مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1992 إلى آخر سبتمبر سنة 1992) - صـ 2011

(217)
جلسة 28 من يوليو سنة 1992

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد محمود الدكروري - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ عويس عبد الوهاب عويس ومحمد أبو الوفا عبد المتعال وأحمد أمين حسان محمد ود. محمد عبد البديع عسران - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 2453 لسنة 35 القضائية

عقد إداري - عقد التوريد - تنفيذه - مبدأ حسن النية.
المادة 148 من القانون المدني - لا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه ولكن يتناول أيضاً ما هو من مستلزماته وفقاً للقانون والعرف والعدالة وبحسب طبيعة الالتزام - يصح تطبيق هذا الحكم في نطاق روابط القانون العام باعتباره من الأصول العامة في الالتزامات - إذا كان محل الالتزام هو توريد زجاج فإنه يتعين أن يكون هذا الزجاج معبأ على نحو يضمن سلامته لأنه من المواد القابلة للكسر - الأصل أنه إذا لم يشترط العقد أو الاتفاق التزام المشتري برد وسيلة التعبئة للبائع المورد فإن الأصل ألا يلتزم بردها - أساس ذلك: اعتبارها من مستلزمات التوريد في هذه الحالة بحسب طبيعة الالتزام - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 18/ 5/ 1989 أودع الأستاذ/ وديع عدلي يوسف المستشار بهيئة قضايا الدولة تقرير الطعن الماثل ضد الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بجلسة 30/ 3/ 1989 في الدعوى رقم 905/ 38 ق المقامة من المطعون ضده ضد الطاعن بصفته والذي قضى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة وبقبولها وفي الموضوع بإلزام الإدارة بأن تؤدي للمدعي قيمة الجوالات الفارغة التي قام بتوريد الزجاج فيها ومقدارها ألف جنيه وبرفض ما عدا ذلك من طلبت وألزمته المصروفات.
ويطلب الطاعن بصفته الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم برفض الدعوى وإلزام المطعون ضده بالمصروفات والأتعاب.
وقد أعلن تقرير الطعن للمطعون ضده بتاريخ 1/ 6/ 1989، كما أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً في الطعن انتهت به إلى أنها ترى الحكم بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلزام جهة الإدارة بأن تؤدي للمدعي قيمة الجوالات الفارغة التي قام بتوريد الزجاج فيها ومقدارها ألف جنيه وإلزام المطعون ضده المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون التي قررت بجلسة 15/ 5/ 1991 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) لنظره بجلسة 16/ 7/ 1991، حيث تدوول الطعن أمام المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات وقدم الحاضر عن الجهة الإدارية مذكرة بدفاعه صمم فيها على طلباته وقد قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، والمداولة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه صدر بتاريخ 30/ 3/ 1989 وأودع الطاعن بصفته تقرير الطعن بتاريخ 18/ 5/ 1989 فإن الطعن يكون قد أقيم في الميعاد التي حدده القانون وإذ استوفى أوضاعه الشكلية الأخرى فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن وقائع النزاع تخلص في أن المطعون ضده "المدعي" أقام الدعوى رقم 2106/ 1982 مدني كلي دمنهور بصحيفة أودعها قلم كتاب محكمة دمنهور الابتدائية بتاريخ 30/ 6/ 1982 وأعلنت بتاريخ 6/ 7/ 1982 طلب في ختامها الحكم بإلزام الجهة الإدارية المدعى عليها بأن تؤدي له على سبيل التعويض مبلغاً مقداره عشرة آلاف جنيه مع الفوائد القانونية بواقع 5% من تاريخ المطالبة حتى السداد وإلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقال المدعي شرحاً لدعواه أنه بتاريخ 11/ 7/ 1981 أصدرت مديرية الشئون الصحية بدمنهور أمر توريد إلى المدعي بتوريد زجاج فارغ قيمته 32440 جنيهاً وقام بتنفيذ الأمر حتى فوجئ بخطاب يعلنه بأن آخر موعد للتوريد هو 16/ 5/ 1982 وإلا تقوم جهة الإدارة بالتنفيذ على حسابه، وإذ جاء هذا الخطاب مخالفاً شروط الاتفاق وتم تحريره بعد الميعاد المحدد للتوريد فقد ألحق بالمدعي أضراراً مادية وأدبية فضلاً عن حقه في التأمين المدفوع منه ومقداره 3622.4 جنيهاً وقيمة الفوارغ التي امتنعت جهة الإدارة عن ردها إليه وتبلغ ألف جنيه يضاف إلى ذلك ما لحقه من خسارة وما فاته من كسب ومقداره 5377.6 جنيهاً وبذلك يحق له مطالبة جهة الإدارة بمبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض عن الأضرار التي لحقته. وانتهى المدعي من ذلك إلى الطلبات السابق بيانها.
ونظرت الدعوى أمام محكمة دمنهور الابتدائية حيث قدم كل من المدعي وجهة الإدارة حافظة مستندات وبجلسة 28/ 11/ 1983 قضت بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية وأرجأت الفصل في المصروفات.
ونظرت الدعوى لدى محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية حيث قدم الحاضر عن جهة الإدارة حافظة مستندات ومذكرة بدفاعه صحح فيها شكل الدعوى بتوجيهها إلى محافظ البحيرة بصفته وبجلسة 30/ 3/ 1989 أصدرت المحكمة حكمها السابق الإشارة إليه.
وقد استندت المحكمة في قضائها إلى أن مطالبة المدعي بالتعويض وبمبلغ التأمين لا سند له من القانون متعينة الرفض أما طلب إلزام الإدارة بأن تدفع للمدعي مبلغ ألف جنيه قيمة ألفي جوال فارغ لم تقم جهة الإدارة بإعادتها إليه فإن الثابت من الأوراق أن المدعي اشترط في العقد المبرم معه أن يسترد الأجولة الفارغة ولم يرد بالأوراق ما يفيد أن الإدارة ردت إليه هذه الأجولة أو قيمتها كما لم تنازع الإدارة من جهة أخرى في القيمة التي حددها المدعي لتلك الأجولة ومن ثم فإن الإدارة تلزم بأن تؤدي إليه قيمة الأجولة الفارغة ومقدارها ألف جنيه.
ولم يرتض الطاعن بصفته هذا الحكم فطعن عليه بالطعن الماثل مقيماً إياه على سند من القول بأن الحكم صدر مشوباً بعيب الفساد في الاستدلال فيما قضى به من إلزام الجهة الإدارية بأن تؤدي للمدعي قيمة الجوالات الفارغة إذ استند في قضائه إلى كتاب أرسله المطعون ضده يطلب فيه رد الأجولة اصطنعه لنفسه يزعم فيه عدم تسلم الأجولة الفارغة ولم يقدم دليلاً يؤيد مزاعمه بتسليم الأجولة للجهة الإدارية إذ كان يجب أن يقدم الإيصال الدال على ذلك أو تعهداً من الجهة الإدارية بردها بعد تفريغها هذا بالإضافة إلى أن ملف العملية قد خلا من أي التزام على الجهة الإدارية برد الأجولة الفارغة بعد تفريغها أو برد قيمتها وانتهى الطاعن بصفته من ذلك إلى الطلبات السابق بيانها.
ومن حيث إن المادة 148 من القانون المدني تنص على أن (لا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه ولكن يتناول أيضاً ما هو من مستلزماته وفقاً للقانون والعرف والعدالة وبحسب طبيعة الالتزام وهذا الحكم مما يصح تطبيقه في نطاق روابط القانون العام باعتباره من الأصول العامة في الالتزامات وذلك على ما جرى به قضاء هذه المحكمة.
ومن حيث إن طبيعة المواد الالتزام وهو توريد زجاج فارغ أن يكون هذا الزجاج معبأ على نحو يضمن جمعه وسلامته لأنه من المواد القابلة للكسر، ولا شك أن المقتضيات العامة للتعامل تفرض أن يسلم البائع أو المورد سلعته على الوجه المناسب لطبيعة السلعة ولظروف المعاملة، وحيث تكون السلعة مكونة من مثليات عديدة، أو وحدات يبلغ عددها حداً ملحوظ الكبر، فإنه يلزم توريدها في تعبئة تضم شتاتها وتجمع عددها، إذ لا يستقيم مع طبيعتها في تعدادها الكبير أن تورد آحاداً منفرطة بغير تعبئة تضمها وتجمعها وما لم يشترط العقد أو الاتفاق تعبئة محددة، فإنها تصح على أي وجه مناسب، وكذلك فإنه ما لم يشترط العقد أو الاتفاق التزام المشتري برد وسيلة التعبئة للبائع المورد، فإن الأصل ألا يلتزم بردها باعتبارها من مستلزمات التوريد في هذه الحالة بحسب طبيعة الالتزام - وينص على ذلك، بحسب الأصل، أن تبقى الزجاجات الموردة في الأغلفة أو الأجولة التي تورد بها جمعاً لها وحفاظاً عليها، الأمر الذي يتنافى مع طلب المدعي إعادة الأجولة الفارغة لما قام بتسليمه من الزجاج المتعاقد عليه، إلا أن يشترط المدعي غير ذلك صراحة في العقد الإداري المبرم مع جهة الإدارة.
ومن حيث إن سائر أوراق العطاء ومستندات عقد التوريد قد جاءت خلواً تماماً من مثل هذه الشروط خلافاً لما يزعم المدعي، فإنه يتعين والحال كذلك إعمال الأصل العام المشار إليه وعدم التزام جهة الإدارة بإعادة الأجولة الفارغة إلى المدعي وبداهة فإنه لا يجوز للمدعي أن يتمسك في سبيل إثبات إلزام الإدارة بإعادة الأجولة بأن يرسل إليها خطاباً يطالب بتسليم هذه الأجولة، فمثل هذا الخطاب هو محض طلب لما يدعي به المدعي ولا يصلح أن يكون وسيلة إثبات لما يطالب به، الأمر الذي يكون معه طلب المدعي إلزام جهة الإدارة بمبلغ ألف جنيه قيمة هذه الأجولة لا سند له متعين الرفض وإذ ذهب الحكم المطعون فيه خلاف ذلك المذهب فإنه يكون جديراً بالإلغاء مع الحكم برفض الدعوى وإلزام المطعون ضده المصروفات طبقاً للمادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المطعون ضده المصروفات.