أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 37 - صـ 943

جلسة 20 من نوفمبر سنة 1986

برياسة السيد المستشار: قيس الرأي عطية نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد نجيب صالح نائب رئيس المحكمة وعبد الوهاب الخياط وصلاح عطيه وعبد اللطيف أبو النيل.

(179)
الطعن رقم 4071 لسنة 56 القضائية

(1) إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". إثبات "شهود". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها". إعلان.
قيام المحاكمات الجنائية على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة في مواجهة المتهم وتسمع فيه الشهود سواء لإثبات التهمة أو لنفيها.
تحديد القانون إجراءات إعلان المتهم من يرى سماعهم من الشهود. لم يقصد به الإخلال بهذه الأسس.
(2) إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". إثبات "شهود".
على المحكمة إجابة طلب الدفاع سماع شهود الواقعة ولو لم يذكروا في قائمة شهود الإثبات وسواء أعلنهم المتهم أو لم يعلنهم. أساس ذلك؟
نقض الحكم بالنسبة لمن لم يطعن فيه. مناطه. وحدة الواقعة وحسن سير العدالة. المادة 42 من القانون رقم 57 لسنة 1959.
(3) قضاه "رد القضاه" "سقوط الحق في طلب الرد". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
رد القاضي عن الحكم في الدعوى حق شرع لمصلحة المتقاضين. لهم أن يباشروه أو يتنازلوا عنه.
طلب الرد وجوب تقديمه قبل أي دفع أو دفاع في الدعوى وإلا سقط الحق فيه. أساس ذلك وحد ذلك؟
1 - إن القانون حين رسم الطريق الذي يتبعه المتهم في إعلان الشهود الذين يرى مصلحته في سماعهم أمام محكمة الجنايات لم يقصد بذلك إلى الإخلال بالأسس الجوهرية للمحاكمات الجنائية والتي تقوم على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة بجلسة المحاكمة في مواجهة المتهم وتسمع فيه الشهود سواء لإثبات التهمة أو لنفيها ما دام سماعهم ممكناً ثم تجمع بين ما تستخلصه من شهادتهم وبين عناصر الاستدلال الأخرى في الدعوى المطروحة على بساط البحث لتكون من هذا المجموع عقيدتها في الدعوى.
2 - من المقرر أنه يتعين إجابة الدفاع إلى طلبه سماع شهود الواقعة ولو لم يرد لهم ذكر في قائمة شهود الإثبات أو يقيم المتهم بإعلانهم لا يعتبرون شهود نفي بمعنى الكلمة حتى يلتزم بإعلانهم، ولأن المحكمة هي الملاذ الأخير الذي يتعين أن ينفسح لتحقيق الواقعة وتقصيها على الوجه الصحيح غير مقيدة في ذلك بتصرف النيابة العامة فيما تبينه في قائمة شهود الإثبات أو تسقطه من أسماء الشهود الذين عاينوا الواقعة أو يمكن أن يكونوا عاينوها وإلا انتفت الجدية في المحاكمة وانغلق باب الدفاع في وجه طارقه بغير حق وهو ما تأباه العدالة أشد الإباء. وإذ كان يبين من الاطلاع على المفردات المضمومة أن الشاهد المطلوب سماع أقواله قرر في التحقيقات أن الطاعن وزميله اعترفا له بأنهما قتلا سيدة وسرقا ما معها من نقود فكه وإسورتين ذهبيتين وعرضا عليه بيعهما وأنه تمكن بعد عدة محاولات من بيع الذهب لأحد الصياغ وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه عول على هذه الأقوال إذ أثبت في بيانه لواقعة الدعوى أن المتهمين بعد أن أجهزا على المجني عليها سلما الشاهد المذكور المسروقات لبيعها فإن الواقعة التي تطلب سماع شهادة الشاهد عنها تكون متصلة بواقعة الدعوى ظاهرة التعلق بموضوعها ويكون سماعه لازماً للفصل فيها. لما كان ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه إذ لم يجب الدفاع إلى طلبه يكون معيباً بما يستوجب نقضه والإحالة بالنسبة للطاعنين طبقاً للمادة 42 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض لوحدة الواقعة ولحسن سير العدالة وذلك بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.
3 - إن رد القاضي عن الحكم في الدعوى هو حق شرع لمصلحة المتقاضين أنفسهم، لهم أن يباشروه أو يتنازلوا عنه ولذا نص المشرع في الفقرة الأولى من المادة 151 من قانون المرافعات على وجوب تقديم طلب الرد قبل تقديم أي دفع أو دفاع في الدعوى وإلا سقط الحق فيه اعتباراً من المشرع بأن التكلم في الموضوع أو إبداء أي دفع أو دفاع يتنافى حتماً مع طلب الرد لأنه ينطوي على رضاء بتولي القاضي الفصل في الدعوى، وهو ما يفترض بداهة أن يكون طالب الرد على علم بقيام سبب الرد بالقاضي بعد إبداء دفاعه فإنه يجوز له طلب الرد برغم إبداء دفعه أو دفاعه في الدعوى وهو ما نصت عليه صراحة المادة 152/ 1 من قانون المرافعات.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: قتلا عمداً... مع سبق الإصرار والترصد بأن عقدا العزم على قتلها وبيتا النية على ذلك وأعدا سلاحاً "سكين" حملاه وتوجها به إلى مسكن المجني عليها وما إن ظفرا بها حتى قام الأول بخنقها ثم طعنها بالسكين الذي أعداه لذلك ثم قام المتهم الثاني بطعنها بسكين أخرى ثم عاد المتهم الأول بطعنها بسكين ومقص وكم فاها بفوطة قاصدين من ذلك قتلها فأحدثا بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها. وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أنهما في الزمان والمكان سالفي الذكر سرقا مبلغ النقود والحلي الذهبية المبينة القدر والوصف والقيمة بالتحقيقات المملوكة للمجني عليها سالفة الذكر حالة كون المتهم الأول يحمل سلاحاً ظاهراً. وأحالتهما إلى محكمة جنايات الإسكندرية لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، وادعى.... مدنياً قبل المتهمين متضامنين بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت، وبجلسة... قررت المحكمة إرسال الأوراق إلى مفتي جمهورية مصر العربية لإبداء رأيه وحددت جلسة... للنطق بالحكم، وبتقرير أودع قلم كتاب محكمة استئناف الإسكندرية في... قدم والد المحكوم عليه الأول - بصفته وكيلاً عنه - طلبا برد هيئة المحكمة التي تنظر الجناية وذلك للأسباب المبينة به. وبجلسة... قضت محكمة جنايات الإسكندرية بالهيئة التي نيط بها نظر طلب الرد بسقوط الحق في طلب الرد وبتغريم طالب الرد مائة جنيه وبمصادرة الكفالة. وبجلسة... قضت محكمة جنايات الإسكندرية حضورياً وبإجماع آراء أعضائها عملاً بالمواد 316، 230، 231، 234/ 1، 2 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهمين بالإعدام وبإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعي بالحقوق المدنية مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض كما طعن المحكوم عليه الأول في الحكم الصادر في طلب الرد بطريق النقض... إلخ.
كما عرضت النيابة العامة القضية على المحكمة بمذكرة مشفوعة برأيها.


المحكمة

من حيث إن النيابة العامة عرضت القضية على هذه المحكمة طبقاً لما هو مقرر بالمادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض وقدمت مذكرة برأيها طلبت فيها إقرار الحكم الصادر بإعدام الطاعنين.
أولاً: عن الطعن في الحكم الصادر في الدعوى الأصلية:
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعنين قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن الأول على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه وآخر بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد التي اقترنت بجناية السرقة مع حمل سلاح ظاهر وقضى بإعدامهما قد انطوى على إخلال بحقه في الدفاع ذلك أن المدافع عن الطاعن تمسك بطلب سماع... باعتباره شاهد واقعة إذ أنه شهد باعتراف الطاعن والمتهم الآخر له بارتكاب الحادث وأن الأخير كلفه ببيع الإسورتين الذهبيتين المتحصلتين من الجريمة بيد أن المحكمة التفتت عن هذا الطلب وردت عليه بما لا يصلح رداً مما يعيب حكمها ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن استهل مرافعته بطلب سماع شهادة... باعتباره شاهد واقعة وبعد أن ترافع في الدعوى طلب في ختام مرافعته البراءة أصلياً واحتياطياً سماع الشاهد المذكور ومناقشته فيما أسند إليه في التحقيقات من أمور نسبها للطاعن، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه عرض لهذا الطلب ورد عليه بقوله: هذا وتلتفت المحكمة عن طلب محاميه الاحتياطي باستدعاء... لسماعه كشاهد في الدعوى ولمناقشته في الإقرار المقدم منه الذي ينفي فيه قيام الاتهام عن موكله المتهم الأول إذ هو بهذه المثابة يعتبر في مقام شاهد نفي وكان من المتعين عليه أن يسلك من جانبه الطريق الذي رسمه القانون في المواد 185، 186، 187 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى الشهود الذين يطلب من المحكمة سماعهم ولم تدرج النيابة العامة أسماءهم في قائمة الشهود فإذا ما أطرحت المحكمة هذا الطلب فإن ذلك منها لا يعد إخلالاً بحق الدفاع إذ أن لها في هذه الحالة السلطة في تقدير ما إذا كانت الدعوى بحاجة إلى سماع مثل هذا الشاهد أم لا فإطراحها لهذا الطلب فيه ما يفيد بذاته أنها رأت عدم حاجة الدعوى إلى سماعه فلا تثريب عليها إن هي فصلت في الدعوى دون سماع أقوال ذلك الشاهد". لما كان ذلك وكان القانون حين رسم الطريق الذي يتبعه المتهم في إعلان الشهود الذين يرى مصلحته في سماعهم أمام محكمة الجنايات لم يقصد بذلك إلى الإخلال بالأسس الجوهرية للمحاكمات الجنائية والتي تقوم على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة بجلسة المحاكمة في مواجهة المتهم وتسمع فيه الشهود سواء لإثبات التهمة أو لنفيها ما دام سماعهم ممكناً ثم تجمع بين ما تستخلصه من شهادتهم وبين عناصر الاستدلال الأخرى في الدعوى المطروحة على بساط البحث لتكون من هذا المجموع عقيدتها في الدعوى وكان من المقرر أنه يتعين إجابة الدفاع إلى طلبه سماع شهود الواقعة ولو لم يرد لهم ذكر في قائمة شهود الإثبات أو يقم المتهم بإعلانهم لأنهم لا يعتبرون شهود نفي بمعنى الكلمة حتى يلتزم بإعلانهم، ولأن المحكمة هي الملاذ الأخير الذي يتعين أن ينفسح لتحقيق الواقعة وتقصيها على الوجه الصحيح غير مقيدة في ذلك بتصرف النيابة العامة فيما تبينه في قائمة شهود الإثبات أو تسقطه من أسماء الشهود الذين عاينوا الواقعة أو يمكن أن يكونوا عاينوها وإلا انتفت الجدية في المحاكمة وانغلق باب الدفاع في وجه طارقه بغير حق وهو ما تأباه العدالة أشد الإباء. وإذ كان يبين من الاطلاع على المفردات المضمومة أن الشاهد المطلوب سماع أقواله قرر في التحقيقات أن الطاعن وزميله اعترفا له بأنهما قتلا سيدة وسرقا ما معها من نقود فكه وإسورتين ذهبيتين وعرضا عليه بيعهما وأنه تمكن بعد عدة محاولات من بيع الذهب لأحد الصياغ وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه عول على هذه الأقوال إذ أثبت في بيانه لواقعة الدعوى أن المتهمين بعد أن أجهزا على المجني عليها سلما الشاهد المذكور المسروقات لبيعها فإن الواقعة التي تطلب سماع شهادة الشاهد عنها تكون متصلة بواقعة الدعوى. ظاهرة التعلق بموضوعها ويكون سماعه لازماً للفصل فيها. لما كان ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه إذ لم يجب الدفاع إلى طلبه يكون معيباً بما يستوجب نقضه والإحالة بالنسبة للطاعنين طبقاً للمادة 42 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض لوحدة الواقعة ولحسن سير العدالة وذلك بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.
ثانياً: عن الطعن في الحكم الصادر في طلب الرد:
وحيث إنه وإن كان القضاء بنقض الحكم الصادر في القضية موضوع طلب الرد وإحالتها إلى محكمة جنايات الإسكندرية لتفصل فيها من جديد هيئة أخرى من شأنه أن يعتبر معه الطعن بالنقض في الحكم الصادر في طلب رد الهيئة التي أصدرت الحكم المشار إليه عديم الجدوى إلا أنه وقد قضى الحكم الأخير بتغريم الطاعن مائة جنيه ومصادرة الكفالة فإن مصلحة الطاعن في نظر هذا الطعن تكون قائمة - ويكون الطعن - وقد استوفى أوجه الشكل المقررة في القانون - مقبولاً شكلاً.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بسقوط الحق في طلب رد هيئة محكمة جنايات الإسكندرية - الدائرة الثانية - عن نظر الجناية رقم... قد أخطأ في تطبيق القانون ذلك بأنه رد على ما أثاره الطاعن في دفاعه من أنه لم يعلم بأسباب الرد إلا بعد مضي المواعيد المقررة وأنه يطلب تمكينه من إثبات ذلك إعمالاً لنص المادة 152 من قانون المرافعات، بما لا يتفق وصحيح القانون، مما يعيبه ويوجب نقضه.
وحيث إن البين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه بعد أن عرض لما أثاره الطاعن في هذا الشأن رد عليه في قوله: "هذا ولا ترى المحكمة قبول ما أبداه طالب الرد من أنه لم يعلم بسبب الرد إلا بعد أن صدر قرار المحكمة بجلسة... بإحالة الأوراق إلى فضيلة المفتي وتحديد جلسة... لاستكمال الإجراءات وأنه لهذا يطلب إثبات سبب الرد وتاريخ علمه به بكافة طرق الإثبات، وذلك أن المادة 152/ 1 من قانون المرافعات وإن كان قد نصت على جواز طلب الرد إذا حدثت أسبابه بعد المواعيد المقررة أو إذا أثبت طالب الرد أنه لم يعلم بها إلا بعد مضي تلك المواعيد فإن هذا الجواز إنما ينصب على المواعيد المشار إليها في الفقرة الثانية من المادة 151 من قانون المرافعات والمتعلقة بحالة رد القاضي المنتدب وهي الحالة التي تقررت بشأنها مواعيد - وأما حكم الفقرة الأولى من المادة المذكورة التي قررت سقوط الحق في طلب الرد فإنه لم يشر إلى أية مواعيد مقررة وهو بهذا لا يرتبط بالحكم الوارد في المادة 152 سالفة الذكر". لما كان ذلك وكان رد القاضي عن الحكم في الدعوى هو حق شرع لمصلحة المتقاضين أنفسهم، لهم أن يباشروه أو يتنازلوا عنه ولذا نص المشرع في الفقرة الأولى من المادة 151 من قانون المرافعات على وجوب تقديم طلب الرد قبل تقديم أي دفع أو دفاع في الدعوى وإلا سقط الحق فيه اعتباراً من المشرع بأن التكلم في الموضوع أو إبداء أي دفع أو دفاع يتنافى حتماً مع طلب الرد لأنه ينطوي على رضاء بتولي القاضي الفصل في الدعوى، وهو ما يفترض بداهة أن يكون طالب الرد على علم بقيام سبب الرد بالقاضي الذي يطلب رده. أما إذا حدثت أسباب الرد، أو إذا أثبت طالب الرد أنه لم يعلم بها إلا بعد إبداء دفاعه فإنه يجوز له طلب الرد برغم إبداء دفعه أو دفاعه في الدعوى وهو ما نصت عليه صراحة المادة 152/ 1 من قانون المرافعات. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. لما كان ذلك وكان الطعن بالنقض من الطاعن في الحكم الصادر في موضوع الدعوى الأصلية قد قضى فيه بنقض الحكم المطعون فيه والإحالة - على ما سلف بيانه - فإن القضاء بالإحالة في الطعن الماثل يكون عديم الجدوى ومن ثم يتعين القضاء بنقض الحكم المطعون فيه دون الإحالة.