أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 37 - صـ 659

جلسة 12 من يونيه سنة 1986

برياسة السيد المستشار: الدكتور كمال أنور نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد نجيب صالح وعوض جادو ومحمد نبيل رياض وعبد الوهاب الخياط.

(125)
الطعن رقم 689 لسنة 56 القضائية

إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". مواد مخدرة.
كفاية الشك في صحة التهمة سنداً للبراءة. ولو تردى الحكم في خطأ قانوني.
مثال لتسبيب سائغ للقضاء بالبراءة في جريمة إحراز مخدر.
لما كان من المقرر أن الخطأ القانوني في الحكم القاضي بالبراءة لا يعيبه لأنه يكفي أن يتشكك القاضي في صحة إجراءات التفتيش والتهمة كي يقضي بالبراءة إذ ملاك الأمر كله يرجع إلى وجدانه وما يطمئن إليه ومن ثم فتعييب الحكم في إحدى دعاماته بالخطأ في تطبيق القانون - بفرض صحته - يكون غير منتج، وإذ قضى الحكم المطعون فيه ببراءة المطعون ضده تأسيساً على الشك وعدم الاطمئنان إلى إجراءات التفتيش التي باشرها ضابط الواقعة ضده، وعدم الاطمئنان إلى أقوال ذلك الضابط لتعارضها مع أقوال الشاهد الثاني فإنه لا يجدي النيابة العامة الطاعنة النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون فيما أورده من نفي حالة التلبس بالجريمة والكشف عن المخدر عوضاً نتيجة القانون فيما أورده لأنه استند في قضائه بالبراءة على أسباب أخرى مبناها التشكك في صحة الإجراءات التي اتبعت أثناء التفتيش وعدم اطمئنان المحكمة إلى أدلة الثبوت في الدعوى بعد أن ألم بها ولم يطمئن وجدانه إلى صحتها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه: أحرز بقصد التعاطي جوهراً مخدراً "حشيش" دون أن يكون مرخصاً له بذلك وأحالته إلى محكمة جنايات دمنهور لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون العقوبات والمادة 30 من قانون العقوبات ببراءة المتهم مما هو منسوب إليه ومصادرة المخدر المضبوط.
فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

من حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه برر قضاءه بتبرئة المطعون ضده من تهمة إحراز مخدر الحشيش بقصد التعاطي، بعدم اطمئنان المحكمة إلى ما طلبه ضابط الواقعة بمحضر تحرياته من الإذن له بتفتيش المطعون ضده ومسكنه لضبط ما يحوزه أو يحرزه من أسلحة نارية وذخيرة بدون ترخيص أو أية ممنوعات أخرى، إذ بإيراده للعبارة الأخيرة بالمحضر يكون قد استبق الحوادث لأن العثور على ممنوعات أثناء التفتيش جائز قانوناً، كما أنه تعسف في تنفيذ الإذن بالسعي في البحث عن جريمة أخرى لا علاقة لها بالجريمة الصادر إذن التفتيش بضبطها، بأن فتش ملابس المطعون ضده مرتين عثر في الأولى منها على المطواة، وأخرج في المرة الثانية المخدر المضبوط مختلقاً بذلك حالة التلبس بالجريمة. وما انتهى إليه الحكم فيما تقدم غير سائغ ويخالف القانون، إذ الثابت من محضر التحريات أن المطعون ضده يحوز أسلحة نارية وذخيرة بدون ترخيص كما اعتاد إخفاء المسروقات بمنزله وقد صدر إذن النيابة بضبطه وتفتيش شخصه ومسكنه لضبط ما يحوزه من تلك الأسلحة أو الذخيرة أو ما يظهر عرضاً من ممنوعات أخرى، وبتنفيذ الضابط لهذا الإذن فقد عثر بجيب الصديري الأيمن الذي يرتديه المطعون ضده على المخدر المضبوط كما عثر بالجيب ذاته على مطواة قرن غزال ومن ثم لم يكن ضبط هذا المخدر نتيجة سعي الضابط للبحث عنه وإنما جاء عرضاً وفي حدود نطاق إذن التفتيش بالبحث عن الأسلحة والذخيرة وبذلك تكون إجراءات العثور على هذا المخدر صحيحة وتتفق وأحكام القانون باعتبار أن جريمة إحرازه كان متلبساً بها، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن استعرض أدلة الثبوت التي استندت إليها سلطة الاتهام والتي تنحصر في أقوال النقيب... والرائد... وفي تقرير التحليل، أفصح عن عدم اطمئنانه إلى سلامة هذه الأدلة وإجراءات التفتيش وخلص إلى أنها محاطة بالشك لأسباب عددها في قولة "أن المحكمة لا تطمئن وجدانها إلى ما اتخذه ضابط الواقعة من إجراءات تنفيذاً للإذن فضلاً عن أنه كان يستبق الحوادث بدليل أنه يطلب من وكيل النيابة أن يشتمل إذنه على ضبط ما عساه أن يظهر لأن ذلك الأمر هو من البديهيات التي نظمها القانون واستقرت عليها الأحكام فإن الضابط قد تزيد في تنفيذ الإذن وصور الواقعة على أن المخدر قد ظهر عرضاً ولم يسع هو لإيجاد هذه الحالة والثابت أنه فتش ملابس المتهم ثم وجد المطواة وقد تم تنفيذ الإذن فليس له أن يضع يده مرة أخرى في جيب المتهم ليخرج منه المخدر إذ أن ذلك إيجاد لحالة من حالات التلبس بالجريمة وهو الأمر الذي يمتنع على الضابط خلقها سيما وأن الشاهد الأخر للواقعة قد اختلفت روايته مع ضابط الواقعة. وأكد أن المخدر لم يظهر عرضاً كما زعم الأول. ولقد استقرت الأحكام على أن مثل هذه الحالة لا تعد من الحالات التي تبيح القبض والتفتيش لأنها ليست من الحالات التي تعرض لمأمور الضبط القضائي فتحمله على أن يقبض ويفتش. وحيث إنه والحالة هذه فإن المحكمة ترى أن ما أتاه الضابط من خلف لحالة التلبس بالجريمة لا يقوم على سند صحيح من القانون ومن ثم يتعين تبرئة المتهم منها عملاً بالمادة 304/ 1 أ ج". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الخطأ القانوني في الحكم القاضي بالبراءة لا يعيبه لأنه يكفي أن يتشكك القاضي في صحة إجراءات التفتيش والتهمة كي يقضي بالبراءة إذ ملاك الأمر كله يرجع إلى وجدانه وما يطمئن إليه ومن ثم فتعييب الحكم في إحدى دعاماته بالخطأ في تطبيق القانون - بفرض صحته - يكون غير منتج، وإذ قضى الحكم المطعون فيه ببراءة المطعون ضده تأسيساً على الشك وعدم الاطمئنان إلى إجراءات التفتيش التي باشرها ضابط الواقعة ضده، وعدم الاطمئنان إلى أقوال ذلك الضابط لتعارضها مع أقوال الشاهد الثاني فإنه لا يجدي النيابة العامة الطاعنة النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون فيما أورده من نفي حالة التلبس بالجريمة والكشف عن المخدر عوضاً نتيجة القانون فيما أورده لأنه استند في قضائه بالبراءة على أسباب أخرى مبناها التشكك في صحة الإجراءات التي اتبعت أثناء التفتيش وعدم اطمئنان المحكمة إلى أدلة الثبوت في الدعوى بعد أن ألم بها ولم يطمئن وجدانه إلى صحتها. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.