أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 37 - صـ 769

جلسة 15 من أكتوبر سنة 1986

برياسة السيد المستشار: محمد وجدي عبد الصمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم حسين رضوان ومحمد ممدوح سالم ومحمد رفيق البسطويسي نواب رئيس المحكمة وفتحي خليفه.

(147)
الطعن رقم 3385 لسنة 56 القضائية

(1) نقد. مأمورو الضبط القضائي "اختصاصهم". جناية. جنحة. تفتيش "التفتيش بغير إذن" تلبس.
سلطة مأموري الضبط القضائي في أحوال التلبس في الجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر. القبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه. جواز إصدار أمر بضبطه وإحضاره عند عدم تواجده. كلما جاز القبض على المتهم. جاز تفتيشه.
التلبس صفه تلازم الجريمة ذاتها. لا شخص مرتكبها. أثر ذلك؟.
(2) مأمورو الضبط القضائي "اختصاصهم". استدلالات. نقد.
كل إجراء يقوم به مأمور الضبط القضائي في الكشف عن الجريمة ومرتكبها. صحيح. ما لم يتدخل بفعله في خلق الجريمة أو التحريض عليها وطالما بقيت إرادة الجاني حرة غير معدومة.
(3) نقد. دعوى جنائية "قيود تحريكها". نيابة عامة. استدلالات. إجراءات "إجراءات التحقيق".
- إيجاب صدور طلب من الوزير المختص أو من ينيبه لتحريك الدعوى الجنائية في جرائم القانون 97 لسنة 1976. قيد على حرية النيابة العامة كسلطة تحقيق. دون غيرها من جهات الاستدلال.
- بدء تحريك الدعوى الجنائية بتحقيق النيابة. كسلطة تحقيق.
إجراءات الاستدلال أياً كان من يباشرها. إجراءات أولية لا يرد عليها قيد الشارع في توقفها على الطلب والإذن. مفاد ذلك؟
مثال.
1 - لما كانت المادتان 34، 35 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلتان بالقانون رقم 37 لسنة 1972، قد أجازتا لمأمور الضبط القضائي في أحوال التلبس بالجنايات، أو الجنح المعاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاثة أشهر، أن يقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه، فإذا لم يكن حاضراً جاز لمأمور الضبط القضائي أن يصدر أمراً بضبطه وإحضاره، وكانت المادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية تجيز تفتيش المتهم في الحالات التي يجوز فيها القبض عليه قانوناً، وكان التلبس صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها، مما يبيح لمأمور الضبط القضائي الذي شاهد وقوعها، أن يقبض على المتهم الذي تقوم دلائل كافيه على ارتكابه لها، وأن يجري تفتيشه بغير إذن من النيابة العامة.
2 - من المقرر أن مهمة مأمور الضبط القضائي، بمقتضى المادة الحادية والعشرين من قانون الإجراءات الجنائية، الكشف عن الجرائم والتوصل إلى معاقبة مرتكبيها، فكل إجراء يقوم به في هذا السبيل يعتبر صحيحاً منتجاً لأثره، ما دام لم يتدخل في خلق الجريمة بطريق الغش والخداع أو التحريض على مقارفتها، وطالما بقيت إرادة الجاني حرة غير معدومة، ولا تثريب على مأمور الضبط القضائي في أن يصطنع في تلك الحدود من الوسائل البارعة، ما يسلس لمقصوده في الكشف عن الجريمة، ولا يتصادم مع أخلاق الجماعة.
3 - من المقرر أن الفقرة الثانية من المادة الرابعة عشرة من القانون رقم 97 لسنة 1976 بشأن تنظيم التعامل بالنقد الأجنبي المعدل بالقانون رقم 67 لسنة 1980 تنص على أن "لا يجوز رفع الدعوى الجنائية بالنسبة إلى الجرائم التي ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون، أو القواعد المنفذة له، أو اتخاذ إجراء فيها، فيما عدا مخالفة المادة (2) إلا بناء على طلب الوزير المختص أو من ينيبه". إلا أن الخطاب فيها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - موجه من الشارع إلى النيابة العامة بصفتها السلطة صاحبة الولاية في الدعوى الجنائية، باعتبار أن أحوال الطلب كغيرها من أحوال الشكوى أو الإذن المنصوص عليها في المادة التاسعة من قانون الإجراءات الجنائية، إن هي إلا قيود على حريتها في تحريك الدعوى الجنائية، استثناء من الأصل المقرر من أن حقها في هذا الشأن مطلق لا يرد عليه قيد إلا بنص خاص يؤخذ في تفسيره بالتضييق ولا ينصرف فيه الخطاب، البتة، إلى غيرها من جهات الاستدلال، والدعوى الجنائية لا تتحرك إلا بالتحقيق الذي تجريه النيابة العامة دون غيرها بوصفها سلطة تحقيق، سواء بنفسها أم بمن تندبه لهذا الغرض من مأموري الضبط القضائي أو برفع الدعوى أمام جهات الحكم، ولا تعتبر الدعوى قد بدأت بأي إجراء آخر تقوم به سلطات الاستدلال إذ أنه من المقرر في صحيح القانون أن إجراءات الاستدلال أياً كان من يباشرها لا تعتبر من إجراءات الخصومة الجنائية، بل هي من الإجراءات الأولية التي لا يرد عليها قيد الشارع في توقفها على الطلب أو الإذن، رجوعاً إلى حكم الأصل في الإطلاق، وتحرياً للمقصود من خطاب الشارع بالاستثناء وتحديداً لمعنى الدعوى الجنائية على الوجه الصحيح، دون ما يسبقها من الإجراءات الممهدة لنشوئها، إذ لا يملك تلك الدعوى - في الأصل - غير النيابة العامة وحدها. وإذ كان ذلك، وكانت الواقعة كما أوردها الحكم المطعون فيه - على السياق آنف الذكر - من شأنها أن تجعل الجريمة في حالة تلبس فإن الإجراءات التي قام بها مأمور الضبط القضائي، من قبض وتفتيش وسؤال للمتهم، تعد من إجراءات الاستدلال المخولة له قانوناً، ولا تعتبر من إجراءات تحريك الدعوى الجنائية التي تتوقف مباشرتها على طلب من الوزير المختص أو من ينيبه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه: تعامل في النقد الأجنبي المبين بالمحضر على غير الشروط والأوضاع المقررة قانوناً وعن غير طريق المصاريف المعتمدة أو الجهات الأخرى المرخص لها بذلك وطلبت عقابه بالمادتين 1، 14 من القانون 97 لسنة 1976 المعدل والمادة 18 من اللائحة التنفيذية الصادر بها قرار وزير الاقتصاد والتعاون الاقتصادي رقم 316 لسنة 1976 المعدل. ومحكمة الجرائم المالية الجزئية قضت بقبول الدفع ببطلان إجراءات القبض والتحقيق وببطلانها وبراءة المتهم مما أسند إليه.
استأنفت النيابة العامة، ومحكمة جنوب القاهرة الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

من حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه، أنه إذ قضى بتبرئة المطعون ضده من تهمة التعامل في النقد الأجنبي دون مراعاة الشروط والأوضاع المقررة قانوناً، قد شابه الخطأ في القانون وانطوى على مخالفة الثابت في الأوراق، ذلك بأنه استند في قضائه ذاك إلى قبول الدفع ببطلان إجراءات القبض والتفتيش وما ترتب عليها، قولاً أن الحالة لم تكن من حالات التلبس بل وقعت بفعل مأمور الضبط وتحريضه في حين أن الجريمة كانت في حالة تلبس، هذا إلى أن ما قرره الحكم من أن النيابة حركت الدعوى الجنائية قبل صدور طلب بذلك من الجهة المختصة يخالف الثابت في الأوراق من أنها لم تحرك الدعوى الجنائية وترفعها إلا بعد صدور طلب بذلك من تلك الجهة، وهو ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه، بعد أن حصل واقعة الدعوى بما يجمل في أن أحد المصادر السرية الموثوق بها، قد اتصل بالرائد.... المفتش بقسم مكافحة جرائم النقد، وأبلغه أن المطعون ضده (......) يقوم بعرض نقد أجنبي للبيع في السوق السوداء، مستغلاً في ذلك واجهة لبيع السجائر بملحه، فتوجه الضابط المذكور ومعه زميله العقيد.....، إلى حيث محل المتهم وإذ تقابلا معه، تظاهرا برغبتهما في شراء دولارات أمريكية مقابل نقد مصري، وقد قبل المتهم أن يبيعهما عشرة آلاف دولار أمريكي مقابل مائة وأربعة قروش لكل دولار، وبعد أن تسلما النقد المذكور تظاهرا بعده، وأعطيا إشارة للقوة المنتشرة، وقبضا على المتهم الذي اعترف بالتهمة وقرر بتنازله عن النقد الأجنبي المضبوط، عرض للدفعيين بعدم قبول الدعوى الجنائية لعدم تقديم طلب بتحريكها من الجهة المختصة، وببطلان القبض والتفتيش، وانتهى إلى أن الجريمة بالصورة التي أوردها في مدوناته - على السياق المتقدم - لم تكن في حالة تلبس وأنها لا تعدو أن تكون من خلق ضابط الواقعة وتحريضه، ذلك بأنه عندما انتقل إلى محل المتهم لم يجد عرضاً لنقد أجنبي أو تعاملا فيه، كما خلص الحكم المطعون فيه إلى أن إجراءات القبض على المتهم وسؤاله بمعرفة ضابط الواقعة، وبمعرفة النيابة العامة شفاهة على ظهر محضر الضبط، وقعت باطلة لأنها تمت على خلاف حكم المواد 14/ 3 من القانون رقم 97 لسنة 1976 بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبي، 8، 9 من قانون الإجراءات الجنائية. لما كان ذلك، وكانت المادتان 34، 35 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلتان بالقانون رقم 37 لسنة 1972، قد أجازتا لمأمور الضبط القضائي في أحوال التلبس بالجنايات، أو الجنح المعاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاثة أشهر، أن يقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافيه على اتهامه فإذا لم يكن حاضراً جاز لمأمور الضبط القضائي أن يصدر أمراً بضبطه وإحضاره، وكانت المادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية تجيز تفتيش المتهم في الحالات التي يجوز فيها القبض عليه قانوناً، وكان التلبس صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها، مما يبيح لمأمور الضبط القضائي الذي شاهد وقوعها، أن يقبض على المتهم الذي تقوم دلائل كافية على ارتكابه لها، وأن يجرى تفتيشه بغير إذن من النيابة العامة. وكان الحال في الدعوى أن المطعون ضده هو الذي قدم النقد الأجنبي الذي باعه للضابط، فقد قامت الدلائل الكافية على ارتكاب المطعون ضده جنحة التعامل في النقد الأجنبي عن غير طريق المصاريف المعتمدة للتعامل فيه أو الجهات المرخص لها في ذلك قانوناً، والمؤثمة بالمادتين 1، 14 من القانون رقم 97 لسنة 1976 بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبي، والمعاقب عليها بعقوبة السجن الذي لا تقل مدته عن شهر وبغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين وقيام مأموري الضبط القضائي من بعد، بالقبض على المطعون ضده، يعد إجراء مشروعاً يصح أخذ الطاعن بنتيجته، لأن تظاهر الضابطين برغبتهما في شراء النقد الأجنبي - على النحو الذي أثبته الحكم في مدوناته - ليس فيه خلق للجريمة أو تحريض عليها، كما لا يصح أن يعاب عليهما، لما هو مقرر من أن مهمة مأمور الضبط القضائي، بمقتضى المادة الحادية والعشرين من قانون الإجراءات الجنائية، الكشف عن الجرائم والتوصل إلى معاقبة مرتكبيها، فكل إجراء يقوم به في هذا السبيل يعتبر صحيحاً منتجاً لأثره، ما دام لم يتدخل في خلق الجريمة بطريق الغش والخداع أو التحريض على مقارفتها، وطالما بقيت إرادة الجاني حرة غير معدومة، ولا تثريب على مأمور الضبط القضائي في أن يصطنع في تلك الحدود من الوسائل البارعة، ما يسلس لمقصوده في الكشف عن الجريمة، ولا يتصادم مع أخلاق الجماعة - وهو الحال في الدعوى، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وجرى في قضائه على أن الجريمة هي من خلق وتحريض الضابط فلم تكن لذلك في حالة تلبس، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تأويله بما يوجب نقضه. لما كان ذلك، ولئن نصت الفقرة الثانية من المادة الرابعة عشرة من القانون رقم 97 لسنة 1976 بشأن تنظيم التعامل بالنقد الأجنبي المعدل بالقانون رقم 67 لسنة 1980 على أن "لا يجوز رفع الدعوى الجنائية بالنسبة إلى الجرائم التي ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون، أو القواعد المنفذة له، أو اتخاذ إجراء فيها، فيما عدا مخالفة المادة (2) إلا بناء على طلب الوزير المختص أو من ينيبه". إلا أن الخطاب فيها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - موجه من الشارع إلى النيابة العامة بصفتها السلطة صاحبة الولاية في الدعوى الجنائية، باعتبار أن أحوال الطلب كغيرها من أحوال الشكوى أو الإذن المنصوص عليها في المادة التاسعة من قانون الإجراءات الجنائية، إن هي إلا قيود على حريتها في تحريك الدعوى الجنائية، استثناء من الأصل المقرر من أن حقها في هذا الشأن مطلق لا يرد عليه قيد إلا بنص خاص يؤخذ في تفسيره بالتضييق ولا ينصرف فيه الخطاب، البتة، إلى غيرها من جهات الاستدلال، والدعوى الجنائية لا تتحرك إلا بالتحقيق الذي تجريه النيابة العامة دون غيرها بوصفها سلطة تحقيق، سواء بنفسها أو بمن تندبه لهذا الغرض من مأموري الضبط القضائي أو برفع الدعوى أمام جهات الحكم، ولا تعتبر الدعوى قد بدأت بأي إجراء آخر تقوم به سلطات الاستدلال إذ أنه من المقرر في صحيح القانون أن إجراءات الاستدلال أياً كان من يباشرها لا تعتبر من إجراءات الخصومة الجنائية، بل هي من الإجراءات الأولية التي لا يرد عليها قيد الشارع في توقفها على الطلب أو الإذن، رجوعاً إلى حكم الأصل في الإطلاق، وتحرياً للمقصود من خطاب الشارع بالاستثناء وتحديداً لمعنى الدعوى الجنائية على الوجه الصحيح، دون ما يسبقها من الإجراءات الممهدة لنشوئها، إذ لا يملك تلك الدعوى - في الأصل - غير النيابة العامة وحدها. وإذ كان ذلك، وكانت الواقعة كما أوردها الحكم المطعون فيه - على السياق آنف الذكر - من شأنها أن تجعل الجريمة في حالة تلبس فإن الإجراءات التي قام بها مأمور الضبط القضائي، من قبض وتفتيش وسؤال للمتهم، تعد من إجراءات الاستدلال المخولة له قانوناً، ولا تعتبر من إجراءات تحريك الدعوى الجنائية التي تتوقف مباشرتها على طلب من الوزير المختص أو من ينيبه. ولما كان الثابت مما أورده الحكم في مدوناته نقلاً عن أوراق الدعوى، أن النيابة العامة لم تباشر إجراءات التحقيق في الدعوى وتقوم برفعها أمام المحكمة المختصة، إلا بعد صدور طلب بذلك من جهة الاختصاص، فإن ما صدر عنها من ذلك يكون بمنأى عن البطلان، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى ببطلان التحقيقات قولاً أن طلبا بمباشرتها لم يكن قد صدر من الجهة المختصة - قد أقام قضاءه ذاك على ما يخالف الثابت في الأوراق مما يفسد استدلاله ويوجب نقضه والإعادة لهذا السبب أيضاً.