أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 38 - صـ 1207

جلسة 30 من ديسمبر سنة 1987

برياسة السيد المستشار/ محمد محمود راسم نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ حسين علي حسين نائب رئيس المحكمة، حمدي محمد علي، محمد بكر غالي وعزت عمران.

(253)
الطعنان رقما 1717، 1727 لسنة 50 القضائية

(1) نقض "إجراءات الطعن". موطن. بطلان.
البيانات الواجب اشتمال صحيفة الطعن بالنقض عليها. م 253/ 2 مرافعات. الغرض منها. إعلام ذوي الشأن إعلاماً كافياً بها. بيان موطن المحامي الموكل عن الطاعنين بالصحيفة. اعتباره موطناً مختاراً لهما. إغفال بيان موطنهما الأصلي. لا بطلان.
(2) شيوع. إيجار "إيجار الأماكن".
المالك على الشيوع. حقه في أن يستأجر العقار أو جزء منه من باقي الملاك.
(3) عقد "تفسير العقد". محكمة الموضوع.
محكمة الموضوع. سلطتها في تعرف حقيقة العقد واستظهار مدلوله من عباراته على ضوء الظروف التي أحاطت بتحريره وما يكون قد سبقه أو عاصره من اتفاقات.
(4) إثبات "القرائن". حكم "تسبيب الحكم".
استنباط القرائن من إطلاقات محكمة الموضوع. شرطه. إقامة الحكم قضاءه على جملة قرائن متساندة مؤديه إلى النتيجة التي خلص إليها. عدم جواز مناقشة كل قرينة على حدة لإثبات عدم كفايتها في ذاتها.
(5، 6) إيجار "إيجار الأماكن" "التأجير من الباطن" "التأجير المفروش" محكمة الموضوع.
(5) المستأجر المصري المقيم بالخارج. حقه في تأجير المكان للغير مفروشاً أو خالياً ولو تضمن العقد حظر التأجير من الباطن. عودته من الخارج. وجوب إخطاره المستأجر من الباطن بالإخلاء ولو قبل انتهاء المدة الأصلية للعقد أو الممتدة. تمام الإخطار. أثره. اعتبار العقد منتهياً بقوة القانون. كفاية إثبات المستأجر الأصلي أن التأجير تم بسبب إقامته الموقوتة بالخارج. تضمين العقد أن سبب التأجير من الباطن إقامة المستأجر الأصلي مؤقتاً بالخارج أو علم المستأجر من الباطن بهذه الواقعة. غير لازم. لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في استخلاص سبب التأجير ما دام سائغاً.
(6) تأخر المستأجر الأصلي الذي أجر المكان من باطنه بسبب إقامته الموقوتة بالخارج في توجيه الإخطار للمستأجر من الباطن لا يعد في ذاته دليلاً على تنازله عن حقه في إخلاء العين ولا يخول المستأجر من الباطن الحق في امتداد العقد. المؤجر وحده هو صاحب المصلحة في التمسك بالآثار المترتبة على ذلك.
7 - قانون "تفسير النصوص". إيجار "إيجار الأماكن" "التأجير من الباطن".
حق المستأجر المصري المقيم مؤقتاً بالخارج في تأجير المكان المؤجر له للغير مفروشاً أو خالياً. م 26 ق 52 لسنة 1969 المقابلة للمادة 40 ق 49 لسنة 1977. سريانه على كافة الأماكن المعدة للسكنى أو لغيرها من الأغراض. علة ذلك.
(8 - 9) نقض "السبب الجديد". محكمة الموضوع "تقدير الدليل".
(8) تمسك المستأجر من الباطن بعدم شغل المستأجرة الأصلية - التي أجرت له المكان بسبب إقامتها الموقوتة بالخارج - للعين قبل سفرها للخارج دفاع جديد يخالطه واقع. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
(9) عدم التزام محكمة الموضوع بالرد على جميع حجج الخصوم. اقتناعها بالحقيقة التي أوردت دليلها. فيه الرد الضمني المسقط لكل حجة تخالفها.
1 - إذ نصت الفقرة الثانية من المادة 253 من قانون المرافعات على أن تشتمل صحيفة الطعن على البيانات المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم وموطن كل منهم وإلا كان الطعن باطلاً، فقد استهدفت - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إعلام ذوي الشأن إعلاماً كافياً بهذه البيانات، ومن ثم فإن كل ما يكفي للدلالة عليها يتحقق به الغرض الذي وضعت هذه المادة من أجله، لما كان ذلك وكان البين من الأوراق أن صحيفة الطعن قد أثبت بها بيان موطن المحامي الموكل عن الطاعنين بمدينة المنصورة، وكان هذا الموطن يعد محلاً مختاراً لهما معتبراً في إعلان الأوراق اللازمة للسير في الطعن الموكل فيه وذلك عملاً بنص المادة 74/ 1 من قانون المرافعات فإنه يغني عن بيان الموطن الأصلي للطاعنين في الصحيفة، إذ تحققت الغاية من إيراد هذا البيان بذكر الموطن المختار لهما فلا يترتب البطلان على إغفال البيان المشار إليه وذلك وفقاً لحكم المادة 20 من قانون المرافعات.
2 - يحق للمالك على الشيوع في العقار أن يستأجره من باقي الملاك أو يستأجر جزءاً منه، وإذ ليس هناك ما يمنعه قانوناً من ذلك.
3 - المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن لمحكمة الموضوع سلطة البحث في حقيقة العقد المتنازع عليه واستظهار مدلوله مما تضمنته عباراته على ضوء الظروف التي أحاطت بتحريره وما يكون قد سبقه أو عاصره من اتفاقات.
4 - لمحكمة الموضوع مطلق الحرية في استنباط القرائن التي تأخذ بها من وقائع الدعوى والأوراق المقدمة فيها، ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في تقديرها لقرينة من شأنها أن تؤدي إلى الدلالة التي استخلصتها منها، وإذا ما استندت في قضائها إلى جملة قرائن يكمل بعضها بعضاً وتؤدي في مجموعها إلى النتيجة التي خلصت إليها فإنه لا يقبل من الخصم مناقشة كل قرينة على حدة لإثبات عدم كفايتهم في ذاتها.
5 - مؤدى نص الفقرة الثانية من المادة 26 من القانون رقم 52 لسنة 1969 في شأن إيجار الأماكن المنطبق على واقعة التعاقد محل النزاع - ونص الفقرة أ من المادة 40 من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير الأماكن - الذي أقيمت الدعوى في ظله - يدل على أن المشرع قرر مزية خاصة للمستأجر المصري المقيم بالخارج بصفة مؤقتة تخوله استثناء أن يؤجر من باطنه العين المؤجرة له مفروشة أو خالية بغير إذن من المؤجر ولو تضمن عقد الإيجار شرط الحظر من التأجير من الباطن ويتعين على المستأجر الأصلي أن يخطر المستأجر من باطنه بالإخلاء ولو قبل نهاية المدة الأصلية للعقد أو المدة التي امتد إليها، وذلك عند حلول موعد عودته من الخارج على أن يمنح أجلاً مدته ثلاثة أشهر من تاريخ إخطاره ليقوم بالإخلاء ورد العين إلى المستأجر الأصلي، فإذا ما تم إخطاره بذلك اعتبر العقد منتهياً بقوة القانون وتتجرد يد المستأجر من الباطن من سندها القانوني ويلتزم بإخلاء العين، وإذ لم يشترط القانون لترتيب هذا الأثر، أن يتضمن عقد الإيجار ما يفيد أن التأخير قد تم بسبب إقامة المستأجر مؤقتاً بالخارج أو ثبوت علم المستأجر من الباطن بهذه الواقعة، ومن ثم فإنه يكفي لإعمال حكم النص المشار إليه أن يقيم المستأجر الأصلي الدليل على أن تأجيره للعين المؤجرة له كان بمناسبة إقامته الموقوتة خارج البلاد، وذلك بكافة طرق الإثبات القانونية، ولمحكمة الموضوع السلطة التامة في تقدير الأدلة المقدمة لها واستخلاص سبب التأجير من كافة الظروف والملابسات المحيطة بواقعة الدعوى دون رقابة من محكمة النقض عليها في ذلك متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة مؤدية للنتيجة التي انتهت إليها.
6 - إن تأخير المستأجر الأصلي الذي أجر المكان من الباطن بسبب إقامته الموقوتة بالخارج - في توجيه الإخطار بالإخلاء بعد عودته إلى المستأجر من الباطن لا يخوله حقاً في امتداد عقده لمدة غير محددة، ولا يعد هذا التأخير بمجرده دليلاً على تنازل المستأجر الأصلي عن حقه في إخلاء العين والمؤجر وحده هو صاحب المصلحة في التمسك بالآثار المترتبة على تراخي المستأجر الأصلي في توجيه الإخطار المذكور إلى المستأجر من الباطن.
7 - متى كان النص القانوني صريحاً جلياً فلا محل للخروج عليه أو تأويله بدعوى الاستهداء بقصد الشارع منه، لأن محل ذلك إنما يكون عند غموض النص أو وجود لبس فيه، وكان النص في المادة 26 من القانون رقم 52 لسنة 1969 بشأن إيجار الأماكن المقابلة لنص المادة 40 من القانون رقم 49 لسنة 1977 - قد أباح للمستأجر المصري تأجير "المكان المؤجر له" للغير من باطنه مفروشاً أو خالياً في حالة إقامته خارج الجمهورية بصفة مؤقتة فإن هذا النص وقد جاء صريحاً وعاماً دون تخصيص للغرض من استعمال العين المؤجرة فإنه يسري على كافة الأماكن سواء كانت معدة للسكنى أو لغير ذلك من الأغراض إذ لا محل لتقييد مطلق النص دون قيد وقصره على الأماكن المؤجرة لغرض السكنى فحسب، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وأعمل حكم النص سالف الذكر على عين النزاع المؤجرة لاستعمالها كعيادة طبية، فإنه لا يكون قد خالف القانون.
8 - إذ كان الطاعن لم يقدم ما يفيد سبق تمسكه أمام محكمة الموضوع بعدم شغل المطعون ضدها الأولى للعين المؤجرة قبل سفرها للخارج وتأجيرها في 29/ 9/ 1973 فإن النعي على الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص أياً كان وجه الرأي فيه - يكون دفاعاً جديداً يخالطه واقع لا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
9 - لئن كانت محكمة الموضوع غير ملزمة بالرد على جميع حجج الخصوم لأن قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها فيه الرد الضمني المسقط لكل حجة تخالفها، فإنه لا يعيب الحكم المطعون فيه إغفاله التحدث في هذا الصدد عن عقد الإيجار المؤرخ 4/ 6/ 1973 والخاص بسبق استئجار الطاعن لجزء من شقة النزاع ويكون النعي في هذا الخصوص على غير أساس.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدها الأولى أقامت على الطاعنين...، ... الدعوى رقم 2472 لسنة 1979 أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية للحكم بإخلاء العيادة الطبية محل النزاع وتسليمها إليها وذلك في مواجهة الطاعنة...، وقالت بياناً لدعواها أنها تستأجر هذه العيادة من الحارس القضائي على العقار بعقد مؤرخ 1/ 6/ 1973، وبمناسبة سفرها إلى الخارج فقد قامت بتأجيرها من الباطن إلى زميليها الطاعنين المذكورين بمقتضى عقد إيجار مؤرخ 28/ 9/ 1973 وإذ عادت إلى البلاد في 29/ 9/ 1978 فإن لعقد يعد منتهياً بقوة القانون، ولذا فقد أنذرتهما في 28/ 11/ 1978 بإخلاء العين المؤجرة لهما ولما لم يمتثلا فقد أقامت الدعوى، وبتاريخ 21/ 6/ 1979 قضت المحكمة بإخلاء عين النزاع وتسليمها إلى المطعون ضدها الأولى خالية. استأنف - الطاعنون هذا الحكم بالاستئنافين رقمي 4625 و4643 لسنة 96 ق القاهرة، وبتاريخ 15/ 5/ 1980 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف طعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض، وقيد الطعن المرفوع من...، ... برقم 1717 لسنة 50 ق، وقدمت المطعون ضدها الأولى مذكرة دفعت فيها ببطلان الطعن، كما قيد الطعن المرفوع من... برقم 1727 لسنة 50 ق، وقدمت النيابة مذكرة في كل من الطعنين أبدت فيهما الرأي برفضهما، وإذ عرض الطعنان على هذه المحكمة في غرفة مشورة رأت أنهما جديران بالنظر، وحددت جلسة لنظرهما وفيها قررت المحكمة ضم الطعن الثاني إلى الطعن الأول ليصدر فيهما حكم واحد، كما التزمت النيابة رأيها.
أولاً - عن الطعن رقم 1717 لسنة 50 ق.
حيث إن مبنى الدفع المبدى من المطعون ضدها الأولى ببطلان الطعن أن صحيفته قد خلت من بيان الموطن الأصلي للطاعنين أو بيان موطنهما المختار، وذلك على خلاف ما تقضي به المادة 253/ 2 من قانون المرافعات من وجوب بيان موطن الخصوم في الطعن، الأمر الذي يترتب عليه البطلان.
وحيث إن هذا الدفع مردود، ذلك أن الفقرة الثانية من المادة 253 من قانون المرافعات إذ نصت على أن تشتمل صحيفة الطعن على البيانات المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم وموطن كل منهم وإلا كان الطعن باطلاً، فقد استهدفت - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إعلام ذوي الشأن إعلاماً كافياً بهذه البيانات، ومن ثم فإن كل ما يكفي للدلالة عليها يتحقق به الغرض الذي وضعت هذه المادة من أجله، لما كان ذلك وكان البين من الأوراق أن صحيفة الطعن قد أثبت بها بيان موطن المحامي الموكل عن الطاعنين بمدينة المنصورة، وكان هذا الموطن يعد محلاً مختاراً لهما معتبراً في إعلان الأوراق اللازمة للسير في الطعن الموكل فيه وذلك عملاً بنص المادة 74/ 1 من قانون المرافعات فإنه يغني عن بيان الموطن الأصلي للطاعنين في الصحيفة، إذ تحققت الغاية من إبداء هذا البيان بذكر الموطن المختار لهما، فلا يترتب البطلان على إغفال البيان المشار إليه، وذلك وفقاً لحكم المادة 20 من قانون المرافعات.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية...
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعنان بالسببين الأولين منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقولان أن الثابت بعقد الإيجار محل النزاع، عنواناً وصلباً أن المطعون ضدها الأولى قد أجرت العين بصفتها مالكة وليست مستأجرة لها، مما لا يسوغ معه للحكم الانحراف عن عبارة العقد الواضحة والقول بأنها قامت بالتأجير بوصفها مستأجرة لعين النزاع مخالفاً بذلك الثابت بالكتابة، كما لا يجوز الاحتجاج عليهما بعقد استئجارها للعين من الحارس القضائي على العقار، إذ أنهما ليسا طرفاً في هذا العقد ولم يكن أيهما خصماً في دعوى الحراسة، ولا ينهض دليلاً على نفي ملكية المطعون ضدها الأولى للعين المؤجرة ضآلة نصيبها في الملكية على نحو ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه، هذا فضلاً عن أن باقي الملاك المشتاعين لم يعترضوا على تأجيرها للعين مما يترتب عليه نفاذ الإجارة في حقهم، وما كان يصح الاحتجاج على الطاعنين لعلم المستأجر الآخر (.....) بصفة المطعون ضدها في إبرام العقد وكونها مستأجرة للعين وليست مالكة لها، ومن ثم فإنه كان يتعين إعمال أثر عقد الإيجار محل النزاع باعتباره صادراً من المالكة عن مكان خال، ورفض إخلاء الطاعنين من العين المؤجرة، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه يحق للمالك على الشيوع في العقار أن يستأجره من باقي الملاك أو يستأجر جزءاً منه إذ ليس هناك ما يمنعه قانوناً من ذلك، ومن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لمحكمة الموضوع سلطة البحث في حقيقة العقد المتنازع عليه واستظهار مدلوله مما تضمنته عباراته على ضوء الظروف التي أحاطت بتحريره وما يكون قد سبقه أو عاصره من اتفاقات ولها مطلق الحرية في استنباط القرائن التي تأخذ بها من وقائع الدعوى والأوراق المقدمة فيها، ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في تقديرها لقرينة من شأنها أن تؤدي إلى الدلالة التي استخلصتها منها، وإذا ما استندت فيها قضائها إلى جملة قرائن يكمل بعضها بعضاً وتؤدي في مجموعها إلى النتيجة التي خلصت إليها، فإنه لا يقبل من الخصم مناقشة كل قرينة على حدة لإثبات عدم كفايتها في ذاتها، لما كان ذلك وكان الثابت بالحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه والذي أحال إليه في أسبابه أنه خلص في قضائه إلى أن عقد الإيجار المؤرخ 28/ 9/ 1973 محل النزاع قد صدر من المطعون ضدها الأولى بصفتها مستأجرة للعيادة من الحارس القضائي على العقار وذلك على سند مما ورد بصلب العقد ذاته من أن العقار محل العين المؤجرة ملك الحارس القضائي... وشركاه، وثبوت استئجارها لهذه العين من الحارس القضائي بمقتضى عقد الإيجار المؤرخ 1/ 6/ 1973 وأنها ما كانت تملك تأجيرها بوصفها مالكة لفرض الحراسة القضائية على العقار بما لا يستقيم معه القول بأن باقي الشركاء في ملكية العقار لم يعترضوا على التأجير، وأضاف الحكم المطعون فيه إلى ما تقدم من قرائن، ما ورد بعقد إيجار سابق مؤرخ 4/ 6/ 1973 صادر من المطعون ضدها الأولى بتأجير جزء من عين النزاع إلى المطعون ضده الثاني، ثابت به أنها قامت بالتأجير له بصفتها مستأجرة للعين لاستغلالها كعيادة طبية، ولما كانت هذه القرائن التي استند إليها الحكم سائغة تستند إلى أصل ثابت بالأوراق وتكمل بعضها بعضاً ولا مخالفة فيها للقانون وتؤدي في مجموعها إلى النتيجة التي خلص إليها بتحديد صفة المطعون ضدها الأولى في تأجير عين النزاع بمقتضى العقد المؤرخ 28/ 9/ 1973 باعتبارها مستأجرة للعين وليست مالكة لها، فإنه لا يقبل من الطاعنين مناقشة كل قرينة على حدة لإثبات عدم كفايتها في ذاتها، ويكون النعي على الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسبب الثالث من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه، مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك يقولان إن عقد الإيجار سند الدعوى لم يرد به أن المطعون ضدها الأولى قامت بالتأجير بسبب إقامتها بالخارج، هذا إلى أن مدة العقد بحسب الاتفاق هي أربع سنوات وهو الموعد المحدد لعودتها للإقامة في البلاد، مما كان يتعين معه التنبيه عليهما بإخلاء العين المؤجرة بحلول نهاية مدة العقد، وإذ لم تفعل فإنها تعد متنازلة عن حقها في الإخلاء ولو امتدت إقامتها بالخارج بعد الميعاد المذكور، طالما أنها لم تخطرهما بذلك، وإذ لم يعمل الحكم المطعون فيه الأثر القانوني المترتب على عدم التنبيه عليهما بالإخلاء في الموعد المحدد، وهو سقوط حقها في طلب الإخلاء مقرراً أن القانون لم يشترط موعداً محدداً للتنبيه فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن النص في الفقرة الثانية من المادة 26 من القانون رقم 52 لسنة 1969 في شأن إيجار الأماكن - المنطبق على واقعة التعاقد محل النزاع - على أنه "والمستأجر من مواطني الجمهورية العربية المتحدة في حالة إقامته بالخارج بصفة مؤقتة أن يؤجر المكان المؤجر له مفروشاً أو غير مفروش". والنص في الفقرة أ من المادة 40 من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير الأماكن - الذي أقيمت الدعوى في ظله - على أنه "وعلى المستأجر الأصلي في هذه الحالة أن يخطر المستأجر من الباطن لإخلاء العين في الموعد المحدد لعودته للإقامة بالجمهورية، بشرط أن يمنح المستأجر من الباطن أجلاً مدته ثلاثة أشهر من تاريخ إخطاره ليقوم بإخلاء العين وردها إلى المستأجر الأصلي وإلا اعتبر شاغلاً للعين دون سند قانوني وذلك أياً كانت مدة الإيجار المتفق عليها" - يدل على أن المشرع قرر مزية خاصة للمستأجر المصري المقيم بالخارج بصفة مؤقتة تخوله استثناء أن يؤجر من باطنه العين المؤجرة له مفروشة أو خالية بغير إذن من المؤجر ولو تضمن عقد الإيجار شرط الحظر من التأجير من الباطن، ويتعين على المستأجر الأصلي أن يخطر المستأجر من باطنه بالإخلاء ولو قبل نهاية لمدة الأصلية للعقد أو المدة التي امتد إليها، وذلك عند حلول موعد عودته من الخارج، على أن يمنحه أجلاً مدته ثلاثة أشهر من تاريخ إخطاره ليقوم بالإخلاء ورد العين إلى المستأجر الأصلي، فإذا ما تم إخطاره بذلك اعتبر العقد منتهياً بقوة القانون وتتجرد يد المستأجر من الباطن من سندها القانوني ويلتزم بإخلاء العين، وإذ لم يشترط القانون لترتيب هذا الأثر، أن يتضمن عقد الإيجار ما يفيد أن التأجير قد تم بسبب إقامة المستأجر مؤقتاً بالخارج أو ثبوت علم المستأجر من الباطن بهذه الواقعة، ومن ثم فإنه يكفي لإعمال حكم النص المشار إليه أن يقيم المستأجر الأصلي الدليل على أن تأجيره للعين المؤجرة له كان بمناسبة إقامته الموقوتة خارج البلاد، وذلك بكافة طرق الإثبات القانونية ولمحكمة الموضوع السلطة التامة في تقدير الأدلة المقدمة لها واستخلاص سبب التأجير من كافة الظروف - والملابسات المحيطة بواقعة الدعوى دون رقابة من محكمة النقض عليها في ذلك متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة مؤدية للنتيجة التي انتهت إليها، كما أن تأخير المستأجر الأصلي في توجيه الإخطار بالإجلاء إلى المستأجر من الباطن، لا يخوله حقاً في امتداد عقده لمدة غير محددة، ولا يعد هذا التأخير بمجرده دليلاً على تنازل المستأجر الأصلي عن حقه في إخلاء العين، والمؤجر وحده هو صاحب المصلحة في التمسك بالآثار المترتبة على تراخي المستأجر الأصلي في توجيه الإخطار المذكور إلى المستأجر من الباطن، لما كان ذلك وكان الثابت بمدونات الحكم الابتدائي التي أحال إليها الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بإخلاء العين محل النزاع على ما ثبت من المستندات المقدمة من المطعون ضدها الأولى "المستأجرة الأصلية" أن عقد الإيجار سند الدعوى والمؤرخ 28/ 9/ 1973 إنما أبرم بمناسبة سفرها للخارج برفقة زوجها المعار إلى دولة الكويت في اليوم التالي بتاريخ 29/ 9/ 1973 بعد أن حصلت على إجازة من جهة عملها، وأنها بعد عودتها من الخارج في 29/ 9/ 1978 قامت بإخطار المستأجرين بإخلاء العين المؤجرة لهما في 28/ 11/ 1978، وكان هذا الذي خلص إليه الحكم سائغاً له أصله الثابت بالأوراق وكافياً لحمل قضائه ولا مخالفة فيه للقانون، فإن النعي برمته يكون على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ثانياً: - عن الطعن رقم 1727 لسنة 50 ق.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب، ينعى الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول إن حكم المادة 26 من القانون رقم 52 لسنة 1969 المقابلة لنص المادة 40 من القانون رقم 49 لسنة 1977 قاصر على الشقق السكنية حتى لا يحرم المستأجر من مأواه إذا ما سافر إلى الخارج لفترة مؤقتة، فأجاز له الشارع استرداد مسكنه عند عودته للبلاد، وإذ عمل الحكم المطعون فيه هذا النص على المكان المؤجر لغير السكنى فإنه يكون قد خرج عن مقاصد التشريع مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه متى كان النص القانوني صريحاً جلياً فلا محل للخروج عليه أو تأويله بدعوى الاستهداء بقصد الشارع منه، لأن محل ذلك إنما يكون عند غموض النص أو وجود لبس فيه، وكان النص في المادة 26 من القانون رقم 52 لسنة 1969 بشأن إيجار الأماكن المقابلة لنص المادة 40 من القانون رقم 49 لسنة 1977 - قد أباح للمستأجر المصري تأجير "المكان المؤجر له" للغير من باطنه مفروشاً أو خالياً في حالة إقامته خارج الجمهورية بصفة مؤقتة فإن هذا النص وقد جاء صريحاً وعاماً دون تخصيص للغرض من استعمال العين المؤجرة، فإنه يسري على كافة الأماكن سواء كانت معدة للسكنى أو لغير ذلك من الأغراض إذ لا محل لتقييد مطلق النص دون قيد، وقصره على الأماكن المؤجرة لغرض السكنى فحسب، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر، وأعمل حكم النص سالف الذكر على عين النزاع المؤجرة لاستعمالها كعيادة طبية، فإنه لا يكون قد خالف القانون، ويضحي النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسببين الثاني والرابع من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول أنه يلزم لاستفادة المستأجر الأصلي من حكم القانون الذي يجيز له استرداد العين المؤجرة بعد عودته من الخارج أن يكون شاغلاً للعين منتفعاً بها قبل السفر وأن يثبت علم المستأجر من الباطن أن التأجير حاصل بسبب السفر إلى الخارج وإذ كانت العين غير مشغولة بسكنى المطعون ضدها الأولى وقت التأجير، وقد أغفل الحكم المطعون فيه بحث هذا الشرط ولم يعول على جهل الطاعن بسبب التأجير وسفر المؤجرة إلى الخارج، رغم خلو العقد من بيان هذا السبب وتقديمه للعقد السابق إبرامه من المطعون ضدها بتاريخ 4 - 6 - 1973 للتدليل على أن قيامها بالتأجير لم يكن بسبب السفر إلا أن الحكم أغفل الإشارة إلى دلالة هذا المستند الهام الذي يفيد أيضاً أن المؤجرة لم تكن تحتفظ إلا بغرفة واحدة من شقة النزاع، مما لا يجيز لها استردادها عند عودتها من السفر لأنها لم تكن تشغلها حتى تعود إليها، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود في شقه الأول بأن الطاعن لم يقدم ما يفيد سبق تمسكه أمام محكمة الموضوع بعدم شغل المطعون ضدها الأولى للعين المؤجرة قبل سفرها للخارج وتأجيرها في 28/ 9/ 1973، ومن ثم فإن النعي على الحكم المطعون في هذا الخصوص - أياً كان وجه الرأي فيه - يكون دفاعاً جديداً يخالطه واقع لا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض، ومردود في شقه الثاني بما سبق بيانه في الرد على السبب الثالث من أسباب الطعن السابق من أنه لا يشترط لإعمال حكم المادة 26 من القانون رقم 52 لسنة 1969 بيان سبب قيام المستأجر الأصلي بتأجير العين من باطنه في العقد المبرم بينه وبين المستأجر من الباطن، وأنه بمناسبة سفره إلى خارج البلاد، كما لا يلزم ثبوت علم هذا المستأجر بالسبب المذكور، ولما كانت محكمة الموضوع غير ملزمة بالرد على جميع حجج الخصوم، لأن قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها فيه الرد الضمني المسقط لكل حجة تخالفها، ومن ثم فإنه لا يعيب الحكم المطعون فيه إغفاله التحدث في هذا الصدد عن عقد الإيجار المؤرخ 4/ 6/ 1973 والخاص بسبق استئجار الطاعن لجزء من شقة النزاع ويكون النعي عليه في هذا الخصوص على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثالث من أسباب الطعن، مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم أسبغ على المطعون ضدها الأولى وصف المستأجرة للعين من الحارس القضائي على العقار وأنها ليست مالكة مستنداً في ذلك إلى ضآلة حصتها في الملكية رغم مخالفة ذلك للثابت بالعقد من أنها المالكة للعين، مما ترتب عليه إهدار حقه في التمسك بامتداد هذا العقد بقوة القانون طالما أن الإجارة صادرة من المالك لحصته في العقار دون اعتراض من باقي الشركاء على هذا التأجير الأمر الذي يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود بما سبق بيانه في الرد على السببين الأولين من أسباب الطعن السابق من أن استخلاص الحكم المطعون فيه صفة المطعون ضدها الأولى في التعاقد سند الدعوى بأنها تعاقدت بوصفها مستأجرة العين وليس بوصفها مالكة لها، هو استخلاص سائغ من مجموع القرائن الموضوعية التي استنبطها الحكم من أوراق الدعوى ومستنداتها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بسبب النعي لا يعدو أن يكون جدلاً فيما تستقل محكمة الموضوع بتقديره من أدلة الدعوى والقرائن فيها، ويضحي النعي بذلك على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.