أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 44 - صـ 636

جلسة الأول من يوليو سنة 1993

برئاسة السيد المستشار/ مجدي الجندي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ حسين الشافعي ومحمد حسين نائبي رئيس المحكمة ومحمود شريف فهمي وإبراهيم الهنيدي.

(98)
الطعن رقم 23527 لسنة 62 القضائية

(1) محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص صورة الواقعة". إثبات "بوجه عام".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي.
(2) إثبات "بوجه عام" "قرائن". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
الأصل في المحاكمات الجنائية. اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه.
حق القاضي في تكوين عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها. ما لم يقيده القانون بدليل معين.
(3) إثبات "بوجه عام". تزوير "تزوير الأوراق الرسمية". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
جرائم التزوير. لم يجعل القانون لإثباتها طريقاً خاصاً. كفاية أن تكون الأدلة التي يعتمد عليها الحكم في مجموعها كوحدة واحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها.
تساند الأدلة في المواد الجنائية. مؤداها؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام النقض.
(4) دفوع "الدفع بالجهل بالقانون". قانون "الاعتذار بالجهل بالقانون". إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". أحوال شخصية. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الاعتذار بالجهل بحكم من أحكام قانون آخر غير قانون العقوبات. شرط قبوله: إقامة مدعي هذا الجهل الدليل على أنه تحرى تحرياً كافياً وأن اعتقاده بمشروعية عمله كانت له أسباب معقولة. أساس ذلك؟
(5) إجراءات "إجراءات المحاكمة". تزوير. إثبات "بوجه عام".
اطلاع المحكمة بنفسها على الورقة المزورة. إجراء جوهري من إجراءات المحاكمة في جرائم التزوير يقتضيه واجبها في تمحيص الدليل الأساسي في الدعوى. إغفال ذلك. يعيب الإجراءات. علة ذلك؟
(6) إجراءات "إجراءات المحاكمة". إثبات "شهود". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق المحكمة في الاستغناء عن سماع شهود الإثبات إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً.
اكتفاء دفاع الطاعنين بأقوال شهود الإثبات في التحقيقات. وتلاوتها. لا إخلال بحق الدفاع.
(7) تزوير "تزوير الأوراق الرسمية" "طرق التزوير" الاشتراك في التزوير". جريمة "أركانها". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
التزوير بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة. شموله كل تقرير على غير حقيقتها.
انتحال الطاعن أمام المأذون صفة الوكالة عن الزوجة. المجني عليها. إثبات المأذون سبق الزواج. وحضوره بتلك الصفة. تتوافر به أركان جريمة الاشتراك في تزوير محرر رسمي.
1 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من مجموعة الأدلة والعناصر المطروحة أمامها الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها.
2 - من المقرر أن الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه، فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه.
3 - لما كان القانون الجنائي لم يجعل لإثبات جرائم التزوير طريقاً خاصاً وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل معين لمناقشته على حده دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤيدة إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وكان جماع ما أورده الحكم من الأدلة والقرائن التي اطمأنت المحكمة إليها يسوغ ما رتب عليها ويصح استدلال الحكم به على ثبوت واقعة الاشتراك في تزوير عقد الزواج في حق الطاعن وعلمه بعدم خلو الزوجة من الموانع الشرعية فإن ما يثيره من منازعة حول عدد مرات الطلاق لا يكون له محل ولا يعدو وأن يكون جدلاً موضوعياً حول تقدير محكمة الموضوع للأدلة القائمة في الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
4 - لما كان من المقرر أنه يشترط لقبول الاعتذار بالجهل بحكم من أحكام قانون آخر غير قانون العقوبات أن يقيم من يدعي هذا الجهل الدليل القاطع على أنه تحرى تحرياً كافياً وأن اعتقاده الذي اعتقده بأنه يباشر عملاً مشروعاً كانت له أسباب معقولة وهذا هو المعول عليه في القوانين التي أخذ عنها الشارع أسس المسئولية الجنائية وهو المستفاد من مجموع نصوص القانون فإنه مع تقريره قاعدة عدم قبول الاعتذار بعدم العلم بالقانون أورد في المادة 63 من قانون العقوبات أنه لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أميري في الأحوال الآتية (أولاً) إذا ارتكب الفعل تنفيذاً لأمر صادر إليه من رئيس وجبت عليه إطاعته أو اعتقد أنها واجبة عليه (ثانياً) إذا حسنت نيته وارتكب فعل تنفيذاً لما أمرت به القوانين أو ما اعتقد أن إجراءه من اختصاصه - وعلى كل حال يجب على الموظف أن يثبت أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت والتحري وأنه كان يعتقد مشروعيته وأن اعتقاده كان مبنياً على أسباب معقولة. كما قرر في المادة 60 من قانون العقوبات أنه أحكام قانون العقوبات لا تسري على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة وإذا كان الطاعن لم يدع في دفاعه أمام محكمة الموضوع أو في أسباب طعنه بالجهل بالقاعدة الشرعية التي تحظر إعادة الرجل لمطلقته طلاقاً بائناً بينونة كبرى إلى عصمته ولو بعقد جديد قبل أن ينكحها غيره بعقد صحيح كما لم يبين الأسباب المعقولة التي بررت لديه الاعتقاد بأنه كان يباشر عملاً مشروعاً وقد أثبت الحكم في حقه أنه باشر عقد الزواج مع علمه بأن الزوجة لا تحل له لمانع شرعي إلا إذا أنكحت من غيره بعقد صحيح لسبق تطليقه له طلاقاً بائناً بينونة كبرى مكملاً للثلاث وأنه تعمد إخفاء هذه الواقعة عن المأذون وأقر بخلوها من الموانع الشرعية وقدم له إشهاد الطلاق الأول فإن ما أورده الحكم من ذلك يتضمن في ذاته الرد على دعوى الطاعن بالاعتذار بالجهل بحكم من أحكام قانون آخر هو قانون الأحوال الشخصية فلا محل لما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الشأن.
5 - من المقرر أن إغفال المحكمة الاطلاع على الورقة محل جريمة التزوير عند نظر الدعوى يعيب إجراءات المحاكمة لأن اطلاع المحكمة بنفسها على الورقة المزورة إجراء جوهري من إجراءات المحاكمة من جرائم التزوير يقتضيه واجبها في تمحيص الدليل الأساسي في الدعوى على اعتبار أن تلك الورقة هي الدليل الذي يحمل شواهد التزوير ومن ثم عرضها على بساط البحث والمناقشة بالجلسة في حضور المدافع عن الطاعن لإبداء رأيه فيها وليطمئن إلى أن الورقة موضوع الدعوى هي التي دارت مرافعته عليها إلا أنه لما كان لم يفت المحكمة في هذه الدعوى - على نحو ما سلف - القيام بهذا الإجراء فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد.
6 - لما كان للمحكمة أن تستغني عن سماع شهود الإثبات إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً ولما كان الثابت من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الدفاع عن الطاعنين لم يتمسك بطلب سماع من لم يحضر من شهود الإثبات بل اكتفى صراحة بأقوالهم في التحقيقات وأمرت المحكمة بتلاوتها فإن دعوى الإخلال بحق الدفاع لا تكون مقبولة.
7 - من المقرر أن التزوير بجعل واقعة مزورة في صورة صحيحة وتشمل كل تقرير لواقعة على غير حقيقتها ومن ثم فإنه متى كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن أنه مثل أمام مأذون ناحية أسوان وانتحل صفة ليست له بإدعائه كذباً الوكالة عن الزوجة المجني عليها فأثبت المأذون بوثيقة الزواج حضوره بتلك الصفة فإن هذا ما يكفي لتوافر أركان جريمة الاشتراك في ارتكاب تزوير في محرر رسمي التي دين بها ويكون ما ينعاه على الحكم من قصور في استظهار علمه بخلو الزوجة من الموانع الشرعية وعدم علمه بأمر إشهاد الطلاق المقدم من الطاعن الأول لا يكون منتجاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر قضى ببراءته - اشتركا بطريق المساعدة مع موظف عمومي حسن النية هو.... مأذون قسم...... في ارتكاب تزوير في محرر رسمي هو عقد زواج المتهم الأول من...... حال تحريره المختص بوظيفته وكان ذلك بجعلهم واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمهم بتزويرها بأن أقر المتهم الأول أمامه خلو الزوجة من الموانع الشرعية رغم سبق طلاقها منه طلاقاً بائناً بينونة كبرى وعدم نكاحها زوجاً غيره وانتحل المتهم الثاني صفة وكيل الزوجة فقام الموظف بضبط عقد الزواج على هذا الأساس وأحالتهم إلى محكمة جنايات أسوان لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 40/ 3، 41، 13 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهمين بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وبمصادرة المحرر المزور المضبوط.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض...... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الاشتراك في تزوير محرر رسمي قد شابه البطلان والقصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون ذلك بأن التفتت المحكمة عن منازعة الطاعن في عدد مرات الطلاق مما يجعل الواقعة التي شهد عليها صحيحة وبفرض تزويرها فإن ذلك مرده إلى جهله بأحكام قانون آخر غير قانون العقوبات مما ينأى بفعله عن التأثيم فضلاً عن خلو مدونات الحكم ومحضر الجلسة مما يفيد اطلاع المحكمة على المحرر المزور في مواجهة الطاعن وإنما اكتفت بالإشارة إلى فضها للحرز بعد التأكد من سلامة أختامه ولم تسمع المحكمة للشهود بالجلسة واكتفت بتلاوة أقوالهم بالتحقيقات كل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "أن المتهم الأول (الطاعن الأول) كان زوجاً للمدعوة....... وأنه بتاريخ 1/ 4/ 1986 قام بتطليقها طلقة ثالثة مما أصبحت معه لا تحل له زوجة حتى تنكح زوجاً آخر إلا أنه ولرغبته في الاقتران بها زوجة اصطحب بتاريخ 22/ 11/ 1986 المتهم الثاني (الطاعن الثاني) منتحلاً صفة الوكيل عن الزوجة والمتهم الثالث.... بصفته شاهد وتوجهوا إلى مأذون ناحية....... حيث تم عقد قرانه عليها مدعياً بخلوها من الموانع الشرعية على خلاف الحقيقة مشهداً المتهم الثالث رغم عدم تواجد الزوجة بمجلس العقد وعلم المتهم الأول والثاني بأنها محرمة عليه فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة" وأورد الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعنين أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها مستمدة من أقوال شهود الإثبات وإقرار الطاعنين بالتحقيقات والمستندات المقدمة من الزوجة وما ثبت من الحكم الصادر في الدعوى رقم.... أحوال شخصية نفس.... وكان الحكم قد استظهر علم الطاعن الأول بأن الطلاق الحاصل في 1/ 4/ 1986 كان هو المكمل للثلاث في قوله "إن المحكمة تطمئن ويرتاح ضميرها ووجدانها إلى أن البيان الثابت بإشهار الطلاق من أنه المكمل للثلاث طلقات لم يرد على سبيل الخطأ في المأذون وإنما كان على سبيل القطع والجزم ويؤيد ذلك ما هو ثابت من إقرار المتهم الأول المؤرخ 1/ 4/ 1986 من أن الطلاق الواقع منه هو المكمل الثلاث وقد تأيد ذلك بالحكم الصادر في الدعوى....... كلي أحوال شخصية نفس....... والذي لم يستأنف وأصبح نهائياً وقضى فيه برفض تلك الدعوى بما يعنى أنه أقر وأكد أن الوصف الوارد بإشهار الطلاق من أنه المكمل للثلاث هو وصف صحيح ومعبر عن الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة ومما يؤيد وجهة نظر المحكمة في ذلك أن المتهم الأول لم يلجأ إلى مأذون.... وإنما لجأ لحبك جريمته إلى مأذون ناحية.... وقدم له إشهار الطلاق الأول مما يجزم بسوء نيته وقصده تغيير الحقيقة وهو لأنه إلى غرض في نفسه" لما كان ذلك وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من مجموعة الأدلة والعناصر المطروحة أمامها الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وكان الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه، فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، ولما كان القانون الجنائي لم يجعل لإثبات جرائم التزوير طريقاً خاصاً وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل معين لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤيدة إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وكان جماع ما أورده الحكم من الأدلة والقرائن التي اطمأنت المحكمة إليها يسوغ ما رتب عليها ويصح استدلال الحكم به على ثبوت واقعة الاشتراك في تزوير عقد الزواج في حق الطاعن وعلمه بعدم خلو الزوجة من الموانع الشرعية فإن ما يثيره من منازعة حول عدد مرات الطلاق لا يكون له محل ولا يعدو وأن يكون جدلاً موضوعياً حول تقدير محكمة الموضوع للأدلة القائمة في الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك وكان من المقرر أنه يشترط لقبول الاعتذار بالجهل بحكم من أحكام قانون آخر غير قانون العقوبات أن يقيم من يدعي هذا الجهل الدليل القاطع على أنه تحرى تحرياً كافياً وأن اعتقاده الذي اعتقده بأنه يباشر عملاً مشروعاً كانت له أسباب معقولة وهذا هو المعول عليه في القوانين التي أخذ عنها الشارع أسس المسئولية الجنائية وهو المستفاد من مجموع نصوص القانون فإنه مع تقريره قاعدة عدم قبول الاعتذار بعدم العلم بالقانون أورد في المادة 63 من قانون العقوبات أنه لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أميري في الأحوال الآتية (أولاً) إذا ارتكب الفعل تنفيذاً لأمر صادر إليه من رئيس وجبت عليه إطاعته أو اعتقد أنها واجبة عليه (ثانياً) إذا حسنت نيته وارتكب فعل تنفيذاً لما أمرت به القوانين أو ما اعتقد أن إجراءه من اختصاصه - وعلى كل حال يجب على الموظف أن يثبت أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت والتحري وأنه كان يعتقد مشروعيته وأن اعتقاده كان مبنياً على أسباب معقولة. كما قرر في المادة 60 من قانون العقوبات أن أحكام قانون العقوبات لا تسري على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة وإذ كان الطاعن لم يدع في دفاعه أمام محكمة الموضوع أو في أسباب طعنه بالجهل بالقاعدة الشرعية التي تحظر إعادة الرجل لمطلقته طلاقاً بائناً بينونة كبرى إلى عصمته ولو بعقد جديد قبل أن ينكحها غيره بعقد صحيح كما لم يبين الأسباب المعقولة التي بررت لديه الاعتقاد بأنه كان يباشر عملاً مشروعاً وقد أثبت الحكم في حقه أنه باشر عقد الزواج مع علمه بأن الزوجة لا تحل له لمانع شرعي إلا إذا أنكحت من غيره بعقد صحيح لسبق تطليقه لها طلاقاً بائناً بينونة كبرى مكملاً للثلاث وأنه تعمد إخفاء هذه الواقعة عن المأذون وأقر بخلوها من الموانع الشرعية وقدم له إشهاد الطلاق الأول فإن ما أورده الحكم من ذلك يتضمن في ذاته الرد على دعوى الطاعن بالاعتذار بالجهل بحكم من أحكام قانون آخر هو قانون الأحوال الشخصية فلا محل لما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الشأن. لما كان ذلك وكان البين من الاطلاع على محضر جلسة الثامن من أكتوبر سنة 1992 أنه بعد تلاوة أمر الإحالة أمرت المحكمة بفض الإحراز بعد التأكد من سلامة الأختام في حضور المتهمين وأمرت المحكمة بالقبض عليهم بعد تمام المرافعة وحبسهم وحجزت الدعوى للحكم لجلسة 10 أكتوبر سنة 1992 حيث صدور الحكم المطعون فيه وأورد الحكم في تحصيله لأدلة الدعوى مطالعته لإشهاد الطلاق والإقرار الصادر من المتهم الأول (الطاعن) المؤرخ 1/ 4/ 1986 المتضمن أن طلاقه هو المكمل للثلاث. لما كان ذلك وكان من المقرر أن إغفال المحكمة الاطلاع على الورقة محل جريمة التزوير عند نظر الدعوى يعيب إجراءات المحاكمة لأن اطلاع المحكمة بنفسها على الورقة المزورة إجراء جوهري من إجراءات المحاكمة في جرائم التزوير يقتضيه واجبها في تمحيص الدليل الأساسي في الدعوى على اعتبار أن تلك الورقة هي الدليل الذي يحمل شواهد التزوير ومن ثم عرضها على بساط البحث والمناقشة بالجلسة في حضور المدافع عن الطاعن لإبداء رأيه فيها وليطمئن إلى أن الورقة موضوع الدعوى هي التي دارت مرافعته عليها إلا أنه لما كان لم يفت المحكمة في هذه الدعوى - على نحو ما سلف - القيام بهذا الإجراء فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك وكان للمحكمة أن تستغني عن سماع شهود الإثبات إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً ولما كان الثابت من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الدفاع عن الطاعنين لم يتمسك بطلب سماع من لم يحضر من شهود الإثبات بل اكتفى صراحة بأقوالهم في التحقيقات وأمرت المحكمة بتلاوتها فإن دعوى الإخلال بحق الدفاع لا تكون مقبولة. لما كان ما تقدم فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ثانياً: عن الطعن المقدم من المحكوم عليه....
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذا دانه بجريمة الاشتراك في تزوير محرر رسمي قد شابه البطلان والخطأ في الإسناد والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ذلك بأن المحكمة فضلاً عن عدم إطلاعها عن المحرر المزور وعدم سماعها للشهود بالجلسة - رغم إمكان ذلك - فإن الحكم المطعون فيه لم يقم الدليل على علم الطاعن بخلو الزوجة من الموانع الشرعية حال أن الثابت من الأوراق أن الزوج المتهم الأول الطاعن الأول دلس عليه وأوقع المأذون في غش بأن قدم للأخير إشهاد طلاق تضمن أن الزوجة مطلقة طلقة أولى رجعية وأقر بذلك بمجلس العقد ورغم تمسك المدافع عن الطاعن بهذا الدفاع التفتت المحكمة عنه ولم تعرض له إيراداً ورداً. هذا وقد استند الحكم في إدانة الطاعن إلى ما نسبه له من اعتراف بالتحقيقات - خلت منه الأوراق - وإلى ما قدمه الطاعن الأول للمحكمة من مستندات لا علم له بها ولا تحمل توقيعه وأخيراً قام دفاع الطاعن على أن وكالته عن الزوجة في إبرام العقد تم بتفويض من ابن عمها..... في مجلس العقد وفى حضور الزوجة لكونه أميا لا يقرأ ولا يكتب وأغفلت المحكمة الرد على هذا الدفاع كل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه لما كان البين من وصف التهمة التي خلص الحكم إلى إدانة الطاعن بها ومما أورده تحصيلاً لواقعة الدعوى أنه لم يؤسس إدانته للطاعن على شهادته أمام المأذون بخلو الزوجة من الموانع الشرعية إذ نسب هذا السلوك إلى المتهم الثالث الذي قضى ببراءته وإنما أقام إدانة هذا الطاعن على ما أثبته في حقه من انتحاله كذباً أمام المأذون صفة الوكالة عن الزوجة، ولما كان من المقرر أن التزوير بجعل واقعة مزورة في صورة صحيحة وتشمل كل تقرير لواقعة على غير حقيقتها ومن ثم فإنه متى كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن أنه مثل أمام مأذون ناحية...... وانتحل صفة ليست له بإدعائه كذباً الوكالة عن الزوجة المجني عليها فأثبت المأذون بوثيقة الزواج حضوره بتلك الصفة فإن هذا ما يكفي لتوافر أركان جريمة الاشتراك في ارتكاب تزوير في محرر رسمي التي دين بها ويكون ما ينعاه على الحكم من قصور في استظهار علمه بخلو الزوجة من الموانع الشرعية وعدم علمه بأمر إشهاد الطلاق المقدم من الطاعن الأول لا يكون منتجاً لما كان ذلك وكان البين من مراجعة الحكم المطعون فيه أن قضاءه في جريمة الاشتراك في التزوير المسندة إلى الطاعن الثاني لم يقم على اعتراف نسبه إليه الحكم بل قام - من بين ما قام عليه - على إقراره بالتحقيقات بعدم حضور الزوجة مجلس العقد وهي واقعة لا ينازع الطاعن في أن لها معينها الصحيح من أقواله فإن ما ينعاه على الحكم بالخطأ في الإسناد لا يكون له محل. لما كان ذلك وكان باقي ما ينعاه الطاعن من أوجه طعنه على الحكم المطعون فيه قد سبق الرد عليه عند الرد على الطعن المقدم من الطاعن الأول فإنه يكون على غير أساس متعيناً الرفض.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه.