أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 37 - صـ 904

جلسة 19 من نوفمبر سنة 1986

برياسة السيد المستشار: محمد وجدي عبد الصمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم حسين رضوان ومحمد ممدوح سالم ومحمد رفيق البسطويسي نواب رئيس المحكمة وعلي الصادق عثمان.

(173)
الطعن رقم 3807 لسنة 56 القضائية

(1) نقض "أسباب الطعن. عدم إيداعها".
عدم تقديم الطاعن أسباباً لطعنه. أثره: عدم قبول الطعن شكلاً.
(2) سرقة. شروع. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
صعود الطاعنين إلى مكان الحادث وفتحه وإخراج بعض البضائع منه. دخول ذلك في دور تنفيذ جريمة السرقة وتجاوز لمرحلة التحضير لها. مؤدى ذلك؟
(3) شروع. جريمة "الجريمة المستحيلة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
متى تعد الجريمة مستحيلة؟
(4) إجراءات "إجراءات المحاكمة". إثبات "بوجه عام". تزوير "أوراق رسمية". محضر الجلسة.
الأصل في الإجراءات الصحة. ما لم يثبت صاحب الشأن عكس ذلك.
عدم جواز إثبات عدم اتباع الإجراءات التي وردت بالحكم أو بمحضر الجلسة إلا بطريق الطعن بالتزوير.
(5) إثبات "معاينة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
طلب إجراء المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إثبات استحالة حصول الواقعة دفاع موضوعي لا تلتزم المحكمة بإجابته.
(6) إثبات "اعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الإثبات. حق لمحكمة الموضوع. لها الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين في أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه.
(7) إثبات "بوجه عام". دفع "الدفع بتعذر الرؤية". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
الدفع بتعذر الرؤية وبعدم التواجد على مسرح الحادث. موضوعي لا يستلزم رداً. حد ذلك؟
(8) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير أدلة الدعوى. موضوعي.
(9) إثبات "معاينة". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم إيراد الحكم نص محضر معاينة النيابة بكامل أجزائه. لا ينال من سلامته.
1 - لما كان المحكوم عليهم الثلاثة الأول، وإن قرروا بالطعن في الحكم بطريق النقض في الميعاد، إلا أنهم لم يقدموا أسباباً لطعنهم، ومن ثم يكون طعنهم غير مقبول شكلاً عملاً بالمادة 34/ 2 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر به القانون رقم 57 لسنة 1959.
2 - أن الطاعنين إذ قاما - مع المتهمين الآخرين - بالصعود إلى مكان الحادث وفتحه وإخراج بعض البضائع منه، فقد تجاوز بذلك مرحلة التحضير ودخلا فعلاً في دور التنفيذ بخطوة من الخطوات المؤدية حالاً إلى ارتكاب جريمة السرقة التي اتفقا على ارتكابها مع المتهمين الآخرين، بحيث أصبح عدولهما بعد ذلك باختيارهما عن مقارفة تلك الجريمة، أمراً غير متوقع، ويكون ما ارتكباه سابقاً على واقعة الضبط، شروعاً في جناية معاقباً عليه.
3 - من المقرر أن الجريمة لا تعد مستحيلة، إلا إذا لم يكن في الأماكن تحققها مطلقاً، كأن تكون الوسيلة التي استخدمت في ارتكابها غير صالحة البته للغرض الذي يقصده الفاعل، أما إذا كانت الوسيلة صالحة بطبيعتها ولكن الجريمة لم تتحقق بسبب ظروف خارجة عن إرادة الجاني، فإنه لا يصح القول بالاستحالة. ولما كان الحكم قد أثبت في حق الطاعنين - بما لا يماري في أن له أصله في الأوراق - أنهما تمكنا مع المتهمين الآخرين - على السياق المتقدم - من الصعود إلى محل الحادث وفتحه وإخراج بعض محتوياته منه، ثم تم ضبط البعض منهم بينما تمكن البعض الآخر من الفرار، فإن منعى الطاعنين في هذا الصدد يكون غير سديد.
4 - من المقرر عملاً بنص الفقرة الأخيرة من المادة 30 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، من أن الأصل اعتبار أن الإجراءات قد روعيت أثناء الدعوى، ما لم يثبت صاحب الشأن بكافة الطرق أن تلك الإجراءات قد أهملت أو خولفت، وذلك إذا لم تكن مذكورة في محضر الجلسة ولا في الحكم، فإذا ذكر في أحدهما أنها اتبعت فلا يجوز إثبات عدم اتباعها إلا بطريق الطعن بالتزوير.
5 - لما كان طلب المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود، بل كان المقصود به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة، يعد دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بإجابته أو الرد عليه، فإن النعي على المحكمة عدم إجراء معاينة للإحراز أو الفلك المشار إليه بأسباب الطعن، لا يكون له محل.
6 - من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات وأن من اطلاقاتها الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين في أي دور من أدوار - التحقيق، وإن عدل عنه بعد ذلك، متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع.

7 - إن الدفع بتعذر الرؤية وعدم الوجود على مسرح الحادث، يعد من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل من المحكمة رداً صريحاً، ما دام الرد مستفاداً ضمناً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
8 - إن تقدير أدلة الدعوى من اطلاقات محكمة الموضوع التي لها أن تكون عقيدتها من كافة عناصر الدعوى المطروحة أمامها على بساط البحث.
9 - لما كان الحكم قد أورد مؤدى المعاينة التي أجرتها المحكمة من إمكانية فتح المتهمين لمكان الحادث، فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم بعدم إيراد مضمون المعاينة، وكيفية الاستدلال منها على ثبوت الاتهام لا يكون له محل، لما هو مقرر من أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص محضر المعاينة بكامل أجزائه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم: في ليلة... شرعوا في سرقة المنقولات المبينة وصفاً وقيمة بالأوراق المملوكة لشركة... والتي كانت في حيازة توكيل دمنهور الملاحي حالة كون المتهمين الثلاثة الأول يحملون أسلحة ظاهرة "مدي" وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهم فيه هو ضبطهم والجريمة متلبس بها. وأحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. ومحكمة جنايات السويس قضت حضورياً عملاً بالمواد 45 و46 و316 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهمين (الطاعنين) بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة ثلاث سنوات والمصادرة.
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

من حيث إن المحكوم عليهم الثلاثة الأول، وإن قرروا بالطعن في الحكم بطريق النقض في الميعاد، إلا أنهم لم يقدموا أسباباً لطعنهم، ومن ثم يكون طعنهم غير مقبول شكلاً عملاً بالمادة 34/ 2 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر به القانون رقم 57 لسنة 1959، وقد استوفى الطعن الشكل المقرر في القانون للطاعنين الرابع والخامس.
ومن حيث إن الطاعنين الرابع والخامس ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة الشروع في السرقة مع آخرين يحملون أسلحة ظاهرة (مدي) قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن المدافع عن الطاعنين دفع بالاستحالة المطلقة لوقوع الجريمة لاستحالة البدء في التنفيذ، وطلب في سبيل تحقيق ذلك معاينة مكان الحادث وإحراز المضبوطات والفلك التي قيل باستخدامها في الحادث، بيد أن المحكمة وإن انتقلت إلى مكان الحادث لمعاينته إلا أنه عهدت فيه إلى ممثل النيابة بالصعود إليه لينقل إليها مناظرته، وهي لا تغني عن معاينتها بنفسها، ولم تعاين الإحراز ولا الفلك آنفة الذكر، وعولت على اعتراف المتهم الثاني (......) رغم بطلانه لعدوله عنه وإنكار الاتهام بجلسة المحاكمة، ولم تعرض لدفاعهما باستحالة الرؤية وعدم وجودهما على مسرح الحادث، هذا إلى أن الحكم لم يورد فحوى المعاينة ودلالتها وكيف استدل منها على ثبوت الجريمة قبلهما، وهو ما يعيبه ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بقوله "إن الوقائع تتحصل - حسبما يبين من مطالعة الأوراق - في أنه في ليلة.... شرع المتهمون.... و.... و.... و.... و.... و.... في سرقة المنقولات المبينة الوصف والقيمة في الدعوى، وهي مملوكة لشركة....، ويحوزها توكيل دمنهور الملاحي، وكان المتهمون الثلاثة الأول يحملون أسلحة حادة "مدي" إذ توجهوا إلى حوض السويس مستقلين لنشاً بحرياً، إلى ميناء الزيتيات السويسي، وبه تم ربط مركب صغير "فلوكة" واتجهوا إلى إحدى الحاويات بالبحر "صالة" وكانت محملة بالبضائع ثم صعد المتهمون إلى الحاوية، وإذ فتحت استخرجوا منها البضائع الموصوفة بالتحقيقات، وإذ ذاك داهم رجال الشرطة، المتهمين، فتم القبض على البعض ولاذ الآخرون - فراراً بالغطس في الماء والسباحة". ثم أورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة في حق الطاعنين والمتهمين الآخرين أدلة مستمدة من شهادة مأموري الضبط واعترف المتهم الثاني.... وهي أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ثم خلص الحكم إدانة الطاعنين والمتهمين الآخرين على أساس أن الواقعة شروع في سرقة وعاقبهم عليها بالمواد 45 و46 و316 من قانون العقوبات. وما انتهى إليه الحكم تتوافر به جريمة الشروع في السرقة كما هي معرفة به في القانون، ذلك بأن الطاعنين إذ قاما - مع المتهمين الآخرين - بالصعود إلى مكان الحادث وفتحه وإخراج بعض البضائع منه، فقد تجاوزا بذلك مرحلة التحضير ودخلا فعلاً في دور التنفيذ بخطوة من الخطوات المؤدية حالاً إلى ارتكاب جريمة السرقة التي اتفقا على ارتكابها مع المتهمين الآخرين، بحيث أصبح عدولهما بعد ذلك باختيارهما عن مقارفة تلك الجريمة، أمراً غير متوقع، ويكون ما ارتكباه سابقاً على واقعة الضبط، شروعاً في جناية معاقباً عليه. وإذ كان ذلك، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الجريمة لا تعد مستحيلة، إلا إذا لم يكن في الإمكان تحققها مطلقاً، كأن تكون الوسيلة التي استخدمت في ارتكابها غير صالحة البته للغرض الذي يقصده الفاعل، أما إذا كانت الوسيلة صالحة بطبيعتها ولكن الجريمة لم تتحقق بسبب ظروف خارجه عن إرادة الجاني، فإنه لا يصح القول بالاستحالة. ولما كان الحكم قد أثبت في حق الطاعنين - بما لا يماري في أن له أصله في الأوراق أنهما تمكنا مع المتهمين الآخرين - على السياق المتقدم - من الصعود إلى محل الحادث وفتحه وإخراج بعض محتوياته منه، ثم تم ضبط البعض منهم بينما تمكن البعض الآخر من الفرار، فإن منعى الطاعنين في هذا الصدد يكون على غير سند. لما كان ذلك، وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة المؤرخ..... أن المحكمة قامت بإجراء المعاينة على الطبيعة، فإن النعي عليها بما يخالف ما أثبت في محضرها على النحو الوارد في أسباب الطعن، لا يكون مقبولاً، لما هو مقرر عملاً بنص الفقرة الأخيرة من المادة 30 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، من أن الأصل اعتبار أن الإجراءات قد روعيت أثناء الدعوى، ما لم يثبت صاحب الشأن بكافة الطرق أن تلك الإجراءات قد أهملت أو خولفت، وذلك إذا لم تكن مذكورة في محضر الجلسة ولا في الحكم، فإذا ذكر في أحدهما أنها اتبعت فلا يجوز إثبات عدم اتباعها إلا بطريق الطعن بالتزوير. وهو ما لم يدع الطاعنان أنهما سلكاه، لما كان ذلك، وكان طلب المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود، بل كان المقصود به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة، يعد دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بإجابته أو الرد عليه، فإن النعي على المحكمة عدم إجراء معاينة للإحراز أو الفلك المشار إليه بأسباب الطعن، لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات وأن من اطلاقاتها الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين في أي دور من أدوار التحقيق، وإن عدل عنه بعد ذلك، متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع، فإن النعي على المحكمة بأنها عولت على اعتراف المتهم الثاني في التحقيقات رغم عدوله عنه وإنكاره الاتهام في المحاكمة، يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الدفع بتعذر الرؤية وعدم الوجود على مسرح الحادث، يعد من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل من المحكمة رداً صريحاً، ما دام الرد مستفاداً ضمناً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، وكان تقدير أدلة الدعوى من اطلاقات محكمة الموضوع التي لها أن تكون عقيدتها من كافة عناصر الدعوى المطروحة أمامها على بساط البحث، فإن ما ينعاه الطاعنان في هذا الشأن يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد مؤدى المعاينة التي أجرتها المحكمة من إمكانية فتح المتهمين لمكان الحادث، فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم بعدم إيراد مضمون المعاينة، وكيفية الاستدلال منها على ثبوت الاتهام لا يكون له محل، لما هو مقرر من أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص محضر المعاينة بكامل أجزائه. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.