أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 37 - صـ 728

جلسة 9 من أكتوبر سنة 1986

برياسة السيد المستشار: الدكتور كمال أنور نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد نجيب صالح وعوض جادو وعبد الوهاب الخياط وصلاح عطية.

(138)
الطعن رقم 2822 لسنة 56 القضائية

(1) إثبات "بوجه عام". تزوير "تزوير الأوراق العرفية". خيانة أمانة "أوراق ممضاة على بياض". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب".
تسلم الورقة الممضاة على بياض. واقعة مادية. عدم الالتزام في إثباتها بقواعد الإثبات المدنية. تزوير هذه الأوراق. إثباته بكافة الطرق.
(2) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
تحقيق أدلة الإدانة. لا يصح أن يكون رهناً بمشيئة المتهم. إثارته دفاعاً جوهرياً. يوجب على المحكمة تحقيقه أو الرد عليه.
(3) إثبات "بوجه عام" "قرائن". تزوير "الادعاء بالتزوير". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
عجز المتهم عن إثبات تزوير ورقة من أوراق الدعوى. لا يسوغ معه افتراض صحتها. ولو كانت من الأوراق الرسمية. أساس ذلك؟
1 - لما كان تسليم الورقة الممضاة على بياض هو واقعة مادية لا تتقيد المحكمة في إثباتها بقواعد الإثبات في المواد المدنية كما أن تغيير الحقيقة في تلك الورقة ممن استؤمن عليها هو نوع من خيانة الأمانة معاقب عليه بالمادة 340 من قانون العقوبات ومن ثم يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات.
2 - لما كان من المقرر أن المحكمة متى قدم إليها دليل بعينه فواجب عليها تحقيق هذا الدليل ما دام ذلك ممكناً بغض النظر عن مسلك المتهم في شأن هذا الدليل لأن تحقيق أدلة الإدانة في المواد الجنائية لا يصح أن يكون رهناً بمشيئة المتهم في الدعوى، وكان دفاع الطاعن يعد - في صورة هذه الدعوى - دفاعاً جوهرياً لتعلقه بتحقيق الدليل المقدم في الدعوى بحيث إذا صح هذا الدفاع لتغير وجه الرأي فيها، فقد كان لزاماً على المحكمة أن تحققه بلوغاً إلى غاية الأمر فيه - دون تعليق ذلك على ما يقدمه الطاعن أو يتخذه من إجراءات تأييداً لدفاعه أو ترد عليه بأسباب سائغة تؤدي إلى إطراحه. ولما كان الحكم المطعون فيه قد قضى بإدانة الطاعن دون تحقيق دفاعه أو الرد عليه برد سائغ وعول في الإدانة على السند المقدم من المدعي بالحقوق المدنية رغم تمسك الطاعن بتزويره، فإنه يكون مشوباً بالقصور في التسبيب والإخلال بحق الطاعن في الدفاع فضلاً عن انطوائه على فساد في الاستدلال.
3 - لما كانت المحكمة الاستئنافية قد اعتبرت السند صحيحاً لعدم جواز إثبات ما يخالفه إلا بالكتابة وعجز الطاعن عن إثبات تزويره، فإنها تكون قد فهمت القانون على غير وجهه الصحيح، ذلك أن المتهم عندما يدعي أثناء المحاكمة بتزوير ورقة من الأوراق المقدمة في الدعوى كدليل ضده لا يصح قانوناً مطالبته - حتى ولو كانت الورقة من الأوراق الرسمية - بأن يقيم الدليل على تزويرها وإلا اعتبرت الورقة صحيحة فيما تشهد به عليه، إذ أن مناط الإثبات في المواد الجنائية بحسب الأصل - وفيما عدا ما ورد بشأنه نص خاص - هو اقتناع القاضي واطمئنانه إلى ذات الدليل المقدم إليه ومن ثم فإنه يجب ألا يتقيد في تكوين عقيدته بأي قيد من القيود الموضوعة للأدلة في المواد المدنية، وإذن فمتى كان الطاعن قد ادعى بالتزوير فقد كان على المحكمة أن تحقق هذا الدفاع كما تحقق سائر الدفوع وأن تقول كلمتها فيه وما دامت هي لم تفعل في ظروف تدل على أنها رأت نفسها مقيدة بغير حق بمسألة قانونية، فإن ذلك بالإضافة إلى ما سبق، خطأ يوجب نقض الحكم المطعون فيه.


الوقائع

أقام المدعي بالحقوق المدنية دعواه بالطريق المباشر أمام محكمة جنح الجمالية ضد الطاعن بوصف أنه: استلم منه بضاعة بموجب إذن تسليم لبيعها لحسابه مقابل عمولة ولم يردها إليه وطلب عقابه بالمادة 341 من قانون العقوبات وإلزامه بأن يدفع له مبلغ 51 جـ على سبيل التعويض المؤقت. وادعى المتهم مدنياً قبل المدعي بالحقوق المدنية بمبلغ 51 جـ على سبيل التعويض المؤقت باعتباره مرتكباً الجنحة المنصوص عليها في المادة 340 عقوبات. والمحكمة المذكورة قضت غيابياً عملاً بمادة الاتهام بحبس المتهم ثلاثة أشهر مع الشغل وكفالة 10 جـ لوقف التنفيذ وإلزامه بأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغ 51 جـ على سبيل التعويض المؤقت. استأنف المحكوم عليه ومحكمة شمال القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
فطعن الأستاذ..... المحامي نيابة عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

من حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة التبديد فقد شابه قصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع كما انطوى على فساد في الاستدلال ذلك بأن دفاع الطاعن قام على أن حقيقة السند المقدم في الدعوى هو عقد شراء بالأجل للبضاعة المبينة به وأنه وقع عليه على بياض، إلا أن المدعي بالحقوق المدنية خان الأمانة وملأ بيانات السند بما يفيد استلام الطاعن لتلك البضاعة لبيعها لحساب الأخير مقابل عمولة واتهمه بجلسة المحاكمة بارتكاب الجنحة المنصوص عليها في المادة 340 من قانون العقوبات مع إلزامه بتعويض مدني مؤقت مقداره 51 جـ، إلا أن المحكمة أطرحت هذا الدفاع وردت عليه استناداً إلى أحكام القانون المدني التي لا تجيز إثبات عكس ما هو ثابت بالكتابة وعولت في إدانة الطاعن على هذا السند رغم تزويره، في حين أن الواقعة تشكل جريمة يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على محضر جلسة محكمة أول درجة ومحاضر جلسات المحكمة الاستئنافية أن الطاعن تمسك أمام المحكمتين بدفاعه المشار إليه بأسباب الطعن بيد أن حكم محكمة أول درجة دانه دون أن يتعرض لهذا الدفاع، كما أحال الحكم المطعون فيه إلى الحكم المستأنف وقضى بتأييده واطرح دفاع الطاعن بقوله "وحيث إنه عما يثيره المتهم من أن إذن تسليم البضاعة قد وقع منه على بياض فقام المدعي بالحق المدني بإثبات ما هو مدون فيه من عبارات فإن هذه الواقعة إن صحت فإنها عمل مجرم باعتبار أن ما كتب زوراً فوق الإمضاء يرتب مسئولية فاعله جنائياً متى ثبت للمحكمة أنه قارفه كنوع من خيانة الأمانة المعاقب عليه بالمادة 340 عقوبات ما لم يكن الاستيلاء على الورقة بطريق الغش أو الاختلاس أو بطريقة أخرى خلاف التسليم الاختياري وهو ما لم يدفع به المتهم ولا سبيل إليه لدفاعه إلا أن يثبت ما يدعيه وقد قصر في إثبات واقعة توقيعه بإمضائه على بياض.. وكان الثابت قضاء أنه لا يجوز إثبات عكس ما هو ثابت بالكتابة على الورقة الموقعة على بياض في مجال تغيير الحقيقة المعاقب عليها بالمادة 340 عقوبات إلا بالكتابة.... وحتى لو كان الإثبات بكافة طرق الإثبات كما أخذت بعض أحكام القضاء فإن المتهم قد قصر في ذلك بوسائله" لما كان ذلك، وكان تسليم الورقة الممضاة على بياض هو واقعة مادية لا تتقيد المحكمة في إثباتها بقواعد الإثبات في المواد المدنية كما أن تغيير الحقيقة في تلك الورقة ممن استؤمن عليها هو نوع من خيانة الأمانة معاقب عليه بالمادة 340 من قانون العقوبات ومن ثم يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات، وكان من المقرر أن المحكمة متى قدم إليها دليل بعينه فواجب عليها تحقيق هذا الدليل ما دام ذلك ممكناً بغض النظر عن مسلك المتهم في شأن هذا الدليل لأن تحقيق أدلة الإدانة في المواد الجنائية لا يصح أن يكون رهناً بمشيئة المتهم في الدعوى، وكان دفاع الطاعن يعد - في صورة هذه الدعوى - دفاعاً جوهرياً لتعلقه بتحقيق الدليل المقدم في الدعوى بحيث إذا صح هذا الدفاع لتغير وجه الرأي فيها، فقد كان لزاماً على المحكمة أن تحققه بلوغاً إلى غاية الأمر فيه - دون تعليق ذلك على ما يقدمه الطاعن أو يتخذه من إجراءات تأييداً لدفاعه أو ترد عليه بأسباب سائغة تؤدي إلى إطراحه. ولما كان الحكم المطعون فيه قد قضى بإدانة الطاعن دون تحقيق دفاعه أو الرد عليه برد سائغ وعول في الإدانة على السند المقدم من المدعي بالحقوق المدنية رغم تمسك الطاعن بتزويره، فإنه يكون مشوباً بالقصور في التسبيب والإخلال بحق الطاعن في الدفاع فضلاً عن انطوائه على فساد في الاستدلال هذا إلى أنه لما كانت المحكمة الاستئنافية قد اعتبرت السند صحيحاً لعدم جواز إثبات ما يخالفه إلا بالكتابة وعجز الطاعن عن إثبات تزويره، فإنها تكون قد فهمت القانون على غير وجهه الصحيح، ذلك أن المتهم عندما يدعي أثناء المحاكمة بتزوير ورقة من الأوراق المقدمة في الدعوى كدليل ضده لا يصح قانوناً مطالبته - حتى ولو كانت الورقة من الأوراق الرسمية - بأن يقيم الدليل على تزويرها وإلا اعتبرت الورقة صحيحة فيما تشهد به عليه، إذ أن مناط الإثبات في المواد الجنائية بحسب الأصل - وفيما عدا ما ورد بشأنه نص خاص - هو اقتناع القاضي واطمئنانه إلى ذات الدليل المقدم إليه ومن ثم فإنه يجب ألا يتقيد في تكوين عقيدته بأي قيد من القيود الموضحة للأدلة في المواد المدنية، وإذن فمتى كان الطاعن قد ادعى بالتزوير فقد كان على المحكمة أن تتحقق هذا الدفاع كما تحقق سائر الدفوع وأن تقول كلمتها فيه وما دامت هي لم تفعل في ظروف تدل على أنها رأت نفسها مقيدة بغير حق بمسألة قانونية، فإن ذلك بالإضافة إلى ما سبق، خطأ يوجب نقض الحكم المطعون فيه والإحالة وذلك دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.