أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 37 - صـ 950

جلسة 20 من نوفمبر سنة 1986

برياسة السيد المستشار: قيس الرأي عطية نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد نجيب صالح وعبد الوهاب الخياط وصلاح عطية وعبد اللطيف أبو النيل.

(180)
الطعن رقم 4074 لسنة 56 القضائية

(1) ضرب "أفضى إلى موت". أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفاع الشرعي هو استعمال القوة اللازمة لرد الاعتداء.
تقدير التناسب بين القوة وبين الاعتداء. موضوعي.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام النقض.
مثال: لتسبيب سائغ لحكم بالإدانة في جريمة ضرب أفضى إلى موت لتعدي الطاعن بنية سليمة حدود حق الدفاع الشرعي.
(2) ضرب "أفضى إلى موت". إثبات "بوجه عام" "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود. إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر.
عدم التزام المحكمة بسرد روايات الشاهد المتعددة حسبها أن تورد ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه.
(3) إثبات "شهود" "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفني. غير لازم. كفاية أن يكون جماع الدليل القولي - كما أخذت به المحكمة - غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
تحديد الأشخاص للمسافات. أمر تقديري. الخلاف فيه بين أقوال الشهود والتقرير الفني ليس من شأنه إهدار الشهادة متى اطمأنت إلى صحتها.
(4) إثبات "خبرة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام محكمة الموضوع بإجابة طلب استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته. ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر من جانبها حاجة إلى ذلك.
(5) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". ضرب "أفضى إلى موت". إثبات "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم إيراد الحكم نص تقرير الخبير بكامل أجزائه. لا يعيبه.
(6) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير. موضوعي.
(7) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
حق محكمة الموضوع في الجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره.
(8) دفوع "الدفع بنفي التهمة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
الدفع بنفي التهمة. موضوعي. لا يستوجب رداً صريحاً.
(9) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة التي صحت لديه على وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم. ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه.
الجدل الموضوعي في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى. غير جائز أمام النقض.
1 - لما كان من المقرر أن الدفاع الشرعي هو استعمال القوة اللازمة لرد الاعتداء وتقدير التناسب بين تلك القوة وبين الاعتداء الذي يهدد المدافع لتقرير ما إذا كان المدافع قد التزم حدود الدفاع الشرعي فلا جريمة فيما أتاه طبقاً لنص المادة 245 من قانون العقوبات أم أنه تعدى حدوده بنية سليمة فيعامل بمقتضى المادة 251 من هذا القانون. إنما هو من الأمور الموضوعية البحته التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها - وفق الوقائع المعروضة عليها - بغير معقب ما دامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق منطقياً مع المقدمات والوقائع التي أثبتتها في حكمها، وإذ كان ما أثبته الحكم فيما تقدم بيانه من أن الطاعن أخرج مسدسه من جيبه وأطلق عيارين ناريين على أفراد فريق المجني عليهما الذين كانوا يحملون العصي من شأنه أن يؤدي إلى ما ارتآه الحكم من أن الوسيلة التي سلكها الطاعن لرد الاعتداء الواقع على غيره من أفراد فريق المجني عليهما لم تكن لتناسب مع هذا الاعتداء بل أنها زادت عن الحد الضروري والقدر اللازم لرده فإن هذا حسب الحكم لاعتبار الطاعن قد تعدى بنية سليمة حدود حق الدفاع الشرعي ومن ثم فإن ما يعيبه الطاعن على الحكم من قصور وخطأ في تطبيق القانون لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً في تحصيل محكمة الموضوع فهم الواقع في الدعوى في حدود سلطتها التقديرية وفي ضوء الفهم الصحيح للقانون وهو ما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.
2 - لما كان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها، وإن محكمة الموضوع غير ملزمة بسرد روايات كل الشهود - إن تعددت - وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه وكان الثابت مما أورده الحكم أنه لم ينقل عن الشهود أن الطاعن تعمد إصابة المجني عليهما كما يذهب الطاعن بوجه نعيه ومن ثم فإن النعي على الحكم بهذا الوجه يكون غير سديد.
3 - من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي كما أخذت به المحكمة غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، هذا فضلاً عن أن تحديد الأشخاص للمسافات أمر تقديري وليس من شأن الخلاف فيه - بفرض قيامه - بين أقوال الشهود والتقرير الفني أن يهدر شهادة الشهود ما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى صحتها.
4 - لما كان من المقرر أن محكمة الموضوع لا تلتزم بإجابة طلب استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة لاتخاذ هذا الإجراء أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى وطالما أن استنادها إلى الرأي الذي انتهى إليه الخبير لا يجافي المنطق أو القانون، ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إن هي التفتت عن طلب دعوة الطبيب الشرعي لمناقشته في مسافة الإطلاق، طالما أنه غير منتج في نفي التهمة عنه ويكون النعي على الحكم بقالة الإخلال بحق الدفاع لهذا السبب غير مقبول.
5 - من المقرر أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراد نص تقرير الخبير بكامل أجزائه.
6 - إن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها وما دامت قد اطمأنت إلى ما جاء به فلا يجوز مصادرتها في ذلك؟
7 - إن لمحكمة الموضوع سلطة الجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها.
8 - إن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
9 - لما كان بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها ومن ثم فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: قتل... عمداً بأن أطلق صوبه عياراً نارياً من مسدسه المرخص قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أنه في الزمان والمكان سالفي الذكر شرع في قتل... عمداً بأن أطلق صوبه عياراً نارياً آخر من السلاح السالف قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو مداركة المجني عليه بالعلاج. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام. فقرر ذلك، ومحكمة جنايات الزقازيق قضت حضورياً عملاً بالمواد 236/ 1، 241، 245، 251 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 32/ 2 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة ثلاث سنوات باعتباره مرتكباً لجريمتي ضرب أفضى في إحداهما إلى موت المجني عليه الأول وفي الثانية إلى إصابة المجني عليه الثاني مدة تزيد على عشرين يوماً.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمتي ضرب - أفضى في إحداهما إلى الموت - قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في الإسناد والخطأ في تطبيق القانون وانطوى على الإخلال بحق الدفاع ذلك أن المحكمة في مقام تحصيل الواقعة قد استقر في عقيدتها أن الطاعن كان في حالة دفاع شرعي عن نفس غيره وهو ما ترشح له ظروف الواقعة وملابساتها بيد أنها ذهبت في صدد التطبيق القانوني إلى أن الطاعن تجاوز حق الدفاع الشرعي على سند من الفهم الخاطئ لمقتضيات حق الدفاع الشرعي كما عناها القانون وحجبها ذلك عن التقدير السليم لظروف الحادث والحالة التي كان عليها أطراف المشاجرة والثابت منها أن الغلبة كانت لفريق المجني عليهما، كما أغفلت الظروف الشخصية لدى الطاعن من حيث مسلكه بالنسبة للحادث ولم تدلل على ما خلصت إليه بما هو سائغ ومقبول وقد تساند الحكم في قضائه إلى أقوال الشهود وأحال في شأنها إلى شهادة بعضهم رغم اختلافها من حيث تصوير وقائع الاعتداء وترتيب الأحداث وقصد الطاعن تعمد إصابة المجني عليهما ولم يعن الحكم بإيراد مضمون التقرير الطبي الشرعي بوضوح رغم تناقضه مع الدليل القولي من حيث مسافة الإطلاق، ولم يجب الدفاع إلى طلبه باستدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته في هذا الأمر سيما وأن هناك احتمال لحدوث الإصابة بسلاح آخر جرى ضبطه في الحادث ولم يتحدث الحكم عما أورده التقرير الفني بشأنه خاصة وأن التقرير لم يقطع بأن الإصابات حدثت من جراء سلاح الطاعن بذاته ورد الحكم بما لا يصلح رداً مما يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الضرب المفضي إلى الموت التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ولها أصل ثابت في الأوراق عرض لما دفع به الطاعن من أنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفس الغير واستعرض المبادئ القانونية للدفاع الشرعي وانتهى إلى أن الطاعن كان في حالة دفاع شرعي عن نفس الغير ثم تحدث عن مناسبة فعل الاعتداء الذي وقع من الطاعن في قوله "وحيث إنه عن الدفع بأن المتهم كان في حالة دفاع شرعي عن نفس غيره فإنه من المقرر أنه يشترط لقيام حق الدفاع الشرعي أن يكون المتهم قد اعتقد على الأقل وجود خطر على نفسه أو ماله أو على غيره وأن يكون لهذا الاعتقاد أسباب معقولة ولما كانت أوراق الدعوى وظروفها ترشح لقيام هذا الحق مع تجاوز المتهم بنية سليمة أثناء استعماله إياه دون أن يكون قاصداً إحداث ضرر أشد مما يستلزمه هذا الدفاع ذلك أن الثابت من أقوال شهود الواقعة أن مشاجرة نشبت بين فريق المجني عليهما وبين فريق آخر وقد ظهر فيها فريق المجني عليهما بالتفوق في الاعتداء بالعصي على الفريق الآخر وعندما حضر المتهم ورأى المشاجرة على هذه الصورة أراد أن يدفع الاعتداء عن الفريق الآخر فأخرج مسدسه من جيبه وأطلق منه عيارين لم يقصد منهما قتلاً ولكن أحدهما أصاب المجني عليه... وأودى بحياته وأصاب الآخر... وقد شفى من إصابته دون تخلف عاهة لديه، على نحو ما ورد بالتقرير الطبي الشرعي ومؤدى ذلك أن المتهم عندما حضر إلى المشاجرة أحس بوجود خطر على حياة الفريق الآخر من اعتداء فريق المجني عليهما على ذلك الفريق بالعصي وأراد أن يدفع هذا الاعتداء عنه بما فعله بالوسيلة التي كانت في يده إلا أنه كان يتعين عليه ألا يستعمل مسدسه على نحو ما فعل بل كان الواجب عليه - في سبيل تحقيق الغرض الذي رمى إليه - أن يرتكب أي فعل من أفعال الضرب أو الجرح يكون أقل جسامة مما فعله، إذن فإنه حين ارتكب فعلته لا يكون معتدياً إلا بالقدر الذي تجاوز به حقه في الدفاع بارتكابه فعلاً من أفعال القوة أكثر مما كان له أن يفعل لرد الاعتداء، ومن ثم فإن المحكمة تعتبره معذوراً وتقضي عليه بعقوبة الحبس عملاً بالمادة 251 عقوبات". وانتهى الحكم من ذلك إلى أن هذا قد وقع من الطاعن بنية سليمة وطبق في حقه نص المادة 251 من قانون العقوبات، لما كان ذلك وكان من المقرر أن الدفاع الشرعي هو استعمال القوة اللازمة لرد الاعتداء وتقدير التناسب بين تلك القوة وبين الاعتداء الذي يهدد المدافع لتقرير ما إذا كان المدافع قد التزم حدود الدفاع الشرعي فلا جريمة فيما أتاه طبقاً لنص المادة 245 من قانون العقوبات أم أنه تعدى حدوده بينة سليمة فيعامل بمقتضى المادة 251 من هذا القانون. إنما هو من الأمور الموضوعية البحته التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها - وفق الوقائع المعروضة عليها - بغير معقب ما دامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق منطقياً مع المقدمات والوقائع التي أثبتها في حكمها، وإذ كان ما أثبته الحكم فيما تقدم بيانه من أن الطاعن أخرج مسدسه من جيبه وأطلق عيارين ناريين على أفراد فريق المجني عليهما الذين كانوا يحملون العصي من شأنه أن يؤدي إلى ما ارتآه الحكم من أن الوسيلة التي سلكها الطاعن لرد الاعتداء الواقع على غيره من أفراد فريق المجني عليهما لم تكن لتناسب مع هذا الاعتداء بل إنها زادت عن الحد الضروري والقدر اللازم لرده فإن هذا حسب الحكم لاعتبار الطاعن قد تعدى بنية سليمة حدود حق الدفاع الشرعي ومن ثم فإن ما يعيبه الطاعن على الحكم من قصور وخطأ في تطبيق القانون لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً في تحصيل محكمة الموضوع فهم الواقع في الدعوى في حدود سلطتها التقديرية وفي ضوء الفهم الصحيح للقانون وهو ما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض، لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها، وأن محكمة الموضوع غير ملزمة بسرد روايات كل الشهود - إن تعددت - وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه وكان الثابت مما أورده الحكم أنه لم ينقل عن الشهود أن الطاعن تعمد إصابة المجني عليهما كما يذهب الطاعن بوجه نعيه ومن ثم فإن النعي على الحكم بهذا الوجه يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن من تعارض بين الدليلين القولي والفني وأطرحه في منطق سائغ بقوله "وحيث إنه عما أثاره الدفاع من تناقض الدليل القولي مع الدليل الفني فمردود عليه بأن هذا التناقض - على فرض وجوده - لا يستعصى على الملاءمة والتوفيق وذلك أن البين من مجموع أقوال الشهود أن المشاجرة كانت متعددة الأطراف واستعمل فيها العصي وعندما حضر المتهم لم يكن في حسبان أحد منهم أنه سوف يستعمل سلاحه الناري فإذا به يستعمله فإن تقدير الشهود لمسافة الإطلاق في هذا الوقت وفي تلك الظروف على نحو ما سبق يكون ملاءماً لمن كان في ظروفهم" وكان ما أورده الحكم من الدليل القولي لا يتناقض مع الدليل الفني، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي كما أخذت به المحكمة غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، هذا فضلاً عن أن تحدد الأشخاص للمسافات أمر تقديري وليس من شأن الخلاف فيه - بفرض قيامه - بين أقوال الشهود والتقرير الفني أن يهدر شهادة الشهود ما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى صحتها ومن ثم بات ما يثيره الطاعن في هذا الشأن غير سديد، لما كان ذلك وكان الحكم قد عرض لطلب استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته في مسافة إطلاق الأعيرة النارية ورد عليه بقوله "فلما كانت المحكمة قد اقتنعت من أقوال شهود الواقعة واطمأن وجدانها إلى أن المتهم قد حضر إلى مسرح الحادث وأوجد نفسه في مكان المشاجرة التي حدثت في وضح النهار واستعمل سلاحه فيها على نحو ما تقدم فإنها تلتفت عن هذا الطلب". وكان من المقرر أن محكمة الموضوع لا تلتزم بإجابة طلب استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة لاتخاذ هذا الإجراء أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى وطالما أن استنادها إلى الرأي الذي انتهى إليه الخبير لا يجافي المنطق أو القانون، ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إن هي التفتت عن طلب دعوة الطبيب الشرعي لمناقشته في مسافة الإطلاق، طالما أنه غير منتج في نفي التهمة عنه ويكون النعي على الحكم بقالة الإخلال بحق الدفاع لهذا السبب غير مقبول، لما كان ذلك وكان الحكم قد أورد مؤدى التقرير الطبي الشرعي وتقرير الصفة التشريحية وأبرز ما جاء بهما من أن إصابة المجني عليه... من عيار ناري بمقذوف مفرد أصاب أعلى يسار العنق من مسافة أقل من نصف متر وتعزى الوفاة إلى ما أحدثه المقذوف من كسور بعظام الرأس وتهتك ونزيف بالمخ، وأن إصابة المجني عليه... من عيار ناري واحد معمر بمقذوف رصاص مفرد وأصاب وحشيه أعلى مقدم العضد الأيمن والأمام للخلف واليسار ونفذ المقذوف من خلفية الكتف الأيمن وأن مسافة الإطلاق تقدر بأكثر من حوالي نصف متر وقد تكون مترين ونصف، وأن السلاح المضبوط لدى المتهم عبارة عن طبنجة أوتوماتيكية بماسورة مششخنة عيار 9 مم وصالحة للاستعمال وسبق إطلاقها في تاريخ قد يتفق وتاريخ الحادث ولا يوجد ما ينفي احتمال إصابة المجني عليهما من مثلها حسبما قرره الشهود في التحقيقات، فإن ما ينعاه الطاعن بعدم إيراد مضمون التقرير الطبي الشرعي وتقرير الصفة التشريحية وفحص السلاح كاملاً لا يكون له محل لما هو مقرر من أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراد نص تقرير الخبير بكامل أجزائه. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لما أبداه المدافع عن الطاعن من أن التقرير الفني لم يقطع بإصابة المجني عليهما من مسدس الطاعن ورد عليه في قوله "أن السلاح الآخر الذي ضبط هو فرد صناعة محلية بروح واحدة وله ماسورة غير مششخنة عيار 7.6 مم وهو يختلف عن الطبنجة المضبوطة مع المتهم من حيث الماسورة والعيار وقد أشار التقرير الفني إلى احتمال حصول إصابات المجني عليهما من مثل الطبنجة المضبوطة ولم يشر التقرير إلى إمكان حصولها من السلاح الآخر المضبوط، الأمر الذي ترى معه المحكمة أن السلاح المضبوط مع المتهم هو الذي استعمل في الحادث". لما كان ذلك وكان لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها وما دامت قد اطمأنت إلى ما جاء به فلا يجوز مصادرتها في ذلك، ولا يؤثر في ذلك ما يثيره الطاعن من أن الطبيب الشرعي قد أجاز حدوث الإصابات من مثل سلاح الطاعن ذلك أن لمحكمة الموضوع سلطة الجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره، لما كان ذلك وكان النعي بالتفات الحكم عن دفاع الطاعن من أنه لم يرتكب الحادث وأنه لم يتعمد إصابة المجني عليهما مردوداً بأن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، هذا إلى أنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات -دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها ومن ثم فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض ومن ثم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.