أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 37 - صـ 646

جلسة 4 من يونيه سنة 1986

برياسة السيد المستشار: محمد وجدي عبد الصمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم حسين رضوان ومحمد رفيق البسطويسي ومحمود بهي الدين عبد الله نواب رئيس المحكمة وفتحي خليفة.

(123)
الطعن رقم 1946 لسنة 56 القضائية

(1) تقليد "تقليد أختام حكومية". تزوير "تزوير أوراق رسمية". مسئولية جنائية. أسباب الإباحة وموانع العقاب "موانع العقاب".
الإعفاء من العقاب المقرر بالمادة 210 عقوبات. مناط تحققه؟
عجز السلطات عن القبض على سائر الجناة. لتقصيرها في تعقبهم أو لتمكنهم من الفرار، لا أثر له على الإعفاء متى تحققت موجباته.
(2) مسئولية جنائية. أسباب الإباحة وموانع العقاب "موانع العقاب". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب".
الفصل في جدية المعلومات وأثرها في تسهيل القبض على الجناة. موضوعي. حد ذلك؟ مثال لتسبيب معيب لإطراح دفاع الطاعن في شأن أحقيته في الإعفاء طبقاً لنص المادة 210 عقوبات.
(3) مسئولية جنائية. أسباب الإباحة وموانع العقاب "موانع العقاب"
الإعفاء من العقاب. ليس إباحة للفعل أو محواً للمسئولية الجنائية. بل هو مقرر لمصلحة الجاني. التي تحققت في فعله وفي شخصه عناصر تلك المسئولية.
العذر المعفى من العقاب. أثره؟
(4) تقليد "تقليد أختام حكومية". تزوير "تزوير أوراق رسمية". ارتباط عقوبة "عقوبة الجرائم المرتبطة". أسباب الإباحة وموانع العقاب "موانع العقاب".
مناط الارتباط في حكم المادة 32/ 2 عقوبات. هو كون الجرائم المرتبطة قائمة لم يقض في أحدها بالبراءة.
انتهاء المحكمة إلى قيام الارتباط الذي لا يقبل التجزئة بين جريمتي تقليد الأختام والتزوير في الأوراق الرسمية - يوجب توقيع العقوبة المقررة لأشدهما وهي عقوبة التقليد. تحقق موجب الإعفاء من العقاب في الجريمة الأشد. يمتنع معه توقيع عقوبة الجريمة الأخف.
1 - لما كانت المادة 210 من قانون العقوبات قد نصت على أن "الأشخاص المرتكبون لجنايات التزوير المذكور بالمواد السابقة يعفون من العقوبة إذا أخبروا الحكومة بهذه الجنايات قبل تمامها وقبل الشروع في البحث عنها وعرفوها بفاعليها الأخريين أو سهلوا القبض عليهم ولو بعد الشروع في البحث المذكور" وكان من المقرر أنه ينبغي للإعفاء من العقاب في حالة إخبار السلطات بجريمة التقليد بعد شروعها في البحث أو الضبط أن يفضي المتهم بمعلومات جدية صحيحة تؤدي بذاتها إلى القبض على سائر المساهمين في الجريمة، فمتى قام المتهم بالإفضاء بالمعلومات الجدية المؤدية إلى ذلك تحقق موجب الإعفاء ولو عجزت السلطات عن القبض على سائر الجناة سواء كان ذلك راجعاً إلى تقصير الجهة المكلفة بتعقبهم والقبض عليهم أو إلى تمكنهم من الفرار.
2 - لئن كان من المقرر أن الفصل في أمر جدية المعلومات وأثرها في تسهيل القبض على الجناة هو من شأن قاضي الموضوع إلا أن حد ذلك أن يقيمه على أسباب سائغة لا تعسف فيها. لما كان ذلك، وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن المقدم..... قرر أنه تحرى عن..... وقال أنه مزور وأنه يقيم فعلاً بالجهة التي حددها الطاعن إلا أنه لم يجده عندما تحرى عنه وأن النيابة العامة لم تكلفه بضبطه وأن كان من الجائز أن يكون قد ضبط بناء على أمر من المباحث العسكرية أو أية جهة أخرى وقال أنه ربما يكون إرشاد الطاعن عنه بسبب خلافات بينهما، وكان ما أورده الحكم في مقام إطراح دفاع الطاعن في شأن أحقيته في الإعفاء من العقاب طبقاً لنص المادة 210 من قانون العقوبات غير سائغ ولا يؤدي إلى ما انتهى إليه بعد أن شهد الضابط أن من أرشد عنه الطاعن مزور محترف ويقيم بالجهة التي حددها الطاعن ولم يقطع برأي في مدى إسهامه في تقليد الأختام المضبوطة، وكان الحكم إذ حصل أقوال الضابط بما مؤداه أن تحرياته لم تسفر عن وجود.... بالمكان الذي حدده الطاعن قد بتر شهادته وصرفها عن موضعها بما يعيبه بالفساد في الاستدلال فوق قصوره في التسبيب بما يوجب نقضه والإعادة.
3 - من المقرر أن الإعفاء من العقاب ليس إباحة للفعل أو محواً للمسئولية الجنائية، بل هو مقرر لمصلحة الجاني التي تحققت في فعله وفي شخصه عناصر المسئولية الجنائية واستحقاق العقاب، وكل ما للعذر المعفى من العقاب من أثر هو حط العقوبة عن الجاني بعد استقرار إدانته دون أن يمس ذلك قيام الجريمة في ذاتها.
4 - إذ كان مناط الارتباط في حكم الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات هو كون الجرائم المرتبطة قائمة لم يقض في إحداها بالبراءة، وكانت المحكمة قد خلصت في منطق سائغ إلى قيام الارتباط بين جريمتي تقليد الأختام والتزوير في الأوراق الرسمية ارتباطاً لا يقبل التجزئة، فقد وجب اعتبارهما جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشدهما وهي عقوبة التقليد. فإذا أسفر تمحيص المحكمة لدفاع الطاعن عن تحقق موجب الإعفاء من العقاب في جريمة التقليد، امتنع عليها توقيع عقوبة الجريمة الأخف وهي جريمة التزوير في الأوراق الرسمية.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: (1) زور وقلد خاتم شعار الجمهورية الخاص بالجهات المبينة تفصيلاً بالأوراق وذلك بأن اصطنع قوالب أختام مزورة على غرار الأختام الصحيحة الخاصة بتلك الجهات، وكان ذلك على النحو المبين بالتحقيقات.. (2) ارتكب تزويراً في محررات رسمية هي الأوراق المبينة بالتحقيقات وذلك بأن وضع عليها أختام مزورة على غرار الأختام الصحيحة ونسب صدورها زوراً إلى جهات مختلفة على النحو الوارد بالأوراق.. (3) ارتكب تزويراً في محررات إحدى الجمعيات التعاونية وهي التعاونية الزراعية وذلك بأن قلد خاتمها على النحو الوارد تفصيلاً بالأوراق (4) ارتكب تزويراً في تذاكر المرور المبينة بالأوراق وذلك بأن قام بمحو بعض بياناتها على النحو الوارد بالأوراق. وأحالته إلى محكمة جنايات القاهرة لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 206، 211 و212 و217 من قانون العقوبات بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات عما أسند إليه مع مصادرة الأدوات والأوراق المضبوطة.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

من حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي تقليد أختام جهات حكومية وتزوير في أوراق رسمية قد شابه قصور في التسبيب وخالف الثابت في الأوراق، ذلك بأنه تمسك بحقه في الإعفاء من العقاب بعد أن أرشد عن صاحب الأختام المقلدة والجهة التي يقيم بها إلا أن الحكم اطرح دفاعه بمقولة أن التحريات لم توصل إليه بالمكان الذي حدده الطاعن وأن ثمة خصومة هي الدافع إلى ما قاله في هذا الشأن في حين أن قصارى ما قاله الضابط..... أن من أرشد عنه الطاعن مزور محترف وأنه لم يكن موجوداً عندما تحرى عنه ورجح خصومة بينه وبين الطاعن، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن حصل واقعة الدعوى أورد أقوال الرائد.... بما مؤداه أن تحرياته أسفرت عن أن الطاعن يقوم بتزوير رخص القيادة وتأشيرات الدخول إلى المملكة العربية السعودية وشهادات الخبرة ويقلد الأختام التي يستعملها في تزوير هذه الأوراق وبعد أن استصدر إذناً من النيابة العامة بتفتيشه ومسكنه ضبط العديد من الأوراق والأختام المزورة وأن الطاعن اعترف له أنه حصل على الأختام المضبوطة من...... المقيم بالشرابية إلا أن تحرياته لم تسفر عن وجوده بالمكان الذي حدده الطاعن. لما كان ذلك، وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن قد تمسك بحقه في الإعفاء من العقاب لأنه أرشد عمن أعطاه الأختام المضبوطة وكان الحكم قد أطرح هذا الدفاع في قوله "وحيث إنه عن طلب الاستفادة بالإعفاء المنصوص عليه في المادة 210 من قانون العقوبات فهو أمر مردود ذلك أن ما قاله المتهم من أن شخصاً معيناً هو.... أعطاه الأختام المضبوطة هو قول مرسل لم يحدد فيه دور هذا الشخص في الجريمة ومدى مساهمته فيها وترى المحكمة في هذا القول محاولة لإلقاء الاتهام الخاص بالأختام المضبوطة على آخرين بقصد التخلص من تلك الجريمة بعد أن فوجئ بالتفتيش وضبط أدلة الجريمة معه كما لم يثبت أن هذا الشخص الذي أرشد عنه المتهم فاعل أو شريك في الجريمة"، وكانت المادة 210 من قانون العقوبات قد نصت على أن "الأشخاص المرتكبون لجنايات التزوير المذكور بالمواد السابقة يعفون من العقوبة إذا أخبروا الحكومة بهذه الجناية قبل تمامها وقبل الشروع في البحث عنها وعرفوها بفاعليها الأخريين أو سهلوا القبض عليهم ولو بعد الشروع في البحث المذكور" وكان من المقرر أنه ينبغي للإعفاء من العقاب في حالة إخبار السلطات بجريمة التقليد بعد شروعها في البحث أو الضبط أن يفضي المتهم بمعلومات جدية صحيحة تؤدي بذاتها إلى القبض على سائر المساهمين في الجريمة، فمتى قام المتهم بالإفضاء بالمعلومات الجدية المؤدية إلى ذلك تحقق موجب الإعفاء ولو عجزت السلطات عن القبض على سائر الجناة سواء كان ذلك راجعاً إلى تقصير الجهة المكلفة بتعقبهم والقبض عليهم أو إلى تمكنهم من الفرار، لئن كان من المقرر أن الفصل في أمر جدية المعلومات وأثرها في تسهيل القبض على الجناة هو من شأن قاضي الموضوع إلا أن حد ذلك أن يقيمه على أسباب سائغة لا تعسف فيها. لما كان ذلك، وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن المقدم.... قرر أنه تحرى عن.... وقال أنه مزور وأنه يقيم فعلاً بالجهة التي حددها الطاعن إلا أنه لم يجده عندما تحرى عنه وأن النيابة العامة لم تكلفه بضبطه وأن كان من الجائز أن يكون قد ضبط بناء على أمر من المباحث العسكرية أو أية جهة أخرى وقال أنه ربما يكون إرشاد الطاعن عنه بسبب خلافات بينهما، وكان ما أورده الحكم في مقام إطراح دفاع الطاعن في شأن أحقيته في الإعفاء من العقاب طبقاً لنص المادة 210 من قانون العقوبات غير سائغ ولا يؤدي إلى ما انتهى إليه بعد أن شهد الضابط أن من أرشد عنه الطاعن مزور محترف ويقيم بالجهة التي حددها الطاعن ولم يقطع برأي في مدى إسهامه في تقليد الأختام المضبوطة، وكان الحكم إذ حصل أقوال الضابط بما مؤداه أن تحرياته لم تسفر عن وجود... بالمكان الذي حدده الطاعن قد بتر شهادته وصرفها عن موضعها بما يعيبه بالفساد في الاستدلال فوق قصوره في التسبيب بما يوجب نقضه والإعادة دون حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن. ولا محل للقول أن العقوبة المقضى بها مقررة لجريمة التزوير في أوراق رسمية التي دين بها الطاعن، ذلك بأن الحكم اعتبر الجريمتين مرتبطتين ارتباطاً لا يقبل التجزئة وأوقع عليه عقوبة الجريمة الأشد وهي جريمة تقليد الأختام عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات، ومن المقرر أن الإعفاء من العقاب ليس إباحة للفعل أو محواً للمسئولية الجنائية، بل هو مقرر لمصلحة الجاني التي تحققت في فعله وفي شخصه عناصر المسئولية الجنائية واستحقاق العقاب، وكل ما للعذر المعفى من العقاب من أثر هو حط العقوبة عن الجاني بعد استقرار إدانته دون أن يمس ذلك قيام الجريمة في ذاتها، وإذ كان مناط الارتباط في حكم الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات هو كون الجرائم المرتبطة قائمة لم يقض في إحداها بالبراءة، وكانت المحكمة قد خلصت في منطق سائغ إلى قيام الارتباط بين جريمتي تقليد الأختام والتزوير في الأوراق الرسمية ارتباطاً لا يقبل التجزئة، فقد وجب اعتبارهما جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشدهما وهي عقوبة التقليد. فإذا أسفر تمحيص المحكمة لدفاع الطاعن عن تحقق موجب الإعفاء من العقاب في جريمة التقليد، امتنع عليها توقيع عقوبة الجريمة الأخف وهي جريمة التزوير في الأوراق الرسمية.