أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 37 - صـ 792

جلسة 22 من أكتوبر سنة 1986

برياسة السيد المستشار: محمد وجدي عبد الصمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم حسين رضوان ومحمد ممدوح سالم ومحمد رفيق البسطويسي نواب رئيس المحكمة وفتحي خليفة.

(152)
الطعن رقم 3307 لسنة 56 القضائية

(1) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
وزن أقوال الشهود. موضوعي.
أخذ المحكمة بأقوال شاهد. مفاده إطراح جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
إمساك الضابط عن ذكر مصدر تحرياته حفاظاً منه عليه وحرصاً على إخفائه، لا ينال من شهادته.
(2) إثبات "شهادة" "شهود". قانون "تفسيره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الشهادة. هي تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه.
مناط التكليف بأدائها. القدرة على تحملها. اقتضاؤها فيمن يؤديها العقل والتمييز ولو كانت على سبيل الاستدلال.
جواز رد الشاهد إذا كان غير قادر على التمييز.
المنازعة في قدرة الشاهد على التمييز. توجب على المحكمة تحقيقها للاستيثاق من قدرة الشاهد على تحمل الشهادة.
أخذ الحكم بشهادة ضرير. لا يعيبه. ما دامت لا تعتمد على الرؤية وكان الشاهد يتمتع بسائر الحواس الطبيعية.
(3) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
حق المحكمة في الأخذ برواية منقولة عن شهودها متى أنست الصدق فيها واقتنعت بصدورها عمن نقلت عنه.
(4) دستور. شريعة إسلامية. قانون "تطبيقه". إثبات "شهود" "شهادة".
النص في المادة الثانية من الدستور على أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع دعوة الشارع بالتزام ذلك فيما يستنه من قوانين.
تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية. منوط باستجابة الشارع لدعوة الدستور وإفراغ أحكامها في نصوص تشريعية محددة ومنضبطة تنقلها إلى مجال التنفيذ.
الشارع لم يقيد القاضي الجنائي في المحاكمات الجنائية بتوافر الإبصار في الشاهد. أساس ذلك؟
1- لما كان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقديرها، مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، بغير معقب ومتى أخذت بأقوال شاهد، فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، ولما كان الحكم قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال الرائد..... على النحو الذي شهد به وسطره الحكم في مدوناته، فإن النعي عليه على غير أساس، ولا ينال من شهادته أو يقدح فيها، أن يمسك عن ذكر مصدر تحرياته حفاظاً منه عليه وحرصاً على إخفائه.
2- الأصل في الشهادة، هو تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه، فهي تقتضي بداهة فيمن يؤديها القدرة على التمييز لأن مناط التكليف بأدائها، هو القدرة على تحملها، ولذا فقد أجازت المادة 82 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية، التي أحالت إليها المادة 287 من قانون الإجراءات الجنائية، رد الشاهد إذا كان غير قادر على التمييز، لهرم أو حداثة أو مرض، أو لأي سبب آخر، مما مقتضاه أنه يتعين على محكمة الموضوع، إن هي رأت الأخذ بشهادة شاهد قامت منازعة جدية حول قدرته على التمييز أو على الإدراك بالحاسة التي استمد منها شهادته، أن تحقق هذه المنازعة بلوغاً إلى غاية الأمر فيها للاستيثاق من قدرة الشاهد على تحمل الشهادة أو تمكنه منها، أو أن ترد عليها بما يفندها، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لما أثاره الدفاع في هذا الشأن بقوله "إن ما نعاه الدفاع من القول بأن الشاهد الثاني.... لا يبصر، فإن ذلك الأمر على فرض قيامه، لا يؤثر فيما يدركه الشاهد بما له من حواس أخرى لمعرفة أصحاب القطع المجاورة لأرضه والقائمين بزراعتها والمتصلين بها....." وهو من الحكم كاف وسائغ، ما دام أنه لم ينسب إلى الشاهد المذكور في مدوناته أن مصدر معلوماته هو الرؤية، وإذ كان الطاعن لا يماري في طعنه أن الشاهد يتمتع بسائر الحواس الطبيعية فلا على الحكم إن هو أخذ بشهادته، ولو كانت شهادة سماعية.
3- إن القانون لا يمنع المحكمة من الأخذ براوية منقولة عن شهودها، متى آنست الصدق فيها واقتنعت بصدورها عمن نقلت عنه.
4- لما كان ما نص عليه الدستور في المادة الثانية منه، من أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، ليس واجب الإعمال بذاته إنما هو دعوة للشارع كي يتخذ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، فيما يستنه من قوانين فإن أحكام الشريعة الغراء، لا تكون واجبة التطبيق بالتعويل على نص الدستور بادي الذكر إلا إذا استجاب الشارع لدعوته وأفرغ هذه الأحكام في نصوص تشريعية محددة ومنضبطة فنقلها إلى مجال العمل والتطبيق، وإذ كان الشارع لم يقيد القاضي الجنائي في المحاكمات الجنائية بتوافر الإبصار في الشاهد، وإنما ترك له حرية تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه مادام أن له مأخذه الصحيح من الأوراق، فإن تعويل الحكم المطعون فيه - ضمن ما عول عليه - على شهادة شاهد لا يبصر، لا تكون منه مخالفة القانون.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: زرع وحاز بقصد الاتجار نبات ممنوعة زراعته (خشخاش) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وأحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. ومحكمة جنايات أسيوط قضت حضورياً عملاً بالمواد 28، 24/ب و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 والبند من الجدول رقم 5 الملحق بالقانون الأول بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات وغرامة ثلاثة آلاف جنيه والمصادرة.
فطعن المحكوم عليه في الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه، أنه إذ دانه بجريمة زراعة نبات الخشخاش بقصد الاتجار في غير الأحوال المصرح به قانوناً، قد شابه الفساد في الاستدلال، والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن المحكمة عولت على شهادة الرائد.... الذي لم يكشف عن مصدر تحرياته حتى يتأتى للمحكمة التحقق منها والاطمئنان إليها، كما استندت إلى أقوال الشاهد... رغم أنه ضرير، مما يجعل شهادته سماعية وليست شهادة رؤية يقينية، هذا إلى أن الشريعة الإسلامية تشترط في الشاهد أن يكون مبصراً كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه، بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقديرها، مرجعه إلى محكمة الموضوع، تنزله المنزلة التي تراها، وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، بغير معقب ومتى أخذت بأقوال شاهد، فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، ولما كان الحكم قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال الرائد.... على النحو الذي شهد به وسطره الحكم في مدوناته، فإن النعي عليه يكون على غير أساس، ولا ينال من شهادته أو يقدح فيها، أن يمسك عن ذكر مصدر تحرياته حفاظاً منه عليه وحرصاً على إخفائه. لما كان ذلك، وكان الأصل في الشهادة، هو تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه، فهي تقتضي بداهة فيمن يؤديها القدرة على التمييز لأن مناط التكليف بأدائها، هو القدرة على تحملها، ولذا فقد أجازت المادة 82 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية، التي أحالت إليها المادة 287 من قانون الإجراءات الجنائية، رد الشاهد إذا كان غير قادر على التمييز، لهرم أو حداثة أو مرض، أو لأي سبب آخر، مما مقتضاه أنه يتعين على محكمة الموضوع، إن هي رأت الأخذ بشهادة شاهد قامت منازعة جدية حول قدرته على التمييز أو على الإدراك بالحاسة التي استمد منها شهادته، أن تحقق هذه المنازعة بلوغاً إلى غاية الأمر فيها للاستيثاق من قدرة الشاهد على تحمل الشهادة أو تمكنه منها، أو أن ترد عليها بما يفندها، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لما أثاره الدفاع في هذا الشأن بقوله "إن ما نعاه الدفاع من القول بأن الشاهد الثاني... لا يبصر، فإن ذلك الأمر على فرض قيامه، لا يؤثر فيما يدركه الشاهد بما له من حواس أخرى لمعرفة أصحاب القطع المجاورة لأرضه والقائمين بزراعتها والمتصلين بها...." وهو من الحكم كاف وسائغ، ما دام أنه لم ينسب إلى الشاهد المذكور في مدوناته أن مصدر معلوماته هو الرؤية، وإذ كان الطاعن لا يماري في طعنه أن الشاهد يتمتع بسائر الحواس الطبيعية فلا على الحكم إن هو أخذ بشهادته، ولو كانت شهادة سماعية. لما هو مقرر من أن القانون لا يمنع المحكمة من الأخذ براوية منقولة عن شهودها، متى آنست الصدق فيها واقتنعت بصدورها عمن نقلت عنه، ولو نفى الأخير الإدلاء بها إلى غيره من شهود. لما كان ذلك، وكان ما نص عليه الدستور في المادة الثانية منه، من أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، ليس واجب الإعمال بذاته إنما هو دعوة للشارع كي يتخذ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، فيما يستنه من قوانين فإن أحكام الشريعة الغراء، لا تكون واجبة التطبيق بالتعويل على نص الدستور بادي الذكر إلا إذا استجاب الشارع لدعوته وأفرغ هذه الأحكام في نصوص تشريعية محددة ومنضبطة فنقلها إلى مجال العمل والتطبيق، وإذ كان الشارع لم يقيد القاضي الجنائي في المحاكمات الجنائية بتوافر الإبصار في الشاهد، وإنما ترك له حرية تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه ما دام أن له مأخذه الصحيح من الأوراق، فإن تعويل الحكم المطعون فيه - ضمن ما عول عليه - على شهادة شاهد لا يبصر، لا تكون منه مخالفة للقانون. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.