مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1992 إلى آخر سبتمبر سنة 1992) - صـ 1976

(214)
جلسة 26 من يوليو سنة 1992

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد عبد الغني حسن، وأحمد شمس الدين خفاجي وأحمد عبد العزيز أبو العزم ود. منيب محمد ربيع - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 1533 لسنة 36 القضائية

* أكاديمية الشرطة - طلاب - تأديب.
* م 14 من القانون 91 لسنة 1975 بإنشاء أكاديمية الشرطة - م 15، 20، 21 من اللائحة الداخلية لأكاديمية الشرطة.
* الجزاءات المنصوص عليها في المادة 20 من اللائحة الداخلية لأكاديمية الشرطة جميعها تكون نهائية ونافذة بمجرد توقيعها من السلطة المختصة بتوقيعها - عقوبة الفصل الصادر بها قرار من المحكمة العسكرية المشكلة وفقاً لأحكام المادة 14 من القانون رقم 91 لسنة 1975 تكون نافذة ونهائية ولا تخضع لتصديق وزير الداخلية - عقوبة الفصل الصادر بها قرار مسبب من مجلس إدارة الأكاديمية وفقاً لأحكام المادة 15 من ذات القانون لا تنفذ إلا بعد تصديق وزير الداخلية - أساس ذلك: أن وزير الداخلية هو الرئيس الأعلى للأكاديمية - تبعية الأكاديمية لوزارة الداخلية والرئاسة العليا لوزير الداخلية هي التي تجعل لصاحبها التعقيب على أي قرار صادر بالمساءلة التأديبية لأي طالب يتولى الدراسة في إطار الأكاديمية.
تقدير الجزاء التأديبي يتوقف على نوعية المخالفة وكذلك على شخص وصفة من ارتكبها ومكان وزمان وقوعها - مؤدى ذلك: أن السلوك غير المنضبط الذي يقع من طالب بكلية تدرس لطلبتها العلم فحسب يكون شديد الخطورة إذا ارتكبه بكلية تخضع للنظام العسكري مثل كلية الشرطة التي تدرس بها العلوم القانونية والعلوم الشرطية - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 28 من مارس سنة 1990 أودع الأستاذ الدكتور/ محمد عصفور المحامي عن....... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري - دائرة منازعات الأفراد والهيئات - بجلسة 13 من مارس سنة 1990 في الدعوى رقم 4761 لسنة 43 قضائية المقامة من الطاعن ضد المطعون ضدهما والذي قضى بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً مع إلزام المدعي بالمصروفات.
وطلب الطاعن بصفة مستعجلة الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المطعون ضدهما المصروفات والأتعاب.
وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهما على الوجه المبين بالأوراق.
وقدم السيد الأستاذ المستشار/ عادل الشربيني مفوض الدولة تقرير هيئة مفوضي الدولة في الطعن وارتأى فيه للأسباب الواردة به الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات عن الدرجتين.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 25 من يونيو سنة 1990 وتداولت نظرة بالجلسات على النحو المبين بمحاضرها وبجلسة الثالث من يونيو لسنة 1991 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة حيث نظرته بجلسة السادس من يوليو سنة 1991 وتداولت نظره بالجلسات حتى قررت بجلسة السابع من يوليو سنة 1992 إصدار الحكم في الطعن بجلسة الخامس من يوليو سنة 1992 م ثم قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم الأحد 26/ 7/ 1992 لإتمام المداولة وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه فور النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية ومن ثم فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه في الثاني من مايو سنة 1989 أقام المدعي "الطاعن" الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه بطلب الحكم بوقف تنفيذه ثم إلغاء قرار المجلس العسكري بفصله من كلية الشرطة وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليها المصروفات والأتعاب على سند من القول بأنه في 26 من يناير سنة 89 وفي فترة إجازة نصف العام الدراسي بفندق سميراميس وقعت مشادة كلامية بينه وبين السيدة/ ......... المحررة بجريدة الأحرار وقد حرر محضر صلح بشرطة السياحة بالفندق المذكور أنكر فيه الطالب جميع الأقوال التي نسبتها إليه المحررة ومنها ما زعمته من أنه ادعى أنه ضابط شرطة بالإرهاب الدولي وقد أرسلت الإدارة العامة لشرطة السياحة مذكرة إلى الكلية بما نسب زورا إلى الطالب ودون تحقيق فقامت الكلية في السادس من فبراير سنة 1989 بمجازاته بالعزل من رتبة صف ضابط وحجزه حجزاً انفرادياً لمدة عشرة أيام....." وفي التاسع من مارس سنة 1989 كان الطالب مع زملائه يوم إجازته الأسبوعية بفندق شبرد وقد انصرف زملاؤه وبقى هو لدفع الحساب وعند خروجه عقب ذلك اعترضه مسئول الأمن بالفندق وذلك بشارع عبد القادر حرب المجاور للفندق وطلب منه إبراز تحقيق الشخصية ورفض الطالب بعد إفهامه أنه طالب بكلية الشرطة فتعدى عليه مسئول الأمن وسب والديه مما اضطر الطالب لرد الاعتداء وتم تحرير محضر إداري بقسم قصر النيل حرره ضابط السياحة بفندق شبرد اعترف فيه مسئول الأمن بتعديه على الطالب وبأن ذلك كان بالشارع وليس بالفندق ومع ذلك أرسلت شرطة السياحة مذكرة أخرى إلى الكلية مغايرة لما ورد بالمحضر من أقوال فقامت الكلية بالتحقيق مع الطالب وفي 27 من مارس سنة 1989 م وقعت على الطالب جزاء آخر بالحجز الانفرادي لمدة 14 يوماً. ثم أرسلت الإدارة العامة لشرطة السياحة تقريراً آخر إلى مكتب وزير الداخلية أرسله بدوره إلى الكلية للاستفسار عما اتخذ من إجراءات مع الطالب فقررت الكلية بأنه تمت معاقبة الطالب عن الواقعتين وأنه نفذ العقوبتين غير أن المكتب الفني للوزير طلب محاكمة الطالب عسكرياً عن ذات الواقعتين تنفيذاً لتأشيرة السيد الوزير بأن "يحاكم ولا يصلح" وتنفيذاً لذلك تمت محاكمته وفصله.
ونعى الطالب على القرار المطعون فيه مخالفته للقانون لسبق مجازاته عن ذات الواقعتين اللتين نسبتا إليه وعليه فإنه ما كان يجوز محاكمته تأديبياً عنهما فضلاً عن أن الواقعتين غير ثابتتين وأن الطالب كان مجنياً عليه فيهما.
وردت جهة الإدارة على الدعوى بمذكرة طلبت فيها رفضها لأن محاكمة المدعي تتفق وصحيح حكم القانون لما لوزير الداخلية من ولاية التعقيب على القرارات التي تصدرها السلطة التأديبية بوزارة الداخلية.
وبجلسة 13 من مارس سنة 1983 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه استناداً إلى أن وقائع المنازعة تخلص حسبما يبين من الأوراق في أنه صدر قرار مدير كلية الشرطة رقم (8) لسنة 1989 متضمناً إحالة الطالب "الطاعن" إلى المحاكمة العسكرية أمام المحاكم العسكرية بكلية الشرطة لمخالفته لقواعد الضبط والربط ومقتضيات النظام العسكري المنصوص عليه في المادة (116) من قانون الأحكام العسكرية رقم (25) لسنة 1966 وذلك لأنه أتى سلوكاً معيباً متعارض وكونه طالب في كلية الشرطة بإتيانه تصرفات من شأنها أن تضعه موضع الشك والريب وتمس سمعته وتسئ إلى هيئة الشرطة باعتباره رمزاً لها وأن التهمتين المنسوبتين إلى المدعي ثابتتان في حقه، إذ اعترف المدعي بإدانته في جريمة انتحال شخصية ضابط شرطة وكذا إتيانه سلوكيات معيبة واستهتاره بالقيم بأن وضع نفسه موضع الشبهات بوجوده، بالأدوار السكنية بفندق شبرد الأمر الذي أدى إلى صدور حكم الفصل من الكلية مستنداً إلى صحيح سببه ودون أن يحول وسلامته القول بتكرار الجزاء عن ذات الواقعتين لأن المحاكمة اللاحقة كانت بناء على أمر وزير الداخلية بما له من ولاية التعقيب على القرارات التأديبية وإذ لم يرتض المدعي المحكوم برفض دعواه هذا القضاء فقد أقام الطعن الماثل استناداً إلى الأسباب الآتية:
1 - مخالفة القانون إذ من المبادئ القضائية المستقرة عدم جواز معاقبة الشخص عن الذنب الواحد مرتين بعقوبتين أصليتين ما لم ينص القانون على جواز الجمع بينهما.
2 -القصور في التسبيب ذلك أن الحكم المطعون فيه لم يثبت منه أن التهمتين المنسوبتين للطاعن قد ثبتتا في حقه على وجه القطع واليقين.
3 - الغلو في الجزاء إذ يبدو عدم التناسب الظاهر بين عقوبة الفصل وبين الاتهامين المنسوبين للطاعن.
ومن حيث إنه عن وجه النعي الأول على الحكم المطعون فيه والمتمثل في القول بتكرار الجزاء عن ذات المخالفتين فإنه من حيث إن القانون رقم 91 لسنة 1975 بإنشاء أكاديمية الشرطة قد نص في المادة (14) على أن "يخضع طلبة كلية الشرطة وكلية الضباط المتخصصين لقانون الأحكام العسكرية في حدود أحكام هذا القانون ويتولى تأديبهم ومحاكمتهم محكمة عسكرية تشكل بقرار من مدير الأكاديمية.
وتحدد اللائحة الداخلية الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على طلاب الأكاديمية وسلطة توقيعها وتنص المادة (15) من ذات القانون على أن "يفصل الطالب من الأكاديمية في الحالات الآتية: -
1 - ثبوت عدم صلاحيته خلال فترة الاختبار.
2 - تغيبه عن الدراسة مدة 15 يوم متتالية بدون عذر.
3 - فقده أي شرط من شروط القبول بالأكاديمية.
4 - إذا رسب الطالب بكلية الشرطة أكثر من مرة في السنة الدراسية الواحدة.
5 - الحكم علية من المحكمة العسكرية المشكلة طبقاً للمادة 14 من هذا القانون.
6 - بناء على اقتراح مدير الأكاديمية لأسباب تتعلق بالصالح العام.
7 - إذا حصل الطالب على أقل من 50% من درجات السلوك والمواظبة.
وفيما عدا الحالة المنصوص عليها في البند (5) من هذه المادة يكون الفصل بقرار مسبب من مجلس إدارة الأكاديمية ولا ينفذ إلا بعد تصديق وزير الداخلية عليه.
ومن حيث إن اللائحة الداخلية لأكاديمية الشرطة قد صدرت بقرار وزير الداخلية رقم 864/ 76 ونص في المادة (20) على بيان الجزاءات التي يجوز توقيعها على الطلبة وهي: -
1 - التكدير على انفراد أبو بحضور طلبة الفصل أو الفرقة، أو طلبة القسم كلهم.
2 - التكليف بخدمات إضافية على ألا تتجاوز خمس خدمات في الشهر الواحد.
3 - الحرمان من الخروج أيام العطلات الأسبوعية والرسمية ويترتب على هذا الجزاء خصم ربع درجة من درجات السلوك عن كل أسبوع.
4 - الخصم من الدرجات المخصصة للسلوك أو المواظبة.
5 - الحجز على انفراد مدة لا تزيد على شهر ويترتب على الحجز خصم نصف درجة من درجات السلوك عن كل يوم بما لا يجاوز خمس عشرة درجة والعزل بالنسبة لضباط الصف.
6 - حرمان ضابط الصف من درجته أو تنزيله إلى درجة أدنى أو عزله.
7 - إلغاء الامتحان في مادة أو أكثر.
8 - الحرمان من التقدم للامتحان دوراً أو دورين بالنسبة لمواد الشرطة ومن التقدم لامتحان المواد القانونية كلها أو بعضها أو أحد هذين الجزائين وفي جميع الأحوال يجوز اعتبار الحرمان بمثابة رسوب.
9 - الفصل من الأكاديمية.
وقد حددت اللائحة في المادة (21) السلطات التأديبية المختصة بتوقيع الجزاءات المنصوص عليها في المادة السابقة فنصت على أن "يختص بتوقيع الجزاءات التأديبية المشار إليها في المادة السابقة.
أولاً: - المحكمة العسكرية ولها توقيع كل الجزاءات.
ثانياً: - مدير الأكاديمية وله توقيع كل الجزاءات من 1: 7 بحد أقصى قدره واحد وعشرون يوماً فيما يتعلق بعقوبة الحجز الانفرادي.
ومن حيث إن مفاد ما تقدم أن الجزاءات المنصوص عليها في المادة (20) من اللائحة الداخلية لأكاديمية الشرطة جميعها تكون نهائية ونافذة بمجرد توقيعها من السلطة المختصة بتوقيعها كما أن عقوبة الفصل الصادر بها قرار من المحكمة العسكرية المشكلة وفقاً لأحكام المادة 14 من القانون رقم 91 لسنة 1975 تكون نافذة ونهائية ولا تخضع لتصديق وزير الداخلية أما عقوبة الفصل الصادر بها قرار مسبب من مجلس إدارة الأكاديمية وفقاً لأحكام المادة 15 من ذات القانون فهي وحدها التي لا تنفذ إلا بعد تصديق وزير الداخلية.
ومن حيث إن هذه السلطة التي قررها المشرع للوزير بالنسبة لعقوبة الفصل قد خولها للوزير باعتباره الرئيس الأعلى لأكاديمية الشرطة وفقاً لنص المادة (1) من القانون رقم 91 لسنة 1975 بإنشاء أكاديمية الشرطة الذي قضى بأن تنشأ أكاديمية الشرطة بوزارة الداخلية وتتولى إعداد ضباط الشرطة والقيام بالدراسات التخصصية والعليا وإجراء الأبحاث العلمية والتطبيقية في علوم الشرطة ومجالات عملها وكذلك تدريب ضباط الشرطة ويكون وزير الداخلية هو الرئيس الأعلى للأكاديمية وهذه التبعية للأكاديمية لوزارة الداخلية والرئاسة العليا لوزير الداخلية هي التي تجعل لصاحبها التعقيب على أي قرار صادر بالمساءلة التأديبية لأي طالب يتولى الدراسة في إطار الأكاديمية خاصة وأن الدارسين بها يخضعون لقانون الأحكام العسكرية عملاً بنص المادة (14) من ذلك القانون التي تنص على أن يخضع طلبة كلية الشرطة وكلية الضباط المتخصصين لقانون الأحكام العسكرية في حدود أحكام هذا القانون.
ووزير الداخلية بحكم مسئوليته عن الأمن العام في البلاد وباعتباره الرئيس الإداري الأعلى لوزارته يتولي رسم سياستها في حدود السياسة العامة للدولة ويقوم بتنفيذها طبقاً للمادة 157 من الدستور قد أناط به قانون أكاديمية الشرطة التي تعد ضباط الشرطة العاديين والمتخصصين الرئاسة العليا لها ليتمكن من خلال هذه الرئاسة العليا بما تتيح له من إشراف ورقابة تنفيذ السياسة العامة للأمن العام التي يلزمها إعداد وتخريج أجيال عميقة الانتماء لوطنها مؤمنة برسالتها في تحقيق الأمن للمواطنين رفيعة الأخلاق ومنضبطة السلوك ومتفانية في أداء الواجب لوجه الله والوطن كما أنهم بحسب التنظيم القانوني لأكاديمية الشرطة سوف يتخرجون حتماً ضباطاً للشرطة ويعملون بوزارة الداخلية تحت رئاسته العليا.
ومن حيث إنه بناء على هذه الأصول العامة في تحديد العلاقة بين أكاديمية الشرطة ووزارة الداخلية ووزير الداخلية ومسئوليته عنها وعن الإشراف العام عليها فإنه كما نظم القانون الالتحاق بالأكاديمية وجعل للوزير الإشراف على من يقبلون فيها واعتماد قرار الإلحاق فإنه أيضاً جعل له الرقابة والإشراف على فصلهم إدارياً بقرار من مجلس إدارة الأكاديمية لعدم الصلاحية طبقاً للمادة (15) من قانون الأكاديمية سالف البيان وبالتالي فكما أن للوزير حق اعتماد قرار الفصل المسبب معقباً عليه فإن له أيضاً أن يقدر أن أفعالاً معينة من طالب محدد لم تلق الجزاء أو العقوبة أو تواجه بالإجراء الذي يحقق الصالح العام والرعاية الواجبة لتأهيل وتكوين ضابط الشرطة المؤتمن على حياة وأعراض وأموال المواطنين والأجانب على أرض مصر بعد تخرجه وله أن يعقب على ما تم طالباً اتخاذ الإجراء المحقق للصالح العام ويؤكد ذلك أن التنظيم القانوني للسلطة الرئاسية يشمل أصلاً مباشرتها للسلطة التأديبية وتدرج السلطات الرئاسية يجعل للسلطة الأعلى التعقيب على السلطة الأدنى - فالسلطة الرئاسية الأعلى المختصة سواء كان الوزير أو المحافظ أو رئيس الهيئة العامة - بحكم موقعها على قمة أجهزة المرفق والمسئولة سياسياً وإدارياً وجنائياً ومدنياً عن حسن إدارته إنما تملك التعقيب على أي قرار - تأديبي تصدره رئاسية إدارية أدنى كقاعدة عامة لما في ذلك من ممارسة لواجب أداء السلطة الرئاسية الأعلى لوظيفة الإدارة العليا في قمة أدائها ومن المسلم به أنها تشمل أركاناً خمسة وفق مبادئ علم الإدارة العامة في التخطيط والتنظيم والقيادة والتنسيق والرقابة ومن الطبيعي أن تشمل ممارسة الرقابة من جانب الرئيس الإداري الأعلى أو قمة الجهاز الإداري التعقيب على أية سلطة إدارية أدنى خاصة في مجال المساءلة البالغ الخطورة على حسن سير المرفق العام وأدائه لوظيفته بانتظام واضطراد فالتهاون في عقاب المخطئ والتجاوز عن الأفعال التي تتضمن عدواناً على النظام العام وتنبئ عن اضطراب في النفس واستهتار بالقيم وعدم التزام بالهيبة والكرامة الواجبة للهيئة التي ينتمي إليها المخطئ وبخاصة في مجال مرفق الأمن أمر يشجع على التسبيب ويهدد أمن الوطن وأمن المواطن ويزعزع الثقة في القائمين على أداء هذه الرسالة ويؤكد ذلك التزام المشرع القواعد العامة المستمدة من طبيعة السلطات الجوهرية اللازم توفيرها للسلطة المختصة بحكم مسئوليتها عن أداء دورها القيادي وعن نتائج الإنجاز الذي تحقق والالتزام بأنه لا مسئولية بغير إمكانية وأن مقتضى مسئولية من يتولى موقع السلطة المختصة عن جميع العاملين تحت قيادته أن يكون صاحب السلطة اللازمة لتقويم سلوك هؤلاء جميعاً إما من خلال جزاءات يملك توقيعها بنفسه وإما من خلال سلطة التعقيب على الجزاءات التي يوقعها مرءوسوه على نحو ما ورد صراحة في قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 م حيث جاء بالمادة 82 منه أن "للسلطة المختصة حفظ التحقيق أو إلغاء القرار الصادر بتوقيع الجزاء أو تعديله ولها أيضاً إذا ألغت الجزاء أن تحيل العامل إلى المحاكمة التأديبية وذلك خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إبلاغها بالقرار.
وقد نص المشرع على الإحالة إلى هذا القانون في قانون الشرطة الصادر بالقانون رقم 109/ 1971 في المادة (114) المعدلة بالقانون رقم 49 لسنة 1978 والتي تقضي بأن يسري على أعضاء هيئة الشرطة ما لا يتعارض مع هذا القانون من الأحكام الواردة في قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة وفي قانون التأمين الاجتماعي.
ومن حيث إنه بناء على ما سبق جميعه فإن القاعدة العامة التي تقرر أحقية السلطة الرئاسية العليا المختصة بحكم مسئوليتها الدستورية والقانونية والإدارية في التعقيب على قرارات الجزاء التي توقعها السلطات الرئاسية الأدنى تسري كقاعدة عامة يقررها ويفرضها النظام العام الإداري على طلبة كلية الشرطة بحكم أنهم يقومون بدراستهم تحت إشراف وزير الداخلية الرئيس الأعلى لأكاديمية الشرطة.
وإذا كان وجه النعي الأول على الحكم المطعون فيه أنه أغفل أمر تكرار الجزاء عن ذات الواقعتين فإن هذا النعي يكون في غير محله لأن الوزير المختص (وزير الداخلية) باعتباره السلطة الرئاسية العليا الذي تتبعه أكاديمية الشرطة قد عقب على الجزائين الموقعين على المخالفتين اللتين وقعتا من الطاعن بأن من ارتكبهما يحاكم ولا يصلح فإنه يكون قد مارس سلطة التعقيب المقررة له وهو تعقيب يعني أن الجزائين الموقعين على الطاعن غير كافيين لجسامة وخطورة المخالفتين الواقعتين منه لما ينبئان عنه من عدم توفر الانضباط والالتزام الأخلاقي والسلوكي اللازم لصلاحية الطالب (الطاعن) ليكون طالباً بكلية الشرطة ليتأهل ليكون ضابط شرطة، الأمر الذي يشكل تعقيباً يملكه من قرره بما يفيد ضرورة النظر في الأمر على أساس التحقق من مدى صلاحية الطاعن بحسب الثابت قبله للبقاء في كلية الشرطة بمعرفة الهيئة المختصة بالنظر في ذلك قانوناً في ضوء التعقيب الذي أبداه الوزير المسئول وفي إطار ونطاق سلطة تلك الجهة المختصة ومسئوليتها قانوناً.
ومن ثم فإن الحكم المطعون عليه يكون قد أصاب الحق فيما انتهى إليه في هذا الشأن.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون عليه أنه لم يناقش مدى ثبوت التهمتين المنسوبتين إليه وحيث إن الثابت أن الحكم الطعين قد ورد أنه بتاريخ 26 من يناير سنة 1989 تقدمت السيدة/ ...... نائب رئيس تحرير جريدة الأحرار ببلاغ إلى الإدارة العامة لشرطة السياحة قررت فيه أنها تقابلت مع الطالب "الطاعن" بفندق "سميراميس" فقدم لها نفسه على أنه "ضابط شرطة الإرهاب الدولي" وأنه مكلف بتأمين أحد الأفراد الموجودين بالفندق وتمكن من ركوب سيارتها بهذه الصفة بعد استئذانه ثم وردت مذكرة الإدارة العامة لشرطة السياحة والآثار تفيد ضبط الطالب المذكور مرة أخرى بفندق "شبرد" يوم التاسع من مارس سنة 1989 بطريق الاشتباه لوجوده بالأدوار السكنية بالفندق وقيامه بالتحدث مع بعض النزلاء الأجانب وعند سؤاله لم يبد سبباً معقولاً لتواجده في هذه الأدوار السكنية وقد حاول الفرار ورفض إبراز بطاقته الشخصية وقام بالتعدي على ضابط أمن الفندق عند ضبطه وتحرر عن ذلك المحضر رقم 1441 إداري قصر النيل لسنة 1989 م وأضاف الحكم المطعون فيه أنه قد تبين للمحكمة العسكرية أثناء المحاكمة اعتراف المدعي بإدانته بتهمة وجريمة انتحال شخصية ضابط شرطة وكذا إتيانه سلوكيات معيبة واستهتاره بكل القيم الأصلية بأن وضع نفسه موضع الشبهات بوجوده بالأدوار السكنية بفندق شبرد الأمر الذي انتهت معه المحكمة في إصدار حكمها بفصله من الكلية لما نسب إليه وقد انتهى الحكم المطعون فيه إلى أنه بناء على ما تقدم وعلى أن التهم المنسوبة إلى المدعي ثابتة في حقه فإن القرار المطعون فيه والمتضمن فصله من كلية الشرطة يكون قد صدر مستنداً إلى سببه الصحيح وليس في الأوراق أي دليل على انحراف الإدارة بالسلطة مما يتعين معه رفض الدعوى.
ومن حيث إنه يبين مما سبق أن الحكم المطعون فيه قد ضمن أسبابه مناقشة مدى ثبوت التهمتين المنسوبتين إلى الطاعن حسب الثابت من الأوراق وحكم المحكمة العسكرية - مناقشة كافية ووافية واستخلص من ثم سلامة القرار الصادر بفصله من الكلية استخلاصاً سائغاً من عيون الأوراق وبالتالي فإن ما نعاه الطاعن على الحكم الطعين من أنه لم يناقش مدى ثبوت الاتهام في حقه يكون في غير محله.
ومن إن وجه النعي الثالث على الحكم المطعون عليه أنه لم يلغ قرار المجلس العسكري الصادر بفصله استناداً إلى الغلو في تقدير الجزاء ومن حيث إنه قد جرى قضاء هذه المحكمة على أن تقدير الجزاء التأديبي لا يتوقف فقط على نوعية المخالفة في ذاتها وإنما كذلك على ما يحيط ارتكابها من ظروف وعناصر أخرى في مقدمتها شخص وصفة من ارتكبها ومكان وزمان وقوعها ومن ثم الاعتداء على حقوقه من أفراد بمقتضاها ونصوص القانون والقيم والمبادئ الأخلاقية التي تتضمن المخالفة مخالفتها وإهدارها ولا شك أن تقدير جسامة المخالفة يختلف باختلاف من وقعت منه فما يمكن أن يقع من سلوك غير منضبط من طالب بكلية تدرس لطلبتها العلم فحسب يكون شديد الخطورة إذا ارتكبه طالب بكلية تخضع للنظام العسكري مثل كلية الشرطة التي تدرس إلى جانب العلوم القانونية العلوم الشرطية التي تقوم أساساً على البحث عن الجريمة ومرتكبيها ومنع وقوعها مع الالتزام بالسلوك العسكري المنضبط والأداء الملتزم بقداسة الرسالة التي يتحمل مسئوليتها ضابط الشرطة الموكول إليه أن يكون حارساً للشرعية وسيادة القانون وقواماً على الانضباط في المجتمع ومجاهداً ضد الجريمة والمجرمين ومسئولاً عن النظام العام وتأمين الأرواح والأعراض والأموال في أرض الوطن ليل نهار. وهذا ما نص عليه الدستور صراحة في المادة (184) من أن "الشرطة هيئة مدنية نظامية رئيسها الأعلى رئيس الجمهورية..... وتؤدي الشرطة واجبها في خدمة الشعب وتكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن وتسهر على حفظ النظام والأمن العام والآداب وتتولى تنفيذ ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من واجبات وذلك كله على الوجه المبين بالقانون. ومن حيث إنه بناء على ما ألزم به الدستور هيئة الشرطة من السهر على حفظ النظام والأمن العام والآداب فإنه ينبغي أن يبعد عن وظيفته بهيئة الشرطة كما ينبغي أن ينحى عن الدراسة بالكلية التي تخرج ضباط الشرطة كل من يتم التحقق لأسباب معقولة وتقوم عليها الأدلة الجدية أنه لن يكون قواماً بحق وأميناً بصدق وعاملاً بإخلاص على حفظ النظام والأمن العام والآداب في ربوع مصر ومن ثم فإنه لا سند من القانون لاعتبار تنحية من يثبت لأفعاله وسلوكه وتصرفاته إنه ليس على المستوى اللازم من الأمانة والنزاهة والشرف من صفوف الذين يؤهلون لتولي هذه المسئولية من قبيل الغلو في الجزاء بل إن فصل طالب كلية الشرطة الذي يثبت من تصرفاته ومسلكه أنه ليس على مستوى الانضباط اللازم لضابط الشرطة يعتبر نتيجة حتمية لعدم صلاحيته لأداء هذه الرسالة أو تحمل هذه المسئولية التي توجبها أحكام الدستور والقانون والصالح العام ولا شائبة عليه ولا غلو فيه.
ومن حيث إن مقتضى ما تقدم أن الحكم المطعون فيه صدر مستنداً إلى حقيقة الواقع وصحيح أحكام القانون ومن ثم فإن الطعن عليه يكون واجب الرفض.
ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملاً بأحكام المادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً، وألزمت الطاعن المصروفات.