أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 44 - صـ 703

جلسة 15 من سبتمبر سنة 1993

برئاسة السيد المستشار/ ناجي اسحق نقديموس نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ أحمد عبد الرحمن وإبراهيم عبد المطلب وأحمد عبد الباري سليمان وحسين الجيزاوي نواب رئيس المحكمة.

(110)
الطعن رقم 2605 لسنة 62 القضائية

(1) دستور. قانون "إلغاؤه" "الإلغاء الضمني للقانون".
وجوب التزام التشريعات النزول على أحكام الدستور. بوصفه التشريع الوضعي الاسمي وإلا تعين إهدارها. سواء كانت سابقة أو لاحقة على العمل به. علة ذلك؟
(2) دستور. قبض. تفتيش "التفتيش بغير إذن". تلبس. قانون "تفسيره".
ورود قيد على الحرية الشخصية غير جائز. إلا في حالة من حالات التلبس أو بإذن من السلطة القضائية المختصة المادة 41/ 1 من الدستور.
المقصود بعبارة "وفقاً لأحكام القانون" الواردة بالمادة 41 من الدستور؟
النص في المادة 41 من الدستور. بعدم جواز القبض والتفتيش إلا في الحالات المبينة به حكم قابل للإعمال بذاته.
نص المادة 191 من الدستور. مؤداها؟
(3) دستور. قانون "تفسيره" "إلغاؤه". مأمورو الضبط القضائي. تلبس. تفتيش "التفتيش بغير إذن".
نص المادة 49 إجراءات. مخالف للمادة 41 من الدستور. مؤدى ذلك: اعتبار هذا النص منسوخاً ضمناً بقوة الدستور من تاريخ العمل بأحكامه.
(4) تلبس. جريمة. مأمورو الضبط القضائي. تفتيش "التفتيش بغير إذن". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها" "حالات الطعن. مخالفة القانون" "نظره والحكم فيه".
حالة التلبس تستوجب تحقق مأمور الضبط القضائي من قيام الجريمة بمشاهدتها بنفسه أو إدراكها بحاسة من حواسه.
تعويل الحكم المطعون فيه في إدانة الطاعن على الدليل المستمد من تفتيشه الباطل المستند لحكم المادة 49 إجراءات رغم نسخها بالمادة 41 من الدستور. خطأ في القانون.
حجب الخطأ الحكم المطعون فيه عن تقدير ما قد يوجد في الدعوى من أدلة أخرى يوجب أن يكون مع النقض الإعادة.
1 - من المقرر أن الدستور هو القانون الوضعي الاسمي صاحب الصدارة فإن على ما دونه من التشريعات النزول عند أحكامه. فإذا ما تعارضت هذه وتلك وجب التزام أحكام الدستور وإهدار ما سواها، فإذا ما أورد الدستور نصاً صالحاً بذاته للإعمال بغير حاجة إلى سن تشريع أدنى لزم إعمال هذا النص في يوم العمل به، ويعتبر الحكم المخالف له في هذه الحالة، سواء كان سابقاً أو لاحقاً على العمل بالدستور، قد نسخ ضمناً بقوة الدستور نفسه، لما هو مقرر من أنه لا يجوز لسلطة أدنى في مدارج التشريع أن تلغى أو تعدل أو تخالف تشريعاً صادراً من سلطة أعلى، فإذا فعلت السلطة الأدنى ذلك تعين على المحكمة أن تلتزم تطبيق التشريع صاحب السمو والصدارة ألا وهو الدستور، إذا كان نصه قابلاً للإعمال بذاته، وإهدار ما عداه من أحكام متعارضة معه أو مخالفة له إذ تعتبر منسوخة بقوة الدستور.
2 - لما كانت المادة 41/ 1 من الدستور قد نصت على أن "الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة وذلك وفقاً لأحكام القانون". وكان مؤدى هذا النص أن أي قيد يرد على الحرية الشخصية بوصفها حقاً طبيعياً من حقوق الإنسان، يستوي في ذلك أن يكون القيد قبضاً أو تفتيشاً أو حبساً أو منعاً من التنقل أو كان دون ذلك من القيود، لا يجوز إجراؤه إلا في حالة من حالات التلبس كما هو معرف قانوناً، أو بإذن من السلطات القضائية المختصة، ولا يغير من ذلك عبارة "وفقاً لأحكام القانون" التي وردت في نهاية تلك المادة، بعد إيرادها الحالتين اللتين يجوز فيهما القبض والتفتيش على السياق المتقدم، لأن هذه العبارة لا تعني تفويض الشارع العادي في إضافة حالات أخرى تبيح القبض على الشخص وتفتيشه، والقول بغير ذلك يفضي إلى إمكان تعديل نص وضعه الشارع الدستوري بإرادة الشارع القانوني وهو ما لا يفيده نص المادة 41 من الدستور، وإنما تشير عبارة "وفقاً لأحكام القانون" إلى الإحالة إلى القانون العادي في تحديد الجرائم التي يجوز فيها صدور الأمر بالقبض على الشخص وتفتيشه وبيان كيفية صدوره إلى غير ذلك من الإجراءات التي يتم بها القبض والتفتيش. لما كان ذلك، فإن ما قضى به الدستور في المادة 41 منه من عدم جواز القبض والتفتيش في غير حالة التلبس إلا بأمر يصدر من القاضي المختص أو النيابة العامة وفقاً لأحكام القانون، يكون حكماً قابلاً للإعمال بذاته، وما نصت عليه المادة 191 من الدستور من أن "كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور يبقى صحيحاً ونافذاً ومع ذلك يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في هذا الدستور لا ينصرف حكمها بداهة إلا إلى التشريع الذي لم يعتبر ملغياً أو معدلاً بقوة نفاذ الدستور ذاته بغير حاجة إلى تدخل من الشارع القانوني.
3 - من المقرر أن مفاد ما قضى به نص المادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية من تخويل مأمور الضبط القضائي الحق في تفتيش الشخص إذا ما قامت ضده أثناء تفتيش منزل المتهم قرائن قوية على أنه يخفي معه شيئاً يفيد في كشف الجريمة دون أن يصدر أمر قضائي ممن يملك سلطة إصداره أو أن تتوافر في حقه حالة التلبس يخالف حكم المادة 41 من الدستور على السياق المتقدم فإن المادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية تعتبر منسوخة ضمناً بقوة الدستور نفسه منذ تاريخ العمل بأحكامه دون تربص صدور قانون أدنى ولا يجوز الاستناد إليها في إجراء القبض والتفتيش منذ ذلك التاريخ.
4 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن حالة التلبس تستوجب أن يتحقق مأمور الضبط القضائي من قيام الجريمة بمشاهدتها بنفسه أو إدراكها بحاسة من حواسه وكانت الواقعة كما أوردها الحكم المطعون فيه ليس فيها ما يدل على أن الجريمة شوهدت في حالة من حالات التلبس المبينة على سبيل الحصر بالمادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية كما خلت أيضاً من بيان أن أمر القبض على الطاعن وتفتيشه قد صدر من جهة الاختصاص وكان الحكم المطعون فيه قد عول في قضائه بإدانة الطاعن على الدليل المستمد من تفتيشه الباطل لإجرائه استناداً إلى حكم المادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية بقالة قيام قرائن قوية ضده، أثناء وجوده بمنزلٍ مأذونٍ بتفتيشه، على أنه يخفي معه شيئاً يفيد في كشف الحقيقة، رغم أنها نُسخت بالمادة 41/ 1 من الدستور، فإنه يكون قد خالف القانون، بعدم استبعاده الدليل المستمد من ذلك الإجراء الباطل، وهو ما حجبه عن تقدير ما قد يوجد بالدعوى من أدلة أخرى.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه - حاز بقصد الاتجار مخدراً (حشيش) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وأحالته إلى محكمة جنايات القاهرة لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1، 2، 3/ 1، 38، 42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل والبند 57 من الجدول رقم 1 الملحق المعدل بقرار وزير الصحة رقم 295 لسنة 1959 بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمه ألف جنيه ومصادرة المخدر المضبوط، باعتبار أن الإحراز مجردَُ من القصود.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

من حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إحراز جوهر مخدر بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي وفي غير الأحوال المصرح بها قانوناً، قد شابه قصور في التسبيب، ذلك بأن المدافع عن الطاعن دفع بطلان القبض والتفتيش لأنهما تما استناداً إلى أحكام المادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية التي نسخت بالمادة 41 من الدستور، إلا أن الحكم لم يعرض لهذا الدفع إيراداً له ورداً عليه، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله إنها "تتحصل في أن التحريات التي أجراها الرائد....... الضابط بقسم مكافحة مخدرات القاهرة دلت على أن....... "سبق محاكمته" يزاول نشاطاً غير مشروع ويحرز ويحوز مواد مخدرة يحتفظ بها بمنزله أو بمحل عصير فواكه مملوك له وسطر تحرياته بمحضر عرض على النيابة العامة التي بعد أن اطمأنت إليها - أذنت له بضبط وتفتيش...... لضبط ما يحرزه أو يحوزه من مواد مخدرة، وتنفيذاً للإذن الصادر من النيابة العامة قام الرائد....... وصحبته قوة من رجال الشرطة السريين والمقدم...... بالانتقال إلى مسكن ومحل المأذون بتفتيشه، وتوجه المقدم....... إلى المحل وهو إلى مسكنه حيث وجد المأذون بتفتيشه داخله يجلس على كنبة بلدي بحجرة على يسار الداخل وأمامه المتهم....... يقوم بعد مبلغ من النقود "635 جنيهاً" ويسلمه للمأذون بتفتيشه فقام بالقبض على الأخير وبيده المبلغ النقدي الذي سلمه له المتهم...... وكذلك على الأخير وبسؤال الأخير عن سبب وجوده صحبة المأذون بتفتيشه بمسكنه بدت عليه علامات الارتباك ولم يقدم له مبرراً مقبولاً، وبسؤاله عما يثبت شخصيته زاد ارتباكه فقام الضابط بتفتيشه فعثر بجيب الصديري الذي يرتديه أسفل جلبابه البلدي على كيس من النايلون الشفاف عليه لاصق بداخله طربتان بقماش دمور أبيض لمادة يشتبه أن تكون حشيشاً، كما عثر بالجيب الأيسر لذات الصديري على طربتين أخرتين من ذات قماش الطربتين الأخيرتين بها مادة يشتبه أن تكون لمخدر الحشيش فضبطها، وبعرض المضبوطات على المتهم اعترف له بإحرازها وأنه قام بشرائها من المأذون بتفتيشه، وأثبت تقرير المعامل الكيماوية أن المادة المضبوطة تزن 1290.1 جم وثبت من تحليلها أنها لمخدر الحشيش". ويبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن دفع ببطلان القبض عليه وتفتيشه لأنهما تما إعمالاً لحكم المادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية التي نُسخت بنص المادة 41 من الدستور. لما كان ذلك، وكان الدستور هو القانون الوضعي الاسمي صاحب الصدارة فإن على ما دونه من التشريعات النزول عند أحكامه. فإذا ما تعارضت هذه وتلك وجب التزام أحكام الدستور وإهدار ما سواها، فإذا ما أورد الدستور نصاً صالحاً بذاته للإعمال بغير حاجة إلى سن تشريع أدنى لزم إعمال هذا النص في يوم العمل به، ويعتبر الحكم المخالف له في هذه الحالة، سواء كان سابقاً أو لاحقاً على العمل بالدستور، قد نسخ ضمناً بقوة الدستور نفسه، لما هو مقرر من أنه لا يجوز لسلطة أدنى في مدارج التشريع أن تلغي أو تعدل أو تخالف تشريعاً صادراً من سلطة أعلى، فإذا فعلت السلطة الأدنى ذلك تعين على المحكمة أن تلتزم تطبيق التشريع صاحب السمو والصدارة ألا وهو الدستور، إذا كان نصه قابلاً للإعمال بذاته، وإهدار ما عداه من أحكام متعارضة معه أو مخالفة له إذ تعتبر منسوخة بقوة الدستور. لما كان ذلك، وكانت المادة 41/ 1 من الدستور قد نصت على أن "الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة وذلك وفقاً لأحكام القانون". وكان مؤدى هذا النص أن أي قيد يرد على الحرية الشخصية بوصفها حقاً طبيعياً من حقوق الإنسان، يستوي في ذلك أن يكون القيد قبضاً أو تفتيشاً أو حبساً أو منعاً من التنقل أو كان دون ذلك من القيود، لا يجوز إجراؤه إلا في حالة من حالات التلبس كما هو معرف قانوناً، أو بإذن من السلطات القضائية المختصة، ولا يغير من ذلك عبارة "وفقاً لأحكام القانون" التي وردت في نهاية تلك المادة، بعد إيرادها الحالتين اللتين يجوز فيهما القبض والتفتيش على السياق المتقدم، لأن هذه العبارة لا تعني تفويض الشارع العادي في إضافة حالات أخرى تبيح القبض على الشخص وتفتيشه، والقول بغير ذلك يفضي إلى إمكان تعديل نص وضعه الشارع الدستوري بإرادة الشارع القانوني وهو ما لا يفيده نص المادة 41 من الدستور، وإنما تشير عبارة "وفقاً لأحكام القانون" إلى الإحالة إلى القانوني العادي في تحديد الجرائم التي يجوز فيها صدور الأمر بالقبض على الشخص وتفتيشه وبيان كيفية صدوره إلى غير ذلك من الإجراءات التي يتم بها القبض والتفتيش. لما كان ذلك، فإن ما قضى به الدستور في المادة 41 منه من عدم جواز القبض والتفتيش في غير حالة التلبس إلا بأمر يصدر من القاضي المختص أو النيابة العامة وفقاً لأحكام القانون، يكون حكماً قابلاً للإعمال بذاته، وما نصت عليه المادة 191 من الدستور من أن "كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور يبقى صحيحاً ونافذاً ومع ذلك يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في هذا الدستور لا ينصرف حكمها بداهة إلا إلى التشريع الذي لم يعتبر ملغياً أو معدلاً بقوة نفاذ الدستور ذاته بغير حاجة إلى تدخل من الشارع القانوني. لما كان ذلك، وكان مفاد ما قضى به نص المادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية من تخويل مأمور الضبط القضائي الحق في تفتيش الشخص إذا قامت ضده أثناء تفتيش منزل المتهم قرائن قوية على أنه يخفي معه شيئاً يفيد في كشف الحقيقة، دون أن يصدر أمر قضائي ممن يملك سلطة إصداره، أو أن تتوافر في حقه حالة التلبس يخالف حكم المادة 41 من الدستور على السياق المتقدم، فإن المادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية تعتبر منسوخة ضمناً بقوة الدستور نفسه منذ تاريخ العمل بأحكامه دون تربص صدور قانون أدنى، ولا يجوز الاستناد إليها في إجراء القبض والتفتيش منذ ذلك التاريخ. لما كان ذلك، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن حالة التلبس تستوجب أن يتحقق مأمور الضبط القضائي من قيام الجريمة بمشاهدتها بنفسه أو إدراكها بحاسة من حواسه، وكانت الواقعة كما أوردها الحكم المطعون فيه ليس فيها ما يدل على أن الجريمة شوهدت في حالة من حالات التلبس المبينة على سبيل الحصر بالمادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية، كما خلت أيضاً من بيان أن أمرا بالقبض على الطاعن وتفتيشه قد صدر من جهة الاختصاص وكان الحكم المطعون فيه قد عّول في قضائه بإدانة الطاعن على الدليل المستمد من تفتيشه الباطل، لإجرائه استناداً إلى حكم المادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية بقالة قيام قرائن قوية ضده، أثناء وجوده بمنزلٍ مأذونٍ بتفتيشه، على أنه يخفي معه شيئاً يفيد في كشف الحقيقة، رغم أنها نُسخت بالمادة 41/ 1 من الدستور، فإنه يكون قد خالف القانون، بعدم استبعاده الدليل المستمد من ذلك الإجراء الباطل، وهو ما حجبه عن تقدير ما قد يوجد بالدعوى من أدلة أخرى، بما يوجب نقضه والإعادة، دون حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.