مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1992 إلى آخر سبتمبر سنة 1992) - صـ 1459

(159)
جلسة 19 من مايو سنة 1992

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد محمود الدكروري - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ مصطفى الفاروق محمد الشامي والدكتور أحمد مدحت حسن علي وعويس عبد الوهاب عويس وأحمد أمين حسان محمد - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 800 لسنة 34 القضائية

( أ ) عقد إداري - تنفيذه - حقوق وواجبات المتعاقدين.
قبول الشركة المتعاقدة مع جهة الإدارة لجميع الاشتراطات الواردة بدفتر المواصفات والشروط العامة الصادرة من الهيئة والتعديلات المكملة له والخاصة بهذه العملية - أثر ذلك: حقوق المتعاقد مع جهة الإدارة والتزاماته إنما تحدد طبقاً لنصوص العقد - لا أثر في ذلك للمكاتبات أو المراسلات التي تصدر عن جهة الإدارة - تطبيق.
(ب) عقد إداري - تنفيذه - نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة - تعويض.
مناط إعمال نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة والتي تعطي المتعاقد مع جهة الإدارة حقاً في طلب التعويض هو أن يصادف المتعاقد صعوبات مادية وغير عادية واستثنائية لم يكن من الممكن توقعها بحال من الأحوال عند إبرام العقد - لا محل لتطبيق النظرية عندما تكون كل ملابسات المشروع تحت نظر الشركة وعلى علم بها أولاً بأول وبمراحل تنفيذ العقد - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 17/ 2/ 1988 أودعت الأستاذة/ ناهد عبد الغني المحامية بصفتها وكيلة عن السيد/ ......... رئيس شركة الأسواق التجارية الهندسية، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن قيد بجداولها تحت رقم 800 لسنة 34 ق عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري - دائرة العقود والتعويضات بجلسة 20/ 12/ 87 في الدعوى رقم 2056 لسنة 40 ق المقامة من الشركة المذكورة ضد الهيئة العامة لمرفق الصرف الصحي للقاهرة الكبرى، الذي قضى برفض الدعوى وإلزام الشركة المدعية المصروفات.
وطلبت الشركة الطاعنة الحكم لها للأسباب الواردة بتقرير الطعن بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبأحقيتها في التعويض الذي تطالب به مع إلزام جهة الإدارة المصروفات.
وأعلن تقرير الطعن للهيئة المطعون ضدها في 20/ 2/ 1998.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني انتهت فيه للأسباب الواردة به إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه مع إلزام الشركة الطاعنة المصروفات.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة جلسة 1/ 11/ 1989 وتداولت نظره بالجلسات إلى أن قررت بجلسة 20/ 3/ 1991 إحالته إلى الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا لنظره بجلسة 13/ 4/ 1991 حيث تدوول نظر الطعن على النحو الوارد بمحاضر الجلسات وبجلسة 22/ 10/ 1991 قررت حجزه للحكم بجلسة 7/ 1/ 1992 ثم مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه صدر بتاريخ 20/ 12/ 1987 وطعن فيه بتاريخ 17/ 2/ 1988 وإذ استوفى الطعن سائر أوضاعه الشكلية، ومن ثم فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث الموضوع فإن عناصر المنازعة تخلص حسبما يبين من الاطلاع على الأوراق التي حفل بها ملف الطعن منذ بداية النزاع في أن الطاعن أقام بتاريخ 8/ 6/ 1986 الدعوى رقم 2056 لسنة 40 ق أمام دائرة العقود والتعويضات بمحكمة القضاء الإداري طالباً الحكم بإلزام الهيئة العامة لمرفق الصرف الصحي للقاهرة الكبرى بأن تدفع له مبلغ 245288 جنيهاً والفوائد القانونية بواقع 7% سنوياً من تاريخ المطالبة حتى تمام السداد والمصروفات وقال شرحاً لدعواه إنه بتاريخ 11/ 3/ 1978 رسا على شركته عملية توريد وتركيب الجهات الميكانيكية والكهربائية لمشروع التنقية الجزئية لمياه المجاري بالجبل الأصفر، وتحدد لتنفيذ العملية 30 شهراً من تاريخ فتح الاعتماد للموردين بالخارج أو تسلم الأعمال المدنية إليها بشرط وصول آخر دفعة من الجهات المستوردة قبل اثني عشر شهراً من نهاية المدة.
واستطرد الطاعن قائلاً إن الهيئة المطعون ضدها كلفت شركة "المقاولون العرب" بتنفيذ الأعمال المدنية لهذا المشروع عام 1970 ولم يتحدد الموقع إلا في عام 1975، حيث بدأت هذه الشركة العمل في 1/ 7/ 1978 على أن تنتهي الأعمال في عام 1982، إلا أن العمل لم ينته بالفعل إلا في يونيو 1984.
وأضاف الطاعن أنه قد وضع في اعتباره عند التعاقد أن التسليم سيكون عام 1982، وقد ترتب على تأخير تسليم موقع العمل لمدة عامين كاملين، أن شركته تحملت بمصاريف إضافية مقابل حراسة الجهات خلال هذه المدة فضلاً عن زيادة الأسعار بالنسبة للتركيب مما يعطيها الحق في مطالبة الهيئة المطعون ضدها بالمبالغ التي تكبدتها بسبب تأخير تسليم الأعمال المدنية دون خطأ أو تقصير منه، وقد بلغت تكاليف حراسة الجهات المستوردة والمشونة بموقع العمل منذ ورودها في يوليو 1979 حتى تاريخ تسليم أول جزء من الموقع في أغسطس 1984 مبلغ 40800 جنيه على أساس 680 جنياً شهرياً فتكون الحسبة 680 × 12 ش × 5 س، كما أن الزيادة التي طرأت على أسعار التركيبات خلال هذه الفترة تقدر بمبلغ 204488 جنيهاً وذلك طبقاً لبيان الأرقام القياسية لأسعار المستهلكين والواردة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو ما حدا به إلى أن يوجه إنذاراً رسمياً للهيئة المطعون ضدها في 25/ 1/ 1986 وإذ لم تستجب له فقد أقام دعواه أمام محكمة القضاء الإداري للحكم له بطلباته السالفة.
وبجلسة 20/ 12/ 1978 حكمت المحكمة برفض الدعوى تأسيساً على أن حقوق المتعاقد مع جهة الإدارة والتزاماته تتحدد طبقاً لنصوص العقد الذي يربطه بها وطبقاً للبند التاسع من أمر الإسناد الذي قبلته الشركة المدعية عند التنازل عن العملية في 21/ 3/ 1978 فإنها تكون مسئولة وحدها عن مصاريف الحراسة للجهات الخاصة بالعملية في أماكن التشوين وذلك طيلة مدة التشوين وحتى الانتهاء من الأعمال الموكلة إليها وتسليمها إلى الهيئة المدعى عليها دون التزام على الهيئة في هذا الشأن، كما أن البند السادس عشر من أمر التشغيل يحدد مدة التنفيذ بثلاثين شهراً تبدأ بالنسبة للشركة المدعية اعتباراً من تاريخ تسلم الأعمال المدنية في يوليو 1984 باعتبار هذا التاريخ ألحق من تاريخ فتح الاعتمادات المالية للموردين بالخارج ولم تحدد مدة معينة للتنفيذ خلالها تسلم الأعمال المدنية وإنما تركت لحين تسليم تلك الأعمال، ولم تتحفظ الشركة المدعية على ذلك أو تعترض عليه وبالتالي لا يكون لها ثمة حق في المطالبة بزيادة أسعار التركيب ما دامت لم تشترط في عرضها زيادة أسعار التركيبات حسب الزيادة التي قد تطرأ في السوق فضلاً عما كشفت عنه الأوراق من تراخي الشركة في تنفيذ الأعمال المسندة إليها سواء قبل أو بعد تنفيذ الأعمال المدنية، ومن ثم لا يكون لها أدنى حق فيما تطالب به من مبالغ مقابل حراسة الجهات وزيادة أسعار التركيبات بمقولة استطالة مدة الأعمال المدنية. وإذ لم يلق هذا الحكم قبولاً لدى الشركة الطاعنة، فإنها أقامت الطعن الماثل تأسيساً على أن حكم محكمة القضاء الإداري مخالف للقانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله وقد شابه القصور في التسبيب وذلك للأسباب الآتية: 1 - إن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن حقوق المتعاقد مع الإدارة والتزاماته تحدد طبقاً لنصوص العقد الذي يربطه بجهة الإدارة ولا ينشأ له حق في التعويض إلا إذا لحقه ضرر، وبناء عليه انتهى الحكم إلى أنه لم يلحق بالشركة شيء من ذلك وبالتالي لا تستحق تعويضاً هذا الذي خلصت إليه المحكمة يخالف الواقع إذ الثابت من مستندات الدعوى أنه قد حدثت صعوبات مادية غير متوقعة لا دخل للشركة فيها، وقد كبدتها خسائر جسيمة، من ذلك كتاب رئيس الهيئة المطعون ضدها للسيد المستشار رئيس إدارة الفتوى لرئاسة الجمهورية المؤرخ 4/ 8/ 1985 والذي جاء به أن الهيئة كانت تضع في اعتبارها أن الأعمال المدنية ستنتهي في عام 1982، إلا أنها لم تنته إلا في يوليو 1984 وبالتالي استطالت مدة تنفيذ العملية المتفق عليها ونتج عن ذلك تكبد الشركة مصاريف الحراسة على الجهات التي تم توريدها وكذلك زيادة أسعار التركيبات خلال مدة استطالة الأعمال المدنية، كذلك ورد في نفس الكتاب أن كون الشركة لم تتحفظ على مدد تنفيذ الأعمال المدنية لا يؤدي إلى استطالة هذه المدة إلى ما لا نهاية وإنما يكون ذلك في نطاق الحدود المقبولة لتنفيذ هذه الأعمال.
ومن هذه المستندات أيضاً كتاب رئيس الهيئة إلى مستشار الفتوى المؤرخ 16/ 7/ 1985 الذي ورد به أن ما أصيب به المقاول الميكانيكي (الشركة المدعية) من أضرار نتيجة تأخر الأعمال المدنية كان لأسباب لا ترجع إليه وخارجة عن إرادته.
ومفاد هذه المستندات أن الهيئة المطعون ضدها تعترف وتقر بأن استطالة التنفيذ ترجع لصعوبات مادية وهي تأخر تنفيذ الأعمال المدنية تأخيراً غير مقبول وقد خالف الحكم المطعون فيه القانون حين أهدر هذا الاعتراف.
2 - أن الحكم المطعون فيه ذهب إلى أن استطالة مدة التنفيذ بالنسبة للأعمال المدنية يرجع إلى طبيعة المشروع وفخامته وإلى تداخل الأعمال المدنية مع أعمال التركيبات الميكانيكية والكهربائية وتأخير تنفيذ بعضها تبعاً لتأخير تنفيذ الأعمال الأخيرة وهو أمر تسببت فيه الشركة المدعية ذاتها وهذا الذي ذهب إليه الحكم المطعون فيه يتناقض مع بعضه في الرأي.
أ - لأن الحكم المطعون فيه أقر بأن استطالة مدة التنفيذ ترجع إلى طبيعة وفخامة المشروع وتداخل الأعمال فيه أي يقر بوجود عقبات مادية أخرى بخلاف العقبة الأساسية وهي تأخير تنفيذ الأعمال المدنية.
ب - لعدم صحة ما ذكره الحكم من أن الشركة المدعية تراخت وتأخرت في تنفيذ بعض أعمالها الميكانيكية والكهربائية بدليل من كتابي الهيئة المطعون ضدها سالفي الذكر.
ج - اعتبر الحكم عقد اجتماعات مشتركة بين الطرفين دليلاً على تأخير الشركة في التنفيذ وهو أمر غير صحيح ولا يتفق مع طبيعة العمل في المشروعات الضخمة ومنها المشروع محل النزاع وطبيعة العمل تتطلب عقد اجتماعات دورية بين الطرفين لدفع العمل والتنسيق فيما بينهما.
3 - أنه طبقاً لنظرية الصعوبات المادية الغير المتوقعة فإنه يحق للشركة أن تطالب بتعويض كامل عما سببته هذه الصعوبات من أضرار وإذ تجاهل الحكم المطعون فيه ذلك رغم أن هذه النظرية مسلم بها من القضاء الإداري فإنه يكون قد خالف القانون.
وقدمت الهيئة المطعون ضدها عدة مذكرات تضمنت الآتي:
1 - أنه قد تحرر برنامج زمني مع الشركة الطاعنة لتنفيذ الأعمال المسندة إليها غير أنه طبقاً للبند 15 من أمر التشغيل المؤرخ 11/ 3/ 1978 فإنه يجوز للهيئة إدخال أي تعديل على هذا البرنامج لتحسين سير العمل.
2 - عدم صحة ما تزعمه الشركة الطاعنة من أن عقد "المقاولون العرب" يقضي ببدء الأعمال المدنية في عام 1979 وينتهي في عام 1982، إذ لا يوجد تعاقد مع شركة المقاولون العرب بل أصدر وزير الإسكان والمرافق قراراً عام 1970 بتكليفها بتنفيذ الأعمال المدنية.
3 - عدم صحة ادعاء الشركة الطاعنة بأن تشوين المعدات والمهمات تم في مكان بعيد عن موقع العمل مما كبدها مصاريف حراسة، إذ أنه طبقاً للبند العاشر من أمر التشغيل فإن التشوين يجب أن يتم بموقع العمل.
4 - عدم صحة ادعاء الشركة بحدوث صعوبات مادية كبدتها خسائر مالية، إذ أنها قبلت التنازل من شركة مصر للاستيراد والتصدير بخصوص هذه العملية دون أي تحفظ أو اعتراض ويكشف عن علم كامل بظروف العملية.
5 - أن التداخل بين الأعمال والمدنية وأعمال التركيبات الميكانيكية قد تم عندما تأخرت الشركة الطاعنة في جزء من هذه الأعمال لتأخير توريد بعض المعدات كالمواسير والقمع الخاص بأحواض الترسيب الابتدائية والكيعان، كما أن الاجتماعات التي تمت بين الهيئة والشركة الطاعنة وشركة المقاولون العرب كانت بسبب تأخر الشركة الطاعنة في التنفيذ رغم انتهاء الأعمال المدنية من قبل الشركة الأخرى.
6 - طبقاً للائحة المزايدات والمناقصات الصادرة من وزير المالية عام 1957 والتي تم التعاقد مع الشركة الطاعنة في ظل العمل بها وكذلك لائحة المناقصات والمزايدات الخاصة بالهيئة فإن الفئات التي حددها مقدم العطاء بجدول الفئات تشمل وتغطي جميع المصروفات والالتزامات أياً كان نوعها التي تكبدتها بالنسبة إلى كل بند من البنود وكذلك تشمل جمع الأعمال وتسليمها للمصلحة بصرف النظر عن تعليمات السوق والعملة وطبقاً لهذه اللائحة فإنه لا يحق للشركة الطاعنة المطالبة بأي تعويض تحت زعم زيادة أسعار الجهات والتركيبات خلال فترة التنفيذ.
كما قدمت الشركة الطاعنة عدة مذكرات أوردت بها الآتي: -
1 - أن أمر الإسناد الذي صدر إلى شركة المقاولون العرب لتنفيذ الأعمال المدنية حدد ميعاداً لإنهائها عام 1982 وقد امتد العمل إلى عام 1984 ويؤكد ذلك البرنامج الزمني الذي أبرم معها في هذا الشأن.
2 - أن تنفيذ الأعمال الميكانيكية متوقف على إنهاء الأعمال المدنية وقد تأخرت شركة المقاولون العرب في تنفيذ الأعمال المدنية مدة سنتين عما هو مقرر، وبالتالي لحق ضرر مالي بالشركة الطاعنة.
وأرفقت الشركة الطاعنة بمذكراتها حافظتي مستندات.
ومن حيث إنه بالاطلاع على الأوراق يتضح أن شركة مصر للاستيراد والتصدير التي كان قد رسا عليها عطاء عملية توريد وتركيب الجهات الميكانيكية والكهربائية لمشروع التنقية الجزئية لمياه المجاري بالجبل الأصفر قد تنازلت للشركة الطاعنة عن هذه العملية بتاريخ 9/ 12/ 1978 وكان قد صدر لها من الهيئة المطعون ضدها أمر الشغل التفصيلي بتاريخ 11/ 3/ 1978 الذي نص البند التاسع منه على أن تحدد الهيئة الأراضي الفضاء التي يمكن للشركة استغلالها في تشوين مهمات المشروع أو إقامة أي مأوى مؤقت في موقع العمل وتكون الشركة مسئولة بمفردها عن حراسة وسلامة هذه المهمات ضد العوامل الجوية أو أية عوامل أخرى كما نص البند العاشر على أن تقوم الشركة بتجهيز المخازن اللازمة لإيواء المهمات بموقع العمل وتكون هذه المخازن صالحة لتشوين مهمات العملية على الوجه الأكمل والشركة وحدها مسئولة عن الحفاظ على هذه المهمات ونص البند السادس عشر على أن مدة تنفيذ العملية 30 شهراً (ثلاثون شهراً) من تاريخ فتح الاعتمادات للموردين بالخارج أو تسليم الأعمال المدنية إليها لاحقة بشرط وصول آخر دفعة من المهمات المستوردة من الخارج قبل 12 شهراً من نهاية المدة وقد قبلت الشركة الطاعنة تنفيذ أمر الشغل التفصيلي عندما قبلت التنازل لها عن العملية المذكورة من شركة مصر للاستيراد والتصدير وأثبت تاريخ هذا التنازل في 9/ 12/ 1978، دون أي تحفظ أو اعتراض أو إبداء أية ملحوظة.
ومن حيث إنه بتاريخ 15/ 9/ 1970 كان وزير الإسكان والمرافق قد أصدر قرار تكليف لشركة المقاولون العرب لتنفيذ الأعمال المدنية للعملية سالفة الذكر، على أن تبدأ بعد ذلك مهمة الشركة الطاعنة بتوريد وتركيب المهمات الميكانيكية والكهربائية للمشروع وقد نص قرار التكليف على أن يتم التنفيذ وفقاًً للبرامج وفي المواعيد المقررة التي يحددها الجدول الزمني الذي يوضع في هذا الشأن وواضح من الأوراق أنه لم يحدد ميعاد ثابت لانتهاء الأعمال المدنية وأن الجدول الزمني لتنفيذ هذه الأعمال يعدل باستمرار حسب ظروف العمل وقد اختلفت تقديرات انتهاء الأعمال المدنية التي بدأت في يوليو 1978 على أساس أنها تتطلب أربع سنوات بمراعاة أنه لم يحدد "للمقاولون العرب موقع العملية إلا في عام 1975، ولذلك كان التقدير الأول أن تنتهي الأعمال المدنية عام 1982 ثم قدر لانتهائها 31/ 12/ 1983 ولم ينته العمل إلا في يونيو 1984 حيث تسلمت الشركة الطاعنة موقع العمل في 12/ 8/ 19874، يخلص مما تقدم أن الأوراق قد خلت من تاريخ محدد ثابت قاطع لانتهاء الأعمال المدنية المكلفة بها شركة المقاولون العرب وأن الجدول التنفيذي الزمني لهذه الأعمال كان يعدل وفق متطلبات العمل ولا غرابة في ذلك فإن الجدول الزمني لتنفيذ الأعمال الميكانيكية والكهربائية المكلفة بها الشركة الطاعنة كان يتعدل هو الآخر حسب ظروف الحال واستناداً إلى البند 15 من أمر التشغيل التفصيلي المؤرخ 11/ 3/ 1978 والذي نص على أن توافي الهيئة فور تسلم أمر التشغيل ببرنامج تنفيذي مفصل لتنفيذ كافة بنود العقدين وتواريخ الانتهاء من تنفيذ أجزاء المشروع سواء في الصناعة أو النقل أو التركيب أو الاختبار والتسليم ويعتبر البرنامج الزمني بعد اعتماده من الهيئة أحد مستندات العقد على أن يكون من حق الهيئة إدخال التعديلات على هذا البرنامج من وقت إلى لآخر لتحسين سير العمل وقد وضعت الشركة الطاعنة برنامجها التنفيذي للأعمال المكلفة بها في 19/ 4/ 1983 على أساس انتهاء الأعمال المدنية خلال عام 1983 ثم عدل في فبراير 1985 مما يفيد بأن الشركة الطاعنة كانت على علم تام وكامل بظروف العملية وملابساتها، يضاف إلى ذلك أن أمر التشغيل التفصيلي سالف الذكر لم يحدد ميعاد البدء بتنفيذ عمل الشركة الطاعنة ولكنه حدد مدة التنفيذ بأن تكون 30 شهراً ثلاثون شهراً من تاريخ فتح الاعتمادات أو تسليم الأعمال المدنية أيهما ألحق، وبالتالي لا يحق للشركة الطاعنة أن تزعم أنه كان قد تحدد ميعاد ثابت لانتهاء الأعمال المدنية وبدء أعمالها الميكانيكية والكهربائية وإذا كانت قد وضعت في اعتبارها تاريخاً معيناً استنتجته من نفسها فإن هذا التقرير لا تسأل عنه الجهة المطعون ضدها وما دامت قد تسلمت موقع العمل بعد انتهاء الأعمال المدنية في أغسطس 1984 فإنه اعتباراً من هذا التاريخ يبدأ تنفيذ التزامها بإتمام عمليات تركيب المهمات الميكانيكية والكهربائية وقد تراخت الشركة الطاعنة في إنهاء أعمالها رغم استعجال الهيئة لها وإنذارها عدة مرات من ذلك ما تم بكتاب الهيئة المؤرخ 21/ 1/ 1985 وكتابها في 24/ 10/ 1985 بل قدمت محاضر عدة اجتماعات مشتركة حضرها ممثلون عن كل من الهيئة المطعون ضدها وشركة المقاولون العرب والشركة الطاعنة أقر فيها الجميع بأنه لا توجد أي عوائق تحول دون عمل الشركة الطاعنة وبتنفيذها للأعمال الميكانيكية والكهربائية الملزمة بها ومن ذلك محضر الاجتماع المؤرخ 26/ 8/ 1984.
ومن حيث إن البند الثاني من أمر التشغيل التفصيلي السابقة الإشارة إليه، تضمن أن الشركة تقر بقبولها لجميع الاشتراطات الواردة بدفتر المواصفات والشروط العامة الصادرة من الهيئة والتعديلات المكملة والخاصة بهذه العملية، وكافة الشروط العامة الواردة باللائحة العامة للمناقصات والمزايدات الحكومية وكذلك اللائحة المالية الخاصة بالهيئة العامة للمجاري والصرف الصحي.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن حقوق المتعاقد مع جهة الإدارة والتزاماته إنما تحدد طبقاً لنصوص العقد وليس على أساس مكاتبات أو مراسلات تصدر عن جهة الإدارة.
ومن حيث إن البند التاسع من أمر التشغيل التفصيلي نص على أن الشركة تكون مسئولة بمفردها عن حراسة وسلامة مهمات المشروع ضد العوامل الجوية أو أية عوامل أخرى حتى الانتهاء من أعمالها وتسليمها لجهة الإدارة، ومن ثم لا محل لمطالبة الشركة الطاعنة لجهة الإدارة المطعون ضدها بمصاريف حراسة المهمات، وإذا كانت تتعلل في طلبها بأنها قد شونت هذه المهمات في مكان بعيد عن موقع العمل لعدم تسليمها له من شركة المقاولون العرب فإن البند العاشر من أمر التشغيل الفعلي نص على أن تقوم (أي الشركة الطاعنة) بتجهيز المخازن اللازمة لتشوين المهمات بموقع العمل وأن تكون هذه المخازن صالحة لتشوين مهمات العملية على الوجه الأكمل، والشركة وحدها مسئولة عن الحفاظ على هذه المهمات ومن ثم فإن جهة الإدارة المطعون ضدها لا تسأل عن أي مصاريف تكبدتها الشركة الطاعنة نتيجة تشوينها للمهمات في مكان بعيد عن موقع العمل وإذا كانت الشركة الطاعنة تثير أيضاً طلبها تحمل الإدارة بمصاريف الحراسة على المهمات أو تعويضها عنها، بأنها أي الشركة الطاعنة قامت بالتشوين للمهمات منذ يوليو 1979 على أساس أن شركة المقاولون العرب ستنتهي من الأعمال المدنية وتسليمها موقع العمل فإن ذلك مردود بما سبق استعراضه تفصيلاً من أن الأوراق قد خلت من تحديد قاطع لانتهاء الأعمال المدنية، وأن الجدول الزمني في هذا الشأن عدل عدة مرات حسب ظروف العمل وبعلم كامل من الشركة الطاعنة خاصة وأنها تعلم بأن شركة المقاولون العرب بدأت العمل في الموقع عام 1987 وأنه تقدر مبدئياً للتنفيذ أربع سنوات كذلك وإذ كانت جهة الإدارة المطعون ضدها قد صدرت عنها بعض مكاتبات تتضمن أنها كانت تقدر انتهاء الأعمال المدنية في تاريخ معين فإن هذا التحديد التقديري لا يعدو أن يكون من قبيل الاجتهاد والتوقيع لما هو مأمول أو يرجى حدوثه دون أن يصلح بذاته سنداً في القانون لاكتساب الشركة الطاعنة حقاً منه، أو ترتيب التزام على أساسه تتحمل به الجهة الإدارية في مواجهة الشركة الطاعنة كما أن أمر الشغل التفصيلي المؤرخ 11/ 3/ 1978 قد جاء خلواً من نص يلزم الهيئة بمصاريف الحراسة أو المشاركة فيها وحدد صراحة على سبيل القطع أن مصاريف الحراسة للمهمات الميكانيكية والكهربائية التي تقوم بتوريدها وتركيبها الشركة الطاعنة هي على عاتق هذه الشركة وحدها وخلص مما تقدم إلى أنه إذا كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى عدم صحة مطالبة الهيئة المطعون ضدها بتعويض الشركة الطاعنة عن مصاريف حراسة المهمات المذكورة أياً كانت المدة التي استغرقها تشوين هذه المهمات وتاريخ التشوين ومكانه فإنه يكون قد أصاب الحقيقة ويكون مطلب الشركة الطاعنة لا سند له من الواقع أو القانون.
ومن حيث إنه بالنسبة لما تطالب به الشركة الطاعنة من تعويضها عن تأخير تنفيذ أعمالها بناء على تأخر شركة المقاولون العرب في إنهاء الأعمال المدنية، فإنه كما سبق القول لم يتضمن أمر التشغيل التفصيلي السابق الإشارة إليه تاريخاً محدداً قاطعاً لانتهاء الأعمال المدنية من قبل شركة المقاولون العرب، كما أن الشركة الطاعنة كانت على علم تام بجميع ظروف المشروع محل المنازعة وتتابع منذ قبولها القيام بعمليات الميكانيكا والكهرباء للمشروع تنفيذ وتقدم الأعمال المدنية أولاً بأول، وهو الأمر الثابت من محاضر الاجتماعات المشتركة بين الأطراف الثلاثة، كما أن العقد الإداري الذي يربطها بالهيئة المطعون ضدها لم يحدد ميعاداً لانتهاء الأعمال المدنية وبدء عمل الشركة الطاعنة، ولكنه حدد فقط مدة التنفيذ وتاريخ سريان هذه المدة وهو إنهاء الأعمال المدنية وتسليمها على نحو ما نص عليه البند السادس عشر من أمر التشغيل التفصيلي السابق التنويه عنه وذلك فضلاً عما هو ثابت من الأوراق من أن الشركة الطاعنة نفسها تأخرت في مدة التنفيذ المقررة لها وتجاوزتها وأنذرتها الهيئة المطعون ضدها عدة مرات وينبني على ذلك أنه لا يحق لها أن تطالب الهيئة بفروق أسعار التركيب بسبب زيادة المدة الزمنية التي استغرقها ذلك خاصة وأنها لم تشترط لنفسها مثل هذا الحق عند التعاقد مع الإدارة ولم تتحفظ على أي بند من بنود التعديل بل قبلته كاملاً كما هو، وبالتالي فليس لها أن تطالب بحق لم يقرره لها العقد المشار إليه وفي ذلك إعمال لأحكام المادة 336 من لائحة المناقصات والمزايدات الصادرة بقرار وزير المالية عام 1957 برقم 542 والتي تم التعاقد مع الشركة الطاعنة في ظل العمل بها إذ نصت على أن الفئات التي حددها مقدم العطاء تشمل وتعطي جميع المصروفات والالتزامات أياماً كان نوعها التي تكبدها المتعاقد بالنسبة لكل بند من البنود وكذلك تشمل القيام بإتمام جميع الأعمال وتسليمها للمصلحة، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة فإنه يكون سليماً لا مطعن عليه.
ومن حيث إن الشركة الطاعنة تبرر طلباتها السالفة بنظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة وقضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مناط إعمال هذه النظرية التي تخول المتعاقد حقاً في طلب التعويض من الإدارة المتعاقد معها هو أن يصادف المتعاقد صعوبات مادية وغير عادية واستثنائية لم يكن من الممكن توقعها بحال من الأحوال عند إبرام العقد وتؤدي إلى جعل تنفيذه مرهقاً للمتعاقد.
ومن حيث إنه في ضوء وقائع النزاع الماثل التي سبق سردها تفصيلاً لا يمكن القول بأن الشركة الطاعنة قد صادفت عند تنفيذ العقد المبرم مع الهيئة المطعون ضدها والسالفة الإشارة إليه أية صعوبات مادية غير متوقعة جعلت تنفيذها لالتزاماتها مستحيلاً وحملها بخسائر على نحو يخولها حق المطالبة بالتعويض ذلك أن جميع خطوات وملابسات المشروع كانت تحت نظر الشركة وعلى علم بها أولاً بأول وبمراحل تنفيذه فضلاً عن أن التزاماتها بدأت حيث انتهت شركة المقاولون العرب التي لم يحدد لها ميعاد الانتهاء من أعمالها، كما أن الشركة الطاعنة شاركت في التأخير في التنفيذ رغم استعجالها، ولا تسال الهيئة المطعون ضدها عن تقدير الشركة الطاعنة لخطوات تنفيذ المشروع والملابسات التي صاحبته ولم يثبت في الأوراق أن تنفيذ الشركة الطاعنة للالتزامات المسندة إليها قد صادف صعوبات مادية عرضت لأعمال التنفيذ أثناء قيام الشركة بهذه الأعمال، مما تنشط له أحكام النظرية المشار إليها.
ومن حيث إنه متى كان ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه وقد انتهى إلى ذات النتيجة فإنه يكون قد صادف صحيح القانون ويكون الطعن الماثل غير قائم على سند صحيح من الواقع أو القانون، جديراً بالرفض.
ومن حيث إن من خسر الطعن دعواه ألزم مصروفاتها عملاً بأحكام المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً، وألزمت الشركة الطاعنة المصروفات.