مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1992 إلى آخر سبتمبر سنة 1992) - صـ 1999

(216)
جلسة 28 من يوليو سنة 1992

برئاسة السيد المستشار/ محمد محمود الدكروري - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ مصطفى الفاروق محمد الشامي ومحمد أبو الوفا عبد المتعال وأحمد أمين حسان محمد ود. محمد عبد البديع عسران - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 1896 لسنة 35 القضائية

دعوى - أدلة الإثبات في الدعوى - شهادة الشهود - استبعاد شهادة الفاجر.
صدور أحكام قضائية ضد الشاهد في جريمة اعتياد ممارسة الفجور تفقد شهادته قيمتها كدليل في الإثبات - أساس ذلك: مبدأ عدم قبول شهادة الفاجر - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 14/ 4/ 1989 أودع الأستاذ/ عاشور عبد الحفيظ أحمد النائب بهيئة قضايا الدولة بصفته نائباً عن الطاعن تقرير الطعن الماثل طعناً على الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 4929/ 41 ق بجلسة 27/ 2/ 1989 والذي يقضي بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 240 لسنة 1987 فيما تضمنه من إحالة المدعي إلى الاحتياط وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفي الموضوع بإلغاء هذا الحكم والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
وقد أعلن الحكم للمطعون ضده بتاريخ 11/ 5/ 1989.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه بشقيه العاجل والموضوعي وإلزام جهة الإدارة الطاعنة بالمصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة بجلسة 17/ 10/ 1990 وبجلسة 21/ 11/ 1990 قررت إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا - الدائرة الثالثة - لنظره بجلسة 25/ 12/ 1990 حيث تدوول الطعن أمام المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات وقدم الحاضر عن الجهة الإدارية الطاعنة حافظتي مستندات ومذكرتي دفاع صمم فيهما على طلباته الواردة في صحيفة الطعن، كما قدم الحاضر عن المطعون ضده ثلاث حوافظ مستندات وثلاث مذكرات دفاع طلب فيها رفض الطعن وإلزام الجهة الإدارية المصروفات عن درجتي التقاضي. وقد تقرر إصدار الحكم بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، والمداولة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه صدر بتاريخ 27/ 2/ 1989 وقد الطاعن تقرير الطعن بتاريخ 24/ 4/ 1989 فإن الطعن يكون قد أقيم في الميعاد الذي حدده القانون وإذ استوفى أوضاعه الشكلية الأخرى فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن وقائع النزاع تخلص في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 4929/ 41 ق ضد الطاعن - وزير الداخلية بصفته بصحيفة أودعها سكرتارية محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بتاريخ 30/ 6/ 1987 طلب في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلاً وبصفة مستعجلة وقف تنفيذ قرار إحالته إلى الاحتياط رقم 240 لسنة 1987 وما يترتب على ذلك من آثار. وقال شرحاً لدعواه إنه تخرج من كلية الشرطة عام 1978 وتدرج في وظائف الشرطة حتى بلغ رتبة رائد عام 1984 وقام بعمله كضابط شرطة بجدية وكفاءة وحصل على تقارير سنوية ممتازة وعلى علاوات تشجيعية ومكافآت مادية مقابل كفاءته وامتيازه في عمله الأمر الذي أثار ضده العديد من المجرمين والمتواطئين معهم فانهالوا ضده بالبلاغات الكاذبة والشكاوى الكيدية مما أدى بالمسئولين بوزارة الداخلية إلى نقله من مركز كوم أمبو بمحافظة أسوان إلى مديرية أمن كفر الشيخ. وقد فوجئ المدعي في 19/ 3/ 1987 بصدور قرار وزير الداخلية رقم 240 لسنة 1987 بإحالته إلى الاحتياط اعتباراً من 11/ 3/ 1987 تنظم من هذا القرار ولم تستجب الوزارة لتظلمه فأقام هذه الدعوى بالطلبات المشار إليها للأسباب المبينة تفصيلاً بصحيفة الدعوى ومجملها:
1) مخالفة القرار المطعون فيه للمادة 67 من قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 لأن هذا القرار لم يستند إلى ضرورة ثابتة أو أسباب جدية تتعلق بالمصلحة العامة.
2) بطلان القرار لتخلف ركن السبب لأن القرار المطعون فيه لم يرتكز على أسباب تبرره ولا يكفي في ذلك ما ورد بالقرار من أنه صدر للمصلحة العامة لأن هذه العبارة وحدها لا تكفي لتوافر ركن السبب إذ يلزم ثبوت أسباب جدية لإمكان صدور مثل هذا القرار، فضلاً عن أن المدعي لم يخطر بالأسباب التي استند إليها القرار حتى يمكنه الرد عليها.
3) كفاءة المدعي وامتيازه الثابت بملف خدمته من واقع التقارير السنوية الممتازة والعلاوات التشجيعية والمكافآت المادية واختياره ضمن بعثة وزارة الداخلية للحج عامي 84، 1985 وللعمرة في مارس 1986، أما ما ورد في التقارير والبلاغات الكيدية المقدمة ضده سواء من المجرمين والمتواطئين معهم أو من زملائه فإن هدفها الكيد للمدعي والتقليل من كفاءته وامتيازه في العمل.
وأضاف المدعي أن تنفيذ القرار المطعون فيه يصيبه بأضرار لا يمكن تداركها وهو قرار معيب مما تتوافر معه مقومات طلب وقف تنفيذه مع طلب إلغائه. وانتهى المدعي من ذلك إلى الطلبات السابق بيانها.
وفي سبيل الرد على الدعوى أودع الحاضر عن الجهة الإدارية عدداً من المستندات وأوضح أن أسباب صدور القرار المطعون فيه - طبقاً لما هو ثابت بالأوراق هي:
1) قام المدعي بتحريض أحد الخطرين على ارتكاب بعض الجرائم للإخلال بالأمن بمركز كوم أمبو عقب صدور قرار بنقله إلى مديرية أمن كفر الشيخ.
2) قام بالإدلاء بشهادته في الجناية رقم 384 لسنة 1985 كوم أمبو على نحو جعل المحكمة تتشكك في صحة إسناد التهمة للمتهم وذلك بإفصاحه عن المصدر السري لتحرياته وشهادته بوجود نزاع سابق بين المتهم وهذا المصدر مما أدى إلى إصدار المحكمة حكمها ببراءة المتهم فضلاً عن قيامه بتهنئة المتهم بالحكم ببراءته وزيارته في منزله لهذا الغرض مما ألقى شكوكاً وظلالاً كثيفة حول تصرفاته ومسلكه وعن استفادته مادياً مقابل شهادته التي أدت إلى الحكم بالبراءة.
3) ردد بعض الشائعات التي تمس سمعة ابنة أحد المحامين عن علاقتها بأحد الضابط مما أدى إلى نشوب الفرقة في عائلتيهما.
4) محاولته الاعتداء جنسياً على أحد المجندين بعد إجباره على تناول الخمر وإحالته إلى مجلس التأديب عن هذه الواقعة.
5) أفادت التحريات بأنه أدمن تقاضي الحقن المهبطة المحظور تداولها.
وخلصت الجهة الإدارية من ذلك إلى أن مسلك المدعي وتصرفاته قد اتسمت بالرعونة والاستخفاف والتخلي عن مبادئ الفضيلة والتحلل من القيم بصورة أهدرت كرامته وأساءت إلى جهاز الشرطة الذي ينتمي إليه الأمر الذي ارتأت معه إحالته إلى الاحتياط.
وبجلسة 27/ 2/ 1989 قضت محكمة القضاء الإداري بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 240 لسنة 1987 فيما تضمنه من إحالة المدعي إلى الاحتياط وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.
وقد أقامت المحكمة قضاءها بذلك على سند من أن الأسباب التي قام عليها القرار المطعون فيه غير مستخلصة استخلاصاً سائغاً من الأوراق فالسبب الأول وهو محاولة اعتداء المدعي جنسياً على أحد المجندين قد برأه مجلس التأديب الاستئنافي من هذه التهمة، كما أن السبب الثاني وهو شهادته في القضية رقم 384 لسنة 1985 كوم أمبو لا يشكل ذنباً إدارياً يمكن محاسبته عليه ما دام لم يقم الدليل من الأوراق على أنه أدلى بمعلومات خاطئة تخالف الحقيقة أي ما دام لم يثبت زور هذه الشهادة. والسبب الثالث هو قيامه بتحريض أحد الخطرين على الأمن على ارتكاب بعض الجرائم فقد قام المدعي بالرد على هذا السبب بتقديم صورة من المحضر رقم 900 لسنة 1985 كوم أمبو ضد الشخص الخطر على الأمن الذي لا يعول على شهادته بسبب قيامه بضبطه متلبساً في إحدى الجرائم المخلة بالآداب وهو الأمر الذي تأخذ به المحكمة وتطرح هذا السبب جانباً وأخيراً فإن السبب الرابع الذي قام عليه القرار المطعون فيه وهو إدمان المدعي تعاطي الحقن المخدرة فإن هذا الاتهام لا يعدو أن يكون مجرد أقوال مرسلة لم يقم دليل عليها من الأوراق وقد نفاه المدعي عن نفسه. فضلاً عن ذلك فإن الثابت من الأوراق أن الوزارة قامت بترشيح المدعي للسفر في بعثة الحج عامي 84، 1985 والعمرة عام 1986، وهذا الترشيح لا يمكن أن يتم إلا إذا كان سلوك المدعي سوياً وأخلاقه حميدة.... وإذا كان مجلس التأديب قد أشار إلى أنه قد تلاحظ أن المدعي وزملاءه قد أتوا أفعالاً لا يصح أن تبدر من ضباط الشرطة فإن ذلك لا يكفي وحده دليلاً على إدانة المدعي لأن مجلس التأديب قد أوصى بإجراء تحقيق في هذه الأفعال مع الضباط المذكورين مما يدل على أنها ما زالت مجرد وقائع لم تثبت صحتها وخلصت المحكمة من ذلك إلى أن الأسباب التي قام عليها القرار المطعون فيه لا أساس لها وغير مستخلصة استخلاصاً سائغاً من الأوراق - وبذلك يكون القرار المطعون فيه قد صدر مفتقداً ركن السبب مما يتعين الحكم بإلغائه وانتهت المحكمة من ذلك إلى الحكم السابق الإشارة إليه.
ولم يرتض الطاعن هذا الحكم فطعن عليه بالطعن الماثل مقيماً إياه على الأسباب الموضحة تفصيلاً في تقرير الطعن التي تخلص فيما يلي:
1) مخالفة الحكم المطعون فيه للواقع لأنه استند إلى أن القرار المطعون فيه لم يقم على أسباب صحيحة مستخلصة من الأوراق مما يجعله فاقداً ركن السبب والواقع يخالف ذلك لأن المطعون ضده فقد شرط حسن السمعة وطيب الخصال ولا يحتاج الأمر الوارد لدليل قاطع على عدم توافرهما وإنما يكفي وجود دلائل أو شبهات قوية تلقي ظلالاً من الشك حول سمعة الضابط.
وفي وقاعة التعدي جنسياً على المجند واحتسائه الخمر وشهادته في القضية المشار إليها، كل ذلك قد جعل الشك والظنون تحيط تصرفات المطعون ضده مما اضطر جهة الإدارة إلى التدخل وإصدار القرار المطعون فيه بإحالة المطعون ضده إلى الاحتياط وبذلك يكون قد توافر ركن السبب في القرار.
2) أخطأ الحكم المطعون فيه إذ اعتبر شهادة المطعون ضده في القضية المذكورة لا تشكل ذنباً إدارياً، فهذا القول يصدق في حالة أداء الشهادة على وجهها الصحيح، أما وأن المطعون ضده عدل عن أقواله السابقة التي أثبتها في المحضر وقدم المتهم بسببها إلى محكمة الجنايات ثم قام بزيارة المتهم في منزله بعد الحكم ببراءته ومالالكته الألسن من حصوله على منافع مادية لقاء هذه الشهادة فإن ذلك يشكل خروجاً على واجبات وظيفته وزعزعة الثقة في جهاز الشرطة.
3) أهدر الحكم المطعون فيه أحد الأسباب التي بني عليها القرار المطعون فيه، وهو قيام المطعون ضده بتحريض أحد الخطرين على الأمن بارتكاب بعض الجرائم بمركز كوم أمبو عقب نقله إلى مديرية أمن كفر الشيخ بحجة أن المطعون ضده كان قد سبق أن قام بتحرير محضر رقم 900 لسنة 1985 كوم أمبو ضد هذا الخطر مما لا يعول معه على شهادته، وهذا القول مردود عليه بأن المطعون ضده قد ارتكب هذا الفعل بشهادة كل من الرقيب السري/ حسين محمود حسين، محمود عبد المحسن أحمد وحسين توفيق محمد وهم من قوة مباحث مركز كوم أمبو. وبذلك تحول المطعون ضده من حارس للأمن إلى مدبر للجرائم بغرض تحقيق أهداف شخصية ومآرب خاصة.
4) استند الحكم المطعون فيه إلى قرار مجلس التأديب الاستئنافي لضباط الشرطة ببراءة المطعون ضده من تهمة محاولة الاعتداء جنسياً على أحد الجنود لأن قرار البراءة صدر بناء على التناقض والتضارب الوارد بالمذكرتين المقدمتين من إدارة البحث الجنائي فضلاً عن أن قرار مجلس التأديب قد تضمن بعض الأفعال التي أتاها المطعون ضده وزميلاه من احتساء الخمر وتردد فتاة معروفة بسوء السلوك على شقة المطعون ضده ثم أوصي مجلس التأديب بإجراء تحقيق في هذه الوقائع.
وانتهى الطاعن من هذه الأسباب إلى الطلبات السابق بيانها.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه بإحالة المطعون ضده إلى الاحتياط صدر استناداً إلى الأسباب الخمسة السابق بيانها وذلك طبقاً لما هو ثابت بمضبطة محضر اجتماع المجلس الأعلى للشرطة بتاريخ 10/ 3/ 1987 ومذكرة الإدارة العامة للتفتيش والرقابة بوزارة الداخلية ومحاضر التحقيق المرفقة بأوراق الدعوى.
ومن حيث إنه عن السبب الأول وهو تحريض المطعون ضده لأحد الخطرين على ارتكاب بعض الجرائم للإخلال بالأمن بمركز كوم أمبو عقب صدور قرار بنقل المطعون ضده إلى مديرية أمن كفر الشيخ، فإن الثابت بالأوراق أن الذي أبلغ بهذه الواقعة هو المدعو/ .......... المسجل شقي خطر نشل حيث قرر في التحقيق أن المطعون ضده طلب منه بتاريخ 24/ 8/ 1986 ارتكاب بعض جرائم الحريق لإظهار اختلال حالة الأمن بالمركز بعد نقله إلى مديرية أمن كفر الشيخ فتظاهر بالموافقة ثم أسر بذلك إلى الرقيبين/ حسن محمد حسين، ومحمود عبد المحسن أحمد من قوة مباحث المركز، وقد أقر هذان الرقيبان بإبلاغ المذكور إياهما بما نسبه إلى المطعون ضده. وبمواجهة هذا الأخير بذلك نفى ما نسب إليه وقرر أن المذكور شقي خطر وسبق أن قام بضبطه في عدة قضايا إبان عمله رئيساً لوحدة مباحث كوم أمبو وقد قدم المطعون ضده تأييداً لذلك حافظة مستندات أمام محكمة القضاء الإداري انطوت على صور رسمية لتحقيقات النيابة ومحضر ضبط حرر بمعرفته في القضية رقم 900 لسنة 1985 جنح كوم أمبو المتهم فيها الشقي المذكور باعتياد ممارسة الفجور حيث قضى بحبسه ثلاثة أشهر مع الشغل وتأيد الحكم استئنافياً ونفذ ضده وذلك طبقاً لما هو ثابت بالشهادة الرسمية بالحكم الصادر في الجنحة المشار إليها واستئنافها.
ومن حيث إن الواقعة المنسوبة إلى المطعون ضده بالسبب الأول من أسباب إحالته إلى الاحتياط لا دليل عليها إلا مجرد ادعاء الشقي المذكور بها فلم يشهد الواقعة أحد من الشهود الذين سئلوا في التحقيق حيث قرروا أن هذا الشقي أبلغهم بها، وإذ ثبت أن المطعون ضده سبق أن قام بضبط المذكور متلبساً بممارسة الفحشاء وقدمه هو والسيدة التي مارس معها الرذيلة وزوجها وشخصاً رابعاً سهل ممارسة هذا الفجور إلى محكمة الجنح وأدينوا جميعاً ابتدائياً واستئنافياً ونفذوا أحكام الحبس، إذ ثبت ذلك فإن فيه ما يكفي لتشكك المحكمة في صحة واقعة تحريض المطعون ضده للشقي المذكور بارتكاب الجرائم المخلة بالأمن السابق بيانها خاصة وأن هذا الشقي قد أدين في جريمة اعتياد ممارسة الفجور ومن المسلمات أن شهادة الفاجر لا تقبل. بذلك يكون السبب الأول للقرار المطعون فيه غير ثابت.
والسبب الثاني للقرار المطعون فيه وهو قيام المطعون ضده بالإدلاء بشهادته في الجناية رقم 384 لسنة 1985 كوم أمبو على نحو جعل المحكمة تتشكك في صحة إسناد التهمة للمتهم وذلك بإفصاحه عن المصدر السري لتحرياته وشهادته بوجود نزاع سابق بين المتهم وهذا المصدر مما أدى إلى الحكم ببراءة المتهم في هذه الجناية هذا السبب بدوره غير ثابت في جانب المطعون ضده على النحو الذي جاء بأسباب القرار فليس ثمة دليل على أن شهادة المطعون ضده أمام محكمة الجنايات تخالف الحقيقة أو مزورة، وما نسب إليه من أنه أدلى بهذه الشهادة بقصد تبرئة المتهم مقابل رشوة تقاضاها فأساسه مجرد تحريات لإدارة البحث الجنائي لا دليل عليها في الأوراق، ولا دليل أيضاً على أن المطعون ضده عانق المتهم عقب النطق بالحكم ببراءته أو أن زاره في منزله للتهنئة مرة أخرى. وقد برر المطعون ضده إفصاحه أمام المحكمة عن شخص المخبر السري مصدر تحرياته بأنه كان قد علم بأن المتهم اتفق مع هذا المرشد السري على الحضور للإدلاء بشهادته وإلا قرار بأنه يوجد خلاف بين عائلة هذا المرشد وعائلة المتهم، وقد شاهد المرشد السري بقاعة المحكمة يوم الجلسة فقرر أن يفصح بنفسه عن ذلك. ومتى كانت الواقعة المشكلة للسبب الثاني للقرار المطعون فيه هي مجرد مزاعم لا دليل عليها بالأوراق فإنها لا ترقى أن تكون سبباً لهذا القرار.
وكذلك أيضاً السبب الثالث للقرار - المتمثل فيما نسب إلى المطعون ضده من أنه ردد بعض الشائعات التي تمس سمعة ابنة أحد المحامين عن علاقتها بأحد الضابط مما أدى إلى نشوب الفرقة بين أفراد عائلتيهما، ومجمل الواقعة أن أحد المحامين بكوم أمبو تقدم بشكوى ضد المطعون ضده تضمنت أنه كانت تربطه علاقة صداقة أسرية بالمطعون ضده لتجاورهما في المسكن وأنه فوجئ بعد إيقاف الأخير عن العمل في 16/ 7/ 1986 بأنه أطلق شائعة عن وجود علاقة آثمة بين ابنته وأحد ضباط مركز كوم أمبو، وعلل المحامي لذلك بأن المطعون ضده سبق أن طلب هذه الفتاة للزواج من شقيقه ولم يستجب والدها لصغر سنها وقد أشارت التحريات إلى وجود علاقة بين ابنة هذا المحامي وضابط بمركز كوم أمبو وأنها شوهدت تتردد عليه بشقة المطعون ضده حين كان هذا الضابط يقيم بها بمفرده أثناء غياب المطعون ضده عنها هو وأسرته وقد نفى الضابط المذكور هذه العلاقة مقرراً أن المطعون ضده هو الذي أطلق هذه الشائعة وأن هذه الفتاة سيئة السير والسلوك وأن والدها سبق أن أبلغ المركز بغيابها وعودتها بعد يومين حيث اصطحبها والدها إلى المركز للإبلاغ بعودتها. وبمواجهة المطعون ضده بما نسب إليه من إطلاق هذه الشائعة أجاب بأن هذه الفتاة كانت على علاقة بالضابط المذكور الذي اصطحبها إلى شقة المطعون ضده حيث كان قد ترك له مفاتيحها حال تغيبه في إجازة عيد الفطر ونفى تماماً إطلاق أي شائعة حول مسلك الفتاة.
هذا وقد أشار مجلس التأديب الاستئنافي لضباط الشرطة في أسباب قراره الذي أصدره ببراءة المطعون ضده من تهمة محاولة التعدي جنسياً على جنود مركز كوم أمبو وهي الواقعة موضوع السبب الرابع للقرار - إلى ما تردد حول مسلك المطعون ضده بترك مفتاح شقته لزميله الذي اصطحب إليها هذه الفتاة التي لاكتها ألسن الأهالي ووصفتها بسوء السير والسلوك وذلك على مرأى ومسمع الجيران الملاصقين الذين وأن امتعضوا وتضرروا من ذلك الفعل إلا أنهم أثروا كتمانه حرصاً على سمعة الفتاة ووالدها، وهو ما دعا مجلس التأديب إزاء ذلك إلى التوصية بإجراء تحقيق مع الضابطين وزميل ثالث لهما في هذا الشأن والتصرف فيه بعد ذلك استقلالاً.
ومن حيث إنه في ضوء ذلك فإن واقعة إطلاق المطعون ضده الشائعات حول سلوك ابنة المحامي المشار إليها تكون غير ثابتة إلا من مجرد اتهام والد الفتاة له بذلك وما قرره زميله المتهم بعلاقته بهذه الفتاة من أن المطعون ضده هو الذي أطلق هذه الشائعة وقد جاء ذلك في معرض درء هذا الضابط مسئولية علاقته بهذه الفتاة عن نفسه، وليس في الأوراق ما يشير إلى أن المطعون ضده حين ترك مفتاح شقته لزميله كان ذلك بقصد إيجاد وكر يجمعه وهذه الفتاة وإذا كان مجلس التأديب قد استنكر مسلك المطعون ضده وزميله بشأن استخدام شقة الأول فقد أوصى بإجراء تحقيق في ذلك، وقد خلت الأوراق مما يفيد أن هذه التوصية قد نفذت ولم تشر جهة الإدارة الطاعنة إلى إجراء مثل هذا التحقيق. وبذلك تكون الأوراق قد خلت من الدليل عما نسب إلى المطعون ضده من مسلك بشأن هذه الفتاة.، ولا يرقى ما تردد حول هذه الواقعة من مجرد أقوال إلى أن يكون سبباً لقرار بإحالة المطعون ضده إلى الاحتياط.
أما السبب الرابع للقرار وهو محاولة المطعون ضده الاعتداء جنسياً على أحد المجندين بمركز كوم أمبو وإجباره على تناول الخمر وإحالته إلى مجلس التأديب عن هذه الواقعة، فقد قرر مجلس التأديب الاستئنافي لضباط الشرطة المنعقد بتاريخ 10/ 1/ 1988 براءة المطعون ضده من هذه التهمة، وهذا القرار بمثابة حكم تأديبي نهائي يجب احترامه، خاصة وأنه قد بني على أسباب سليمة لتناقض أقوال المجني عليه بشأنها فضلاً عن عدم تصور حدوث الواقعة على النحو الذي رواها به المجني عليه طبقاً لما ورد بأسباب هذا القرار التأديبي.
وبذلك يتخلف السبب الرابع للقرار المطعون فيه.
وأخيراً فإن ما نسب إلى المطعون ضده من إدمان تعاطي الحقن المهبطة المحظور تداولها، فإن هذا الاتهام لا سند له إلا مجرد تحريات نفاها المطعون ضده، ومن ثم تكون هذه التهمة بدورها غير ثابتة في جانب المطعون ضده ولا تصلح أن تكون سبباً للقرار المطعون فيه.
ومن حيث إنه متى كان ما تقدم فإن الأسباب التي قام عليها القرار المطعون فيه تكون قد تخلفت ولا تصلح أن تكون سبباً كافياً له الأمر الذي يكون معه القرار المطعون فيه قد صدر فاقداً ركن السبب واجب الإلغاء وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى ذلك فإنه يكون قد جاء سليماً مطابقاً للقانون، وتكون أسباب الطعن التي ساقتها الجهة الإدارية قد قصرت عن أن تنال من هذا الحكم الواجب تأييده.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم بمصروفاته طبقاً للمادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

ؤ حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.