنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً. والتعويض هنا ينبني على المسئولية التقصيرية لا المسئولية العقدية، لأن العقد بعد أن فسخ لا يصلح أن يكون أساساً للتعويض وإنما أساس التعويض هو خطأ المدين ويعتبر العقد هنا واقعة مادية لا عملاً قانونياً كما في البطلان فيصبح إذن للدائن أن يحصل على التعويض الذي طلبه الطاعن بالدولار وليس بالجنيه المصري كما صدر به الحكم المطعون فيه.
رابعاً: الخطأ في الاستدلال بالنسبة لرفض الحكم المطعون فيه التعويض عن الضرر الأدبي.
فإنه أياً كانت الحرية التي خولها القانون لقاضي الموضوع في تقدير الأدلة فإنه يظل ملزماً بأن يأخذ أسباب قضائه مأخذاً صحيحاً من الأوراق وأن يعمل منطقاً سليماً في هذا الصدد فلا يجوز أن تؤدي واقعة النزاع في المنطق السليم إلى أن الشركة لا تقيم وزناً لسمعتها بينما هي تكافح لإتمام الصفقة في شقها الكبير الذي لا تقاس عليه إنقاذاً لهذه السمعة، فضلاً عن أن الحكم افترض أن تقصيراً من الشركة في صفقة واحدة أو جزء يسير منها - على فرض حدوثه - يعني أنها استغنت عن اسمها التجاري وسمعتها، والتعويض عن الضرر نص عليه القانون المدني.
وأثناء نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون قدمت الشركة الطاعنة مذكرة بدفاعها انتهت فيها إلى طلب الحكم بطلباتها المبينة بتقرير الطعن. كما قدم الحاضر عن المطعون ضده - الثاني مذكرة دفاع عقب فيها على ما ورد في تقرير الطعن وطلب في ختامها رفض الطعن.
ومن حيث إنه بادئ ذي بدء يتعين التنويه إلى أن الطعن الماثل ينصرف إلى ما فصلت فيه المحكمة بالحكم المطعون فيه الصادر بجلسة 8/ 12/ 1985 أما عناصر النزاع الأخرى التي فصلت فيها محكمة القضاء الإداري موضوعياً بجلستها المنعقدة 4/ 7/ 1982 وبحكم قطعي فلا يجوز التعرض لها بعد أن أصبح باتاً بعدم الطعن عليه وحائزاً لقوة الأمر المقضى به وعنواناً للحقيقة فيما فصل فيه من بعض عناصر النزاع مما يمتنع العودة إليها مرة أخرى.
ومن حيث إنه في ضوء ما تقدم فإن عناصر النزاع محل الطعن ترتبط بشركة النصر للتصدير والاستيراد وفي تقدير التعويض المستحق للشركة المدعية قبل الشركة المدعى عليها من عملية توريد الزيت المعدني والبراميل. ولا شأن لوزارة الزراعة في التضامن مع شركة النصر في أداء مبلغ التعويض المحكوم به باعتبار أن الحكم الصادر بجلسة 4/ 7/ 1982 بعدم قبول الدعوى بالنسبة لوزير الزراعة بصفته قد حاز قوة الأمر المقضى به الأمر الذي يتعين معه رفض طلب الطاعن إلزام وزارة الزراعة بالتضامن مع شركة النصر بأداء مبلغ التعويض لقيامه على غير سند من القانون.
ومن حيث إنه عما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من الخطأ في تطبيق القانون وتأويله والإخلال بحق الدفاع على النحو المشار إليه تفصيلاً بأسباب الطعن فالثابت من الأوراق أن حكم القضاء الإداري الصادر بجلسة 4/ 7/ 1982 الذي أصبح باتاً بعدم الطعن عليه قد أقر مبدأ التعويض المستحق لشركة ابسببا الأسبانية بقضاء قطعي استناداً إلى إخلال شركة النصر بالتزامها بعدم استكمالها إجراءات تعديل الاعتماد ليكون بالدولار الحر بدلاً من الحساب القابل للتحويل إلا أن المحكمة بحكمها المشار إليه أحالت أمر بحث تقدير هذا التعويض إلى الخبير الذي أودع تقريره في الدعوى وانتهى فيه إلى تقدير قيمة ذلك التعويض بواقع 30% من الأسعار المتفق عليها بالعقد (فوب) وذلك عما لحق الشركة المدعية من خسارة وما فاتها من كسب، ليكون ذلك محلاً لنظر المحكمة عند الفصل في تقدير التعويض.
ومن حيث إن المادة 221 من القانون المدني تقضي بأن يقدر القاضي التعويض إذا لم يكن مقدراً في العقد أو بنص في القانون، كما أنه يتعين عند تقدير التعويض تقصي وجود الخطأ المشترك وأثره وذلك عملاً بالقاعدة الواردة في المادة 216 من القانون المدني والتي جرى نصها على أن "يجوز للقاضي أن ينتقص مقدار التعويض أولاً يحكم بتعويض إذا ما كان الدائن بخطئه قد اشترك في إحداث الضرر أو زاد فيه" ومؤدى هذه القاعدة أن المضرور لا يتقاضى في كل الأحوال تعويضاً كاملاً بل يتحمل نصيبه من المسئولية إذا كان هناك ما يدعو لذلك.
ومن حيث إن الثابت أن شركة النصر للتصدير والاستيراد قد أتمت جميع الإجراءات اللازمة للاستيراد وطبقاً للقوانين والقرارات المعمول بها في جمهورية مصر العربية والتي تحظر الاستيراد بغير الحصول على الموافقة الاستيرادية من السلطات المختصة وفتح اعتماد بنكي بالقيمة بناءً على طلب الجهة المستوردة - وذلك كله فيما عدا ما نسب إليها من خطأ أثبته حكم المحكمة بجلسة 4/ 7/ 1982 السابق الإشارة إليه - وقد امتنعت الشركة الطاعنة من جانبها عن التوريد في المواعيد المحددة بالعقد والموافقة الاستيرادية وطوال فترة سريان فتح الاعتماد الحسابي القابل للتحويل وطلبها مد الأجل لمدة أخرى بهدف تعديل الاعتماد وجعله بالدولار الحر إلى أن سقطت الموافقات الاستيرادية واستحال تنفيذ الالتزام بفوات المواعيد المحددة لتنفيذه بدلاً من أن تبادر إلى التنفيذ وشحن مشمول العقد إظهاراً لجديتها في التمسك بالعقد وحسن نيتها في تنفيذه وتكون بذلك قد ساهمت بموقفها هذا في استحالة التنفيذ بانتهاء الوقت المحدد لتنفيذه ومن ثم انفساخ العقد من تلقاء نفسه إعمالاً لنص المادة (159) من القانون المدني التي تنص على أنه "في العقود الملزمة للجانبين إذا انقضى التزام بسبب استحالة تنفيذه انقضت معه الالتزامات المقابلة له وينفسخ العقد من تلقاء نفسه "ويترتب على ذلك عودة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد. ومن الأمور المسلمة في العقود كافة سواء كانت عقوداً إدارية أو مدنية أن الخطأ العقدي هو عدم قيام المدين بتنفيذ التزاماته الناشئة عن العقد أياً كان السبب في ذلك ويستوي في ذلك أن يكون عدم التنفيذ ناشئاً عن عمده أو عن إهماله أو فعله دون عمد أو إهمال.
ومن حيث إنه على هدى ما تقدم ولما كان تقرير الخبير المنتدب في الدعوى قد ذهب إلى تعويض الشركة المدعية بواقع 30% من الأسعار المتفق عليها بالعقد (فوب) عما لحقها من خسارة وما فاتها من كسب وكان رأي الخبير لا يقيد المحكمة إعمالاً لصريح نص المادة (156) من قانون الإثبات فضلاً عن أن ما انتهى إليه الخبير من رأي لم يضع في الحسبان جوانب الخطأ الثابتة قبل الشركة الطاعنة وما يمكن أن يستغرقه هذا الخطأ من قيمة التعويض الذي ارتآه الخبير فإن الحكم المطعون فيه وقد قدر قيمة التعويض بواقع 20% من الأسعار وعلى نحو ما أثبته تفصيلاً لعناصر هذا التقدير وما انتهى إليه من تقدير التعويض بمبلغ 103410.370 مليمجـ هو أمر يتفق وصحيح حكم القانون ولا وجه لما يثيره الطاعن في أوجه طعنه من أنه كان يتعين تقدير التعويض وقت صدور الحكم لأن ذلك لا يتأتى إلا إذا كان الضرر متغيراً، أما إذا كان الضرر ثابتاً كما هو الحال في النزاع الماثل حيث استقرت عناصر تقدير قيمته وقت حدوثه فإن العبرة في هذه الحالة في تحديد مقدار التعويض يكون بوقت حدوث الضرر كما لا يغير من ذلك طلب الشركة الطاعنة تعويضها بمبلغ مليون دولار واحتياطياً ما يقابل هذا المبلغ بالعملة المصرية إذ طلبها هذا لا يجد له صدى من الأوراق أو الأدلة التي تؤيد حدوث هذا الضرر الذي يوازي قيمته هذا المبلغ خاصة وقد ثبت من الأوراق أن الشركة المدعية لم تقدم للخبير مستنداً قاطعاً ومنتجاً في بيان مدى الضرر الذي لحق بها واقتصرت على تقديم شهادات من بعض الشركات بما تكلفته من نفقات، وكلها لا ترقى لأن تكون بذاتها دليلاً كافياً يمكن التعويل عليه علاوة على أن المحكمة عند تقديرها للتعويض المشار إليه قد استندت في ذلك إلى عناصر أساسية صحيحة مستمدة من وقائع النزاع الثابتة بالأوراق وما ورد بتقرير الخبير المنتدب.
ومن حيث إنه عن طعن الشركة القائم على عدم تقدير تعويض عن الضرر الأدبي الذي لحق بها. فإن الأوراق قد خلت من أي دليل أو مستند يفيد وقوع أضرار أدبية على الشركة الطاعنة سوى ما ذكرته من أنها قد ظهرت بمظهر المتراجع عن الوفاء بالتزاماتها وهو أمر لا يكفي مجرد ذكره لإثبات الضرر الأدبي لأن العدول عن تنفيذ الصفقات التجارية موقف مألوف في المعاملات وعدم الوفاء بالالتزامات العقدية له أسباب شتى، وهذا أو ذاك عند حدوثه، لا يشكل بذاته مساساً بأطرافه، ولا يعول عليه وحده في القضاء بتعويض مالي، لأنه حتى الضرر الأدبي واجب الإثبات، ويلزم القطع بدليل عليه، وهو ما لم يتوفر في العناصر المطروحة للنزاع.
ومن ثم لا يكون للشركة الطاعنة حق في التعويض عن الضرر الأدبي.
ومن حيث إنه تأسيساً على ذلك وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بالنظر المتقدم فإنه يكون قد صادف القانون في صحيحه ويكون الطعن عليه على غير أساس سليم من القانون واجب الرفض وإذ خسر الطاعن هذا الطعن فقد حق إلزامه بمصروفاته.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعن المصروفات.